مصير قاتم ينتظر المهاجرين عبر البحر المتوسط مع اقتراب اليمينية المتطرفة جورجيا ميلوني من تولي حكم إيطاليا، حيث يتوقع أن تكون سياسة ميلوني مع الهجرة غير إنسانية ومثيرة للمشاكل حتى مع الدول الأوروبية الأخرى.
ولم تتوقف جورجيا ميلوني عن انتقاد سياسات الهجرة الإيطالية منذ سنوات، فكانت تصفها بالمتساهلة، وأنها "ستحول إيطاليا إلى مخيم لاجئين لأوروبا".
معجبة بموسوليني وتترأس حزباً خرج من أنقاض الفاشية
وأحدث تحالف اليمين المتطرف مع القوى المحافظة في إيطاليا زلزالاً سياسياً في أوروبا، وذلك بعد فوزه في النتائج التشريعية وفقاً للنتائج الأولية.
وبرز حزب إخوة إيطاليا الذي تقوده جورجيا ميلوني من انقسام يميني داخل حزب سيلفيو برلسكوني، وتعود جذوره إلى ما يعرف بالفاشية الجديدة. وبعد أن بقي في صفوف المعارضة في كل الحكومات المتعاقبة منذ الانتخابات التشريعية في 2018، فرَضَ اليوم نفسه بديلاً رئيسياً، وانتقلت حصته من الأصوات من 4.3% قبل أربع سنوات إلى نحو ربع الأصوات (بين 22 و26%)، وفق استطلاعات الخروج من مكاتب الاقتراع الأحد، ليُصبح بذلك الحزب المتصدر في البلاد.
وتأسس حزب ميلوني في عام 2012 خلفاً للتحالف الوطني، الذي نشأ من أنقاض الحركة الاجتماعية الإيطالية 1946-1995 التي شكلها أعضاء الحزب الوطني الفاشي الذي كان يتزعمه الديكتاتور الإيطالي بينيتو موسوليني.
ولم تخف ميلوني الإعجاب بموسوليني، في السابق، خاصة في سنوات الشباب؛ حيث اعتبرت عندما كانت في الـ19 من العمر أن الديكتاتور بينيتو موسوليني كان "سياسياً جيداً".
لكنها أدركت مع مرور السنوات أنه لا يمكن لها أن توسع قواعدها الانتخابية مع البقاء سجينة الفكر الفاشي. وعملت على طمأنة المعتدلين للتمكن من الفوز. وقالت في مقابلة مع مجلة "ذي سبكتيتور" البريطانية قبل فترة قصيرة: "لو كنت فاشية لقلت ذلك".
إلا أن ذلك لم يمنعها حتى اليوم من الإقرار بأن موسوليني "أنجز الكثير"، رغم أنه ارتكب "أخطاء" منها القوانين المناهضة لليهود ودخول الحرب. وفي الوقت نفسه، تشدد على أنه "لا مكان للأشخاص الذين يحنون إلى الفاشية والعنصرية ومعاداة السامية" في صفوف تنظيمها السياسي، لدفع تهم العنصرية والنازية عن حزبها.
وبصفة عامة بينما تنفي ميلوني أي صلة بأفكار موسوليني، لكنها تحرص على عدم إدانة حكمه، حسبما ورد في تقرير لموقع France24.
والآن بعد أن أصبحت قاب قوسين أو أدنى من تولي رئاسة وزراء إيطاليا، أصبحت الهجرة واحداً من المجالات التي بإمكان ميلوني إجراء تغييرات شاملة فيها، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية.
سياسة ميلوني مع الهجرة قد تشمل منع سفن إنقاذ الغرقى
وقالت ميلوني، زعيمة حزب إخوان إيطاليا اليميني المتطرف، مطلع هذا الشهر في مقابلة مع صحيفة The Washington Post: "الأسلوب الذكي للتعامل مع الهجرة يقوم على مبدأ: ستدخل منزلي وفق القواعد التي أضعها أنا".
وأفكارها في المجمل، ستضيق فسحة المرور إلى إحدى أكثر الوجهات شيوعاً في الاتحاد الأوروبي للمهاجرين غير الشرعيين.
فمحاولات منع سفن الإنقاذ الإنسانية من الرسو في الموانئ الإيطالية قد ينشأ عنها تحديات قانونية. فإذا أغلقت ميلوني الطرق المؤدية إلى إيطاليا، فيحتمل أن يزداد حجم العبور إلى الدول الأخرى المطلة على البحر المتوسط الأخرى مثل إسبانيا، وهو ما حدث قبل ثلاث سنوات حين تولت قيادة إيطاليا حكومة شعبوية مناهضة للهجرة لفترة وجيزة.
يقول أندرو غيديس، مدير مركز سياسة الهجرة في معهد الجامعة الأوروبية في فلورنسا: "يمكنك اتخاذ إجراءات سريعة نسبياً بخصوص الهجرة، إجراءات شديدة القسوة ورمزية وتبعث رسالة واضحة: (نحن هنا، ونفعل شيئاً) ولكن ثمة مشكلة، وهي أنك حين تغلق المعابر وتحول مسارها إلى مكان آخر، فستحيي صراعاً قديماً مع الاتحاد الأوروبي".
وأشارت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إلى أن لدى الاتحاد الأوروبي "أدوات" لمعاقبة الدول الأعضاء التي تنتهك سيادة القانون وقيمه المشتركة.
وقالت ميلوني وحزبان آخران في تحالفها في بيان مشترك إنهم يرغبون في منع سفن الإنقاذ من الرسو على الموانئ الإيطالية لوقف "تهريب البشر" من إفريقيا. وهذه الخطوة بمثابة عودة إلى فترة عامي 2018 و2019، حين هيمن على السياسة الإيطالية وزير الداخلية آنذاك ماتيو سالفيني، الذي تعهد بوقف "الغزو".
كانت الخطوة الأولى التي اتخذها سالفيني هي إغلاق الموانئ أمام عدد كبير من المنظمات غير الحكومية التي تبحر حول البحر المتوسط وتحاول إنقاذ المهاجرين من قواربهم المتهالكة. ونتج عن خطوته مواجهات خطيرة، فلم تجد القوارب التي تحمل مئات المهاجرين على متنها مكاناً لترسو فيه، وكانت تقضي أسابيع في البحر أحياناً، فيما كانت الدول الأوروبية تتفاوض على كيفية تقسيم الركاب.
وتقول ماتيا ويهي، المتحدثة باسم منظمة سي-ووتش ومقرها برلين، وهي إحدى المنظمات غير الحكومية التي تتولى أعمال الإنقاذ: "نعلم أن الوضع سيزداد صعوبة وشدة مرة أخرى"، وقالت ويهي إن منظمتها اشترت سفينة إنقاذ جديدة لمواجهة الموقف.
تطالب بفرض حصار على البحر المتوسط
سياسة ميلوني مع الهجرة تحاول على ما يبدو مداعبة الماضي الفاشي لإيطاليا بعبارات ذات طبيعة عسكرية للتصدي لما تصفه بغزو المهاجرين.
فلقد طالبت ميلوني غير مرة أيضاً بفرض "حصار بحري" على البحر المتوسط.
ويعني هذا الحصار المقترح أن الأساطيل الأوروبية سوف تراقب أي حركة للسفن من الدول العربية الموجودة على الضفتين الجنوبية والشرقية للبحر المتوسط، وقد يصبح أداة لفرض قيود على حركة السفن بصفة عامة من الدول العربية.
ولكن قال متحدث باسم ميلوني يوم الإثنين 26 سبتمبر/أيلول إن هذه الخطوة لا يمكن أن تتم إلا بقيادة أوروبية وبالتعاون مع دول شمال إفريقيا.
وسبق أن أبدت ميلوني معارضتها لسياسة رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي وسياسات دول المغرب العربي، التي قالت إنها جعلت "جزءاً من شعوبها تستسلم للسراب الأوروبي".
وتعتزم ميلوني إنشاء ما سمّته "مهمة عسكرية أوروبية" لمواجهة موجات الهجرة غير الشرعية إلى إيطاليا، وذلك بالتنسيق مع السلطات الليبية، حسب مجلة Le Piont الفرنسية.
ولكن يبدو من خطاب ميلوني أنها تحاول قد تحاول التعاون مع الدول العربية لمنع قدوم المهاجرين خاصة ليبيا، علماً بأن الأخيرة تعدد ممراً للهجرة أكثر منها مصدراً لها.
وقالت ميلوني في مقابلتها مع The Washington Post: "من الضروري تنظيم تدفق المهاجرين، لأن الدول لا توجد إلا إذا وجدت حدود، وتمت حماية هذه الحدود". وقالت إن المسارات القانونية التي منحتها إيطاليا للمهاجرين محدودة، وهذا أدى إلى هيمنة "المهربين" و"تجار العبيد" عليها.
وأضافت: "هل هذا أسلوب ذكي؟ لا. السماح بدخول مئات الآلاف من الأشخاص، والسماح لهم بتعاطي وتهريب المخدرات أو إجبارهم على ممارسة الدعارة ليس بطولة".
..وإقامة ما يشبه مراكز احتجاز في الدول العربية المتوسطية
واقترحت أن تؤسس إيطاليا بالتعاون مع أوروبا ما يسمى بالنقاط الساخنة خارج الاتحاد الأوروبي (تقصد الدول العربية المتوسطية على الأرجح)، لمراجعة طلبات طالبي اللجوء واللاجئين، ومنح تصريح المرور لمن تمت الموافقة على طلباتهم فقط.
وكثيراً ما ناقش الساسة من اليسار واليمين هذه الأفكار، لكن العقبات متعددة: فدول قليلة جداً قد ترغب في استضافة هذه المراكز، وإمكانية وقوع انتهاكات حقوقية مرتفعة. فبريطانيا تبنت خطة لإرسال طالبي اللجوء إلى رواندا، لكن خطتها تواجه مشكلات قانونية.
وأثيرت انتقادات حقوقية حادة عديدة لمراكز احتجاز مماثلة أقيمت في ليبيا بالتعاون مع بعض الدول الأوروبية لا سيما إيطاليا، ويعتقد أنها قد وقعت بها انتهاكات كثيرة.
تقول روسيلا ميتشيو، رئيسة منظمة Emergency الإيطالية غير الحكومية التي تخطط لبدء مهمة بحث وإنقاذ في البحر المتوسط الشهر المقبل، إن "السياسة الإيطالية تتجاهل أولوية حقوق الإنسان".
وقالت إنها ترى أن الوضع سيزداد تدهوراً، وقالت: "نحن بصراحة قلقون جداً، لا على نشاطنا، ولكن على حياة الناس في البحر الذين يحتاجون إلى الإنقاذ وليس عرقلة طريقهم وإعادتهم".