مع حلول ذكرى اتفاقات أبراهام الثانية الأسبوع الماضي، تثار تساؤلات في إسرائيل حول نتائج التطبيع وهل حققت الاتفاقات لإسرائيل أهدافها مثل إضعاف القضية الفلسطينية أو اختراق الرأي العام العربي؟
جرى إبرام هذه الاتفاقات في البيت الأبيض بدفع من إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وحملت اتفاقات أبراهام إشارات متزايدة على تجاوزها للقضية الفلسطينية، الأمر الذي أثار جدواها حتى لدى الإسرائيليين، حسبما ورد في مقال بمجلة Foreign Policy الأمريكية، كتبه بن لينفيلد، مراسل الشؤون العربية السابق لدى صحيفة The Jerusalem Post الإسرائيلية.
ومهَّدت الاتفاقات– التي وُقِّعَت في البيت الأبيض في 15 سبتمبر/أيلول 2020 بين إسرائيل والإمارات والبحرين ثم إنضمت المغرب لاحقاً- الطريق أمام ظهور العلاقات السرية لإسرائيل ببعض الدول العربية إلى العلن وازدهارها، ووضعت حداً لحالة النبذ الإسرائيلي شبه الكاملة في العالم العربي. وساعدت الاتفاقات في تعزيز ما تعتبره إسرائيل مكانتها كقوة إقليمية وازنة، من خلال فتح الباب أمام تحسين العلاقات مع بعض الدول العربية.
إليك أبرز مكاسب إسرائيل من اتفاقات أبراهام
كانت هناك بعض المكاسب الرئيسية لإسرائيل من الاتفاقات. إذ وُقِّع اتفاق للتجارة الحرة مع الإمارات هذا العام، 2022، ما يُمهِّد الطريق أمام ما يتوقع المسؤولون أن تكون 10 مليارات دولار من التجارة الثنائية في غضون خمس سنوات. ووقَّع البلدان اتفاقات في مجالات مختلفة، بما في ذلك الطب والاستثمارات الثنائية والسفر إلى الفضاء.
وكانت هناك أيضاً أشياء على المستوى الرمزي. إذ وضع وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد آل نهيان، خلال زيارته للقدس في 15 سبتمبر/أيلول احتفالاً بالذكرى السنوية، إكليلاً من الزهور عند المركز العالمي لإحياء ذكرى المحرقة اليهودية (الهولوكوست)، وتحدث عن الحاجة للتسامح.
وشهد العام الثاني من اتفاقات أبراهام بدايات ما يُسمِّيه المسؤولون الإسرائيليون "هيكلاً إقليمياً" يهدف إلى حد كبير لمواجهة إيران. فأظهرت قمة عُقِدَت في إسرائيل في مارس/آذار الماضي مدى تحسُّن موقف إسرائيل الاستراتيجي، إذ جمعت وزراء خارجية إسرائيل والإمارات والبحرين ومصر والمغرب والولايات المتحدة. وحتى تركيا حسَّنت علاقتها الفاترة مع إسرائيل عقب الاتفاقات.
لكنها تفقد بريقها في أعين الإسرائيليين بفضل مقاومة الفلسطينيين
غير أنه بعد مرور عامين، تفقد الاتفاقات بريقها لأنَّ احتدام الصراع مع الفلسطينيين يطغى على الاتفاقات داخل إسرائيل. فآنذاك، أشاد رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها بنيامين نتنياهو بالاتفاقات باعتبارها تُمثِّل اختراقاً؛ لأنَّها فصلت التطبيع مع الدول العربية عن أي سلام إسرائيلي مع الفلسطينيين. لكن ما بدا أنَّه اختراق حينها يبدو الآن أكبر نقيصة في الاتفاقات.
فبعد حربين في غزة وفي ظل عدم الاستقرار في الضفة الغربية، تحدد المداهمات العسكرية الإسرائيلية التي يُقَال إنَّها تستهدف إحباط الهجمات الفلسطينية، إلى حد كبير جدول أعمال إسرائيل.
فلقد أفادت صحيفة Haaretz الإسرائيلية، الأسبوع الماضي، أنَّ عدد الضحايا الفلسطينيين في الضفة الغربية عام 2022 بلغ بالفعل أعلى حصيلة له خلال سبع سنوات، وأنَّ الهجمات على أهداف إسرائيلية أيضاً زادت بشدة. وقُتِلَ الرائد الإسرائيلي بار فلاح الأربعاء الماضي، عشية الذكرى السنوية لاتفاقات أبراهام على يد مسلحين فلسطينيين كجزء من التصاعد الحالي للمقاومة، وقتلت القوات الإسرائيلية المسلحين لاحقاً. وأردت القوات الإسرائيلية في اليوم التالي فلسطينياً يبلغ من العمر 17 عاماً، هو عدي صلاح، خلال ما قال الجيش الإسرائيلي إنَّها مصادمات مسلحة.
ربما تكون اتفاقات أبراهام قد رفعت مكانة إسرائيل الإقليمية، لكنَّ ذلك لم يُترجَم إلى تقدم في ما يتعلَّق بالمشكلة الأقرب. إذ قال ألون ليل، المدير العام السابق لوزارة الخارجية الإسرائيلية: "في ظل القدرات الدبلوماسية غير المسبوقة، كان يمكن لإسرائيل أن تقول (دعونا نكن كرماء مع الفلسطينيين)، لكنَّها قالت بدلاً من ذلك (يمكننا أن نفعل أياً كان ما يناسبنا)".
فهم قلقون بشأن الهجمات الفلسطينية أكثر من تحمُّسهم للسياحة بالدول العربية
وبدا أنَّ رئيس الوزراء الإسرائيلي، يائير لابيد، يعترف بتلك المسؤوليات. فقال في تصريحاته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الخميس الماضي، 22 سبتمبر/أيلول: "إنَّ التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين بشأن دولتين لشعبين هو الأمر المناسب لأمن واقتصاد إسرائيل ومستقبل أبنائنا". في المقابل، انتقد نتنياهو، الذي يأمل في الإطاحة بلابيد في الانتخابات التي تجري بعد 5 أسابيع من الآن، لابيد، قائلاً إنَّ تصريحاته ستعيد توجيه تركيز العالم إلى الفلسطينيين.
وبدلاً من المزيد من الانفتاح على العرب بعد الاتفاقات، تتزايد الشوفينية الإسرائيلية، ويتحول ساسة اليمين المتطرف الذين يدعون لطرد العرب ليصبحوا ممثلين للتيار السائد.
كما أن الكثير من اليهود الإسرائيليين لا يزالون متوترين. فهم في العموم قلقون بشأن تنبؤ المسؤولين الأمنيين بتصاعد محاولات الهجوم الفلسطينية خلال العطلات اليهودية المقبلة أكثر من تحمُّسهم لقدرتهم على الطيران مباشرةً إلى المغرب، حسب تعبيره.
وقال تامار فايس، وهو روائي ساهم في تحرير مجموعة مختارات أدبية يهودية-عربية: "في النهاية، لا توجد اختلاف مقارنةً بما قبل الاتفاقات. يزداد الأمل دوماً حين يكون هنالك تغيير. لكن حتى الآن، لم تتغير الأمور. كل ما تبقَّى هو الأمل. في الوقت نفسه، لم يتغير أي شيء في نهجنا تجاه الفلسطينيين. لم يتغير شيء. في رأيي، شعور المرء في الشارع هو أنَّ الأوضاع هي نفسها".
الاتفاقات عززت تهميش فرص حل القضية الفلسطينية
لقد سمح الفصل المتعمد للقضية الفلسطينية عن اتفاقات أبراهام لإسرائيل عملياً بأن تضعف احتمالات تسوية الدولتين على الأرض. فالمستوطنات الإسرائيلية تتنامى، وتدين المجموعات الحقوقية "زيادة الضغوط لنقل الفلسطينيين من أراضيهم حتى يمكن مصادرتها".
ويمكن رؤية الطبيعة ذات الوجهين للاتفاقات وإرثها في شخص وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس.
فخارج إسرائيل، يسافر الرجل إلى المنطقة ليبرم اتفاقات أمنية مع شركاء التطبيع، في حين أنَّه حظر في الداخل منظمات مجتمع مدني فلسطينية، مجادلاً بأنَّها منظمات إرهابية.
الشعب الإماراتي غير متحمس لها وتدفق ضئيل للسياحة على إسرائيل من الدول المطبعة
كما أنَّ الاتفاقات لم تؤدِّ بالضبط إلى انفراط عقد العالم العربي. إذ أظهر مسح حديث أجراه معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى أنَّ 26% فقط من الإماراتيين يرون آثاراً إقليمية إيجابية لاتفاقات أبراهام. وبالنسبة لجانب "التواصل الشعبي" الذي يجري التباهي به كثيراً في الاتفاقات، فإنَّه لم يتحقق إلى حد بعيد. فمع أنَّ المسؤولين الإسرائيليين يقولون إنَّ عشرات الآلاف من الإسرائيليين يسافرون إلى دبي شهرياً، لا يرد الإماراتيون الزيارة. ووفقاً لأرقام أوردتها صحيفة Haaretz الإسرائيلية الأسبوع الماضي، زار 3600 سائح فقط من الإمارات والبحرين والمغرب إسرائيل منذ مارس/آذار الماضي.
يُرجَّح أن يكون السبب في ذلك جزئياً صورة إسرائيل المتنامية باعتبارها مكاناً معادياً للعرب. في الواقع، ربما يكون للصورة الإسرائيلية السلبية كذلك علاقة باستمرار رفض السعودية التطبيع الكامل وتبنّي اتفاقات أبراهام.
وبالنسبة للفلسطينيين أنفسهم، لم تعنِ الاتفاقات تغييراً يُذكَر (وفي الأغلب يرونها شديدة السلبية). فقال غسان الخطيب، وزير التخطيط السابق في السلطة الفلسطينية: "باتت إسرائيل اليوم تهديداً أكبر (للفلسطينيين) مقارنةً بما كان قبل عامين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة أعوام، ليس بسبب اتفاقات أبراهام، بل بسبب التغييرات الداخلية في إسرائيل التي تجعلها أكثر يمينية. تتحرك التركيبة الداخلية في إسرائيل أكثر فأكثر باتجاه إنكار حقوق الفلسطينيين".
وما لم، وإلى أن، يعيد شركاء إسرائيل الدوليون الجدد المسألة الفلسطينية إلى الصدارة، فإنَّ الصلة بين التطبيع والسلام الحقيقي على الأرجح ستظل ضعيفة في أحسن الأحوال.