وفق خطة جديدة تنتهجها الحكومة على غرار خصخصة التعليم الأساسي في مصر، كما حدث في الجامعات الأهلية التي أنشأتها للهدف ذاته، قام وزير التربية والتعليم الجديد، رضا حجازي، بافتتاح أولى مدارس مشروع "مدارس مصر المتميزة".
كنا قد نشرنا تقريراً أشرنا فيه إلى أعداد المدارس وملامح المشروع الحكومي الجديد والخطة المفترضة بين الحكومة ورجال الأعمال لإنشاء المدارس الجديدة، التي تقدم فيها الدولة الأراضي للمستثمرين مقابل حق الانتفاع من المدارس المزمع إنشاؤها.
لكن خطة الحكومة لم تكن وليدة تولي الوزير الجديد، فقد سبقتها خطوات تمهيدية نشير إلى أبرزها.
اتجهت وزارة التربية والتعليم منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي السلطة قبل 8 سنوات للتوسع في إنشاء مدارس حكومية بمصروفات، بالشراكة مع جهات مانحة وهيئات خاصة، وهو ما أسفر عن وجود المدارس اليابانية التي تضاهي مصروفاتها المدارس الخاصة، وتصل إلى 15 ألف جنيه سنوياً، في حين أنها مقدمة بمنحة يابانية لتطوير التعليم.
تتبع خطوة المدارس المقدمة بمنح من دول خارجية، مدارس دولية أخرى مثل مدارس النيل الدولية وتدرس مناهج دولية، وتصل مصروفاتها أيضًا إلى 15 ألف جنيه، بالإضافة إلى المدارس الحكومية الدولية، وكذلك المدارس التكنولوجية التطبيقية، وجميعها بمصروفات دراسية تحت إدارة وإشراف الحكومة.
تجاهل لمدارس الحكومة..
ويشير أحد أعضاء نقابة المعلمين المصرية إلى أن هناك سياسة من الحكومة المصرية في التمادي بتجاهل المدارس المجانية، ويشير المصدر إلى أن هذه السياسة قد تنذر بكارثة خلال العامين المقبلين؛ لأن هناك أكثر من 2000 مبنى مدرسي آيل للسقوط، وهناك مبانٍ أخرى تحاصرها القمامة ومياه الصرف الصحي ولا يتوفر بها الحد الأدنى من الخدمات المطلوبة لانتظام اليوم الدراسي.
وبدلاً من أن تبحث عن حلول عاجلة لتلك المباني تتجه للتعاون مع القطاع الخاص لتحقيق مكاسب مادية، ودون أن يكون لديها رقابة على المخصصات المالية التي تذهب لهيئة الأبنية التعليمية، وفي أحيان كثيرة يتم استرجاع ما يتبقى منها إلى خزانة وزارة المالية المصرية وتفويت الفرصة لصرفها على تطوير المباني المتهالكة، بحسب ما يؤكد المصدر ذاته.
وبحسب تقارير صادرة عن وزارة التربية والتعليم خلال العام 2018، يصل عدد المدارس الآيلة للسقوط إلى أكثر من 1200 مدرسة في عدد من المحافظات، على رأسها محافظة الجيزة، تليها محافظة القاهرة، ثم محافظة الإسكندرية، ثم محافظة القليوبية.
ويضيف المصدر ذاته لـ"عربي بوست" أن خطة إهمال بناء المدارس الحكومية مقصودة في الفترة الحالية؛ لأن الحكومة ليس لديها الرغبة في سد العجز الصارخ في أعداد المعلمين، وترفض أن تتحمّل مزيداً من التكاليف في هذا الملف، بعد أن وصلت نسب العجز إلى 300 ألف معلم، وهو ما يهدد انتظام العملية التعليمية، وبالتالي فإنها تبحث عن شراكات مع القطاع الخاص تساعدها على تعيين جدد في المدارس ذات طبيعة المصروفات.
واكتفى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالإعلان عن تعيين 150 ألف معلم على مدار 5 سنوات، وهو نصف نسبة العجز الحالية التي ستأخذ في التضاعف خلال الأعوام الـ5 المقبلة، والأكثر من ذلك أنه المسابقة الأولى التي كان من المفترض إجراؤها مطلع الصيف الماضي، لم يتم بعد ما ينبئ بمزيد من العجز مع بداية العام الدراسي الجديد المقرر انطلاقه مطلع الشهر المقبل.
عجز شديد في عدد مدرسين التعليم الأساسي في مصر
وبحسب خبير تربوي، فإن النظام الحالي يرتكب جريمة قانونية وإنسانية بتجاهله بنسب العجز المرتفعة في المدارس والمعلمين، مع اتجاه للاستفادة مالياً من التعليم المجاني، وإقدامه على مضاعفة مصروفات المدارس الحكومية التي كانت مجانية بعد أن وصلت إلى 500 جنيه، مشيراً إلى أن النظام يتعامل مع إرث المدارس الحكومية الموجودة حالياً باعتبارها ملكية خاصة به، في حين أن من شيد تلك المدارس هي الدولة المصرية وأموال دافعي الضرائب من المصريين على مدار عقود طويلة منذ أيام دولة محمد علي.
ويضيف لـ"عربي بوست" أن أياً من الأنظمة السابقة لم تمنع الفقراء من التعليم مثلما يحدث حالياً، سواء كان ذلك من خلال التوسع في إنشاء المدارس ذات المصروفات التي لا تتحملها الأسر الفقيرة أو عبر زيادة رسوم المدارس الحكومية المجانية أو عبر الإهمال المتعمد في إنشاء مباني مؤسسات تعليمية حكومية مجانية جديدة، وإرغام المواطنين إما على دفع أبنائهم للتسرب من التعليم، ومن ثم زيادة معدلات الأمية، أو إرغامهم على دفع أموال من غير أن توفر خدمة تعليمية جيدة نظيرها.
ويؤكد أن السياسات العامة للتعليم في مصر تبرهن على أن هناك معاداة للمواطنين الفقراء ويساهم في تقسيم المجتمع إلى أغلبية متعلمة لديها قدرات مالية على القيام بذلك، وأقلية جاهلة تشكل قنبلة موقوتة في المجتمع وهو ما يمهد لمزيد من الفتن الاجتماعية والطائفية، وأن الحل يمكن في رفع يد المؤسسات الدولية الداعمة مالياً والاهتمام بالتعليم كأولوية بدلاً من الطرق والكباري والأبراج الشاهقة.
تشير المادة "19" من الدستور المصري الحالي إلى أن: "التعليم حق لكل مواطن، وتلتزم الدولة بمراعاة أهدافه في مناهج التعليم ووسائله، وتوفيره وفقاً لمعايير الجودة العالمية. والتعليم إلزامي حتى نهاية المرحلة الثانوية أو ما يعادلها، وتكفل الدولة مجانيته بمراحله المختلفة في مؤسسات الدولة التعليمية، وفقاً للقانون".
أنواع المدارس في مصر..
لدى مصر أنواع متعددة من المدارس، وتشكل المدارس الحكومية التي كانت مجانية بشكل كامل، قبل أن تتضاعف رسومها السنوية خلال العامين الماضيين، الجزء الأكبر منها، ويبلغ عددها 48 ألفاً و580 مدرسة، لكنها موزعة على 28 ألف مبنى مدرسي، ثم تأتي في المرتبة الثانية المدارس الخاصة والدولية، ويزيد عددها على 9 آلاف مدرسة خاصة، وهي بمصروفات دراسية تتراوح ما بين عشرة آلاف جنيه وتصل إلى 500 ألف جنيه في بعض المدارس الدولية.
وتأتي في المرتبة الثالثة المدارس التجريبية "الرسمية للغات" ويبلغ عددها 2397 مدرسة، وهي مدارس حكومية ولكن بمصروفات زهيدة مقارنة بالدولية، وتصل إلى 2000 جنيه، وتسعى الوزارة للتوسع فيها عبر "مشروع مصر للمدارس المتميزة" مع زيادة مصروفاتها خلال السنوات المقبلة.
وحسب مصادر صرحت لـ"عربي بوست" فإن هناك توجهاً للتوسع في المشروع الحكومي الجديد عبر بناء 3243 مدرسة في 1150 موقعاً على مستوى الجمهورية، ما يعني أن المدارس الجديدة ستعمل بنظام الفترتين (الصباحية والمسائية)، ما سيكون له تأثيرات سلبية على معدلات تحصيل الطلاب.
وتتوسع الوزارة في إنشاء تلك المدارس في الوقت الذي تحتاج فيه لبناء 9 آلاف مدرسة حكومية بإجمالي 250 ألف فصل دراسي لسد العجز في المدارس الحكومية، ما يبرهن على توسعها في افتتاح المدارس ذات طبيعة المصروفات على حساب المدارس المجانية.