أكثر من طموحات اقتصادية.. ماذا يعني توقيع إسرائيل والصين اتفاقية تجارة حرة؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/09/13 الساعة 13:33 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/09/13 الساعة 13:34 بتوقيت غرينتش
هل ستوقع إسرائيل والصين اتفاقية تجارة حرة وماذا يعني ذلك بالنسبة للولايات المتحدة، تعبيرية/ Getty

منذ عام 2016، تحدثت تقارير بأنَّ إسرائيل والصين تعملان على اتفاقية تجارة حرة معاً، ويبدو أنَّ ذلك يؤتي أُكله الآن. حيث صرَّح ممثل عن القنصلية الإسرائيلية في هونغ كونغ لصحيفة The South China Morning الصينية بأنَّ إسرائيل والصين تأملان توقيع اتفاقية تجارة حرة بحلول نهاية العام 2022.

ومن شأن اتفاقية للتجارة الحرة بين إسرائيل والصين أن تُمثِّل إضفاءً للطابع الرسمي على علاقة متنامية بين الحكومتين. فوفقاً لبيانات الجمارك الصينية نمت التجارة السنوية بين إسرائيل والصين من 250 مليون دولار في التسعينات إلى أكثر من 20 مليار دولار عام 2021. وتُعَد الصين بالفعل أكبر شريك تجاري لإسرائيل في آسيا، كما يقول تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية.

ماذا يعني توقيع اتفاقية تجارة حرة بين إسرائيل والصين؟

تشير النقاشات إلى أحدث محاولة من جانب الصين، لزيادة نفوذها في الشرق الأوسط عقب مساعٍ لتعزيز شراكاتها مع لاعبين مهمين آخرين في المنطقة، بما في ذلك إيران والسعودية ومجلس التعاون الخليجي. ويُفسِّر مقال بصحيفة The South China Morning Post الصينية مفاوضات الصين مع إسرائيل، باعتبارها تأتي مدفوعة، ربما بما هو أكثر من الطموحات الاقتصادية، فيشير التقرير إلى أنَّ "اتفاقية تجارة كهذه من شأنها أن تُسهِّل على الصين العمل مع البلدان الشرق أوسطية بشأن قضايا أوسع، من خلال إظهار أنَّها لا تتحالف فقط مع البلدان العربية كما كان في الماضي".

لكن هل ستُعرِّض علاقة إسرائيل الحميمة المتنامية مع الصين علاقتها مع الولايات المتحدة للخطر؟ من المستبعد للغاية حدوث هذا. ففي يناير/كانون الثاني 2022، أفادت صحيفة Haaretz الإسرائيلية بأنَّ إسرائيل "ستُخطِر واشنطن بشأن أي اتفاقات مهمة تبرمها مع الصين، وقالت إنَّها ستعيد النظر في هذه الاتفاقات في حال أُثيِرَت معارضة". 

ثُمَّ في أغسطس/آب، لفتت صحيفة The Times of Israel الإسرائيلية إلى أنَّ الكثيرين في إسرائيل يعتبرون أنَّ "فترة شهر العسل" بين بلدهم وبكين قد انتهت، نتيجة الضغوط من الرؤساء الأمريكيين المتعاقبين، بدايةً بدونالد ترامب والآن جو بايدن.

لكن بالتزامن مع توقيت نشر تقرير صحيفة Haaretz قرب بداية العام، رأى موقع Middle East Eye البريطاني أنَّه "في نهاية المطاف يشير الوعد الإسرائيلي للولايات المتحدة بشأن الصين إلى أفق قصير الأجل، يهدف لتسجيل بعض النقاط لدى إدارة بايدن، على حساب مصالح إسرائيل الاقتصادية طويلة الأجل". بالتالي تشير التقارير الأخيرة بشأن اتفاقية تجارة حرة وشيكة بين الصين وإسرائيل إلى أنَّ الأخيرة ربما تأمل في منح الأولوية لمصالحها الاقتصادية، ولو أنَّه يبقى من غير الواضح قدر المقايضة التي يمثلها ذلك.

تبعات معارضة رغبات الولايات المتحدة الأمريكية

يُرجَّح أن يتطلَّب الأمر أكثر من اتفاق تجاري للتأثير بشكل حقيقي على العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة. ففي نهاية المطاف، تعرَّضت وزارة الخارجية الأمريكية لانتقادات واسعة لما اعتُبِرَ رداً غير كافٍ على قتل قوات الاحتلال الإسرائيلية للصحفية الفلسطينية الأمريكية شيرين أبو عاقلة، في مايو/أيار الماضي. 

وأكَّد أساف أوريون، مدير مركز السياسة الإسرائيلية-الصينية في المعهد الإسرائيلي للدراسات الأمنية، في مقال مؤخراً بمجلة Mosaic، أنَّ المخاوف من "وقوع إسرائيل في فلك الصين" مُبالِغة للغاية. وكتب أوريون: "لا يتعين على تل أبيب الاختيار بين واشنطن وبكين، لأنَّها بالفعل اختارت الأولى"، لكن إذا أرادت إسرائيل الدخول في اتفاق تجاري مع الصين، فإنَّها بذلك ستتعارض مع رغبات إدارتين رئاسيتين أمريكيتين متعاقبتين.

علاوة على ذلك، فإنَّ تصور نشوء علاقات أوثق بين إسرائيل وبكين يمكن أن يكون له تأثير على العلاقات الأمريكية مع كلا البلدين، وربما على دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بشكل أعم.

يُعَد التركيز على الصين أداةً مهمة بشكل خاص لأولئك الذين يضغطون من أجل احتفاظ الولايات المتحدة بسياسة دفاعية وخارجية قوية. فعلى سبيل المثال، مع تنامي الحضور الصيني في إفريقيا خلال السنوات الأخيرة، ركَّز المسؤولون الحكوميون السابقون على أنَّ الولايات المتحدة يتعين أن تكون مستعدة لمجاراة تحرك بكين كوسيلة لموازنة نفوذها. وأدَّى توافق في واشنطن أيضاً على أنَّ الصين الناهضة تُشكِّل تحديات شديدة إلى تمرير "قانون الرقائق الإلكترونية والعلوم"، وهو قانون للاستثمار التكنولوجي بقيمة 280 مليار دولار، بدعم من الحزبين الجمهوري والديمقراطي.

ويؤكِّد البعض في الولايات المتحدة بالفعل أنَّ الدعوات لتقليص الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط فتحت الباب أمام الصين للسعي وراء مصالحها الاقتصادية والسياسية في المنطقة، واستبدال النفوذ الأمريكي بنفوذها. ومن المؤكَّد أنَّ توقيع اتفاقية تجارة ثنائية مع أوثق حلفاء الولايات المتحدة الإقليميين سيُشجِّع تلك الأصوات.

إسرائيل تتوسع نحو الشرق

من وجهة نظر إسرائيلية، يُعَد هذا أيضاً حدثاً مثيراً للاهتمام. ففي يناير/كانون الثاني الماضي، صرَّح عمر البرغوثي، العضو المؤسس لحركة مقاطعة إسرائيل، لموقع Middle East Eye قائلاً: "حاولت إسرائيل بشكل استباقي ويائس التحول استراتيجياً نحو الصين والهند ودول أخرى غير غربية لتعويض خسارتها النهائية لمُمكِّنيها ومؤسسيها ورعاتها في الغرب… وفرص نجاح هذه المحاولة ضئيلة بالنظر إلى أنَّ إسرائيل تفتقر تماماً إلى النفوذ الاستراتيجي في هذه البلدان، على عكس الولايات المتحدة وأوروبا".

في الواقع، تمكَّنت إسرائيل والصين من الحفاظ على علاقات تعاونية، رغم تأرجح الأولى بين الإدانة والصمت على انتهاكات الصين لحقوق الإنسان في إقليم شينجيانغ، وموقف الثانية الداعم لإقامة دولة فلسطينية.

مع ذلك، لا يمكن أن تحل الصين محل الولايات المتحدة بالنسبة لإسرائيل، وهي لا تحاول ذلك. بالتالي إن كانت التقارير التي تعود إلى الشهر الماضي دقيقة فإنَّ إسرائيل لن تدخل في اتفاق تجارة محتمل، ذي تأثيرات كبيرة، دون تسوية الأمر مع واشنطن أولاً. ويثير هذا الشكوك في أن يكون اتفاق تجاري بين الصين وإسرائيل وشيكاً في نهاية المطاف.

تأثير ونفوذ إسرائيلي متزايد في الصين

وتَعزَّز التوجه الاقتصادي والتجاري الإسرائيلي نحو الصين عام 2013، وانعكس بقرارات حكومة بنيامين نتنياهو واللجنة الوزارية بتنسيق التعاون الاقتصادي مع الصين، في خطة تتضمن ثلاثة بنود رئيسية هي: مضاعفة حجم صادرات السلع والخدمات إلى الصين في غضون خمس سنوات، وزيادة عدد الزوار الصينيين (بما في ذلك السياح ورجال الأعمال والأكاديميون) الذين يأتون إلى إسرائيل، وتوسيع الاستثمارات المتبادلة، وأسهمت هذه البنود في تشكيل سياسات الحكومة الإسرائيلية لاحقاً.

وقبل ذلك بنحو 3 عقود، بالتزامن مع مسار العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل والصين، ساعدت الجالية اليهودية الصينية في تطوير العلاقات الشاملة بين البلدين. ويتركز السكان اليهود بشكل رئيسي في بكين وشنغهاي، وقد زاد اعتراف الصين الدبلوماسي بإسرائيل عام 1992 مرة أخرى من نفوذ الشتات اليهودي. ورغم أن عدد اليهود الذين يعيشون في الصين اليوم لا يزيد عن 2500، فإن لديهم تأثيراً مباشراً على العلاقات الإسرائيلية الصينية.

ويرى باحثون أنه من الصعب القول إن أنشطة المناصرة التي تقوم بها إسرائيل في الصين ومجال الدبلوماسية الثقافية والأكاديمية ليست سوى نشاط دعائي من جانب واحد، وتتحمس الصين لتحسين علاقاتها مع إسرائيل بدافع مصالحها الوطنية.

إذ تنظر الصين نظرة "إيجابية" لأنشطة المناصرة الدعائية لإسرائيل، في مقابل رغبة الأخيرة في أن تستخدم الصين تكنولوجياتها اقتصادياً وعسكرياً، فضلاً عن أن إسرائيل أصبحت "نجماً ساطعاً" في سياسة الصين في الشرق الأوسط.

ونوَّعت الصين، التي أقامت علاقات جيدة مع الدول العربية وإيران لسنوات عديدة، سياساتها في الشرق الأوسط، من خلال جعل إسرائيل محطة مهمة لمشروع طريق الحرير البحري.

أدى هذا المستوى العالي من العلاقات المشتركة إلى إقامة شراكات ثقافية وأكاديمية، فزادت إسرائيل من استثماراتها في الصين من خلال الاستفادة من هذا الجو المرحب. وتحقق الأنشطة التعليمية والثقافية لإسرائيل العديد من المكاسب في الصين. فهي من ناحية تزيد من فاعلية إسرائيل في الصين، وتحشد من ناحية أخرى المبادرات الثقافية المستقلة لمواطنيها في الشتات.

بالإضافة إلى الأنشطة التقنية والعلمية والتعليمية الواسعة المشتركة، تزيد السياحة عاملاً آخر من الجاذبية الثقافية لإسرائيل. وبلغ عدد السياح الصينيين إلى إسرائيل حوالي 123 ألفاً عام 2017، وهناك أيضاً رحلات مباشرة من تل أبيب إلى بكين وشنغهاي وجوانغتشو وشنتزين وتشنغدو عبر شركات طيران مختلفة.

ورغم أن الشراكة الاقتصادية والسياسية بين إسرائيل والصين أثارت ردود فعل واسعة من الولايات المتحدة، فإن البلدين يواصلان استثماراتهما وتعزيز علاقاتهما، وخصوصاً زيادة مساحة الاستثمار الصيني في إسرائيل.

إذ منحت إسرائيل، على سبيل المثال، في السنوات الأخيرة امتيازين كبيرين لشركات صينيّة في أكبر موانئ شاطئ البحر الأبيض المتوسّط- حيفا وأسدود. وهو ما يُعزز الوجود الصيني المتصاعد في شرقي البحر الأبيض المتوسط، ما يُسهم بتقوية التجارة بين الصين وأوروبا.

كما اشترت الشركة الصينية MRC، عام 2019، شركة الكهرباء الإسرائيلية "ألون تافور" للطاقة، بعدما فازت في مناقصة نافست فيها ست شركات أخرى، وفي حين عُرضت الشركة للبيع بمبلغ 800 مليون شيكل، دفعت الشركة الصينية 1.9 مليار شيكل، وبذلك استحوذت شركة صينية لأول مرة على شركة كهرباء إسرائيلية.

تحميل المزيد