"كارثة نووية تهدد العالم بسبب قصف محطة زابوريجيا النووية في أوكرانيا" تعالت هذه التحذيرات مؤخراً بعد تعرض المحطة النووية التي تعد الأكبر في أوروبا للقصف، فما مدى حقيقة الخطر الذي تمثله هذه المحطة، وهل تصل آثار أي كارثة نووية محتملة للدول العربية؟
وأصبحت محطة زابوريجيا محل اهتمام عالمي، حيث كانت محور اتصال هاتفي بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والفرنسي إيمانويل ماكرون، وكذلك أطلقت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تحذيراً بشأن خطر وقوع كارثة في المحطة، والمفارقة أن الجانبين الأوكراني والروسي يتحدثان عن الخطر الذي تمثله المحطة، فيما يتبادلان الاتهامات بشأن قصفها.
وتولد المحطة نصف الطاقة النووية في أوكرانيا، وتبلغ الطاقة الإجمالية للمحطة حوالي 6000 ميغاواط، تكفي لنحو أربعة ملايين منزل.
من المسؤول عما يحدث في محطة زابوريجيا
وتعرضت محطة زابوريجيا، التي تخضع لسيطرة القوات الروسية منذ مارس/آذار 2022، لعدة عمليات قصف في مطلع الأسبوع.
وألقت أوكرانيا باللوم على روسيا في وقوع انفجارات هناك، وقالت إن الكرملين يستخدم أكبر محطة للطاقة النووية في أوروبا للابتزاز، مشيرة إلى أن هجوماً روسياً ألحق أضراراً بثلاثة أجهزة رصد إشعاعية وتسبب في نقل أحد موظفي المصنع إلى المستشفى مصاباً بشظايا.
واتهمت أوكرانيا القوات الروسية باستخدامها كدرع تنطلق منه النيران على المدن المجاورة. وتنفي روسيا ذلك، لكن صور الأقمار الصناعية أظهرت وجود جيشها بالقرب من بعض المباني.
في المقابل، اتهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أوكرانيا بقصف المحطة.
الوكالة تدعو إلى إقامة منطقة حماية حول زابوريجيا
ودعت الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة روسيا وأوكرانيا إلى إقامة "منطقة حماية للسلامة والأمن" حول محطة زابوريجيا للطاقة النووية الواقعة في مدينة إنيرهودار الأوكرانية.
يأتي النداء، الذي قدمته الوكالة الدولية للطاقة الذرية في 6 سبتمبر/أيلول 2022، وسط مخاوف متزايدة من أن الأضرار التي قد تلحق بالموقع يمكن أن يتسبب في حادث كارثي.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة قد دعا روسيا إلى سحب قواتها ونزع السلاح من المنطقة مع "محيط آمن". وقد رفضت روسيا، بحجة أن ذلك من شأنه أن يجعل المصنع أكثر عرضة للخطر.
من يدير محطة زابوريجيا؟
تقع محطة زابوريجيا، إحدى أكبر محطات الطاقة النووية في العالم، على الضفة الجنوبية لنهر دنيبرو، في منطقة تسيطر عليها القوات العسكرية الروسية وعلى الرغم من المواجهة العسكرية والسيطرة الروسية على المحطة، واصل الموظفون الأوكرانيون تشغيلها وما زالوا يفعلون ذلك حتى يومنا هذا.
في 19 أبريل/نيسان، تمت استعادة الاتصال بين المحطة والوكالة المسؤولة عن المحطات النووية في أوكرانيا. وقد شاركت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في تسليم المعدات واستعادة نظام مراقبة الضمانات.
ورغم أنه من الواضح أن روسيا هي التي بادرت باحتلال المحطة، وأنها على الأرجح وضعت بعض أسلحتها في المحطة لمنع استهدافها، فإن هذا يعني أن الأوكرانيين هم الذين يقصفون المحطة؛ لأن الروس لن يقصفوا أنفسهم، وهو أمر تتجاهل وسائل الإعلام الغربية الإشارة له، ورغم أن ما فعلته روسيا غير أخلاقي، ولكن كييف من جانبها، يجب أن تتغاضى عن محاولة الرد؛ لأن الخطر الذي تمثله المحطة أكبر من أن تكون محل مزايدة بين الطرفين، حتى لو كانت روسيا تستخدمها غطاءً لاستهداف الأوكرانيين.
كيف أثر القصف على عمل المحطة؟
في أوائل أغسطس/آب، تعرضت المحطة، إلى قصف أدى إلى إتلاف العناصر غير المشعة بالمنشأة، بما في ذلك خطوط الكهرباء.
في وقت سابق من هذا الشهر، أصاب قصف بالقرب من إنرهودار خط كهرباء عالي الجهد يغذي محطة الطاقة النووية القريبة، حسبما ذكرت رويترز.
على الرغم من أن المسؤولين أكدوا عدم وجود تسربات إشعاعية نتيجة لذلك، فقد فصل المشغلون أحد مفاعلات الموقع كإجراء احترازي.
في اليوم التالي، قالت شركة الطاقة النووية الأوكرانية Energoatom إن الصواريخ الروسية دمرت ثلاثة أجهزة مراقبة للإشعاع في منشأة تخزين الوقود النووي المستهلك بالمحطة. وأضافوا أن أحد العمال أصيب.
بينما قالت وكالة إنترفاكس الروسية للأنباء إن القوات الأوكرانية أطلقت القذائف وإنها أصابت أحد المباني الإدارية بالموقع فقط.
أوكرانيا تريد الاستفادة منها لتصدير الطاقة لأوروبا.. وروسيا تسعى لربطها بشبكتها
ترغب السلطات الأوكرانية في زيادة حجم الكهرباء المصدرة إلى الاتحاد الأوروبي لزيادة الإيرادات، ولذا تريد ضمان تزويد شبكتها من محطة زابوريجيا.
في أوائل أغسطس/آب، قال رئيس وكالة الطاقة النووية الأوكرانية إن روسيا تريد ربط محطة زابوريجيا بشبكة القرم التي تحتلها موسكو، حسبما ورد في تقرير لموقع Chatham House.
ويقول الروس بالفعل إنهم وضعوا خططاً لفصل المحطة عن شبكة الكهرباء الأوكرانية – في حالة حدوث أضرار بالمحطة، بينما يقول الأوكرانيون إن فصل المحطة عن الشبكة عملية محفوفة بالمخاطر.
كل ضربة تزيل دفاعاً حيوياً عن سلامة المحطة
بمجرد نفاد إمدادات الديزل الاحتياطية في الموقع، قد يكون الحصول على المزيد أمراً صعباً، وهو أمر خطير بالنسبة لتشغيل المحطة، حسب ما قال توني رولستون، المحاضر في الطاقة النووية في جامعة كامبريدج البريطانية.
ويقول: "هناك عوامل أمان متعددة في أي محطة للطاقة النووية، ولكن عندما يكون لديك أضرار جانبية، فإنك تزيل واحداً أو أكثر من عوامل الأمان تلك، وبالتالي تزيد من المخاطر"، حسبما نقلت عنه شبكة Sky News البريطانية.
ولقد أضر القصف بالفعل بخطوط الكهرباء والاتصالات المرتبطة بالمحطة، مما أثار مخاوف على سلامة المحطة واستحضر ذكريات مؤلمة في بلد لا يزال يعاني من أسوأ حادث نووي في العالم، في تشيرنوبل في عام 1986.
إنها آمنة وتصميمها أفضل من تشيرنوبل
المفاعلات في محطة زابوريجيا ذات تصميم جيد إلى حد ما، والمحطة لها سجل أمان لائق، مع خلفية تشغيلية جيدة، حسبما نقل موقع the Conversation الأسترالي عن نجم الدين مشكاتي، الأستاذ وخبير السلامة النووية في جامعة جنوب كاليفورنيا الأمريكية.
ويقول إن أسوأ شيء يمكن أن يحدث هو إذا تم قصف الموقع عمداً أو عن طريق الخطأ. إذا أصابت قذيفة حوض الوقود المستهلك بالمحطة -والذي يحتوي على الوقود المستهلك ولكنه لا يزال مشعاً- أو إذا انتشر الحريق إلى حوض الوقود المستهلك، فقد يطلق إشعاعاً.
ولفت إلى أن خزان الوقود المستهلك هذا ليس في مبنى الاحتواء، وبالتالي فهو أكثر عرضة للخطر.
إليك الخطر الذي قد يعرضها لمصير تشيرنوبل
مباني الاحتواء بالمحطة، التي تضم المفاعلات النووية، ليست محمية من القصف المتعمد. لقد تم تصميمها لتحمل انفجاراً داخلياً طفيفاً، على سبيل المثال، مثل انفجار أنبوب ماء مضغوط، لكنها ليست مصممة لتحمل انفجار هائل، والضرر الذي سيلحق بها يعتمد على الأسلحة المستخدمة.
السيناريو الأسوأ هو أن صاروخاً خارقاً للتحصينات يخترق قبة الاحتواء- التي تتكون من قشرة سميكة من الخرسانة المسلحة أعلى المفاعل- وأن تنفجر القبة.
سيؤدي ذلك إلى إتلاف المفاعل النووي بشدة وإطلاق الإشعاع في الغلاف الجوي، مما يجعل من الصعب إرسال عمال إنقاذ بسرعة لاحتواء أي حريق.
يمكن أن يؤدي ذلك إلى تشيرنوبل أخرى، حسب مشكاتي.
وقد يحدث خطأ بشري؛ لأن العمال في المنشأة يعملون تحت ضغط لا يصدق، تحت تهديد السلاح، حسبما ورد. وهذا الإجهاد يزيد من فرصة الخطأ وضعف الأداء.
خطر انقطاع التيار الكهربائي هو الأكثر ترجيحاً، فما هي تداعياته؟
كما أن هناك خطر انقطاع التيار الكهربائي، فالمحطة النووية تحتاج إلى كهرباء ثابتة، ويصعب الحفاظ عليها في زمن الحرب.
حتى إذا تم إغلاق المفاعلات، فستحتاج المحطة إلى طاقة خارج الموقع لتشغيل نظام التبريد الضخم لإزالة الحرارة المتبقية في المفاعل وتحويله إلى ما يسمى الإغلاق البارد. ولذا هناك حاجة دائماً إلى تدوير المياه للتأكد من عدم ارتفاع درجة حرارة الوقود المستهلك.
كانت إحدى المشاكل في كارثة فوكوشيما في اليابان عام 2011 هي أن مولدات الطوارئ التي تهدف إلى استبدال الطاقة المفقودة خارج الموقع غمرت بالماء وفشلت. في مثل هذه المواقف، يحدث ما يعرف باسم "تعتيم المحطة" – وهذا أحد أسوأ الأشياء التي يمكن أن تحدث. هذا يعني عدم وجود كهرباء لتشغيل نظام التبريد.
في هذا الظرف، يسخن الوقود المستهلك بشكل مفرط ويمكن لكسوة الزركونيوم أن تخلق فقاعات هيدروجين. إذا لم يتم تنفيس هذه الفقاعات، فسوف تنفجر وتنشر الإشعاع.
ومن هنا فإن أكبر مخاوف الخبراء ليست من انفجار المفاعل الأساسي للمفاعل، لأن هذا يتطلب هجوماً بسلاح فتاك ضد المفاعل وهو سيناريو مستبعد من الطرفين لأنه سيسبب كارثة لكليهما.
ولكن الخوف الأكبر هو من فقدان غير مقصود لسائل التبريد الخاص بالمواد المشعة المخزنة.
في حالة فقدان الطاقة الخارجية، سيتعين على المشغلين الاعتماد على مولدات الطوارئ. لكن مولدات الطوارئ هي آلات ضخمة – مستهلكة للوقود وغير موثوقة. وما زلت بحاجة إلى مياه تبريد للمولدات نفسها.
ويقول الخبير النووي نجم الدين مشكاتي: "أكثر ما يقلقني هو أن أوكرانيا تعاني من انقطاع مستمر في شبكة الكهرباء. تزداد احتمالية حدوث ذلك أثناء النزاع؛ لأن أبراج خطوط الكهرباء قد تسقط تحت القصف أو قد تتضرر محطات توليد الطاقة بالغاز وتتوقف عن العمل.
وأردف قائلاً: "ينتهك الموقف المأساوي في المحطة كل مبدأ مقبول عالمياً لثقافة السلامة النووية الصحية، وخاصة الحفاظ على بيئة يمكن للأفراد فيها إثارة مخاوف تتعلق بالسلامة".
على غرار الكارثة اليابانية
عندما انقطعت المحطة مؤقتاً عن شبكة الكهرباء الأوكرانية لأول مرة في تاريخها أواخر أغسطس/آب، قال الرئيس الأوكراني إن العالم نجا بصعوبة من وقوع حادث إشعاعي. ويقال إن المسؤولين الروس صنعوا حتى خريطة لكيفية انتشار سحابة مشعة محتملة إلى البلدان المجاورة.
وحذر رافائيل ماريانو جروسي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، يوم الجمعة الماضي، من أن التصعيد قد يؤدي إلى وقوع حادث نووي خطير.
وبعد حادث فوكوشيما دايتشي في اليابان في عام 2011، عززت أوكرانيا تدابير السلامة، بما في ذلك مسألة توليد الطاقة الكهربائية الاحتياطية. يحتوي كل مفاعل في محطة زابوريجيا النووية على ثلاثة مولدات ديزل احتياطية.
ويقول الجنرال إيغور كيريلوف من فيلق الحماية النووية الروسي إن القصف قد أضر بالفعل بأنظمة دعم المحطة، لذلك قد يؤدي تعطل المضخة والمولد إلى ارتفاع درجة حرارة قلب المفاعل وتدمير منشآت المحطة، حسبما نقلت عنه صحيفة The Washington Post الأمريكية.
لكن البروفيسور Iztok Tiselj، رئيس قسم الهندسة النووية في جامعة ليوبليانا في سلوفينيا، يعتقد أن خطر وقوع حادث إشعاعي كبير ضئيل؛ لأن اثنين فقط من المفاعلات الستة يعملان الآن، شريطة أن تكون مولدات الديزل في حالة جيدة.
كما أن المفاعلات الحديثة في أوكرانيا محاطة بنظام احتواء ثانوي – قشرة خرسانية صلبة مصممة لتحمل الانفجارات بما في ذلك انفجار طائرة محطمة.
ومع ذلك، من غير الواضح مدى فاعليتها في مواجهة الهجمات العنيفة المحتملة.
قد يكون أي إطلاق للنظائر المشعة كارثياً بالنسبة للمناطق المحيطة، ومع ذلك، نظراً لنوع المفاعلات في المحطة، من المحتمل ألا يكون التأثير قريباً من شدة كارثة تشيرنوبل عام 1986، التي أدت لإجلاء الملايين، وإصابة الآلاف.
ولكن من المرجح أن يكون التأثير مشابهاً في نطاقه لكارثة فوكوشيما النووية لعام 2011.
في كارثة المفاعل الياباني، تم إجلاء أكثر من 100 ألف شخص من منازلهم بسبب انبعاث الإشعاعات.
أي الدول التي ستتأثر بالكارثة المحتملة؟
نظراً للموقع الجغرافي للمحطة، يمكن أن يضرب إطلاق إشعاعي أي جزء من القارة الأوروبية.
ستكون روسيا معرضة للخطر تماماً مثلها مثل دول أوروبا الوسطى، حسبما تقول كلير كوركهيل، أستاذة تدهور المواد النووية في جامعة شيفيلد البريطانية.
إذا وقعت كارثة في المحطة لن تكون على الأرجح بخطورة تشيرنوبل، لكنها قد تؤدي إلى إطلاق نشاط إشعاعي وهذا يعتمد على الطريقة التي تهب بها الرياح، حسبما تقول كلير كوركهيل.
من المحتمل أيضاً أن يكون هناك تلوث للمياه في نهر دنيبرو وخزان كاخوفكا، مما سيكون له تأثيرات شديدة على الزراعة المحلية.
يقول البروفيسور جيري توماس، الأستاذ السابق في علم الأمراض الجزيئي في إمبريال كوليدج بلندن، إن التسرب الإشعاعي من شأنه أن يشكل مخاطر صحية للسكان القريبين من المحطة.
وقال إم في رامانا، الأستاذ في كلية السياسة العامة والشؤون العالمية بجامعة كولومبيا البريطانية، لموقع قناة الجزيرة الإنجليزية: "من المحتمل أن ترى مئات الآلاف من الأشخاص يحاولون الفرار من تلك المنطقة".
كيف سيتضرر البشر، وهل تصل التداعيات للدول العربية؟
ومن المرجح أن ينتشر الغبار المشع إلى البلدان المحيطة بأوكرانيا واعتماداً على أنماط الرياح، يمكن أن يصل الإشعاع إلى روسيا، وكذلك إلى بقية أوروبا، وربما حتى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
يظن الكثير من العرب أن أوكرانيا دولة بعيدة جداً عن بلادهم، ولكن الواقع أن محطة زابوريجيا النووية أقرب لبعض الدول العربية، خاصة الآسيوية من قربها لأطراف القارة الأوروبية.
وقال البروفيسور جيري توماس، الأستاذ السابق في علم الأمراض الجزيئي في إمبريال كوليدج بلندن: "ستكون هناك سحابة، لكن لن يكون البشر قادرين على رؤيتها ولكن يمكن رصدها عبر الأدوات التي تقيس مستويات الإشعاع".
ولن تنتشر النظائر الأثقل على نطاق واسع (الأخطر عادة)، كما كان الحال أثناء حادث تشيرنوبل، ولكن هناك نظائر مشعة أخف عمرها النصفي أطول ويصل إلى 30 عاماً (العمر النصفي هو تعبير يشير لعمر تحلل المواد المشعة).
ومن المرجح أن تصل هذه المواد إلى مناطق كثيرة خارج أوكرانيا، وأن يظل تأثير التسرب الإشعاعي مستمراً لسنوات قادمة.
وقد يؤدي هذا الانتشار الإشعاعي إلى بعض الأمراض مثل التسمم الإشعاعي الحاد أو سرطانات تظهر لاحقاً بما في ذلك مناطق بعيدة عن أوكرانيا.