أصبح يمكنك الآن متابعة حساباتك على مواقع التواصل الاجتماعي والاتصال بعائلتك وأنت على متن طائرة تحلق فوق المحيط، فكيف استطاعت بعض الشركات توفير خدمة الإنترنت على الطائرات، وهل هي قابلة للانتشار؟
وبدأ توفير خدمة الإنترنت على الطائرات منذ حوالي عقدين، حين أعلنت شركة صناعة الطائرات الأمريكية الشهيرة "بوينغ" عن خدمتها، المعروفة باسم Connexion، في أبريل/نيسان عام 2000 وظهرت لأول مرة في رحلة شركة لوفتهانزا الألمانية بين ميونيخ ولوس أنجلوس عام 2004.
غير أن شركة بوينغ أوقفت الخدمة عام 2006، قائلة إن سوقها "لم يزدهر" كما كانت تتوقع.
لكن ظهور الهواتف الذكية والجهود التي أعقبتها من شركات خدمات الأقمار الصناعية وشركات الطيران ساعدت في تطور هذه التكنولوجيا تطوراً كبيراً خلال العقد الماضي، رغم أنها لا تزال بحاجة إلى بعض التحسينات لتصبح بكفاءة الشبكات المنزلية والمكتبية، حسبما ورد في تقرير لشبكة CNN الأمريكية.
كيف تعمل خدمة الإنترنت على الطائرات؟
النوع الأول يعمل عبر أبراج المحمول الأرضية
يتوفر نوعان رئيسيان من خدمة الإنترنت على الطائرات.
الأول، المعروف بـ "الجو-أرض" أو ATG، يعتمد على هوائيات متصلة بالطائرة تلتقط الإشارة من أبراج الهواتف المحمولة على الأرض.
وشركة إنتل سات Intelsat، التي أطلقت خدماتها الجو-أرض في طائرات شركة أمريكان عام 2008، توفر حالياً نسخة من خدمتها لأكثر من 1000 طائرة في أمريكا الشمالية.
تجدر الإشارة إلى أن استخدام الهاتف للاتصال بشبكة خلوية أثناء السفر على متن طائرة محظور في الواقع من قبل العديد من الحكومات وشركات الطيران، ولكن تم تخفيف القيود قليلاً، مما سمح باستخدام الأجهزة المحمولة في وضع الطائرة؛ حيث يتم إيقاف تشغيل قدرة الهاتف على إرسال إشارات الراديو إلى الأبراج الخلوية، طالما أنها لن تتداخل مع إلكترونيات الطائرة.
ودرست لجنة الاتصالات الفيدرالية الأمريكية في السنوات الأخيرة اقتراحاً للسماح بتكنولوجيا جديدة كانت ستسمح للركاب بإجراء مكالمات خلوية دون إحداث تداخل لكنها رفضت بعد ذلك في نوفمبر/تشرين الثاني 2020.
ولكنها لا تعمل في المناطق النائية وفوق المحيطات
غير أن المشكلة الرئيسية في تقنية "الجو-أرض" أو ATG أنها- مثلها مثل خدمة الهواتف المحمولة على الأرض- تعتمد على قوة إشارة الأبراج، وبالتالي غالباً ما تضعف قوة الاتصال في الرحلات الجوية فوق المناطق الريفية أو الصحاري أو المسطحات المائية الكبيرة.
والسرعات القصوى لهذه الأنظمة تبلغ حالياً حوالي 5 ميغا بايت في الثانية (ويتقاسمها مئات الركاب)، وفقاً لأندرو زيناني، مدير الأبحاث في شركة ABI Research المتخصصة في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات اللاسلكية.
وفي المقابل، يبلغ متوسط سرعات التحميل العالمية للنطاق العريض المتنقل والثابت حوالي 30 ميغابايت في الثانية و67 ميغابايت في الثانية على التوالي، وفقاً للبيانات الحديثة من تطبيق المراقبة Speedtest.
وقال زيناني لشبكة CNN: "حتى الآن، كانت أكبر المشكلات هي السرعة، ومحدودية التوافر، ومشكلات التغطية، والانقطاعات، والسعر".
النوع الثاني يعمل عبر الأقمار الصناعية
وهذا ما دفع شركات الطيران وشركات الإنترنت إلى الانتقال إلى اتصالات الإنترنت المعتمدة على الأقمار الصناعية، وهي أقل عرضة للانقطاعات نسبياً؛ لأنها تغطي مسار الرحلة بالكامل من الفضاء وتحافظ على قوة الإشارة أثناء تحركها في الهواء.
ومن ضمن هذه الشركات إنتل سات التي لديها شبكة من أكثر من 50 قمراً صناعياً تخدم شركات طيران مثل ألاسكا، وأمريكان، ودلتا، ويونايتد، وإير كندا، والخطوط الجوية البريطانية، وكاثي باسيفيك.
وقال جيف ساري، رئيس الطيران التجاري في إنتل سات، لشبكة CNN: "نتوقع أن تتحول شركات الطيران إلى خدمة الإنترنت على الطائرات القائمة على الأقمار الصناعية بعد تحديث أساطيلها".
وتستخدم شركة فياسات Viasat، وهي شركة إنترنت أخرى تستعين بخدماتها شركات طيران حول العالم، شبكة أقمارها الصناعية لتوفير اتصالات عالية السرعة وتستعد لإطلاق كوكبة أخرى من الأقمار الصناعية أواخر هذا العام. ووفرت الشركة خدماتها لأول مرة في طائرات شركة جيت بلو JetBlue عام 2013 وهي تخدم الآن أكثر من 12 شركة طيران حول العالم.
غير أنها ما زالت أضعف من الواي فاي
ولكن حتى اتصالات الأقمار الصناعية فإمكاناتها حالياً تقتصر على حوالي 100 ميغابايت في الثانية لكل طائرة أو حوالي 15 ميغابايت في الثانية لكل جهاز، وهي أقل بكثير من سرعات شبكات الواي فاي الأرضية.
تستخدم كثير من شركات الطيران مزيجاً من خدمات الواي فاي وأنواعاً أخرى من التقنيات، حسب نوع الطائرة والمسارات التي تحتاج نشرها عليها.
ويدخل لاعبون جدد، مثل ستارلينك، خدمة الإنترنت على الطائرات عبر الأقمار الصناعية التي تديرها شركة سبيس إكس لصاحبها الملياردير إيلون ماسك، في المنافسة. ومطلع هذا العام، أعلنت شركة سبيس إكس عن شراكة مع خطوط هاواي الجوية لتوفير إنترنت عالي السرعة عبر شبكة أقمار ستارلينك التي تدور في مدار الأرض المنخفض.
وقال زيناني: "بعض هذه الحلول تتبنى أيضاً نهجاً يجمع بين مميزات التقنيتين لضمان التغطية المثلى اعتماداً على مسار الرحلة". وأضاف: "أعتقد أننا سنرى فرصاً لجميع التقنيات في السنوات المقبلة، وتُظهر الشراكات الأخيرة أن كل تقنية سيكون لها دورها الخاص بها".
هل يمكن أن تضاهي خدمات الإنترنت على الطائرات الشبكات الأرضية؟
لا تزال الفجوة كبيرة بين شبكة الواي فاي الجوية والشبكات التي تستخدمها في منزلك أو مكتبك أو مقهى أو في أي مكان على الأرض.
ورغم أن معظم اتصالات الواي فاي في شركات الطيران تدعم الرسائل والشبكات الاجتماعية في الوقت الحالي، وبعضها يتمتع بإمكانيات بث تلفزيوني وفيديو مباشر.
ولكن تزويد المستخدمين بنفس المستوى من النطاق الترددي والاتصال في الجو يمثل تحدياً.
سرعة الطائرة تضعف الإشارة
يقول دون بوخمان، نائب الرئيس والمدير العام للطيران التجاري في فياسات، لشبكة CNN: "أكبر نقطة اختلاف في اتصالات الواي فاي الجوية هي التعقيد الذي يضيفه عنصر الحركة. فالطائرة تتحرك بمعدل سرعة مرتفع، وغالباً ما تحلق فوق مناطق جغرافية واسعة تتطلب تغطية ثابتة للحصول على اتصال قوي بالإنترنت أثناء الرحلة".
ورغم أن الأقمار الصناعية تحل بعض مشكلات أبراج الهواتف المحمولة، فتوسيع شبكة الأقمار الصناعية لمواكبة الطلب المتزايد ليس بالأمر السهل دائماً.
ويقول ساري: "بناء أبراج خلوية جديدة أسرع وأرخص بكثير من إطلاق قمر صناعي على صاروخ".
وفي استطلاع أجرته إنتل سات العام الماضي لشركات الطيران وشركات خدمات الإنترنت ومصنعي المعدات، قال 65% من المشاركين إنهم يتوقعون زيادة عدد الركاب الذين يرغبون في الاتصال بالإنترنت أثناء الطيران. وأشار الاستطلاع إلى أن أكبر عائقين أمام توسيع استخدام الواي فاي الجوي هما السعر المرتفع للخدمة و"ضعف الاتصال بالإنترنت".
مزيد من الأقمار الصناعية مع خطط جديدة لجذب التمويل بالإعلانات
غير أن شركات مثل فياسات وإنتل سات وستارلينك تعمل على زيادة السعة، وتطلق مزيداً من الأقمار الصناعية كل عام، تحسباً للطلب المتزايد على خدماتها. وهذه السعة المضافة لن تؤدي إلى تحسين تجربة مستخدمي الإنترنت فحسب، بل تمنح شركات الطيران سبلاً أخرى لتحقيق أرباح وخفض السعر في الوقت نفسه.
يقول بوخمان: "ومن أمثلة ذلك توفير شبكة واي فاي جوية بتمويل إعلانات بحيث يمكن للمسافرين استخدام شبكة الواي فاي مجاناً وكيفما أرادوا"، وأضاف أن شركة فياسات تدرس أيضاً طرقاً لاستخدام خدماتها في مساعدة شركات الطيران في وظائف مثل تنظيم الطاقم وصيانة الطائرات.
يقول ساري إن الأولوية الأولى هي تحقيق هذه التطورات التكنولوجية في أسرع وقت ممكن، ويتوقع مزيداً من الشراكات بين الشركات لتطوير هذه الصناعة.
وقال: "تتحقق رؤيتنا حين لا يجد الركاب فرقاً بين اتصال الإنترنت على الأرض وفي الجو".