في الوقت الذي تواجه المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة بشأن إعادة إحياء الاتفاق النووي عقبات لا تنتهي، تتجه الأنظار إلى قطر، التي تتولى دور الوساطة لإنقاذ الموقف، فما فرص نجاح تلك الجهود؟
إذ على الرغم من أن طهران وواشنطن والقوى العالمية بدت على وشك التوقيع على نسخة جديدة من الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، إلا أن الأمور عادت مجدداً إلى الجمود في ظل تبادل إيران والولايات المتحدة اللوم بشأن رد كل منهما على المقترح الأوروبي لإحياء الاتفاق.
والاتفاق النووي أو "معاهدة العمل الشاملة المشتركة" كان قد تم توقيعه بين الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وروسيا والصين وإيران (اتفاق 6+1)، وكانت أبرز بنوده ألا تزيد إيران نسبة تخصيب اليورانيوم لديها على 3.76%، وألا تحتفظ طهران بمخزون من اليورانيوم المخصب يزيد على نحو 200 كيلوغرام بتلك النسبة، ووضع قيود أيضاً على ما تحتفظ به طهران من الماء الثقيل.
لكن يعتبر المحللون أن أهم بنود الاتفاق النووي هو إعطاء مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية صلاحيات خاصة تشمل التفتيش المفاجئ على أي منشأة نووية إيرانية في أي وقت، ودون إخطار مسبق. وانسحبت إيران عملياً من هذا البروتوكول الخاص مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتخصيب اليورانيوم بنسبة نقاء تتخطى 60%، فيما يراه خبراء إنهاءً عملياً لبنود الاتفاق النووي.
لماذا تولت قطر دور الوساطة؟
نشر موقع Middle East Eye البريطاني تقريراً عنوانه "الاتفاق النووي الإيراني: هل ستنقذه الوساطة القطرية؟"، رصد كيف أسهمت قطر بدور كبير في محاولة التوسط بين الولايات المتحدة وإيران، في الوقت الذي تقترب فيه القوى الغربية من إحياء الاتفاق النووي لعام 2015.
إذ إنه من خلال الحفاظ على علاقات اقتصادية ودبلوماسية وثيقة مع كل من واشنطن وطهران، بادرت قطر لتقلد الدور الذي اضطلعت به عمان في الفترة التي سبقت تطبيق خطة العمل الشاملة المشتركة في عام 2015، عندما بذلت جهوداً غير مباشرة، ثم مباشرة، لتسهيل المحادثات التي تشمل العدوين.
تضع الجمهورية الإسلامية ثقتها في قطر باعتبارها شريكاً استراتيجياً، وواحدة من دول الخليج القليلة التي ليست في عداوة مع طهران، ورغم أنَّ التجارة الثنائية كانت ضئيلة، قفزت في عام 2021 إلى 200 مليون دولار.
في وقت سابق من هذا الأسبوع، وصفت وزارة الخارجية الأمريكية رد إيران على قرار واشنطن بشأن مسودة نص الاتحاد الأوروبي لاستعادة خطة العمل الشاملة المشتركة بأنه "غير بناء". وفي هذه النقطة، تسعى قطر لإعادة تأكيد نفسها كوسيط فعال.
كانت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، في مسعى منها لإغراء إيران بالعودة إلى الاتفاق بعد انسحاب إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب منه، قد عرضَت على طهران عدة محفزات جديدة، منها عقود اقتصادية مضمونة طويلة الأجل، والسماح لإيران بالاحتفاظ بكمية أكبر من المواد النووية لمعاودة تشغيل برنامجها النووي إذا انسحبت أي إدارة أمريكية من الاتفاق في المستقبل.
سافر مساعد وزير الخارجية القطري للشؤون الإقليمية محمد بن عبد العزيز الخليفي، يوم الأحد 28 أغسطس/آب، إلى طهران للقاء كبير المفاوضين الإيرانيين في محادثات خطة العمل المشتركة الشاملة، علي باقري كاني.
ولم يُكشف الكثير عمّا ناقشه الدبلوماسيان. لكن وكالة الأنباء القطرية نقلت عن الخليفي تصريحه بأنَّ قطر تطمح لرؤية اتفاق بين طهران وواشنطن الذي ترى أنه سيصب في "مصلحة أمن واستقرار المنطقة".
وفي 25 أغسطس/آب، وتحديداً بعد يوم واحد من رد الولايات المتحدة على الاتحاد الأوروبي بشأن مقترحه لإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة، أجرى وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، محادثة هاتفية مع نظيره القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، كان مسار الاتفاق النووي موضوعها الرئيسي.
قطر مركزاً للمحادثات
لا تشعر قطر بالرضا عن الوتيرة البطيئة للدبلوماسية الإيرانية الأمريكية؛ لذا تعزز الزخم حولها من خلال السعي لإقناع الإدارة المتشددة في طهران بتقديم تنازلات ووضع اللمسات الأخيرة على صفقة يعتقد معظم الفاعلين الإقليميين أنها تحول دون اندلاع حرب عسكرية تجتاح المنطقة وسباق تسلح نووي افتراضي.
وفي الأشهر الأخيرة، عُقِدَت عدة لقاءات ومكالمات هاتفية بين المسؤولين الإيرانيين والقطريين، وكان القاسم المشترك لجميع الاتصالات هو حتمية العودة المتبادلة إلى الامتثال للاتفاق النووي، الذي انسحب منه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في 2018.
وفي هذا السياق، قارن عالم سياسي إيراني بين مقاربة كلٍ من عُمان وقطر في التوسط في المواجهة الدبلوماسية الإيرانية الأمريكية.
قال عبد الرسول ديفسلار، أستاذ دراسات الشرق الأوسط الزائر في جامعة كاتوليكا ديل ساكرو الإيطالية: "العمانيون مُيسّرون أكثر خبرة، ولا ينخرطون بسهولة في أي نوع من الحوار الذي لا يضمن بالضرورة أن يكون ناجحاً أو له قيمة إستراتيجية معينة".
وأضاف للموقع البريطاني: "لكن قطر أشبه برائد أعمال في السياسة العالمية مستعد للاستثمار في المزيد من القضايا، وهي أكثر طموحاً لتوسيع دورها، ومستعدة للانخراط في جهود مختلفة قد لا تؤدي إلى نتائج فورية".
"عُمان لاعب بطيء لا يهتم كثيراً بالانخراط في الدبلوماسية الثانية (غير الرسمية أو غير الحكومية)، في حين أنَّ أهمية قطر هي أنها مهتمة بالتحول إلى مركز لمثل هذا الحوار بين إيران والولايات المتحدة"، بحسب ديفسلار.
وتتعزز العلاقات بين إيران وقطر بديهياً من خلال حقيقة أنهما يشتركان في أكبر حقل غاز في العالم، وهو حقل غاز بارس/القبة الشمالية، الذي يحتوي على نحو 50.97 تريليون متر مكعب من الغاز، وما يُقدَّر بنحو 50 مليار برميل من المكثفات.
إضافة إلى ذلك، خلال الأزمة الدبلوماسية الخليجية في 2017-2021، عندما قطعت المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين ومصر العلاقات الدبلوماسية مع قطر وانضمت إليها عدة دول عربية أخرى في فرض عقوبات اقتصادية على الدوحة، انحازت إيران علناً إلى قطر وسمحت لها باستخدام مجالها الجوي وسط الحصار الجوي والبري والبحري المُعوِّق الذي فُرض على الدولة الخليجية الصغيرة.
الحرب الأمريكية الإيرانية ستؤثر على قطر
يقول الخبراء إنَّ رؤية قطر عن إصلاح العلاقات الفاترة بين طهران وواشنطن يجب أن يُنظَر إليها في سياق المهمة الاستباقية العامة للدولة العربية لتكون وسيطاً دبلوماسياً.
قالت نهى أبو الدهب الأستاذة المساعدة في جامعة جورجتاون في قطر لموقع Middle East Eye: "جهود الوساطة القطرية لا تقتصر على إيران والولايات المتحدة، بل تشمل أيضاً جهوداً للتوصل إلى اتفاقيات سلام بين الحكومة العسكرية التشادية وجماعات المعارضة، وبين حزب الله والحكومة اللبنانية، ودارفور والسودان، وطالبان والولايات المتحدة، والحوثيين وحكومة الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح".
وصرحت الأستاذة المساعد للموقع البريطاني: "كل جهود الوساطة من أجل السلام هذه تشكل جزءاً مهماً من السياسة الخارجية لقطر باعتبارها ما يسمى بالدولة الصغيرة. ودورها النشط للوساطة في هذه النزاعات يجعل قطر جهة فاعلة لا غنى عنها إقليمياً ودولياً".
في 28 يونيو/حزيران، استضافت الدوحة جولة جديدة من المحادثات غير المباشرة الإيرانية الأمريكية. وكانت هذه هي المرة الأولى التي تنتقل فيها المفاوضات من فيينا منذ بدأت لأول مرة في نوفمبر/تشرين الثاني 2021. وعلى الرغم من أنَّ التوقعات كانت عالية لتحقيق انفراجة، لكنَّ الطرفين المتنازعين ظلا عالقين في حالة الجمود".
على غرار الشريكين العربيين الرئيسيين الآخرين لإيران، عُمان والكويت، لدى قطر دوافع قوية لتهدئة الاحتكاكات، وبسبب ما تتمتع به من امتياز نتيجة العلاقات الودية مع كل من طهران وواشنطن، فهي في وضع أفضل للضغط من أجل انفراجة.
قال حميد رضا عزيزي، الزميل الزائر في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية في برلين: "لدى قطر مصالح واضحة في إنهاء الأعمال العدائية بين إيران والولايات المتحدة، أو على الأقل جلب الطرفين إلى نوع من التسوية المؤقتة".
وأضاف عزيزي للموقع البريطاني: "من جهة، تعتبر قطر شريكاً وثيقاً للولايات المتحدة في المنطقة التي تستضيف القوات الأمريكية، وتقيم الآن علاقات وثيقة مع أعضاء الناتو الآخرين، ومن جهة أخرى، فهي جارة إيران".
"مثل معظم دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، إذا وقعت حرب بين إيران والولايات المتحدة، فإنَّ قطر ستتأثر سلباً أيضاً. وهذا أحد الأسباب الرئيسية التي تجعل قطر تريد منع هذا السيناريو"، بحسب عزيزي.