أحدثت حرب أوكرانيا انقلاباً في عقيدة تايوان العسكرية، وبدأت الجزيرة المنشقة عن الصين في اقتناء بعض الأسلحة التي أثبتت كفاءتها في حرب أوكرانيا، وسط ضغوط أمريكية على تايبيه لاتباع أسلوب مختلف في خططها الدفاعية.
وبدأت تايوان بالفعل، في تخزين الأسلحة الأمريكية الصنع التي تستخدمها أوكرانيا حالياً لصد الهجوم العسكري الروسي، في مؤشرٍ على أن تايبيه ستسعى لتطيبق الدروس المستفادة من ذلك الصراع لردع الصين عن تنفيذ تهديداتها بالاستيلاء على الجزيرة بالقوة، حسبما ورد في تقرير وكالة Bloomberg الأمريكية.
وتخطط إدارة بايدن لمطالبة الكونغرس رسمياً بالموافقة على بيع أسلحة تقدر بنحو 1.1 مليار دولار لتايوان، بما في ذلك 60 صاروخاً مضاداً للسفن و100 صاروخ جو-جو، وفقاً لما نقلته صحيفة Politico الأمريكية عن ثلاثة مصادر مطلعة على صفقة الأسلحة المحتملة.
وفي يوم الثلاثاء، 30 أغسطس/آب، دعت بكين الولايات المتحدة إلى إيقاف بيع الأسلحة والتواصل العسكري مع الجزيرة، بعد تداول تقارير عن صفقة الأسلحة هذه.
تايوان لديها مشكلة لم تواجهها كييف
وبينما تقدم أوكرانيا دروساً كثيرة لتايبيه، ولكن الأمر المقلق بالنسبة لقادة تايوان هو أنه رغم طبيعة الجزيرة الجغرافية حيث تحيط بها البحار من كل جانب، وتكسوها الغابات والجبال، مما يوفر لها حصانة إضافية، مقارنة بأوكرانيا الدولة السهلية المنبسطة الملتصقة بروسيا، فإنه في الوقت ذاته فإن جغرافية تايوان تجعل من السهل عزلها عن حلفائها الخارجيين مثل الولايات المتحدة واليابان.
فعندما حلّقت ما يقرب من عشرة صواريخ باليستية صينية في بداية الشهر الماضي، وحاصرت سفن البحرية الصينية جزيرة تايوان من كل الجهات لأول مرة في تاريخها خلال المناورات الصينية الأخيرة، تبين للتايوانيين أنهم في أي حرب قد تنقطع عنهم سبل المساعدات الخارجية، وبالتالي يحتاجون لتخزين الأسلحة التي قد لا تصلهم بنفس السهولة التي تصل بها الأسلحة الغربية لأوكرانيا عبر حدود البلاد الغربية.
وخلال هذه التدريبات التي نظمتها الصين رداً على زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي، نانسي بيلوسي، لتايوان، تمركزت القوات البحرية الصينية لأول مرة على الجانب الشرقي من تايوان، محاصرة الجزيرة بالكامل. كانت رسالة الصين واضحة: يمكن لبكين بسهولة أن تحاصر الجزيرة، وتُحدث دماراً في سلاسل التوريد العالمية، وتمنع الولايات المتحدة وحلفاءها من تسليم الأسلحة إلى الجيش التايواني.
ولذا بدا من الواضح للمسؤولين التايوانيين ضرورة الاستفادة من دروس حرب أوكرانيا وتخزين الأسلحة استعداداً لأي هجوم صيني يهدف إلى إعادة توحيد الجزيرة مع الصين.
تغيير في عقيدة تايوان العسكرية بسبب حرب أوكرانيا وبضغط أمريكي
وغيرت حرب أوكرانيا، كثير من المفاهيم والاستراتيجيات بالنسبة للتايوانيين.
فلقد أقنعت حرب أوكرانيا واشنطن وتايبيه بأن الغزو الصيني لتايوان في السنوات المقبلة يمثل الآن خطراً ماثلاً، وليس تهديداً نظرياً.
ولكن على مستوى استراتيجيات القتال، فإن الدروس المستفادة من حرب أوكرانيا، غيّرت وجهة نظر الولايات المتحدة تحديداً بشأن نوعية الأسلحة التي يجب أن تقتنيها تايوان.
إذ رأى المسؤولون الأمريكيون أن حرب أوكرانيا أظهرت أن جيشاً صغيراً يمتلك الأسلحة المناسبة ويتبنى استراتيجية حرب غير متكافئة، يركز فيها على التنقل والهجمات الدقيقة. يمكن أن يتغلب على عدو أكبر أو يعرقله على الأقل ويكبده خسائر كبيرة.
وقبل عدة أشهر، أعاد المسؤولون الأمريكيون فحص قدرات الجيش التايواني لتحديد ما إذا كان بإمكانه محاربة غزو صيني ، كما تفعل القوات الأوكرانية مع القوات الروسية أم لا، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.
في ذلك الوقت، قال مسؤولون أمريكيون وتايوانيون حاليون وسابقون إن إدارة بايدن تضغط بهدوء على الحكومة التايوانية لطلب أسلحة أمريكية الصنع من شأنها أن تساعد جيشها الصغير في صد غزو بحري من قبل الصين بدلاً من الأسلحة المصممة للحرب التقليدية.
كما حاول رئيس تايوان، تساي إنغ وين، توجيه جيش البلاد نحو حرب غير متكافئة وتحرك لشراء عدد كبير من الأسلحة المحمولة والقاتلة التي يصعب استهدافها ومكافحتها.
لكن بعض مسؤولي الدفاع التايوانيين قاوموا ذلك، ويريدون أسلحة ثقيلة وتقليدية.
ولكن الضغوط الأمريكية على من أجل تغيير عقيدة تايوان العسكرية بدت قوية للغاية.
إذ قرر المسؤولون الأمريكيون أن أنظمة أسلحة معينة حاولت وزارة الدفاع التايوانية طلبها – على سبيل المثال مروحية MH-60R Seahawk التي صنعتها شركة لوكهيد مارتن الأمريكية- ليست مناسبة للحرب ضد الجيش الصيني، ووجهت الإدارة الأمريكية أوامرها لوكالات وجهات أمريكية لعدم التجاوب مع محاولات تايوان لشراء الأسلحة الكبيرة والتقليدية التي تراها الإدارة غير فعالة مع أي غزو صيني محتمل والتركيز على الأسلحة مشابهة لتلك التي تستخدمها أوكرانيا.
وقال ممثل وزارة الخارجية الأمريكية في بيان صدر في مايو/أيار الماضي: "إن الاستمرار في محاولة اقتناء أنظمة لن تساهم بشكل هادف في استراتيجية دفاعية فعالة يتعارض مع التهديد الأمني المتطور الذي تواجهه تايوان". "على هذا النحو، تدعم الولايات المتحدة بقوة جهود تايوان لتنفيذ استراتيجية دفاعية غير متكافئة".
إليك الأسلحة التي تريد تايوان اقتناءها بعد دراسة تجربة أوكرانيا
ويبدو أن قادة الجيش التايواني انصاعوا للضغوط الأمريكية الرامية إلى تغيير عقيدة تايوان العسكرية، وبدأت الجزيرة تسعى لصفقة أسلحة تضم المعدات التي أثبتت نجاحها في أوكرانيا.
فلقد أعلن رئيس أركان الجيش التايواني تشانغ يوان-شيون من العاصمة تايبيه، الأربعاء، 31 أغسطس/آب، بأن طلباً جديداً لشراء صواريخ جافلين المضادة للدبابات قد دخل في مرحلة الإنتاج والتسليم. وأردف خلال الإفادة الصحفية: "يجري تنفيذ البرنامج حسب الخطة. وهناك جهودٌ مشتركة للإدارة والتخطيط بين تايوان والولايات المتحدة من أجل ضمان تسليم النظام في الوقت المناسب"، لكنه لم يحدد تاريخاً بعينه.
وأثنى مسؤولو الولايات المتحدة والناتو على صواريخ جافلين وغيرها من الأنظمة المضادة للمدرعات، لأنها لعبت دوراً أساسياً في الحيلولة دون تحقيق روسيا لانتصارٍ سريع خلال الأيام الأولى من الحرب. حيث استخدمت القوات الأوكرانية مدفعية هيمارس لقصف خطوط الإمداد ومستودعات الذخيرة الروسية وراء الجبهة، وبفعاليةٍ متزايدة.
وكانت أنظمة الصواريخ المضادة للدبابات المحمولة على الكتف، والعربات بصفة عامة واحدة من مفاجآت حرب أوكرانيا، خاصة في بدايتها، إذ يعتقد أنها مسؤولة عن عرقلة الهجوم الروسي الكبير الذي وقع في بداية الحرب واستهدف كييف، حيث شن الجنود الأوكرانيون هجمات على طوابير المدرعات الروسية ملحقين بها خسائر كبيرة، حسب التقارير الغربية والأوكرانية.
وقدم الغرب آلافاً من الصواريخ المضادة للدبابات والطائرات المحمولة على الكتف لأوكرانيا،
ويعتقد أن أحد أسباب فعالية الأسلحة المضادة في الحرب الأوكرانية، عيوب تقليدية في الدبابات الروسية تتعلق بخفة تدريعها مقارنة بنظرائها الغربيين؛ لأن العقيدة السوفييتية كانت تركز على إنتاج أعداد دبابات كثيرة حتى لو أقل تدريعاً من الدبابات الغربية، بحيث تهزم الكثرة السوفييتية التكنولوجيا الغربية.
كما أن هناك عيباً تقليدياً في الدبابات الروسية يتعلق بموقع مخازن الذخيرة فيها الذي يجعلها أكثر قابلية للانفجار واحتمال تعرض طاقمها للقتل بمعدل أعلى من الدبابات الغربية.
المدفعية التي غيرت مسار حرب أوكرانيا
ولكن كان هناك سلاح آخر يبدو أنه أثار إعجاب التايوانيين وهي أنظمة المدفعية المعروف باسم هايمارس (HIMARS)، والذي زودت الولايات المتحدة أوكرانيا به بدءاً من يونيو/حزيران الماضي، ويمكنه إطلاق صواريخ متعددة بدقة على أهداف عسكرية روسية من على بُعد نحو 50 ميلاً (80 كيلومتراً)، وهي مدفعية أطول مدى من كثير من المدفعية الروسية، وبالتالي يعمل خارج نطاق المدفعية الروسية، كما أن قذائفها تتسم بالدقة، لأنها موجهة بنظام GBS.
مكن "هايمارس" أوكرانيا من تدمير مستودعات الذخيرة الروسية والإمدادات اللوجستية الموجودة بعيداً عن الخطوط الأمامية، وألحق ضرراً كبيراً بالجهد العسكري الروسي.
ويُخطّط جيش تايوان لزيادة طلبه من أسلحة مدفعية هايمارس بعيدة المدى إلى 29 راجمة، بعد أن كان من المخطط استلام 11 راجمة فقط وفقاً لوكالة أنباء Central News Agency التايوانية شبه الرسمية، التي نقلت الخبر عن تقرير ميزانية الدفاع. وتضمن الطلب كذلك نحو 860 صاروخاً دقيق التوجيه لراجمات هيمارس، ومن المقرر تسليمها عام 2027.
وتمتلك تايوان منصات أنظمة جافلين بالفعل، لكنها لا تمتلك راجمات الصواريخ هيمارس. وقد أثارت الخطوة استياء الصين. حيث قال المتحدث باسم وزير خارجيتها، تشاو ليجيان، في مؤتمرٍ صحفي ببكين إن أي جهود سيبذلها مسؤولو الحزب الديمقراطي التقدمي الخاص بالرئيسة تساي إينغ وين "من أجل استجداء الدعم الأمريكي لتحقيق الاستقلال ستكون محكومةً بالفشل".
صفقة الأسلحة الأمريكية المحتملة مع تايوان، التي لا تزال في مرحلة مبكرة، تشمل 60 صاروخاً من طراز هاربون المضاد للسفن مقابل 355 مليون دولار، و100 صاروخ Sidewinder جو-جو مقابل 85.6 مليون دولار والذي ستسلح بها المقاتلات التايوانية من طراز إف -16 أمريكية الصنع، كما تتضمن الصفقة 655.4 مليون دولار لشراء رادار للمراقبة.
بمجرد أن تقوم إدارة بايدن بإضفاء الطابع الرسمي على الإخطار، سيحتاج الرئيس الديمقراطي والجمهوري تأييد الجمهوريين والديمقراطيين في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ ولجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب.
من المرجح أن يوافق المشرعون على البيع، لكن العملية قد تستغرق وقتاً طويلاً نظراً لعطلة الكونغرس الحالية، حسب Politico.
أمريكا لا تستطيع تلبية طلبات تايوان وبعض الأسلحة قد تُسلم بنهاية العقد الحالي
ولكن المشكلة التي تواجهها تايوان وأوكرانيا على السواء، هي عدم قدرة المجمع الصناعي العسكري الأمريكي على ملاحقة طلبات البلدين.
وأبدى البنتاغون قلقه من أن حرب أوكرانيا تستنزف مخزونات ذخيرة الجيش الأمريكي من الأسلحة؛ لأن الأخير يزود الأوكرانيين مباشرة من مخازنه. وبشكل غير مباشر فإن طلبات تايوان من الأسلحة سوف تدخل في منافسة مع حاجات كييف، في وقت بدأ فيه توريد الأسلحة من الدول الغربية، لاسيما الأوروبية لأوكرانيا يتراجع بالفعل.
وهناك أسباب عديدة لقصور القدرات الأمريكية على تزويد تايوان بالأسلحة في الوقت المناسب إضافة لضغوط الحرب الأوكرانية، منها تأخيرات الحكومة جراء البيروقراطية، وقضايا سلسلة التوريد ومتطلبات الإنتاج – عديدة، ولن يكون من السهل حل المشكلة، كما قال النائب مايك ماكول ، العضو البارز في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، لموقع Defense News الأمريكي.
وسبق أن وافقت الحكومة الأمريكية على بيع 10 أنظمة أسلحة لم تتسلمها تايوان بعد، وبعضها قد لا يتم تحديد موعد تسليمه، قبل نهاية العقد الحالي.