كل صيف تحترق الغابات في العديد من المناطق حول العالم، وتعتبر أستراليا والأمازون والولايات الغربية الأمريكية ومنطقة القطب الشمالي السيبيرية عرضة بشكل خاص لحرائق الغابات حول العالم. ففي عام 2021، شهدت كاليفورنيا وحدها ثاني أكبر حريق في تاريخها على مساحة تقارب مليون فدان.
يمكن أن تكون حرائق الغابات مدمرة للبشر، ولكن في الوقت نفسه قد تكون الحرائق جزءاً مهماً من دورة حياة الغابات. فما الذي يحدث بعد "حريق صحي"، وما الذي يتغير عندما يصبح الحريق كبيراً بشكل لا يمكن السيطرة عليه؟
ما فوائد حرائق الغابات، وكيف لذلك أن يكون أمراً صحيّاً؟
تُعد حرائق الغابات طريقة طبيعية لزيادة خصوبة الغابات نفسها، فبمرور الوقت، يتجمع الحطام المحترق على أرضية الغابة، مكوناً طبقة غنية بالمغذيات والمعادن. وفي الأوقات العادية والطبيعية، لا يمكن تكسير المغذيات أو امتصاصها بشكل صحيح بواسطة النباتات. ولكن عند احتراق الأشجار، يتم إطلاق العناصر الغذائية المتحطمة لتستفيد منها التربة.
ويرجع السبب في نشأة أشجار وغابات أخرى لانطلاق الملايين من البذور التي يحملها الهواء الساخن بفعل النيران، والتي بدورها تقوم بتشكيل غابات جديدة في مساحات جديدة، وبهذا تنشأ حياة جديدة مع أماكن نمو الغابات، ما يساهم في زيادة التنوع الحيوي.
ويقول تقرير حديث لمجلة Economist البريطانية، إن الأشجار الكبيرة في الغابات الناضجة، هي الأفضل والأكثر قدرة على العيش مع الحرائق. ففي كاليفورنيا على سبيل المثال، تطور أشجار السرو الأحمر العملاقة -التي تعتبر أضخم الكائنات الحية في العالم والأطول عمراً- لحاءً سميكاً مقاوماً للحريق أثناء نضوجها، مما يحمي قلب الشجرة.
حتى أن بعض أنواع النباتات في مناطق الاحتراق قد تطورت للتعامل مع اللهب. لذلك فإن البذور المصلية – مثل تلك الموجودة في شجر الصنوبر، "تنشط بالحرارة وبالنار"، مما يعني ظهور محصول جديد من الشتلات بعد فترة وجيزة من الحريق.
وتساعد بعض الحرائق على التخلص من بعض الأشجار الكثيفة التي تحجب الضوء عن بقية النباتات والأشجار والتي لا تعطيها الفرصة للنمو والانتشار، وكذلك النباتات التي تعتمد في تكاثرها على الحرائق مثل مخاريط بذور بعض أنواع الصنوبر التي لا تتفتح سوى في درجات الحرارة العالية. ولذلك فهي تساهم بتشكيل غابات جديدة في مساحات جديدة، وبهذا تنشأ حياة جديدة مع أماكن نمو الأشجار.
وتقوم الحرائق أيضاً بالقضاء على العديد من الحشرات التي تعيش متطفلة داخل جذوع الأشجار متنقلة بينها لإصابتها بالعدوى، لذا فإن هناك بعض الحدائق التي يقوم المسؤولون عنها بعمل بعض الحرائق المصطنعة لتحقيق الفائدة المرجوة منها.
الحرائق جزء أساسي من دورة حياة الغابات
في السياق، تشير دراسة أجراها باحثون بجامعة وسكونسن الأمريكية في عام 2002 على أشجار الصنوبر الأحمر في غابات الجزء الشمالي الشرقي من ولاية مينسوتا، إلى أن المستوطنين في هذه المنطقة، عندما بدأوا اتخاذ إجراءات وتدابير لمنع الحرائق الطبيعية، واجهت هذه الأشجار صعوبة في نشر بذورها والتكاثر من جديد. وامتلأت ارض الغابة بشجيرات صغيرة لا تترك مجالاً لنمو أشجار الصنوبر الأحمر.
وبذلك أصبح من الصعب على أشجار الصنوبر الأحمر أن تعيد دورة حياتها كجزء أساسي من بيئة هذه المنطقة.
وأشارت الدراسة إلى أن متوسط حياة شجرة الصنوبر الأحمر هو 300 عام، وكثير من الأشجار في هذه المنطقة هرمة، ومن غير المحتمل أن تحل أشجار جديدة محل هذه الأشجار العجوز بعد موتها بدون الحرائق الطبيعية التي تنظف التربة من حولها، وتتيح لها المجال لإنبات أشجار جديدة.
وبعد تلك الدراسة، بحثت وزارة الزراعة والغابات الأمريكية استخدام النيران في تلك المنطقة لمساعدة الصنوبر الأحمر على مواصلة النمو والتكاثر، بعد مرور نحو قرن على بدء إجراءات منع حرائق الغابات.
لكن هل جميع أنواع حرائق الغابات مفيدة وصحيّة لها؟
لكن في الوقت نفسه، كل هذا يتغير عندما تصبح حرائق الغابات خارجة عن السيطرة لتحدث تدميراً كبيراً. وارتفاع درجات الحرارة الناجم عن تغير المناخ يعني المزيد من المياه تتبخر من الأرض في مناطق الاحتراق؛ كما أن الجفاف الناتج عن الثلوج في بعض الأماكن مثل أمريكا، يعني أن الرطوبة الأقل تشق طريقها إلى الغابات.
وهذا الجفاف يحول الأشجار إلى حريق في انتظار شرارة (حوالي 85٪ من الحرائق الأمريكية، تأتي هذه الشرارة من البشر). وفي بعض الأماكن، منعت إدارة الحرائق المتحمسة العديد من الحرائق الطبيعية والصحية من الاحتراق، مما سمح بتراكم النباتات الميتة القادرة في النهاية على إشعال حريق أكبر بكثير وأقل قابلية للسيطرة عليه.
حرائق الغابات الهائلة تخل بالتوازن بين الدمار والتجدد. يمكن للبعض القضاء تماماً على النظام البيئي للغابة. حتى الأنواع النباتية المتكيفة تكافح في مثل هذه الظروف القاسية. تقدر خدمة المتنزهات القومية الأمريكية أن حرائق الغابات ستقتل ما يصل إلى 19٪ من أكبر أنواع أشجار السرو الأحمر في العالم خلال السنوات الخمس المقبلة، على الرغم من اللحاء المقاوم للحريق.
كما أنها تعمل على خفض التنوع البيولوجي في غابات الأمازون، لأن إزالة الغابات على نطاق واسع تجعلها أكثر عرضة للحرائق الكارثية.
خطورة انتقال الحرائق من الغابات إلى المدن
من المرجح أيضاً أن تنتشر الحرائق التي لا يمكن السيطرة عليها من الغابات إلى المدن. ففي أمريكا، تتلقى العديد من المجتمعات المعرضة للحرائق تمويلاً حكومياً وفدرالياً لإعادة بناء الممتلكات المتضررة.
لكن هناك القليل من اللوائح التي تضمن أن هياكل المنازل والأبنية الجديدة أكثر مقاومة للحرائق من الهياكل القديمة. وتم بناء العديد من المنازل في أماكن محفوفة بالمخاطر. وفقاً لخدمة الغابات الأمريكية، يوجد ما يقرب من اثنين من كل خمسة منازل في الولايات الأمريكية، على مساحات من الأرض تعتبرها الوكالة الأكثر عرضة لخطر حرائق الغابات. ومع تحرك مزيد من الأمريكيين غرباً، تتزايد هذه النسبة.
وتقول مجلة الإيكونومست، إن رجال الإطفاء يجب أن يفكروا بعناية في أفضل السبل لإدارة المخاطر المتزايدة من حرائق الغابات. فعندما يسيطرون على الحرائق بسرعة كبيرة، فإنهم يخزنون المتاعب التي ستأتي لاحقاً، حيث يشجع الخوف من حرائق الغابات صانعي القرار على فعل ذلك. لكن بقدر ما يمكن أن تكون الحرائق مخيفة، فإن صحة الغابات ودورة حياتها تعتمد عليها.
ما هي أسباب حرائق الغابات؟
بشكل عام، تنقسم أسباب هذه الحرائق إلى مجموعتَين، الأولى طبيعيّة، وتضم ضربات الرّعد التي تُطلق الشّرارة الأولى، أو الاشتعال التّلقائي بفعل ارتفاع الحرارة أو الثّورات البركانيّة. أمّا المجموعة الثّانية فهي الحرائق التي يُسبّبها الإنسان بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من خلال الحريق المُتعمّد، أو رمي السجائر المشتعلة في الطّبيعة، أو إشعال النّار وإهمال إطفائها، أو الشّرارة النّاتجة عن تماس سلك كهربائي، وما إلى ذلك.
وتسعى معظم الدول بالتعاون مع هيئات مكافحة الكوارث الطبيعية والأمم المتحدة إلى مقاومة حرائق الغابات والحد من انتشارها، كما يحدث في بعض الدول بهدف زيادة مساحة الأراضي الزراعية للحصول على المحاصيل.
ومن وسائل مكافحة حرائق الغابات لدى الدول المتقدمة، وحدات التدخل السريع للمساعدة في إطفاء حرائق الغابات، حيث تعتمد هذه الوحدات على العديد من الوسائل لإطفاء الحرائق مثل استخدام المواد المضادة للنيران، وهي عبارة عن أملاح غير سامة لمقاومة النيران. إلى جانب استخدام المياه وتعتمد أيضاً على طائرات مجهزة بمواد للإطفاء، ومعدات الحفر التي تستخدم في إزالة أجزاء من الغابة للحد من انتشار الحريق، وأيضاً من وسائل إيقاف الحرائق إشعال فرق الإطفاء لبعض الحرائق الصغيرة في طريق الحرائق لتعترض طريق انتشارها.
كيف تصنف درجات حرائق الغابات؟
تَستند الجهات المختصّة إلى معايير معيَّنة تُحدّد من خلالها نوع العاصفة النّاريّة وأبرز هذه المعايير هي طبيعة الأعشاب المُنتشرة، علوِّها عن سطح الأرض، ونسبة الرّطوبة فيها. كما أن شكل الأرض يلعب دوراً أساسيّاً في تحديد نسبة ضوء الشّمس التي تُصيب المنطقة ما يُؤثّر على كميّة المياه الموجودة هناك، إذا وجدَت. وتصنف درجات حرائق الغابات كالتالي:
- الحرائق التّاجيّة (Crown Fires): هي الأكثر خطورةً خاصّةً إذا طالت المدن والمباني المجاورة. علاوةً على ذلك، من الممكن أن تُعطّل النّيران المُرتفعة حركة الملاحة الجويّة فوق المنطقة المنكوبة.
- الحرائق المتوسّطة (Ladder Fires): تلتهم ألسنة النّار كل النّباتات المتوسّطة والمنخفضة الارتفاع، كما أن الأعشاب التي تتسلّق الأشجار تُساهم في تحويل هذه الشّعلات إلى حرائق تاجيّة.
- الحرائق السّطحيّة (Surface Fires): تجتاح النّار في هذه الحالة الحياة النّباتيّة المنتشرة على المستوى الأرضيّ من الغابة.
- الحرائق الأرضيّة (Ground Fires): يتغذّى هذا النّوع من الجذور الموَزّعة تحت الأرض ومن المواد العضويّة، لكن هذا لا يعني أن هذا الصّنف غير مؤذٍ، إذ بإمكان النّار أن تشتعل لأيّام أو أسابيع طويلة من دون أن يرصدها الإنسان.