يبدو أن أمريكا وإيران قد وصلتا إلى ما يمكن وصفه بـ"صيغة الاتفاق النووي الإيراني شبه النهائية"، والتي تتضمن حلولاً للنقاط الخلافية الأساسية وأبرزها الضمانات التي طلبتها طهران حال انسحاب واشنطن من الاتفاق، وطلبها رفع الحرس الثوري من القائمة الإرهابية الأمريكية، والموقف بشأن بعض أنشطة إيران القديمة المثيرة للريبة.
وفي منتصف ليل 15 أغسطس/آب بتوقيت طهران، أرسلت الحكومة الإيرانية إلى الاتحاد الأوروبي ردها على ما وُصف بالصيغة النهائية التي وضعها كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي، إنريكي مورا، بعد جولة المحادثات التي استمرت خمسة أيام في فيينا مطلع هذا الشهر.
كيف تم التوصل إلى صيغة الاتفاق النووي الإيراني شبه النهائية؟
المقترح الأوروبي لإحياء الاتفاق النووي الإيراني الذي ردت عليه طهران، تمت صياغته، بالتنسيق الوثيق مع المسؤولين الأمريكيين بعد 16 شهراً من المحادثات.
كانت أبرز النقاط التي تعرقل إحياء الاتفاق، طلب إيران ضمانات بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي، لا سيما إذا وصل الجمهوريون للحكم، مثلما فعل الرئيس السابق دونالد ترامب، كما طلبت طهران رفع العقوبات الأمريكية عن الحرس الثوري الإيراني الذي تصنفه واشنطن كمنظمة إرهابية، إضافة إلى الخلاف حول تحقيق الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن عثورها على مخلفات يورانيوم في مواقع نووية إيرانية قديمة تؤشر إلى نشاط ذي طابع عسكري.
وتضمن الرد الإيراني عدة ملاحظات التي- لو أضيفت إلى صيغة الاتحاد الأوروبي- تعني أنه قد تظهر نسخة أخرى منها، تتطلب مشاورات أخرى في الولايات المتحدة وإيران ثم بعد ذلك بين الأطراف المعنية.
ويبدو جلياً أن واشنطن تصوغ ردها على الملاحظات الإيرانية بحذر.
فإبرام اتفاق يقتضي من الجانبين التوصل إلى اتفاق نووي متوازن يضمن حفظ ماء الوجه- ولو قليلاً- للجميع في المشكلات الحساسة، حسبما ورد في تقرير لموقع Al Monitor الأمريكي.
وهذه هي المعضلة الكبرى لأن "الشيطان يكمن في التفاصيل" وأي تغييرات في اللحظة الأخيرة قد تُعقِّد الاتفاق المتوقع وتمدد المفاوضات إلى حين حل القضايا العالقة.
إليك الخطوات التالية إذا تم التوافق على صيغة الاتفاق
وبحسب مصادر إيرانية تحدثت إلى موقع Al Monitor الأمريكي، ستُنفذ الصفقة المقترحة على مدى 120 يوماً من لحظة الاتفاق على الشروط، فيُمنح البرلمان الإيراني مهلة 60 يوماً للموافقة على الشروط، ثم بعد 60 يوماً أخرى، يدخل الاتفاق حيز التنفيذ.
وبعد الموافقة مباشرة، تصبح الولايات المتحدة ملزمة بإلغاء العقوبات، مثل بعض العقوبات المفروضة على قطاع النفط، لتتمكن إيران بعد ذلك من بيع نفطها والحصول على أموالها.
وخلال ذلك، وفقاً لمصادر، على الرئيس الأمريكي جو بايدن أن يلغي ثلاثة أوامر تنفيذية أصدرها الرئيس السابق دونالد ترامب بفرض عقوبات على إيران، وقبل سبعة أيام من التنفيذ، على كل من الولايات المتحدة وإيران إرسال خطاب رسمي إلى المنسق الأوروبي يؤكد عودتهما للاتفاق.
لكن ماذا عن مسألة وضع الحرس الثوري في قائمة الإرهاب الأمريكية؟
موضوع الحرس الثوري الإيراني وحذفه من القائمة الأمريكية للمنظمات الإرهابية الأجنبية خرج من الاتفاق، أما رفع العقوبات عن الشركات الإيرانية فسيكون على أساس كل حالة على حدة، حسب المصدر الإيراني.
وكشف مصدر إيراني مقرب من "المجلس الأعلى للأمن القومي" لموقع Al Monitor أنه تم التوصل إلى تفاهم لبحث قضية الحرس الثوري الإيراني بعد التوصل إلى اتفاق.
وأضاف: "الحرس الثوري الإيراني لن يُرفع من قائمة الإرهاب. الأمريكيون كانوا مستعدين لإلغاء هذه العقوبات (وبالتالي حذف الحرس الثوري الإيراني من قائمة الإرهاب) مقابل خطوات تتخذها إيران، مثل منح ضمانات بأن طهران لن تستهدف أياً من الأشخاص الذين تتهمهم بقتل قائد الحرس الثوري الإيراني السابق قاسم سليماني". لكن المصدر أشار إلى أن هذا يتناقض مع تعهد طهران "بالثأر لسليماني"، ولذلك رفض الإيرانيون هذا الشرط.
وتحدث المصدر الإيراني نفسه مع موقع Al Monitor عن مبادرة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في مارس/آذار للتوسط بين إيران والولايات المتحدة في مشكلة الحرس الثوري الإيراني. وقال المصدر: "في هذه المرحلة بالذات، كانت الولايات المتحدة تسعى لربط مشكلة حذف الحرس الثوري الإيراني من قائمة المنظمات الإرهابية" باتفاق أشمل يقضي بأن تحدّ إيران من أنشطتها في المنطقة.
وترى طهران أن طلبها لا يستحق هذا المقابل. وترى واشنطن أن مجرد التفكير في حذف الحرس الثوري الإيراني من قائمة الإرهاب له ثمن ضخم في المقابل. وبالتالي فهي صفقة خسائرها أكبر من أرباحها لكلا الطرفين، ولذلك اتفقا على استبعادها من المناقشات، وإن ظلت قيد النظر.
حديث عن تخفيف العقوبات الخاصة بالحرس الثوري
وسبق أن أفادت تقارير بأن المقترح الأوروبي يتضمن السماح للمواطنين غير الأمريكيين بالتعامل مع الشركات الإيرانية التي لديها "معاملات" مع الحرس الثوري.
بموجب النص المقترح، يمكن للأوروبيين وغيرهم من غير الأمريكيين إجراء أعمال تجارية مع كيانات إيرانية منخرطة في "معاملات" مع الحرس الثوري الإيراني دون خوف من فرض عقوبات أمريكية، كما هو الحال حالياً، بشرط ألا يكون شريكهم التجاري الأساسي مسجلاً في سجل العقوبات الأمريكية، حسبما ورد في تقرير لصحيفة "Politico" الأمريكية.
ستسمح هذه الصياغة للأوروبيين بممارسة الأعمال التجارية على نطاق واسع في جميع أنحاء إيران، نظراً لأن العلاقات بين الحرس الثوري وبقية قطاعات الاقتصاد الإيراني وثيقة ومتشبعة للغاية، لا سيما فيما يتعلق بالتجارة.
ويعتقد أن هذا سيضعف العقوبات الأمريكية ضد الحرس الثوري الإيراني، وفقاً لمقتطفات من مسودة نص المقترح الأوروبي لإحياء الاتفاق النووي الإيراني راجعتها صحيفة "Politico".
تشير الشروط إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن مستعدة لتقديم تنازلات أكبر مما كان متوقعاً لتأمين صفقة- خاصة عن طريق تخفيف الضغط على الحرس الثوري الإيراني، وهو قوة عسكرية مختلفة عن الجيش الإيراني ويوصف بأنه جيش قوي وغير تقليدي ومنظمة ذات نفوذ سياسي واقتصادي واسعة في إيران صنَّفتها الولايات المتحدة على أنها منظمة إرهابية.
ومع ذلك، نفى المبعوث الأمريكي الخاص للمحادثات الإيرانية، روب مالي، في تصريح
لـ POLITICO بعد نشر هذه التفاصيل لأول مرة، أن الولايات المتحدة كانت تغير معاييرها أو قواعدها عندما يتعلق الأمر بفرض العقوبات على الحرس الثوري الإيراني.
كيف ستتم معالجة موضوع الضمانات التي طلبتها طهران بشأن انسحاب أمريكا؟
ولتهدئة مخاوف إيران من غياب "ضمان" أمريكي للاستمرار في الاتفاق الإيراني حتى بعد رحيل إدارة بايدن، غرد أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، بأن بند اتفاقية عام 2015 الذي يسمح بوضع أجهزة الطرد المركزي المعطلة في مستودع تشرف عليه الوكالة الدولية للطاقة الذرية "ضمان متأصل"، مضيفاً أنه "أنجع" من أي ضمانات سياسية.
يقول مارك فيتزباتريك من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية: "الاحتفاظ بأجهزة الطرد المركزي المتقدمة في مستودع، وبالتالي منح إيران القدرة على العمل بسرعة لو انسحبت الولايات المتحدة مرة أخرى هو ما يُعرف بـ(ضمان متأصل). وهذا أحد الأسباب لعدم إمكانية إعادة زمن الاختراق النووي إلى مستوى الـ12 شهراً في خطة العمل الشاملة المشتركة. وهناك عامل آخر يجعل فترة الـ12 شهراً مستحيلة؛ وهو المعرفة التي اكتسبتها إيران خلال السنوات الثلاث الماضية".
ومن بين المقترحات الجادة المتداولة حالياً فكرة منح مهلة لانتهاكات العقوبات تتراوح بين سنتين ونصف وثلاث سنوات للشركات التي تتعامل مع إيران في حال انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية في المستقبل. والبند موجود في إحدى الأوراق المتداولة بين المفاوضين، ولكن لم يتأكد بعد إن كانت واشنطن ستقبله.
كيف سيتم حل مشكلة تحقيق الوكالة الدولية للطاقة الذرية؟
وهناك أيضاً مشكلة تحقيق الوكالة الدولية للطاقة الذرية في أبحاث الأسلحة النووية الإيرانية السابقة، التي تعد من أعقد محاور المفاوضات.
بعد الكشف عن جزيئات اليورانيوم في ثلاثة مواقع غير معلنة من قبل في طهران عام 2019، طالبت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إيران بتقديم تفسير، لكن طهران حتى الآن أحبطت تحقيق الوكالة برفضها التعاون.
المناطق قيد التحقيق من المحتمل أن تكون مواقع قديمة تم استخدامها في المراحل السابقة من البرنامج النووي الإيراني وليست مؤشرات على نشاط جديد، إلا أن اكتشافها يشير مع ذلك إلى أن طهران كانت في مرحلة ما غير صادقة في قولها إن برنامجها النووي سلمي بحت.
وطالبت طهران بإنهاء تحقيقات الوكالة الدولية للطاقة الذرية كشرط لإعادة تفعيل الاتفاق النووي. رفضت كل من الولايات المتحدة والأوروبيين ذلك بدعوى أن تحقيق الوكالة الدولية كان مسألة منفصلة خارج نطاق الاتفاق النووي.
في يونيو/حزيران 2022، وجه مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية اللوم إلى إيران بسبب رفضها التعاون في هذا الملف، معرباً عن "قلقه العميق".
وقال فيتزباتريك لموقع Al Monitor: "ما أفهمه هو أنه لو قدمت إيران إجابات موثوقة عن مكان ووضع اليورانيوم والمعدات المرتبطة به التي لم تُذكر سابقاً في التقارير، فسيكون ذلك كافياً للوكالة لتغلق ملف الضمانات، حتى لو لم تكن إجابات جميع الأسئلة المتعلقة بأعمال التطوير السابقة شافية".
ووفقاً لمصادر متعددة في طهران وواشنطن وبروكسل، فإحياء الاتفاق النووي سيفتح الباب أمام التفاوض على قضايا عالقة أخرى إلى جانب قضية الحرس الثوري الإيراني، مثل تبادل الأسرى.