مع احتفال حركة طالبان بمرور عام على عودتها لحكم أفغانستان للمرة الثانية، لا تزال الدولة التي مزَّقتها الحرب وشهدت تحسناً أمنياً نسبياً غارقة في أزمات اقتصادية وإنسانية عديدة. وفي 15 أغسطس/آب 2021، عادت حركة طالبان إلى السلطة في أفغانستان، بعد انسحاب القوات الأجنبية من البلاد وفرار مسؤولي حكومة الرئيس أشرف غني إلى الخارج. وفي هذا التقرير سنرصد كيف يبدو المشهد الأفغاني بعد عام من سيطرة طالبان على الحكم.
1- لا تزال طالبان تبحث عن اعتراف دولي
كانت أول إدارة لطالبان في كابول تمّت الإطاحة بها بعد التدخل العسكري الأمريكي عام 2001 بذريعة تورّطها في إيواء زعيم القاعدة أسامة بن لادن، المسؤول عن تنفيذ هجمات 11 سبتمبر/أيلول من العام نفسه.
ورغم مرور عام على توليها السلطة في أفغانستان للمرة الثانية فإن طالبان لم تحظَ بعد باعتراف دوليّ، علماً بأن الانقسامات العرقية والإقليمية والطائفية وعدم الاستقرار السياسي اختفت من البلاد بشكل تلقائيّ.
حكومة طالبان المؤقتة التي تطلق على نفسها "إمارة أفغانستان الإسلامية" تواجه تحدياتٍ عدة في قضايا حماية حقوق الإنسان، إلى جانب توفير خدمات الصحة والتعليم والاقتصاد والزراعة.
كما تتعرّض طالبان باستمرار لانتقادات عالمية، بسبب موقفها من حقوق النساء وتعليم الفتيات.
2- طالبان وأزمة الظواهري
شهدت أفغانستان خلال العام الأول من حكم طالبان مقتل زعيم القاعدة أيمن الظواهري، إثر غارة أمريكية على منزل في العاصمة كابول أواخر يوليو/تموز الماضي، أعلن عنها في 2 أغسطس/آب الجاري.
ولم يكن متوقعاً أن يكون الظواهري موجوداً في أفغانستان، خصوصاً أن اتفاقية الدوحة الموقّعة بين طالبان والولايات المتحدة عام 2020، تنصّ على ألا تسمح طالبان للأفراد أو الجماعات التي قد تهدد الولايات المتحدة وحلفاؤها بالبقاء في أفغانستان.
حركة طالبان ندّدت بالهجوم وأعلنت عدم علمها بوجود الظواهري في أفغانستان، وأنها تجري تحقيقاً بشأن الحادثة، فيما تبادلت واشنطن وطالبان الاتهامات بانتهاك اتفاق الدوحة.
وفي سياقٍ آخر، أصيبت باكستان المعروفة بأنها أهمّ داعم لحركة طالبان بخيبة أمل من موقف طالبان التي لم تقيّد أنشطة حركة طالبان الباكستانية (تحريك طالبان) الجماعة المسلحة العاملة في باكستان. كما شهدت البلاد من وقت لآخر اشتباكات طفيفة بين عناصر طالبان والجنود الباكستانيين على الحدود.
3- اتصالات دبلوماسية محدودة
منذ اليوم الأول لسيطرة طالبان على السلطة، صرّح مسؤولو الحركة بأنهم "لن يسمحوا لأراضي أفغانستان بأن تشكل تهديداً لأيّ دولة"، وأنهم يريدون تطوير علاقات دبلوماسية جيدة مع جميع الدول.
كما أعلنوا "عفواً عاماً" عن جميع موظفي الإدارة السابقة، وسمحوا لهم بمواصلة أعمالهم.
وطالبت جميع الحكومات تقريباً، وخاصة الغربية منها، طالبان بتشكيل حكومة شاملة تضمّ جميع فئات المجتمع الأفغاني واحترام حقوق الإنسان، من أجل الاعتراف رسمياً بحكمها أو تطوير علاقات جيدة.
ودفاعاً عن الحكومة المؤقتة، أجرت طالبان اتصالات دبلوماسية مع العديد من الدول، مثل النرويج وسويسرا وتركيا والصين وقطر وروسيا وباكستان وأوزبكستان، وأرسلت إليها وفوداً طالبت بالاعتراف الرسمي بإدارتها.
وعلى الرغم من ذلك، لم تعترف أي دولة حتى الآن بالإدارة المؤقتة للحركة، كما غادرت دول كثيرة أفغانستان وأغلقت سفاراتها.
وبادرت طالبان بتعيين المتحدث باسمها، سهيل شاهين، سفيراً لها لدى الأمم المتحدة، لكن لم يتمّ قبوله بعد.
ومع انسحاب الدول الغربية، كان من المتوقع أن يكون للصين نفوذ قويّ في أفغانستان، خاصة من خلال استثماراتها في البنية التحتية ومجالات التعدين، لكنّ بكين لم تقم بعد باستثمارات اقتصادية قوية في البلاد.
4- قضية حقوق النساء وتعليم الفتيات
تعرّضت طالبان لانتقادات كبيرة من العديد من الدول والمؤسسات الدولية إثر فرضها قيوداً على توظيف النساء، حيث تم تسريح آلاف النساء أو إجبارهنّ على ترك وظائفهن في المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص.
وقد سُمح لأعداد قليلة جداً من النساء بالعمل فقط في المجالات الضرورية، مثل المستشفيات والمدارس وأقسام الشرطة والمطارات. وكذلك مُنعت الفتيات من الالتحاق بالمدارس العامة في المرحلتين المتوسطة والثانوية في معظم أنحاء البلاد.
ورغم إعلان المتحدث باسم طالبان أن المدارس ستفتح أبوابها للفتيات اعتباراً من 21 مارس/آذار 2022، إلا أن القرار تمّ تأجيله.
إضافة لذلك، تم فصل الذكور عن الإناث في الفصول الدراسية في الجامعات، ولم يُسمح للطالبات بالذهاب في رحلات طويلة بدون أحد أقاربها. واستبدلت إدارة طالبان وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بوزارة شؤون المرأة.
وحلّت طالبان أيضاً اللجنة الأفغانية المستقلة لحقوق الإنسان، التي كانت تعمل خلال فترة الإدارة السابقة وكانت تحقق في انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة في البلاد.
وفي مايو/أيار 2022، ألزمت حكومة طالبان الأفغانيات بتغطية أجسادهن بالكامل "بشرط ألا يكون اللباس ضيقاً جداً أو رقيقاً"، ونصّ القرار على وجوب ارتداء النساء للنقاب حفاظاً على "كرامتهن".
وأرسلت الحركة مرسوماً إلى القنوات التلفزيونية ينصّ على وجوب ارتداء جميع المذيعات النقاب أثناء تقديمهن للأخبار.
من ناحية أخرى، قيّدت إدارة طالبان حرية التعبير والصحافة من خلال فرض قيود على الإعلام؛ حيث اضطرت مئات المؤسسات الإعلامية لإغلاق أبوابها، ما ترك آلاف العاملين في مجال الإعلام بلا عمل.
5- تجميد احتياطيات أفغانستان وأزمة اقتصادية
أرادت الدول الغربية من طالبان أن تصبح شريكة في الحكم من خلال التفاوض مع الإدارة الأفغانية السابقة عبر الوسائل السلمية، إلا أن هذا لم يحدث، ولاحقاً، فرّ مسؤولو النظام السابق الذي كان مدعوماً من الولايات المتحدة من البلاد.
أكثر من ثلثي ميزانية الإدارة الأفغانية السابقة كان يأتي من الخارج، توقفت جميعها العام الماضي، كما غادر معظم المنظمات والمؤسسات الدولية البلاد.
وحرم البنك الدولي وصندوق النقد الدولي (IMF) والاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وصول أفغانستان إلى التمويلات الدولية، وجمّدت واشنطن أيضاً نحو 9 مليارات دولار من الاحتياطات الأجنبية الأفغانية.
هذه الإجراءات جرّت اقتصاد البلاد إلى أزمة أعمق، وانهار النظام المصرفيّ تقريباً، واضطرّت آلاف الشركات للإغلاق، ما دفع بالبطالة والفقر والجوع للوصول إلى مستويات مقلقة.
وبحسب الأمم المتحدة، فإن أكثر من نصف سكان أفغانستان بحاجة إلى مساعدات، وفي حين أن العديد من الأمراض مثل سوء التغذية والحصبة وشلل الأطفال آخذة في الارتفاع، فإن المؤسسات الصحية تكافح لتلبية الاحتياجات الأساسية.
ولهذا السبب، لفتت الأمم المتحدة والمؤسسات التابعة لها الانتباه إلى الأزمة الإنسانية المتفاقمة في البلاد، وطالبت المجتمع الدوليّ بالعمل لمساعدة أفغانستان.
6- أزمة الهجرة خارج أفغانستان
ازدادت موجة الهجرة من أفغانستان إلى إيران وتركيا، إثر المخاوف من نشوب صراع أو حدوث تغيّر في الإدارة خلال فترة عودة طالبان إلى الحكم.
وكان من بين المهاجرين عسكريون من الإدارة السابقة وصحفيون ونشطاء في المجتمع المدني وحقوق الإنسان.
ورغم تباطؤ موجة الهجرة نسبياً بعد تقديم طالبان وعوداً بأنها ستحمي حياة وممتلكات المسؤولين الحكوميين والسابقين، إلا أنها ما زالت مستمرة حتى الآن.
7- تهديد داعش لحكم طالبان
على الرغم من تحسن القانون والنظام بعد عودة طالبان للحكم، فإن هجمات تنظيم "داعش" التي تستهدف المدنيين، وخاصة الشيعة الأفغان، لم تتوقف.
ففي العام الماضي، وقع أكثر من 100 هجوم وتفجير أودى بحياة المئات في عموم البلاد، تبنّى معظمها تنظيم "داعش".
وفقد العديد من الناس أرواحهم إثر هجمات نفّذها التنظيم أثناء صلاة الجمعة في المساجد الشيعية، في قندهار وكابول وقندوز ومزار شريف وولايات أخرى.
8- المقاومة في بنجشير
بدأت جبهة المقاومة الوطنية الأفغانية، بقيادة أحمد مسعود وبدعمٍ من أعضاء سابقين في الجيش معظمهم من الطاجيك، تمرّداً على طالبان في مدن مثل بنجشير وبرفان؛ حيث غالبية السكان من الطاجيك.
واشتدّ النزاع بين حكومة طالبان وجبهة المقاومة الوطنية من حين إلى آخر بعد وصول المفاوضات بين الطرفين إلى طريق مسدود.
وفيما زعمت جبهة المقاومة بقيادة أحمد مسعود إنها ألحقت خسائر فادحة في صفوف طالبان، نفت الأخيرة وجود فجوة أمنية في منطقتي بنجشير وبرفان، رغم أن دخولهما ما زال ممنوعاً على الصحفيين.
9- مكافحة المخدرات
أعلنت طالبان في أبريل/نيسان 2022، حظر استخدام المواد المُسكرة مثل الكحول والهيروين وحبوب المخدرات والقنّب، وزراعة النباتات التي يتمّ الحصول على تلك المواد منها، والتجارة بها، والمصانع التي تنتج جميع أنواع المخدرات في جميع أنحاء البلاد.
ورغم توعّد طالبان بمحاكمة ومعاقبة كل من يخالف القرار، فإنه لم يتم تنفيذ الأوامر حتى الآن. ويؤكد مسؤولو طالبان أنه يجب توفير فرص دخل بديلة للمزارعين من أجل منع زراعة الخشخاش والقنّب بشكل كامل، داعين المجتمع الدولي لتقديم الدعم في مكافحتهم للمخدرات.
ويقول المزارعون الأفغان إن العديد من المواطنين يزرعون الخشخاش والقنّب، بسبب نقص فرص العمل القانونية والجفاف ومشاكل الإمدادات الغذائية.
10- مشاكل الحدود الأفغانية
انخرطت قوات طالبان من حين لآخر في اشتباكات خفيفة على الحدود مع باكستان وإيران المجاورتين، بسبب عبور المهاجرين غير النظاميين الحدود.
وعلى غرار الحكومة الأفغانية السابقة، لم تعترف حكومة طالبان بـ "خط ديورند" الحدودي، الذي يفصل أفغانستان عن باكستان، بأنه حدود دولية بين البلدين.
ورغم أن باكستان سرّعت جهودها لبناء الأسوار على الحدود، وتوقّعت أن تعترف طالبان بحدود الأمر الواقع، فإنها لم تجد ما تأمل فيه.
إضافة إلى ذلك، سبق أن حذّرت الصين وطاجكستان وأوزباكستان طالبان مراراً، بدعوى وجود هياكل مسلحة شماليّ أفغانستان اعتبروها تهديداً لهم في نقاط قريبة من حدودهم، وأجروا تدريبات عسكرية على الحدود الأفغانية من حين لآخر.
11- إنجازات طالبان
في الذكرى السنوية الأولى لعودتها إلى السلطة، أعلنت طالبان أنها شكلت حكومة مركزية، واستعادت أفغانستان السيادة الكاملة. وقال عبد القهّار بلخي، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأفغانية، إن حكومة طالبان "جلبت الاستقرار السياسيّ ووضعت حداً لانعدام الأمن والفساد والتهجير".
وأضاف أن "طالبان أصدرت عفواً بحق 500 ألف موظف من الإدارة السابقة، وأعيد دمجهم في القوى العاملة".
وأوضح أن أفغانستان لديها الآن "ميزانية مستقلة تماماً" وأن "الصادرات الأفغانية تضاعفت بينما تم تسجيل 100 شركة استثمارية جديدة في العام الماضي".
ووفرت حكومة طالبان أيضاً، بحسب بلخي، 330 ألف فرصة عمل جديدة في القطاع المدني إلى جانب "مئات الآلاف من الوظائف في التعدين والبناء والقطاعات الخاصة الأخرى"، مشيراً إلى أن هناك "زيادة في فرص الحصول على التعليم والرعاية الصحية"، كما لفت إلى وجود 1000 صحفي أجنبي و250 وسيلة إعلام محلية في البلاد.
ونوّه كذلك بالمشاريع الكبيرة التي خططتها حكومة كابول أو بدأت بتنفيذها، مضيفاً أن الرحلات الجوية التجارية استؤنفت أيضاً مِن وإلى أفغانستان.