بينما تحترق أوروبا بسبب ارتفاع الحرارة.. هكذا يبحث سكانها عن الحطب استعداداً لشتاء قاسٍ بعد صيف ملتهب

عربي بوست
تم النشر: 2022/08/17 الساعة 14:08 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/08/17 الساعة 14:09 بتوقيت غرينتش
حرائق الغابات في فرنسا، أوروبا، أغسطس 2022 بسبب الاحترار المناخي، رويترز

قد تشهد أوروبا موسم حرائق غير مسبوق في تاريخها، إذا استمرت الوتيرة الحالية لاندلاع حرائق الغابات. فقد تسببت موجات الارتفاع الشديد في درجات الحرارة، وما زاد عليها من ظروف الجفاف المنتشرة، إلى اندلاع حرائق الغابات في أرجاء أوروبا. لكن ما يزيد الأمر سوءاً هو أن سكان أوروبا باتوا يبحثون عن الحطب تأهباً لشتاء قد يكون قارس البرودة بسبب أزمة نقص الغاز، التي أحدثها الحرب الروسية الأوكرانية. فما الحكاية؟

ملايين الأفدنة احترقت في أوروبا والصيف لم ينتهِ بعد

كشف "نظام معلومات حرائق الغابات الأوروبي" في بيانات هذا العام عن احتراق نحو 1.6 مليون فدان من الأراضي في جميع أنحاء القارة حتى الآن  -أي ما يعادل مساحة تزيد على ثمانية أضعاف مساحة مدينة نيويورك- وأشار إلى أن هذا الرقم يزيد بنسبة 56% على الرقم القياسي السابق المسجَّل في عام 2017، ويبلغ ضعف المتوسط السنوي المحسوب بين عام 2006 وعام 2021.

جاءت إسبانيا ورومانيا والبرتغال من بين أشد الدول تضرراً بين دول الاتحاد الأوروبي، فقد لقي آلاف الأشخاص مصرعهم بفعلِ الارتفاع الحاد في درجات الحرارة. وشهدت منطقة غيروند، موطن مزارع الكروم الشهيرة في جنوب غرب فرنسا، الأسبوع الماضي احتشاد مئاتٍ من رجال الإطفاء من جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي للمساعدة في إطفاء حرائق الغابات التي اجتاحت آلاف الهكتارات من غابات الصنوبر. وفي حديث إلى الصحفيين، شبَّه عمدة منطقة محلية ما يحدث بأنه "تنين ينفث نيرانه، وهذه النيران تلتهم الغابة".

ويشير خبراء متخصصون في شؤون الطقس والمناخ في صحيفة The Washington Post إلى أن الجفاف الممتد في أجزاء كثيرة من أوروبا حالياً هو سبب لما تشهده القارة من صيف لافح الحرارة ونتيجة في الوقت نفسه؛ "يؤدي الطقس الحار إلى جفاف الأراضي الطبيعية، ومن ثم إلى جفاف الغلاف الجوي، فترتفع درجة حرارة الهواء في دورة يتعذر كسرها، لا سيما عندما يمتد الطقس الحار كالتلال فوق أوروبا أو يُحيطها بكتلة كثيفة من الضغط المرتفع، فهذه "القبة الحرارية" ذات الضغط العالي تحرف الطقس العاصف والأمطار عن وجهتها إلى الشمال، فلا يصبح لأوروبا واقٍ من أشعة الشمس الحادة والارتفاع غير المألوف في درجات الحرارة".

ويتوقع الخبراء أن تزداد هذه الظروف سوءاً في الصيف القادم. فقد حذر تقرير صادر عن المفوضية الأوروبية من "أن التغير المناخي يتسبب في تفاقم الأمر، ويُزيد من تعرُّض البلدان لحرائق الغابات، ويُمعن تداعيات هذه الحرائق".

أزمة الغاز تهدد أوروبا بشتاءٍ قاسٍ بعد صيف ملتهب

لكن في الوقت نفسه، تشهد أوروبا أزمة أخرى لا تقل ضرراً عن حرائق الغابات، إن لم تتجاوزها. فقد دفع الغزو الروسي لأوكرانيا دول أوروبا إلى إقرار مجموعة كبيرة من العقوبات على الصادرات الروسية، وحملها على التعجيل بخطط الاستغناء عن الغاز الروسي. لكن هذا التحول لم يأتِ بالسرعة الكافية للحاق بهذا الشتاء، وهكذا باتت جميع بلدان القارة عرضة لارتفاع تكاليف التدفئة.

قال جوزيف سيكيلا، وزير الصناعة والتجارة في جمهورية التشيك، الشهر الماضي: "الشتاء قادم، ولا ندري أيكون شديد البرودة أم غير ذلك، لكن ما نعرفه يقيناً أن [الرئيس الروسي فلاديمير] بوتين سيواصل حيله الخبيثة".

أعلنت شركة الغاز الروسية المملوكة للدولة "غازبروم" يوم الثلاثاء، 16 أغسطس/آب، أن أسعار الغاز الأوروبية قد ترتفع مرة أخرى بنسبة 60%، لتبلغ بذلك أكثر من 4 آلاف دولار لكل ألف متر مكعب من الغاز. وكانت الشركة الروسية قلَّصت إمدادات الغاز المنقولة في خط أنابيب "نورد ستريم 1″، الذي يمر عبر بحر البلطيق إلى ألمانيا، إلى نحو 20% فقط من قدرته.

تجاوزت أسعار الغاز في أوروبا حالياً نحو 4 أضعاف ما كانت عليه العام الماضي، وقد كان لذلك تداعيات شديدة على الإنتاج الصناعي. ومن ثم، ألزمت حكومات الاتحاد الأوروبي نفسها تقليصَ الاعتماد على الغاز الطبيعي بنسبة 15% قبل فصل الشتاء، وفرضت كثير من الدول الأوروبية مجموعة من تدابير توفير الطاقة، وأقرت إعانات لمعاونة الأسر المتضررة في تحمل الأسعار المرتفعة للغاز.

أوروبا
حرائق مدمرة في عدد من الدول الأوروبية – رويترز

لأول مرة منذ وقت طويل.. دولٌ أوروبية تخفف القيود على قطع الأشجار وتحطيبها

لم تكن حرارة الصيف اللافحة لتُنسي الأوروبيون الاستعداد للشتاء، وقد بدأ بعضهم يلجأ إلى السبل المتَّبعة في الريف. فقد أشار خافيير بلاس، الصحفي في وكالة Bloomberg إلى أن محركات بحث جوجل في ألمانيا شهدت زيادة ملحوظة في عمليات البحث عن أماكن شراء الحطب. 

ولا يقتصر الأمر على ألمانيا، فقد تضاعفت أسعار حطب الوقود في بعض مناطق بلجيكا وهولندا أيضاً. وفي السياق نفسه، بدأت بلديات أوكرانيا في قطع الأشجار استعداداً للشتاء القارس وما قد تحمله الحرب من اضطراب أشد في أوضاع البلاد.

ومع أن حكومة المجر اليمينية القومية خالفت إجماع الاتحاد الأوروبي، وتفاوضت على زيادة وارداتها من الغاز الروسي، فإن سلطاتها اضطرت أيضاً إلى تخفيف قيود قطع الأشجار سعياً إلى زيادة مخزون الحطب. لكن القرار استدعى اعتراضات من مناصرين للبيئة، وخرج آلاف الناس للاحتجاج عليه في شوارع بودابست الأسبوع الماضي.

قالت متظاهرة تُدعى فاني فودور، لوكالة Reuters: "إنه أمر يتعلق بمستقبلنا. فنحن جميعاً نتأثر بتغير المناخ، وقطع الأشجار يزيد الأمر سوءاً".

أزمة المياه وجفاف الأنهار تفاقم معضلة أوروبا

لا يمكن بطبيعة الحال القول بأن التغير المناخي أقل أهمية أو أضعف أثراً من أزمة الطاقة التي تجتاح أوروبا، فقد أدى الجفاف وارتفاع درجات الحرارة إلى استنزاف أنهار القارة، وألحق بالبلاد خسائر فادحة. وقد ذكرت وكالة Bloomberg بعض أمثلة ذلك، بالإشارة إلى أن "أزمة الطاقة تفاقمت بسبب الانخفاض الشديد في مستوى المياه عند محطات رئيسية للنقل في أنهار أوروبا، ما زاد من صعوبة نقل الديزل والفحم والسلع عبر القارة. وقد يستدعي ذلك الحاجة إلى كميات أكبر من الغاز".

ومع أن أزمة ارتفاع درجات الحرارة في الصيف ذكَّرت الكثير من الأوروبيين بالخطر الذي يمثله التغير المناخي عليهم جميعاً، فإن الشتاء البارد وارتفاع تكلفة التدفئة وتداعيات ذلك قد يفرِّق اجتماعهم مرة أخرى. وهو ما بدا في جلياً في سعي الحكومات المتعجل إلى تخزين أي نوع متاح من الوقود الأحفوري، على أثر ارتفاع أسعار الفحم والغاز الطبيعي، رغم الإجماع المفترض على تقليل استخدام هذه المصادر في توليد الطاقة.

وفي معرض الحديث عن الاختلاف بين دول أوروبا في سبل مواجهة أزمة الطاقة، قال  جيسون بوردوف، خبير الطاقة الأمريكي، في لقاء مع صحيفة The New York Times الأمريكية: "نرى الآن أن بعض البلدان أكثر عزماً من غيرها فيما يتعلق بالجهود المبذولة لكفاءة استخدام الموارد وتقنين الطاقة. وإذا اشتدت الأزمة هذا الشتاء، فإن ما أخشاه أن تتجه كل دولة أوروبية إلى الاهتمام بما ينفعها دون الاكتراث بغيرها، والانصراف عما يجمعها وجاراتها من مصالح".

تحميل المزيد