تتزايد الدعوات داخل الاتحاد الأوروبي لحرمان مواطني روسيا من تأشيرات السياحة إلى أوروبا، في إطار العقوبات بسبب الحرب في أوكرانيا، فهل يمكن اتخاذ القرار؟ وكيف يمكن أن يصب في صالح دول أخرى مثل مصر وتركيا؟
وبدأ فرض العقوبات الغربية على روسيا، هذه المرة، منذ أن أعلن فلاديمير بوتين، الأحد 21 فبراير/شباط 2022، الاعتراف باستقلال لوغانسك ودونيتسك في إقليم دونباس الأوكراني، وتصاعدت وتيرة تلك العقوبات وحدتها وشمولها مع بدء الهجوم على أوكرانيا، الخميس 24 فبراير/شباط، لتتعرض روسيا لأكبر حملة عقوبات فرضها الغرب على موسكو منذ بدء الهجوم على أوكرانيا، وطالت العقوبات الثروات الشخصية للرئيس فلاديمير بوتين، ودائرته المقربة من رجال الأعمال.
ومع تواصل الهجوم الروسي على أوكرانيا، تزايدت بشكل متسارع عزلة روسيا على جميع المستويات الاقتصادية والسياسية والرياضية، وحتى الثقافية والسينمائية، بسبب الهجوم على أوكرانيا، الذي تصفه موسكو بأنه عملية عسكرية خاصة بينما يراه الغرب غزواً غير مبرر.
زيارة أوروبا ليست حقاً من "حقوق الإنسان"!
الحرب، التي بدأت يوم 24 فبراير/شباط الماضي، لا تزال مستعرة، ولا يبدو أن العقوبات الغربية نجحت في إجبار فلاديمير بوتين على التراجع. والآن بدأت الدعوات، من جانب بعض قادة الدول الأوروبية، لفرض حظر شامل على منح التأشيرات السياحية للمواطنين الروس، لكن بعض القوى الكبرى داخل الاتحاد الأوروبي تبدي تحفظها على الخطوة، التي يصفها البعض بأنها "عقاب جماعي".
وكانت دول البلطيق، أستونيا، ليتوانيا، لاتفيا، قد أغلقت بابها منذ أشهر بوجه المواطنين الروس الراغبين بالحصول على تأشيرات دخول إلى الاتحاد الأوروبي؛ إذ تسمح لاتفيا بدخول الروس فقط في حال وفاة أحد أقاربهم في البلاد. حكومتا فنلندا وأستونيا طالبتا دول الاتحاد الأوروبي بعدم إصدار تأشيرات دخول إلى المواطنين الروس، وفي فنلندا يؤيد نحو 58% من المواطنين عدم منح مواطنين روس تأشيرات الدخول، بحسب استطلاع رأي أجرته قناة "واي إل إي/ Yle" الحكومية.
وفي نهاية أغسطس /آب الجاري ينوي وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي الاجتماع في براغ، وسيكون موضوع التأشيرات السياحية للروس حاضراً على جدول أعمالهم، بحسب تقرير لموقع دويتش فيله الألماني.
ويبلغ عدد دول الاتحاد 27 دولة، لا تنتمي جميعها إلى منطقة شينغن التي تضم 26 دولة. 4 دول (سويسرا والنرويج وأيسلندا وليختنشتاين) التي تصدر أيضاً تأشيرات شينغن ليست أعضاءً في الاتحاد الأوروبي من الأساس.
رئيسة حكومة أستونيا كايا كالاس صبت الزيت على النار بتغريدة كتبت فيها: "زيارة أوروبا هي امتياز وليست حقاً من حقوق الإنسان". وبطبيعة الحال أثارت كلماتها غضباً بين الروس. المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا كتبت قائلة إن هذا "هراء" مصدره "فانتازيا أستونية". وسخرت على موقع تيليغرام بالقول: "الامتياز الحقيقي أن تكون محظوظاً بما يكفي لمشاهدة روسيا متنوعة ورائعة".
لكن لا يبدو أن جميع دول الاتحاد الأوروبي تؤيد التوجه لحظر التأشيرات على الروس؛ فألمانيا لها موقف متحفظ كشف عنه مستشارها أولاف شولتس، الذي عارض الحظر. وقال شولتس أمام صحفيين، الخميس 11 أغسطس/آب، بالعاصمة برلين: "إنها حرب بوتين، ولهذا السبب يصعب عليّ للغاية التفكير في ذلك". وأوضح المستشار الألماني أنه إذا تم توجيه العقوبات "ضد الجميع، وضد الأبرياء أيضاً"، فيمكن أن يؤدي ذلك إلى الحد من فاعلية هذه العقوبات.
ماذا يقول الرافضون للقرار والمؤيدون له؟
ديمتري لانكو، من مركز الأبحاث الأوروبية في جامعة سانت بطرسبورغ، لا يرى في النقاش الحالي سوى "قومية يومية"، وانتقد محاولة معاقبة كل الروس، موضحاً للموقع الألماني أنه تحت مصطلح الروس يقع "أيضاً الشيشانيون والتتار وكل الشعوب التي تعيش في الفيدرالية الروسية من دون استثناء، بما في ذلك الأوكرانيون الذين يعيشون في روسيا".
ومن جانبها أكدت متحدثة باسم المفوضية الأوروبية أنه وفقاً للقانون الساري، فإن فرض حظر أساسي على منح تأشيرات سياحية غير ممكن على الإطلاق، وشددت على أنه يجب فحص كل طلب لتلقي التأشيرة على حدة.
وأوضحت أن المفوضية الأوروبية أرسلت مبادئ توجيهية للدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي في مايو/أيار الماضي، والتي يمكن بموجبها رفض طلبات بعد فحصها فردياً؛ في حال كان الشخص المتقدم بالطلب يشكل خطراً مثلاً على النظام العام أو الأمن الداخلي أو العلاقات الدولية.
وقالت المتحدثة إنه يجب، في الوقت ذاته، ألا تنتهك الدول الأعضاء القانون الدولي، وأوضحت أنه سيجب أن يحصل بعض الأشخاص مثلاً على تأشيرة لأسباب إنسانية، أو لأن لديهم أفراد أسرة في الدول التي يتقدمون بطلب تأشيرة لدخولها، أو لأنهم صحفيون. وتابعت أن هناك مباحثات حالياً على مستوى الاتحاد الأوروبي من أجل الإعلام عن أحدث التطورات، ومن أجل ضمان اتباع إجراءات منسقة.
ومن وجهة نظر ألكسندر جوروخوف، من اتحاد المنظمات السياحية الروسية "سوناتو"، فإن تبادل الضربات هذا هو نتيجة "انفعال عاطفي". وقال لدويتش فيله إن السياح الروس غالباً ما يجلبون المال معهم، حتى لو كان ذلك عبر سياحة الترانزيت، مضيفاً: "في رأيي، يجب على هذه الدول العمل على تحويل التدفق من السياح العابرين للحدود إلى تدفق سياحي مع إقامة". ويقترح جوروخوف، حلولاً براغماتية ويقول لا ينبغي على المرء محاربة السياح "بسبب الصراعات الجيوسياسية".
لكن إيليا بونوماريف، النائب السابق في الدوما (البرلمان الروسي) والمقيم حالياً في المنفى في أوكرانيا منذ 2016، له رأي مختلف، إذ قال لصحيفة الغارديان البريطانية، إن الروس الذين يمتلكون مالاً كافياً للسياحة في أوروبا عليهم أن يبقوا في الداخل "ويقاوموا النظام الروسي"، مضيفاً أن الخروج من روسيا يجب أن يكون "الملاذ الأخير".
هذا الرأي لبونومانوف يعبر عن توجه يبدو أن كثيراً من الأوروبيين المعارضين للحرب في أوكرانيا يعتنقونه، ومفاده أن المواطنين الروس يجب عليهم أن يعبروا عن رفضهم "للغزو"، وإلا فعليهم تحمل تبعاته، ومنها حرمانهم من الاستمتاع بالشواطئ الأوروبية في الصيف.
"لا يمكنك الامتناع عن التصويت في هذه الحرب. إذا أردت أن تمتنع عن التصويت، لا تشكو إذا تم حرمانك من أوروبا"، بحسب ما قاله بونوماروف للصحيفة البريطانية من أوكرانيا حيث يقيم.
هل تستفيد مصر وتركيا من حظر أوروبا للروس؟
على الرغم من أن فرص إقرار فرض حظر على التأشيرات الأوروبية للروس لا تبدو مرتفعة، إلا أن التفكير في البدائل قد بدأ بالفعل، في ظل توقعات بأن الحظر قد يمثل فرصة جيدة لدول مثل مصر وتركيا، تمثل مقاصد سياحية بديلة. وحتى يتم إقرار الحظر، لابد أن توافق دول الاتحاد الأوروبي بالإجماع، وهو ما لا يبدو محتملاً في ظل معارضة ألمانيا المعلنة للقرار.
لكن على أية حال، يرى عاملون وخبراء في قطاع السياحة في مصر أن مجرد طرح الأمر للنقاش ستكون له تبعات كثيرة، منها أن بعض الروس قد يرفضون التقدم للحصول على تأشيرة سياحية لأوروبا من الأساس، ويسعون لبديل آخر، وهو ما يعني أن القائمين على السياحة في مصر عليهم أن يتحركوا سريعاً لاجتذاب السياح الروس المحتملين.
السياحة الروسية والأوكرانية إلى مصر كانت، قبل بداية الحرب، تمثل رافداً رئيسياً لذلك القطاع المهم بالنسبة للقاهرة؛ إذ كانوا يمثلون أكثر من 30% من إجمالي السائحين الذين يزورون البلاد. لكن تلك السياحة توقفت بشكل تام تقريباً مع اندلاع الحرب بسبب قرار حظر الطيران الروسي، الذي كان يمر من الأجواء الأوكرانية في طريقه إلى مصر.
"تحسنت الأمور قليلاً خلال الشهرين الماضيين، حيث نجحت بعض شركات السياحة والطيران الروسية في إيجاد أجواء بديلة للوصول بالسائحين الروس إلى مصر، لكن الأعداد متواضعة بطبيعة الحال مقارنة بما كانت عليه قبل الحرب"، بحسب خبير مصري في مجال السياحة تحدث لموقع "عربي بوست"، طالباً عدم ذكر اسمه.
"على السلطات المصرية أن تتحرك وتسهل الأمور على الشركات الروسية، لا أن ننتظر أن يجدوا هم حلولاً كي يأتوا إلينا. القصة كلها يمكن اختصارها في مقعد الطائرة، بمعنى أن وجود رحلات طيران متوفرة وبأسعار معقولة أمر جوهري وحاسم بالنسبة للسياحة. وإذا كانت الشركة الوطنية (مصر للطيران) غير قادرة على توفير ذلك، فعلى الحكومة أن تقدم حوافز وتسهيلات لشركات الطيران الخاصة لاستجلاب السياح الروس"، بنص حديث الخبير السياحي.
والنقطة الأخرى تتعلق بالتعاملات المالية للسياح الروس، حيث تسببت العقوبات الغربية في حظر شركات كبرى مثل ميزا ماستركارد من التعامل هناك، وهو ما يمثل عائقاً كبيراً أمام السياح الروس الراغبين في القدوم إلى مصر؛ إذ إن نظام الدفع الروسي "مير" غير متوفر في مصر، وهو ما يعني عدم وجود خيار آخر سوى استخدام النقود، بحسب الخبير. وفي هذا السياق، نقلت وسائل إعلام محلية مصرية أن هناك توجهاً بالفعل لتفعيل نظام الدفع الروسي "مير" بداية من شهر سبتمبر/أيلول المقبل.
أما تركيا، فيبدو أن الأمور تتحرك أسرع لاستقطاب السياح الروس؛ إذ قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بعد لقائه مع نظيره الروسي مطلع أغسطس/آب الجاري، إن أنقرة تخطط لتمديد استخدام نظام الدفع الروسي "مير". وقال الرئيس التركي إن 5 مصارف تركية تعمل على تمديد استخدام نظام دفع "مير" في تركيا، مضيفاً أن هذا سوف يسهل الأوضاع للسياح الروس في تركيا، بحسب وكالة الأناضول.
الخلاصة هنا هي أن الجدل بشأن حرمان الروس من تأشيرات الدخول إلى أوروبا، سواء تم إقرار الحظر أو لا، يمثل فرصة ذهبية لمصر وتركيا لاستقطاب السياحة الروسية، خصوصاً أن السياحة تمثل مصدراً مهماً للدخل من النقد الأجنبي يحتاجه اقتصاد البلدين أكثر من أي وقت مضى.