الحديث حول صفقة محتملة لتبادل مساجين بين أمريكا وروسيا، تشمل الإفراج عن "تاجر الموت"، تمثل مأزقاً للرئيس جو بايدن، في مقابل انتصار لنظيره الروسي فلاديمير بوتين، فما تفاصيل تلك القصة؟
وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن قال الأربعاء، 27 يوليو/تموز، إن الولايات المتحدة قدمت "عرضاً مهماً" إلى روسيا لإعادة مواطنَيْن أمريكيين تحتجزهما موسكو، مضيفاً أنه سيضغط على نظيره الروسي في اتصال هاتفي مقرر في الأيام المقبلة للرد على العرض، بحسب رويترز.
وأضاف بلينكن في مؤتمر صحفي في وزارة الخارجية أن الولايات المتحدة عرضت على موسكو قبل أسابيع صفقة تُعاد بموجبها نجمة كرة السلة بريتني غرينر، والجندي السابق بمشاة البحرية الأمريكية بول ويلان، وأنه يأمل في دفع العملية قدماً خلال حديثه مع سيرغي لافروف.
من هو "تاجر الموت"؟
بلينكن رفض الكشف عن المقابل الذي ستقدمه إدارة بايدن إلى روسيا مقابل الإفراج عن غرينر، التي تم القبض عليها في أحد مطارات موسكو، في فبراير/شباط الماضي، وتحاكم حالياً بتهمة حيازة المخدرات، وويلان، الذي يقضي عقوبة السجن المؤبد بتهمة التجسس.
لكن تقريراً حصرياً لشبكة CNN الأمريكية قال إن واشنطن مستعدة لإعادة تاجر الأسلحة الروسي فيكتور بوت، الذي يقضي عقوبة بالسجن في الولايات المتحدة، في إطار صفقة لضمان الإفراج عن المواطنين الأمريكيين.
فيكتور بوت هو تاجر سلاح روسي أُلقي القبض عليه في تايلاند عام 2008 بواسطة عملاء أمريكيين متخفين، وتم ترحيله إلى الولايات المتحدة عام 2010، وتم الحكم عليه عام 2012 بالسجن 25 عاماً بتهمة "التآمر لقتل مواطنين أمريكيين". كان بوت ضابطاً في المخابرات السوفييتية العسكرية، وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي بدأ العمل في تجارة السلاح وتحول إلى شخصية أسطورية، تم إنتاج فيلم مستوحى من قصة حياته، ولقّبه الأمريكيون بـ"تاجر الموت"، بينما تصر موسكو على أنه مظلوم، وأن التهم الموجهة إليه ملفقة.
حاول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مراراً تأمين الإفراج عن بوت خلال السنوات الماضية دون جدوى، وبالتالي فإن الحديث عن احتمال الإفراج عنه وعودته إلى روسيا حالياً، من خلال صفقة التبادل، يمثل انتصاراً معنوياً مهماً لبوتين، بحسب تقرير لشبكة CNN، يصف الصفقة بأنها "مأزق للرئيس جو بايدن".
على الجانب الآخر، كانت روسيا قد حكمت على ويلان في عام 2020 بالسجن 16 عاماً بتهمة التجسس، ونفى ويلان الاتهام، ويقول إنه ضحية مؤامرة. وطالبت واشنطن بإطلاق سراحه.
ثم عادت محنة من تصفهم واشنطن بـ"المعتقلين" الأمريكيين في روسيا إلى واجهة الأحداث بعد اعتقال غرينر في مطار بموسكو، والإفراج في أبريل/نيسان عن الجندي السابق بمشاة البحرية الأمريكية تريفور ريد، في وقت كانت فيه العلاقات الأمريكية مع موسكو في أسوأ حالاتها منذ عقود، بسبب الهجوم الروسي على أوكرانيا.
واعتُقل ريد لثلاث سنوات، وخففت الولايات المتحدة في إطار تبادل للأسرى عقوبةَ السجن بحق الطيار الروسي كونستانتين ياروشينكو، الذي أدين بتهريب الكوكايين.
والحديث عن الصفقة يعتبر أول إجراء ملموس تعلن عنه حكومة الولايات المتحدة فيما يتعلق بالإفراج عن السيدة غرينر، 31 عاماً، والمحتجزة منذ فبراير/شباط، بعد أن عثر مسؤولو مطار موسكو على زيت الحشيش في حقائبها، بينما كانت تستعد للعودة إلى الولايات المتحدة بعد اللعب في روسيا.
وجرت جلسة محاكمة لها بتهمة حيازة مخدرات، الأربعاء 27 يوليو/تموز، قالت فيها غرينر إن المسؤولين جعلوها توقع على الوثائق، لكن أحداً "لم يشرح لي أياً منها"، وأضافت أنها لم تتلقَّ أي تفسير لحقوقها أو تتصل بمحامٍ في الساعات الأولى من احتجازها، وأنها اضطرت إلى استخدام تطبيق ترجمة على هاتفها للتواصل مع الروس، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC.
لاعبة كرة السلة الأمريكية، الحائزة الميدالية الذهبية مرتين في الأولمبياد، اعترفت بأنها مذنبة في تهم المخدرات الموجهة إليها، لكنها أنكرت انتهاك القانون عمداً، قائلة إنها حزمت حقائبها على عجل. وقالت غرينر: "ما زلت لا أفهم حتى الآن كيف انتهى الأمر بخراطيش تدخين (زيت الحشيش) في حقائبي".
وأضافت: "مع وجودها في حقائبي عن طريق الخطأ أتحمل المسؤولية، لكنني لم أكن أنوي التهريب أو التخطيط لتهريب أي شيء إلى روسيا". ومع تمديد احتجازها حتى ديسمبر/كانون الأول المقبل، ستستمر محاكمتها البطيئة خلال شهر أغسطس/آب أيضاً.
لماذا تعتبر الصفقة مأزقاً لبايدن؟
يضع الإفراج عن بوت، أو "تاجر الموت" بحسب الأمريكيين، بايدن في مواجهة انتقادات عنيفة من خصومه، بسبب التهم التي أُدين بها تاجر الأسلحة الروسي من "تعمد بيع الأسلحة لجماعات كولومبية إرهابية استخدمتها في قتل أمريكيين"، إضافة إلى بيعه أسلحة لجماعات أخرى حول العالم، من أفغانستان إلى ليبريا، كانت تحارب القوات الأمريكية وتختطف مواطنين أمريكيين.
وعلى مدى السنوات الماضية أصر المسؤولون الأمريكيون على أن "بوت" كان عميلاً للمخابرات الروسية، يتلقى التعليمات من الكرملين، ويستهدف الأمريكيين عمداً، وبالتالي فإن الإفراج عنه مقابل غرينر وويلان لا يبدو مستساغاً للكثيرين في واشنطن.
وبحسب مصادر تحدثت إلى شبكة CNN، فإن وزارة العدل الأمريكية تُعارض بشدة فكرة الإفراج عن تاجر السلاح الروسي، وهو ما يمثل عقبة أخرى أمام إدارة بايدن، تسعى لتذليلها إذا ما أرادت المضي قدماً في الصفقة.
وفي الوقت نفسه، يأتي العرض الأمريكي وسط ضغوط متزايدة على الرئيس جو بايدن من عائلات المعتقلين الأمريكيين. ورحبت عائلة ويلان بأنباء العرض الأمريكي. وقال ديفيد ويلان، شقيق بول في بيان "نأمل أن تستجيب الحكومة الروسية للحكومة الأمريكية، وتقبل هذه التسوية أو غيرها، بما يمكن بول من العودة إلى عائلته". وأضاف "كلما كان ذلك أسرع كان أفضل".
المتحدث باسم البيت الأبيض جون كيربي أكد أنه تم تقديم عرض بالصفقة "قبل عدة أسابيع"، لكنه أشار إلى أن روسيا "لم تتواصل معنا بشكل إيجابي حتى الآن". كما أقر كيربي بأن المفاوضات لتأمين الإفراج عن الثنائي الأمريكي كانت "عملاً دقيقاً"، وأن قرار الإعلان عن الاقتراح كان محفوفاً بالمخاطر. وأضاف: "لن يساعدنا ذلك في إعادتهم إلى الوطن إذا كنا نتفاوض علناً".
وشدَّد كيربي على أن مسؤولاً في البيت الأبيض تحدث مع عائلات ويلان وغرينر قبل إعلان وزير الخارجية بلينكن، وسيتحدثان مرة أخرى خلال الـ48 ساعة القادمة.
ماذا عن موقف روسيا من الصفقة؟
الجانب الآخر من القصة هو شقها السياسي، فهذه هي المرة الأولى منذ بداية الهجوم الروسي على أوكرانيا، التي يتم فيها الكشف عن سعي من جانب واشنطن للتواصل مع موسكو. ويبدو أن تصريحات بلينكن وحديثه علناً عن الصفقة يأتي بعد أسابيع من تجاهل روسي للمحاولات الأمريكية.
"كان هناك اقتراح مهم على الطاولة منذ أسابيع لتسهيل إطلاق سراحهما. وأجرت حكومتنا اتصالات متكررة ومباشرة بشأن هذا الاقتراح، وسأغتنم فرصة المحادثة (مع لافروف) لمتابعة الأمر شخصياً، وآمل أن نسير في اتجاه حل ما"، بحسب بلينكن.
لكن وكالة تاس الروسية قالت الأربعاء إن واشنطن لم تتواصل رسمياً مع روسيا بشأن مكالمة بين بلينكن ولافروف. ونقلت الوكالة عن متحدث باسم الخارجية الروسية قوله "الممارسات الدبلوماسية المرعية هي التي تحكم عملنا وليس الحديث المرسل".
قال بلينكن إن مكالمته المخطط لها مع لافروف، والتي ستكون أول محادثة من نوعها بين الوزيرين منذ ما قبل الهجوم الروسي على أوكرانيا، في 24 فبراير/شباط، لن تكون مفاوضات بشأن أوكرانيا.
وبالتالي فإن السؤال البديهي في هذه الأجواء هو كيف سيتم الاتصال الهاتفي بين بلينكن ولافروف إذا كانت موسكو ترفض، كما هو واضح حتى الآن، أن تكون المحادثات بشأن صفقة تبادل السجناء خلف الكواليس؟
وتلخص هذه النقطة تحديداً لب المأزق الذي يواجهه الرئيس الأمريكي، الواقع تحت ضغوط قوية ومستمرة من أهالي السجناء الأمريكيين لدى روسيا، بينما لا يواجه بوتين هذه الضغوط، وفي حالة الإفراج عن تاجر السلاح بوت سيكون الرئيس الروسي قد حقق انتصاراً معنوياً مهماً في توقيت حرج من الحرب الأوكرانية.
هذا المأزق، الذي يواجهه بايدن، يعيد إلى الواجهة أيضاً هجوم الرئيس الأمريكي اللاذع على نظيره الروسي، ودعوته العلنية إلى الإطاحة به من رئاسة الكرملين، عندما قال إن بوتين "لا يمكنه البقاء في الحكم"، حيث كان منتقدو بايدن قد ركزوا على أن مثل تلك التصريحات تجعل أي تواصل مستقبلي بين واشنطن وموسكو أمراً غاية في الصعوبة، وهذا بالتحديد ما أثبتته صفقة تبادل السجناء المحتملة.