يمثل تزويد إيران روسيا بطائرات دون طيار (مسيرات أو درونات) تغييراً في العلاقة العسكرية بينهما، لكن هل تكون تلك المسيرات فعّالة في أرض معركة تقليدية كالحرب في أوكرانيا؟
والسؤال هنا يعود إلى نقطتين رئيسيتين، الأولى تتعلق باستخدام الدرونات الإيرانية في هجمات على أهداف ثابتة، والثانية أن روسيا تستخدم بالفعل مسيراتها الأكثر تقدماً في أوكرانيا. ونشر موقع Middle East Eye البريطاني تقريراً حول قصة المسيرات الإيرانية لروسيا يبحث في الإجابة عن السؤال.
وقال جندي مشاة بحرية سابق عمل في العراق متعاقداً عسكرياً مع الولايات المتحدة والوكالات الحكومية الكردية من 2019 وحتى هذا العام إنَّ أزيز الطائرات دون طيار الإيرانية فوق رأسك ليس صوتاً جديداً بالنسبة لـ"راعي البقر". وكان عمله هناك قد تزامن مع مجموعة من هجمات الطائرات دون طيار (المسيرات أو الدرونات) على القوات الأمريكية، عزاها البيت الأبيض للميليشيات المدعومة من إيران.
قال راعي البقر للموقع البريطاني في مقابلة عبر تطبيق التراسل Signal شريطة الإشارة إليه باسمه الرمزي فقط: "كانت طائرات الاستطلاع المُسيَّرة تهديداً دائماً؛ لأنَّها قد تجلب طائرات دون طيار انتحارية".
ومع أنَّ راعي البقر غادر الشرق الأوسط، فإنَّه يفكر مجدداً في كيفية التصدي للطائرات دون طيار الإيرانية، ولو أنَّه هذه المرة في أوروبا الشرقية، فيما يشق طريقه عبر بلدٍ يحد أوكرانيا من أجل التطوع ليكون مقاتلاً ضد روسيا.
وقال للموقع البريطاني: "كان لدينا منظومات محمولة شبيهة بتلك التي تُرى في أوكرانيا، لكنَّ فائدتها شبه وهمية، لأنَّها فعَّالة فقط ضمن بضع مئات من الأمتار أو أقل".
"التطوع" للقتال في أوكرانيا
كان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قد أعلن، في اليوم التالي لبدء الهجوم الروسي على بلاده، عن فتح بلاده البابَ أمام "من يريد القتال للدفاع عن أوكرانيا"، مضيفاً أنه سيتم تشكيل "الفيلق الدولي"، وعلى الفور بدأ تدفق مئات "المتطوعين" من أوروبا والولايات المتحدة ومناطق أخرى حول العالم.
ووفقاً للولايات المتحدة، تستعد إيران حالياً لإرسال "المئات" من الطائرات دون طيار المسلحة وغير المسلحة لدعم الهجوم الروسي على أوكرانيا، الذي تصفه موسكو بأنه عملية عسكرية خاصة، بينما تصفه كييف والغرب بأنه غزو. ويقول البيت الأبيض إنَّ إيران قد تبدأ تدريب القوات الروسية على الطائرات دون طيار هذا الشهر، يوليو/تموز.
من جانبه، قال ناصر الكناني، المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، الثلاثاء الماضي، 19 يوليو/تموز، إنَّ "التعاون العسكري بين إيران والاتحاد الروسي في التكنولوجيا الحديثة يسبق حرب أوكرانيا ولم يطرأ عليه تغيُّر كبير مؤخراً". وذهب السفير الروسي لدى إيران الخميس الماضي، 21 يوليو/تموز، أبعد من ذلك، قائلاً إنَّه "لا قيود على التعاون العسكري – التقني" بين موسكو وطهران.
وستأتي فرصة إمداد روسيا بالطائرات دون طيار في وقتٍ تكثِّف فيه إيران برنامج الطائرات دون طيار لديها. ففي مايو/أيار، دشَّنت البلاد أول مصنع خارجي لها لتصنيع الطائرات دون طيار في الجارة طاجيكستان، وكشفت الستار في وقتٍ سابق من الشهر الجاري عن تكنولوجيا جديدة تسمح لسفنها الحربية بإطلاق طائرات دون طيار من البحر.
الطائرات الإيرانية بدون طيار
تُعَد إيران بعيدة كل البعد عن كونها الدولة الشرق أوسطية الوحيدة التي تستخدم الطائرات بدون طيار أو المسيرات أو الدرونات؛ إذ استخدمتها الجارة تركيا بنجاح في الصراعات في ليبيا وسوريا والقوقاز. وسمحت مُسيَّرات Bayraktar TB-2 التركية أيضاً لأوكرانيا بضرب الدبابات والقوافل الروسية، فضلاً عن الضرب عميقاً داخل الأراضي الروسية.
جرى حتى الآن إرسال الطائرات دون طيار الإيرانية بالأساس إلى الحلفاء أمثال حزب الله في لبنان والميليشيات الشيعية في العراق والمتمردين الحوثيين في اليمن. ويقول محللون إنَّ من شأن إرسال طائرات دون طيار إلى روسيا للقتال في أوكرانيا أن يضع طهران في مستوى جديد كلياً.
فقال آرثر هولاند مايكل، خبير الطائرات دون طيار بمجلس كارنيغي: "تعمل إيران في صناعة الطائرات دون طيار منذ فترة طويلة، لكنَّها لم تمد قوة كبرى بالطائرات دون طيار قط". ووصف الصفقة المحتملة بأنَّها "تطور غير مسبوق" لصناعة الطائرات دون طيار الإيرانية.
وقال بهنام بن طالبلو، خبير الشأن الإيراني بمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن، لموقع Middle East Eye، إنَّ تزويد روسيا بالطائرات دون طيار قد يقدم دفعة قوية للجهود المرتبطة بالطائرات الإيرانية دون طيار، واضعةً البلاد على الخريطة باعتبارها مُصدِّراً عالمياً.
وأضاف: "ستكون تلك أهم عملية نقل للسلاح الإيراني من دولة إلى أخرى في تاريخ الجمهورية الإسلامية".
لماذا يشعر الإيرانيون بالسعادة؟
أدَّى الجمع بين سلاح الجو والمستشارين العسكريين الروس جنباً إلى جنب مع القوات البرية الإيرانية في سوريا إلى تحويل مسار الحرب السورية لصالح حكومة بشار الأسد.
قال مارك كاتز، الأستاذ بجامعة جورج ماسون الأمريكية وخبير العلاقات الروسية في الشرق الأوسط، للموقع البريطاني: "لو كنتُ مكان الإيرانيين الآن سيكون عليّ الشعور بسعادة بالغة بأن أكون أنا وللمرة الأولى المدرب وليس المتدرب مع الروس".
وتُعَد روسيا ثاني أكبر مُصدِّر للأسلحة في العالم خلف الولايات المتحدة، لكنَّ صناعة موسكو الدفاعية تعرَّضت للشلل بسبب العقوبات الغربية وقيود التصدير.
ولم يُضِع المسؤولون الأمريكيون وقتاً للإشارة إلى مفارقة أنَّ الروس الآن يلجأون إلى الشرق الأوسط للحصول على الأسلحة. وقال مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)، بيل بيرنز، إنَّ ذلك يعكس "أوجه القصور في الصناعة الدفاعية الروسية".
في غضون ذلك، أجادت إيران في إنتاج طائرات دون طيار قتالية بمكونات رخيصة ومتاحة تجارياً في ظل واحدٍ من أقسى أنظمة العقوبات في العالم.
قال إيغور، وهو مقاتل أوكراني ومُشغِّل طائرات دون طيار سابق، إنَّه على دراية بالطائرات دون طيار الإيرانية من لقطاتها في العراق. وأضاف: "يمكنك القول إنَّها طائرات دون طيار رخيصة الصنع، لكن يبدو أنَّها فعَّالة".
وبرزت الطائرات دون طيار الإيرانية باعتبارها أحد أكبر التهديدات للقوات الأمريكية وحلفائها في الشرق الأوسط؛ إذ حذَّر العام الماضي 2021، قائد القوات الأمريكية في المنطقة من أنَّ الولايات المتحدة تعمل بدون سيادة جوية تامة للمرة الأولى منذ عقود بسبب الطائرات دون طيار.
ويُعتَقَد أنَّ إيران تقف وراء سلسلة من الهجمات البارزة باستخدام الطائرات دون طيار؛ إذ اتهمت الولايات المتحدة طهران بتدبير الضربة الجريئة على المنشآت النفطية السعودية عام 2019. وتعرضت الإمارات لقصف طائرات بدون طيار أطلقها المتمردون الحوثيون المتحالفون مع إيران في اليمن في وقتٍ سابق من هذا العام. وتُحمِّل الولايات المتحدة والبلدان الأوروبية طهران أيضاً مسؤولية هجوم بطائرة دون طيار الصيف الماضي على ناقلة نفط إسرائيلية قرب ساحل عُمان. وقد نفت إيران أي دور لها في الهجمات.
لكن المسيرات الإيرانية لم تُستخدَم حتى الآن في ساحة معركة تقليدية في أوكرانيا. وقال مايكل بريجنت، وهو ضابط استخبارات أمريكي سابق خدم في العراق، للموقع البريطاني: "ضربت كل الطائرات دون طيار الإيرانية حتى الآن أهدافاً ثابتة. إنَّها تركز على البنية التحتية ولديها حمولة محدودة. هل ستكون فعَّالة ضد دبابة؟".
أبلت الطائرات دون طيار الإيرانية بلاءً حسناً في الشرق الأوسط جزئياً؛ لأنَّها تصل أحياناً إلى أهدافها دون رصدها حين تحلق على ارتفاع منخفض من الأرض في المناطق التي تكون فيها أكثر عرضة لأنظمة الدفاع الجوي.
لكن في أوكرانيا، ستعمل الطائرات دون طيار الإيرانية في ساحة معركة شديدة الاكتظاظ تنتشر فيها مدفعية الدفاع الجوي ومعدات التشويش والرادارات بصورة أكبر. واعتاد الجيش الأوكراني بالفعل على اتخاذ إجراءات مضادة ضد الطائرات دون طيار الروسية التي يقول بريجنت إنَّها أكثر تطوراً.
وأضاف: "الروس الذين يتدربون على المُسيَّرات الإيرانية سيدركون إلى أي مدى هم يائسون كي يستخدموا تلك الأشياء فعلاً. هذه خطوة إلى الوراء بالنسبة للجيش الروسي".
توازنات بوتين "السياسية"
لكنَّ المحللين يقولون إنَّ الخيارات ربما نفدت من موسكو. فالبلاد تستنفد الطائرات دون طيار القتالية والذخائر المتسكعة، التي تشتهر أكثر باسم المُسيَّرات الانتحارية. وتتضاءل إمدادات الكرملين في الوقت الذي تتزايد فيه شحنات الأسلحة الغربية إلى أوكرانيا.
قال راعي البقر، المتعاقد العسكري الأمريكي السابق الذي واجه الطائرات دون طيار الإيرانية في العراق، إنَّه لا يعتقد أنَّ الطائرات دون طيار ستمنح روسيا أفضلية استراتيجية. وأضاف: "بشكل عام، لا أعتقد أنَّ الطائرات دون طيار الإيرانية ستُمثِّل تهديداً أكبر من أي شيء آخر قد تستخدمه روسيا بدلاً من ذلك".
وبصرف النظر عن الاستعراض في ساحة المعركة، فإنَّ شحنات الطائرات دون طيار من إيران إلى روسيا قد يكون لها تأثير خارج ساحة المعركة، لاسيما في الشرق الأوسط، إذا ما نُظِرَ إليها باعتبارها علامة على أنَّ موسكو تصبح معتمدة على إيران للحصول على المساعدة العسكرية.
قال كاتز من جامعة جورج ماسون: "بإمكانك أن تراهن وحسب على أنَّ عرب الخليج والإسرائيليين يراقبون هذا التطور عن كثب".
كانت روسيا قد عززت نفوذها في الشرق الأوسط جزئياً بسبب قدرتها على الاحتفاظ بعلاقات جيدة مع كل اللاعبين في المنطقة.
ففي حين تتحالف مع إيران في سوريا، تحتفظ أيضاً بخط فض اشتباك مع إسرائيل وتسمح للإسرائيليين بضرب الأهداف الإيرانية في البلاد بحصانة تامة تقريباً.
وعلى الرغم من احتفاظ بوتين بعلاقات أوثق مع إيران في خضم العزلة الغربية، واصل الرئيس الروسي تعزيز العلاقة مع ولي العهد السعودي، لا سيما من أجل التعاون بشأن الطاقة.
وإذا ما أصبح يُنظَر إلى روسيا باعتبارها معتمدة أكثر من اللازم على إيران، قد يؤثر ذلك على قدرة الكرملين على المناورة بين العديد جداً من الأطراف المتعارضة. ويقول محللون إنَّ تدريب الضباط الإيرانيين للروس على كيفية التحليق بالطائرات دون طيار يمكن أن يكون تطوراً من النوع الذي يدق ناقوس الخطر في تل أبيب والرياض.
فقال كاتز: "في أي مرحلة سيتم النظر إلى التدريب والمعدات الإيرانية لروسيا باعتبارها مشكلة بالنسبة لعرب الخليج والإسرائيليين؟ وهل سيكون الدفع لإيران لقاء الطائرات دون طيار بدرجة ما من الدعم الأكبر في الشرق الأوسط؟".
وأضاف: "كان بوتين يتلاعب بكل هذه البلدان. وقد تكون هذه بداية البداية لمعاناته من أجل إبقاء كل الكرات في الهواء في نفس الوقت".