أدى الحصار الروسي للموانئ الأوكرانية والتأثيرات المتتالية للعقوبات الغربية على موسكو إلى ارتفاع أسعار الغذاء العالمية، وأثارت أزمة الحبوب مخاوف من نقصٍ شديد يلوح بالأفق، وفاقم المخاوف بشأن زيادة الجوع في جميع أنحاء العالم.
هل تنتهي أزمة الحبوب بعد توقيع الاتفاق الروسي الأوكراني؟
تنتج أوكرانيا وروسيا حوالي ثلث القمح المتداوَل في الأسواق العالمية، وحوالي ربع الشعير في العالم، وفقاً للمعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، ومقره واشنطن. وتمثل الصادرات من البلدين -والتي تشمل أيضاً زيت دوار الشمس والذرة لإطعام الماشية -حوالي 12% من إجمالي السعرات الحرارية المتداولة.
قال وزير الزراعة، ميكولا سولسكي، في مقابلة مع وكالة Reuters البريطانية في يونيو/حزيران الماضي، إن الحرب قد تؤثر على ثلاثة محاصيل قمح متتالية على الأقل في أوكرانيا، حيث لا يزال محصول العام الماضي عالقاً في موانئ البحر الأسود، ولا يوجد مكان لتخزين المحاصيل الواردة.
اتهم مسؤولون أمريكيون وأوروبيون روسيا باستخدام الغذاء كسلاح، ودعوا إلى إعادة فتح موانئ أوكرانيا لعدة أشهر. تأتي الأزمة في وقت تتسبب فيه الكوارث المناخية والصراعات والضغوط الاقتصادية الناجمة عن جائحة كوفيد في تفاقم الجوع بالعديد من البلدان، لا سيما في إفريقيا والشرق الأوسط.
قد تؤدي الحرب في أوكرانيا إلى زيادة عدد الأشخاص الذين يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد بمقدار 47 مليوناً هذا العام، وفقاً للأمم المتحدة.
وتهدف الاتفاقية الموقَّعة بين روسيا وأوكرانيا برعاية تركية وأممية يوم الجمعة 22 يوليو/ تموز 2022، إلى التخفيف من حدة الأزمة، لكن من غير الواضح مدى سرعة وفعالية أن تؤدي إلى مغادرة الحبوب الموانئ الأوكرانية وتصل إلى الجياع. ومن أبرز البلدان التي تضررت بشدة من أزمة الحبوب:
نيجيريا
تعتمد نيجيريا، أكبر دول إفريقيا من حيث عدد السكان، بشكل كبير على استيراد الحبوب. يشكل القمح جزءاً كبيراً من النظام الغذائي، لكن 1% فقط من القمح المستهلك سنوياً يتم إنتاجه محلياً.
يعيش حوالي 43% من النيجيريين تحت خط الفقر. أدى سوء التغذية وانعدام الأمن الغذائي إلى إعاقة نمو أكثر من ثلث الأطفال دون سن الخامسة، وفقاً للإحصاءات الحكومية لعام 2018.
كانت نيجيريا من بين حفنة من الدول التي صُنِّفَت في أعلى مستوى تأهب في تقرير الأمم المتحدة الأخير "نقاط الجوع الساخنة". وهذا العام، من المتوقع أن يصل عدد الأشخاص في نيجيريا المدرجين ضمن فئة "الطوارئ" في نظام تصنيف انعدام الأمن الغذائي الدولي إلى ما يقرب من 1.2 مليون بين يونيو/حزيران، وأغسطس/آب.
الصومال وإثيوبيا
يتعامل كل من الصومال وإثيوبيا مع تقاطعٍ قاتل للتغيُّر المناخي والصراع وارتفاع أسعار المواد الغذائية.
إلى جانب كينيا، تمر البلدان بأسوأ موجة جفاف منذ أربعة عقود. ووفقاً للأمم المتحدة، يواجه أكثر من 18.4 مليون شخص في الصومال وإثيوبيا وكينيا انعداماً حاداً في الأمن الغذائي.
قال ديفيد لابورد، كبير الباحثين في المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، إنه بسبب "الظروف المناخية الشديدة للغاية"، احتاجت دول القرن الإفريقي إلى استيراد مزيد من الغذاء أكثر من المعتاد هذا العام. لكن الصومال يعتمد على روسيا وأوكرانيا في أكثر من 90% من وارداتها من القمح.
تزيد النزاعات الداخلية من تعقيد الوصول إلى الغذاء. في الصومال، لا يزال القتال بين الحكومة ومسلحي حركة الشباب المرتبطين بالقاعدة يدفع إلى نزوح السكان. وفي إثيوبيا، تقاتل حكومة رئيس الوزراء أبي أحمد المتمردين من منطقة تيغراي الشمالية منذ عام 2020. وقد احتاج أكثر من 9 ملايين شخص إلى مساعدات غذائية بسبب الحرب، وفقاً للأمم المتحدة، وكان مئات الآلاف على شفا المجاعة خلال بعض الفترات.
ساهمت الحرب في أوكرانيا في ارتفاع أسعار المواد الغذائية في إثيوبيا هذا الربيع، حيث أبلغت منظمات الإغاثة عن "نقص هائل" في الخبز والنفط.
تقع الصومال وإثيوبيا أيضاً ضمن فئة التأهب القصوى للأمم المتحدة -المرحلة 5 من تصنيف المرحلة المتكاملة- حيث "يُتوقَّع تعرض بعض السكان للجوع أو الموت".
وقد يواجه أكثر من 80 ألف شخص في الصومال هذه الظروف هذا العام، وفقاً لتوقعات الأمم المتحدة. ويموت الأطفال بالفعل بسبب سوء التغذية، ويحتاج ما يقرب من مليوني طفل في جميع أنحاء إثيوبيا وكينيا والصومال إلى العلاج بشكل عاجل. وقد فر أكثر من نصف مليون صومالي من منازلهم، بحثاً عن الطعام في الربع الأول من هذا العام.
مصر
قالت كورين فلايشر، المديرة الإقليمية لبرنامج الغذاء العالمي، لصحيفة Washington Post الأمريكية في مايو/أيار الماضي، إن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تتأثر بشكل خاص بالصراع بسبب قربها من البحر الأسود.
تتسبب جائحة كوفيد في ارتفاع معدلات الجوع في المنطقة بنسبة 25%، وقالت فلايشر: "نتوقع زيادة أخرى بنسبة 10 إلى 12%، لأن الأشخاص المعرضين للخطر الآن يحصلون على أسعار أعلى، وهذا سيجعلهم يعتمدون على تلقي المساعدات الغذائية".
وأضافت أن مشكلات الإمدادات وارتفاع أسعار المواد الغذائية الناجمة عن الحرب قد تكون "القشة التي تقصم ظهر البعير".
وتُعد مصر أكبر مستورد للقمح في العالم. قدمت روسيا وأوكرانيا معاً أكثر من 80% من واردات البلاد من القمح قبل الحرب.
الخبز المسطح "البلدي" التقليدي هو العمود الفقري للنظام الغذائي المصري، وتدعم الحكومة الخبز لأكثر من 70 مليون من سكان مصر البالغ عددهم 102 مليون نسمة تقريباً.
وقال لابورد إن المجاعة ليست مصدر قلق في مصر. في المقابل، تدور المخاوف حول التكلفة التي تتحملها الحكومة "للحفاظ على برامج شبكات الأمان الاجتماعي وتجنب نوع من عدم الاستقرار السياسي"، على حد قوله.
أبقت الحكومة دعم الخبز ساري المفعول، لكنها أضافت شروطاً أكثر صرامة للحد من الإنفاق. وهي تضع قيوداً على المبلغ الذي يمكن للبائعين تحصيله مقابل الخبز البلدي غير المدعوم -لذلك تتحمل المخابز وبائعي الخبز العبء الأكبر من ارتفاع أسعار القمح العالمية.
وقد وافق البنك الدولي على قرض قيمته 500 مليون دولار في أواخر يونيو/حزيران؛ لدعم جهود مصر لضمان حصول الأسر الفقيرة والضعيفة على الخبز. ستوجه الأموال أيضاً نحو تغييرات في سياسات الأمن الغذائي. أخبر الرئيس بايدن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال اجتماع في جدة بالسعودية هذا الشهر أن الولايات المتحدة ستقدم مليار دولار كمساعدات جديدة لمعالجة الأمن الغذائي في الشرق الأوسط، منها 50 مليون دولار لمصر على وجه التحديد.
اليمن
كان برنامج الأغذية العالمي يوفر بالفعل الغذاء لـ13 مليون شخص في اليمن، حيث أدت حرب أهلية طويلة إلى ارتفاع أسعار الغذاء والوقود، وتسببت في أزمة جوع واسعة النطاق.
تشتري الوكالة عادة نصف القمح لمساعدتها الغذائية العالمية من أوكرانيا. في الوقت الذي يحتاج فيه المزيد من الناس حول العالم إلى المساعدة، ارتفعت تكلفة تقديمها، مما ترك الوكالة تعاني من نقص في الميزانية. وأعلن برنامج الأغذية العالمي الشهر الماضي أنه علق جزءاً من مساعداته الغذائية في جنوب السودان بعد نفاد التمويل.
وكجزءٍ من مشروع قانون المساعدات الأوكرانية الذي أقره المشرعون في مايو/أيار، خصصت الولايات المتحدة 5 مليارات دولار لمعالجة نقص الغذاء العالمي الناجم عن الحرب.
ومع ذلك، بالنسبة لبعض الناس في البلدان المعرضة للمجاعة والغارقة في الصراع، فإن آثار الحرب في أوكرانيا يمكن أن تحدث فرقاً يحفظ حياة الناس.