بدأت التحذيرات من "الكارثة الحرارية" التي نبهت إليها السلطات الفرنسية مؤخراً تظهر في جميع أنحاء أوروبا. وسط اندلاع حرائق الغابات أُجلي أكثر من 15 ألف شخص من منازلهم في فرنسا. وشهدت بريطانيا ذوبان مدارج المطارات وتباطؤ حركة القطارات خوفاً من التواء القضبان الفولاذية. ويعتقد خبراء الأرصاد الجوية أن يوم الثلاثاء، 19 يوليو/تموز 2022، الذي شهد حرائق واسعة، قد يكون أكثر الأيام حرارة على الإطلاق في بعض أجزاء الجزر البريطانية، لكن كيف يؤثر كل ذلك على أزمة الطاقة في أوروبا ويعمّقها؟
التغير المناخي يشعل موجات حر كارثية في أوروبا
ارتفعت درجات الحرارة إلى 46 درجة مئوية في مناطق من شبه جزيرة إيبيريا، ما تسبب في اشتعال عشرات حرائق الغابات. على مدار الأسبوع الماضي شهدت إسبانيا والبرتغال تسجيل أكثر من 1000 حالة وفاة بسبب الحرارة. تعاني المستشفيات من أعباء زائدة في ظل زيادة أعداد الإصابات بفيروس كورونا من جديد، كما يحذر علماء البيئة من تأثيرات الجفاف العميقة مثل انخفاض منسوب المياه الجوفية وتلف المحاصيل.
ربط سياسيون غربيون درجات الحرارة العالية بالتغير المناخي. وقال رئيس الوزراء البرتغالي، أنطونيو كوستا، إن "الأمة لا يمكنها إهدار المزيد من الوقت"، وحث على الاستثمار بشكل أسرع في الطاقة المتجددة. وأثناء جولة رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز، في منطقة إكستريمادورا التي دمرتها حرائق الغابات، يوم الإثنين 18 يوليو/تموز، قال: "في نهاية المطاف التغير المناخي يقتل؛ يقتل البشر، ويقتل النظام البيئي، والتنوع البيولوجي".
لكن في الوقت الذي أدرك فيه العلماء وصناع السياسات في أوروبا أهمية مواجهة الخطر الذي يلوح في الأفق على مستوى الكوكب بأسره، تضغط الأحداث العالمية الأكثر إلحاحاً على حكومات أوروبا للسير في الاتجاه المعاكس كما تقول صحيفة The Washington Post الأمريكية.
وأدى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى فوضى عارمة في أسواق الطاقة العالمية وفرض عقوبات غربية على الوقود الأحفوري الروسي، ما أدى بدوره إلى ارتفاع تكلفة الطاقة الكهربائية في أوروبا، مع تدهور الحال في بعض الدول بسبب اعتمادها الكبير على الغاز الروسي.
روسيا تزيد من جراح أوروبا والمناخ كذلك
تلوح في الأفق أسئلة حول إمدادات الغاز في أوروبا، حيث تحاول البلدان ملء مرافق التخزين قبل الشتاء. قال فاتح بيرول، المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية: "ستكون الشهور المقبلة حرجة للغاية، إذا قررت روسيا قطع إمدادات الغاز تماماً قبل أن تتمكن أوروبا من رفع مستويات تخزينها إلى 90% سيكون الوضع أكثر خطورة".
تعاني ألمانيا بشكل خاص مما قد يحدث أو لا يحدث، بناء على قرارات الرئيس الروسي وشركة الطاقة الروسية العملاقة Gazprom بخصوص قطع الإمدادات، الخطوة التي قد تضر موسكو، لكنها ستخنق عدداً من الاقتصاديات الكبرى في أوروبا.
بعيداً عن الحرب يدفع القادة الأوروبيون نحو مستقبل طاقة لا يعتمد على روسيا، لكنهم قد يواجهون عجزاً كبيراً على المدى القريب. أدت احتمالية قطع إمدادات الطاقة الروسية إلى خطوات إشكالية لبعض القادة في أوروبا. على سبيل المثال اتخذ روبرت هابك، أحد أبرز السياسيين المناصرين للطاقة الخضراء في أوروبا، تدابير تتعارض بشكل مباشر مع التزامات الحد من الانبعاثات التي تعهدت بها الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ولم يكن الوحيد الذي فكر في هذا التوجه.
وتقول محللة العلاقات الدولية كونستانز ستيلزينمولر: "خيارات ألمانية محدودة وغير مثالية، وغير سعيدة. يعيد روبرت هابك محطات الفحم القذرة للعمل مرة أخرى، ويطلب من الأشخاص تقليل مرات استحمامهم، وبدأ تخفيف القيود البيئية لبناء محطات ثابتة للغاز الطبيعي المسال؛ وحتى إنشائها يستأجر محطات عائمة متنقلة، وبدأ يتقرب لزعماء الخليج المستبدين بحثاً عن إمدادات بديلة للغاز الطبيعي المسال".
خيارات صعبة أمام أوروبا لحل أزمة الطاقة
يمكن القول إن أوروبا تقود العالم في انتقاله إلى الطاقة المتجددة، لكن لا تزال معظم دول أوروبا تعتمد على الغاز الطبيعي في اقتصادها. وحول ذلك تقول وكالة Bloomberg الأمريكية إن "حرب أوكرانيا أوضحت مستوى الطموحات الواقعية لأوروبا، مع اعتمادها على الغاز من روسيا لإبقاء الأنوار مضاءة والمصانع تعمل، مع انتظار مكافآت بمئات المليارات من أجل التخطيط للاستثمار في تقنيات الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية لخفض الانبعاثات الناتجة عن الصناعات الثقيلة".
والآن، يتوقع المحللون ارتفاعاً كبيراً في الانبعاثات الكربونية في المستقبل القريب. كثفت العديد من الدول الأوروبية من استخدام الفحم، بل وشجعت أيضاً استثمارات جديدة في استخراج الوقود الأحفوري وتخزينه على المدى الطويل، وهناك مخاوف من احتمالية نجاح مساعيهم.
على الجانب الآخر، يرى الخبراء أيضاً أن الحكومات الأوروبية تضاعف استثماراتها في مشروعات الطاقة المتجددة، بما في ذلك التوسعات الرئيسية في استغلال الطاقة الشمسية في الاتحاد الأوروبي. وفقاً لتحليل مؤسسة Ember ومركز البحوث والهواء النظيف، تشير التوجهات الحالية إلى أن 63% من إنتاج الطاقة الكهربائية في الاتحاد الأوروبي سيكون من مصادر متجددة بحلول 2030.
وقال تشارلز مور، رئيس برنامج مؤسسة Ember لقارة أوروبا: "من الخطر دائماً السماح بانبعاثات كربونية أعلى، ولكن إذا اقترن ذلك بالتركيز الشديد على استغلال طاقة الرياح والطاقة الشمسية، قد يعني ذلك انتقالاً سريعاً للاعتماد على الطاقة المتجددة. قد أعتبرها استراتيجية خطيرة إذا توافرت لدينا خيارات أخرى، لكن للأسف لا توجد خيارات أخرى حالياً".
موسكو تُخطر أوروبا بإشعار "القوة القاهرة" بشأن إمدادات الغاز
وأخطرت شركة غازبروم الروسية الحكومية العملاقة بعض عملائها الأوروبيين بإشعار "القوة القاهرة"، ما يعني إخلاء مسؤوليتها عن أي نقص في إمدادات الغاز بسبب "ظروف غير عادية"، حسبما نقلت صحيفة The Washington Post الأمريكية.
وجاء إخطار الشركة الروسية يوم الخميس، 14 يوليو/تموز 2022، في حين أكدت شركات أوروبية تلقيها الإشعار الذي يُخطر الشركات بتفعيل مادة "القوة القاهرة" بأثر رجعي على إمدادات الغاز، منذ 14 يونيو/حزيران المنصرم.
ومن المتعارف عليه أن بند القوة القاهرة في أي تعاقد يعفي الأطراف من مسؤولية الوفاء بالتزاماتها في الظروف غير العادية والاستثنائية خارج نطاق سيطرة طرف التعاقد، مثل الحروب أو العواصف أو الحرائق.
ومن خلال تفعيل هذا البند، توضح شركة غازبروم أنها لا تتحمل المسؤولية عن عدم إرسال شحنات الغاز المقررة إلى أوروبا بسبب حالة الحرب.
بدورها، أكدت شركة "يونيبير" (Uniper) الألمانية، أكبر مستورد للغاز الروسي، أنها تلقت إشعاراً من شركة غازبروم "تزعم فيه الشركة تفعيل بند القوة القاهرة بأثر رجعي على نقص إمدادات الغاز السابقة والحالية". وقال المتحدث باسم الشركة الألمانية: "نعتبر هذا الإشعار غير مبرر، ورفضنا رسمياً ادعاءات القوة القاهرة". كما تلقت شركة RWE، أكبر منتج للطاقة في ألمانيا، إشعاراً مماثلاً من الشركة الروسية، لكنها رفضت التعليق على الأمر، بحسب الصحيفة الأمريكية.