لا يبدو أن الرئيس جو بايدن يدرك مدى عمق الأزمات التي تعاني منها الولايات المتحدة، وهو ما تعكسه خطاباته "المتفائلة"، فهل يلقى مصير جيمي كارتر ويعود الجمهوريون للبيت الأبيض سريعاً؟
رصد تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية المشهد الأمريكي في تقرير عنوانه "بايدن في خضم أزمة مع مواصلة شبح فشل كارتر في الفوز بولاية رئاسية ثانية في مطاردة البيت الأبيض"، ألقى الضوء على ما يبدو أنه انفصال عن الواقع من جانب أكبر رؤساء الولايات المتحدة سناً.
ففي خطابه بمناسبة احتفال الولايات المتحدة بذكرى الاستقلال، قال بايدن: "لم أكن قط متفائلاً بشأن أمريكا أكثر مما أنا عليه اليوم". وأضاف الرئيس لعائلات العسكريين المجتمعة في الحديقة الجنوبية للبيت الأبيض: "بالطبع واجهنا تحديات خطيرة"، معترفاً بأنَّ الأمة لديها تاريخ حافل من إحراز الكثير من التقدم نحو الأمام رغم حدوث بضع الانتكاسات.
بايدن "متفائل"، ولكن!
ومع ذلك، ألقى بايدن خطاباً متفائلاً عكس في كثير من الأحيان إيمانه الراسخ المطمئن بالتجربة الأمريكية في الذكرى الـ246 لتأسيس الولايات المتحدة.
لم يعد العديد من الأمريكيين، حتى أنصاره، يشاركون الرئيس هذا الإيمان. بالنسبة للعديد من المراقبين، يبدو أنَّ فترة رئاسة بايدن تعاني من أزمة عميقة يكافح من أجل التصدي لها. بدأ شبح جيمي كارتر- الديمقراطي الذي تولى الرئاسة لفترة ولاية واحدة وكان فشله في الفوز بانتخابات عام 1980 إيذاناً ببدء عهد رونالد ريغان- يطارد البيت الأبيض.
مع عقود من معدلات التضخم المرتفعة، ووقوع حوادث إطلاق نار جماعي بشكل شبه أسبوعي، وتوالي الإفصاحات المقلقة حول محاولات دونالد ترامب لقلب دفة هزيمته في الانتخابات، والقرارات المتعاقبة للمحكمة الأمريكية العليا التي غيرت المشهد السياسي في البلاد باتجاه اليمين، فإنَّ خطاب بايدن اللطيف أذهل حتى زملائه الديمقراطيين باعتباره غير ملائم لما يرون أنَّها لحظة خطر وجودي تمر بها البلاد.
أظهر استطلاع رأي جديد أجرته جامعة "مونماوث" مدى عمق النظرة المتشائمة للأمريكيين، حيث يعتقد 10% فقط من الأمريكيين حالياً أنَّ البلاد تسير في الاتجاه الصحيح، مقارنةً بـ88% يقولون إنَّها في الاتجاه الخاطئ.
ووفقاً لآخر استطلاع رأي أجرته مؤسسة "غالوب" الأمريكية، تراجعت الثقة في مؤسسات الدولة إلى أدنى مستوياتها هذا العام، حيث عانت مؤسسة الرئاسة والمحكمة العليا من تراجعات حادة في مستوى الثقة والتأييد، بينما حصل الكونغرس على أدنى مستويات الثقة بنسبة 7% فقط.
في هذا الصدد، قال الخبير الاستراتيجي الديمقراطي، تري إيستون للصحيفة البريطانية: "سيكون الوضع أكثر منطقية في حال اقترن هذا التفاؤل المشرق بخطوات فعلية لتأمين المستقبل الذي يزعم الرئيس أنَّه متحمس له. لكن خطاب بايدن في الوقت الحالي يبدو منفصلاً تماماً عن الواقع الذي يعيشه العديد من الأمريكيين، لا سيما مَن عملوا جاهدين من أجل فوزه هو ونائبته كامالا هاريس".
حكم "الإجهاض" يخدم الجمهوريين بقوة
أنهت المحكمة العليا الأمريكية، في الشهر الماضي، الحق الدستوري للمرأة في الإجهاض، وهو ما مهَّد الطريق لقيود جديدة في الولايات التي يسيطر عليها الجمهوريون في جميع أنحاء البلاد. في غضون ذلك، يدق خبراء مؤيدون للحزب الديمقراطي ناقوس الخطر مع تقدم المرشحين الجمهوريين، الذين تبنوا نظريات مؤامرة بشأن انتخابات 2020، في الانتخابات التمهيدية للكونغرس. في خضم هذه الظروف، يناشد العديد من المؤيدين والحلفاء بايدن من أجل قيادة البلاد بمزيد من الحزم والقوة التي يعتقدون أنَّ هذه المرحلة تتطلبهما.
وقَّع بايدن يوم الجمعة 8 يوليو/تموز على أمر تنفيذي يهدف إلى حماية حق الإجهاض، وذلك تحت ضغط متزايد من مؤيديه وحلفائه من أجل إظهار استجابة أكثر حزماً. وحذر بايدن من أنَّ الجمهوريين سيواصلون السعي من أجل فرض حظر وطني كامل على عمليات الإجهاض في حال فوزهم بأغلبية مقاعد الكونغرس في نوفمبر/تشرين الثاني.
رحب الديمقراطيون على نطاق واسع بهذا الأمر التنفيذي، في حين لا يزال البعض الآخر يأمل في أن يكون هذا الإجراء مجرد "خطوة أولى" في سلسلة إجراءات دعا إليها الديمقراطيون، مثل فتح عيادات لتقديم خدمات الإجهاض على أراضي فدرالية في الولايات المحظور فيها الإجهاض.
ذكرت وكالة بلومبرغ الأمريكية، قبل توقيع بايدن الأمر التنفيذي يوم الجمعة، أنَّ البيت الأبيض يدرس إعلان حالة طوارئ للصحة العامة على المستوى الوطني لحماية حقوق الإجهاض. كان عدد من المشرعين والنشطاء الديمقراطيين حثوا بايدن على فعل ذلك، لكنه تراجع في نهاية المطاف.
تسبَّب هذا الإحجام، وهو سمة مميزة لمسيرة بايدن السياسية على مدى عقود، في إحباط العديد من الديمقراطيين الذين يخشون أنَّ مستقبل الديمقراطية نفسها بات محل تهديد. قال تري إيستون للغارديان: "كل شيء بات على المحك الآن ولا يبدو أنَّ الرئيس يدرك ذلك".
هل يتخلى الديمقراطيون عن بايدن؟
أثارت التقارير الجديدة عن البيت الأبيض، الذي يكافح من أجل الاستجابة للتحديات المتزايدة، نقاشاً بين الديمقراطيين حول ما إذا كان ينبغي دعم إعادة انتخاب بايدن في عام 2024.
تصاعدت التكهنات في الأسابيع الأخيرة حول البدائل المحتملة، التي تشمل حاكم ولاية كاليفورنيا، جافين نيوسوم، الذي نجح في جعل نفسه أحد قادة الكفاح من أجل حماية حق المرأة في الإجهاض. وهناك أيضاً حاكم ولاية إلينوي، جي بي بريتزكر، الذي أبدى استجابة صاخبة على حادث إطلاق النار في يوم الاستقلال في ولايته، وهو ما يتناقض مع نهج بايدن الأكثر تحفظاً.
قال بريتزكر: "إذا كنت غاضباً اليوم، فأنا هنا لأقول لك: اغضب". في المقابل، أدان بايدن الهجوم في بيان رسمي، واصفاً إياه بأنَّه "عمل عنيف أخرق"، ووقف دقيقة حداداً في البيت الأبيض على أرواح الضحايا.
رفض البيت الأبيض هذه الانتقادات، مجادلاً أنَّ بايدن استجاب بسرعة وبقوة للأزمات المتصاعدة التي تواجهها البلاد. ورداً على سؤال حول انتقادات الديمقراطيين لبايدن، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارين جان بيير، إنَّ الرئيس اتخذ إجراءات سريعة لمواجهة الأزمات.
تأتي مخاوف الديمقراطيين في الوقت الذي يواجه فيه الحزب مشهداً انتخابياً يُمثّل تحدياً تاريخياً، حيث يُتوقع فوز الجمهوريين بأغلبية مقاعد الكونغرس في نوفمبر/تشرين الثاني.
قالت كريستينا تزينتزن راميريز، الرئيسة والمديرة التنفيذية لمنظمة NextGen America، التي تحشد الناخبين الشباب حول القضايا الوطنية الملحة، إنَّ قرار المحكمة العليا بشأن إلغاء حق الإجهاض أوضح المخاطر بالنسبة لكثير من الشباب، لكنهم أيضاً يبحثون عن قيادة جريئة في واشنطن. وأضافت كريستينا: "يتعيَّن على الديمقراطيين مناقشة كافة الخيارات لمنع أقلية يمينية متطرفة من الاستحواذ على كل مؤسسة رئيسية في بلادنا".
قال بايدن يوم الجمعة إنَّ سلطاته التنفيذية محدودة، وإنَّ الديمقراطيين يفتقرون إلى عدد المقاعد اللازمة في الكونغرس لحماية حق الإجهاض على مستوى جميع الولايات الأمريكية، مناشداً الأمريكيين الغاضبين من قرار المحكمة العليا ضرورة الإدلاء بأصواتهم حتى يتسنى لهم تغيير الوضع.
أزمات لا تنتهي
ظل البيت الأبيض على مدار أشهر ينتقل من أزمة إلى أخرى. ساهمت أزمات متوالية، بدايةً من التضخم والحرب في أوروبا ووصول أسعار الغاز إلى مستويات قياسية وجائحة كورونا المستمرة وصولاً إلى أزمة نقص حليب الأطفال، في تنامي الاستياء على المستوى الوطني وتراجع نسب تأييد بايدن في استطلاعات الرأي.
قالت سارة لونغويل، الخبيرة الاستراتيجية الجمهورية المعتدلة والتي تنظم مجموعات تركيز مع نساء الضواحي، إنَّ الناخبات يخبرنها باستمرار أنَّهن يتمنين سماع المزيد من بايدن في مواجهة هذا المشهد السياسي الصعب. وأضافت أنَّ الناخبين يرغبون في رؤية "استعداد بايدن لمواجهة العناصر الأكثر تطرفاً في الحزب الجمهوري".
وتابعت سارة لونغويل: "يرغب الناس في اصطحاب أطفالهم إلى موكب الاحتفال بعيد الاستقلال بدون القلق من احتمالية تعرّض أحدهم لإطلاق نار. ويريدون من قائدهم أن يعكس لهم العزيمة والإرادة لتحقيق تلك الرغبة".
سعى بايدن لفعل ذلك، حيث هاجم الجمهوريين لمتابعتهم السعي من أجل فرض حظر تام على عمليات الإجهاض دون استثناءات، وسلَّط الضوء على حالة ضحية اغتصاب تبلغ من العمر 10 سنوات أُجبرت على السفر خارج الولاية لإجراء عملية إجهاض.
أيَّد بايدن في وقت سابق استخدام آلية التعطيل (أو المماطلة السياسية) المتبعة في مجلس الشيوخ من أجل تمرير إجراءات حماية حق الإجهاض، لكنَّه رفض حتى الآن تبني دعوات لإصلاح المحكمة مثل تحديد مدتها أو نطاق صلاحياتها.
قال ويليام هاول، المؤلف الأمريكي وأستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو: "إذا كنت تريد الالتزام بالديمقراطية في هذه المرحلة الراهنة، فإنَّ ما يتعيّن عليك فعله هو عدم تمجيد مؤسساتنا على وضعها الموجود حالياً، ولكن الشروع في العمل على إدخال تعديلات على هذه المؤسسات لكي تلبي المتطلبات الحالية"، مؤكداً أنَّ "التزام بايدن بالمعايير والتقاليد الديمقراطية أمر بالغ الأهمية، لا سيما بعد سنوات حكم ترامب، لكن هذا لا ينبغي أن يعيقه عن تلبية حاجتنا الماسة لهذا الإصلاح المؤسسي".