أنقذ أوبر وأرسل روبوتات لأمريكا.. قصة “ياندكس” منافس جوجل الروسي، وكيف غيرته حرب أوكرانيا للأبد؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2022/07/07 الساعة 09:40 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/07/07 الساعة 09:40 بتوقيت غرينتش
روبوت تابع لشركة ياندكس لتوصيل وجبات المطاعم الساخن، في منطقة تجارية في موسكو /رويترز

كان عملاق التكنولوجيا الروسية "ياندكس" Yandex يوصف بأنه النسخة الروسية من جوجل، وكانت أنشطته تمتد لكافة أنحاء العالم، بما فيها الدول الغربية التي أصبح كثير من مواطنيها يعتمدون عليه.

ولكن بعد حرب أوكرانيا أصبحت شركة "ياندكس" الروسية التي أطلقت محرك بحثها قبل جوجل، في موقف لا تحسد عليه، حسب تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.

قبل بضعة أشهر كانت شركة "ياندكس" Yandex تُوصف بأنها قصة نجاح قلَّ مثيلها بين الشركات الروسية، حيث توسعت من شركة ناشئة صغيرة لتصبح شركة تقنية عملاقة، لا تهيمن على عمليات البحث وخدمات النقل في جميع أنحاء روسيا فحسب، بل تتفاخر بتوسعها المتزايد إلى بقية أرجاء العالم.

كان من الممكن أن تستعين بتطبيق "ياندكس" لطلب سيارة أجرة في مدن تمتد في مختلف أنحاء العالم، من أبيدجان وساحل العاج في إفريقيا، إلى أوسلو والنرويج في أوروبا، أو طشقند وأوزبكستان في آسيا. وكانت الشركة تقدم خدمات تسليم البقالة في لندن وباريس وتل أبيب. وأطلقت ياندكس 50 روبوتاً تجريبياً في حرم جامعة ولاية أوهايو الأمريكية، استعان بها الطلاب لجلب طلبات الطعام، وكانت الشركة الروسية عازمة على توسيع نطاق خدماتها إلى نحو 250 جامعة أمريكية.

"ياندكس" كانت أكثر الشركات جاذبية في روسيا، والآن الموظفون يهربون منها

كثيراً ما كان يطلق على ياندكس "أكثر الشركات جاذبية في روسيا"؛ فقد وظفت أكثر من 18 ألف شخص، وبات مؤسسوها من أصحاب المليارات، وبلغت القيمة التجارية للشركة ذروتها في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بأكثر من 31 مليار دولار. لكن كل ذلك تغيَّر بعد أن غزا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أوكرانيا.

كأن الحال تبدلت بين عشية وضحاها، فبعد أن انسحب المستثمرون الغربيون من روسيا وفرضت الحكومات الغربية عقوبات اقتصادية قاسية على البلاد، تهاوت قيمة الشركة إلى أقل من 7 مليارات دولار، وأوقفت بورصة "ناسداك" التداول على أسهمها.

اضطرت الشركة في ظل النفور المباغت من كل ما هو روسي إلى إغلاق كثيرٍ من فروعها الدولية، وإيقاف خدمات التوصيل في لندن وباريس وكولومبوس.

وما زاد الطين بلة، أن آلافاً من موظفي الشركة (ما يقرب من سدس العدد الإجمالي لموظفيها) فروا من روسيا. وتنحى أركادي فولوز، مؤسس الشركة، ونائبه الأول عن منصبيهما بعد أن فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على كليهما، واتهمها بالمشاركة في حملة التضليل التي يشنها الكرملين.

هل تتعرض للإفلاس؟

ليست الشركة بصدد الإفلاس. ومع ذلك، فإن الانهيار المباغت في قيمتها لا يكتفي باستدعاء العبرة والحذر للمستثمرين الراغبين في المجازفة في بلد سلطوي تتحكم به أهواء الحاكم الواحد، حسب تعبير الصحيفة الأمريكية.

بل إن ياندكس تمثل أيضاً رمزاً للمشكلات التي تعانيها الشركات الروسية في ظل ما يشهده اقتصاد البلاد من تغيرات جذرية، وما يشهده المجتمع كله من انقسام متزايد بشأن الحرب.

أنشأت شركة "ياندكس" محركها البحثي الذي حمل الاسم نفسه قبل حتى أن يتأسس محرك جوجل الشهير، وقدَّم محرك البحث الروسي خدمات لا تُحصى، شملت التجارة الإلكترونية والخرائط وخدمات تشغيل الموسيقى والتخزين السحابي والسيارات ذاتية القيادة. 

العالم كان معجباً بمحرك البحث الروسي المميز

وقد أُعجب المستثمرون الأجانب بالمحرك البحثي المتميز، أما الروس فكانوا يشبهونه بجِنِّي المصباح القادر على تحقيق رغباتهم في غمضة عين، والذي جمع بين طياته مزيجاً من خدمات جوجل و"أوبر" و"أمازون" و"سبوتيفاي"، كلها مدمجة في محرك واحد.

كان العمود الفقري لنجاح ياندكس بين غيرها من محركات البحث ومزودي الخدمات، كما هو الحال مع جوجل وعمالقة وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى، هو ثقة الجمهور. 

فقد بلغ عدد الزوار اليومي للصفحة الرئيسية للموقع قبل الحرب نحو 50 مليون روسي، وكانت قائمة العناوين الخمسة الرئيسية التي تتصدر الموقع أبرز مصدر للمعلومات اليومية لكثير من الروس.

الكرملين اخترق أنشطتها بشكل غير فج، ولكن بعد الحرب هيمن عليها

انطوت الشركة على ثغرة كان من الممكن أن تظل مخفية عن العيان لولا حرب أوكرانيا. والمقصود بالثغرة هو أن المسؤولين التنفيذيين في "ياندكس"، ومستخدمي خدماته أنفسهم، تقبلوا بمرور الوقت أن يكون الكرملين مصدراً للأخبار، وعوَّلت الشركة على كون الأخبار الواردة من الكرملين مجرد شريحة محدودة ضمن خدمات واسعة النطاق لإمبراطورية تكنولوجية رائدة ومترامية الأطراف. لكن غزو أوكرانيا وما أعقبه من قمع الكرملين لأي نقاش عام بشأن الحرب، سرعان ما أوقع ياندكس في موضع الحرج منها والاستهزاء بها.

انتشرت عبر الإنترنت سخرية بعض المستخدمين من شعار "ياندكس" طويل الأمد: "ياندكس.. حيث يمكنك أن تجد كل شيء"، وقالوا إن الأجدر به أن يكون: "ياندكس، حين يمكنك أن تجد كل شيء ما عدا الحقيقة"، أو "ياندكس.. حيث يمكنك أن تجد كل شيء ما عدا المبادئ".

كشفت لقاءات مع 10 موظفين سابقين وحاليين في "ياندكس" عن معضلة تعيشها الشركة بين طرفين لا يمكن التوفيق بينهما؛ فمن ناحية، مطالب الكرملين العازم على خنق أي معارضة لما تسميه روسيا "عمليتها العسكرية الخاصة" في أوكرانيا، ومن الناحية الأخرى، مطالب الحكومات الغربية وفزع المستثمرين والشركاء من الحرب الروسية، علاوة على انتقادات الشرائح المعارضة للكرملين من الجمهور الروسي.

حاولت أن تبقى محايدة، ولكن نجاحها لفت انتباه الكرملين

تأسست شركة "ياندكس" في عام 1997، ولطالما ادعت أنها تدير 60% من عمليات البحث على الويب في روسيا. وبعد أن كان المتحكم في سوق سيارات الأجرة في روسيا مجموعات عشوائية من السائقين المتنافسين على بضعة روبلات زائدة، تبدلت الأحوال مع تنظيم ياندكس لسوق سيارات الأجرة في البلاد، ثم شراكتها مع أوبر، بعد عجز الأخيرة عن اختراق السوق الروسي. وقدمت الشركة خدماتها في روسيا وكثير من دول الاتحاد السوفيتي السابق، حتى توسعت Yandex Taxi إلى نحو 20 دولة.

ما لبثت ياندكس، مثل غيرها من الشركات الناجحة في روسيا، أن لفتت انتباه الكرملين، لا سيما أنها شركة تعمل أيضاً في مجال الأخبار. وبدأ مسؤولو الكرملين في الضغط على الشركة لتعديل قائمة مصادر الأخبار المقبولة، وحتى عناوين الأخبار في بعض الأحيان.

قال جون دبليو بوينتون، رجل الأعمال الأمريكي ورئيس مجلس إدارة الشركة، في لقاء أُجري معه في يونيو/حزيران: "لقد تصاعد الضغط علينا منذ عام 2014، وقد بذلنا كل ما في وسعنا لنبقى شركة محايدة. نحن لا نتدخل في السياسة، ولم نُرد التدخل فيها قط".

ومع ذلك، استمر الكرملين في تقويض استقلال الشركة، وأجبرت القوانين الجديدة شركات تجميع الأخبار ومحركات البحث على استخدام المصادر الرسمية للدولة، وكانت الحكومة الروسية تعمل في الوقت نفسه على تعزيز سيطرتها على هيكل إدارة الشركة.

قالت إستر دايسون، وهي عضوة سابقة بمجلس إدارة الشركة استقالت عند بدء الحرب: "لقد كانوا يمهدون للتحكم في زمام الأمور عند الحاجة إلى ذلك"، أما الآن فقد أصبح من الواضح أن الكرملين "يتقدم نحو السيطرة الكاملة" على الشركة.

معارضو بوتين يعتبرونها أداة دعائية في يده وأوروبا تعاقبها

بعد إعلان "العملية العسكرية الخاصة" في 24 فبراير/شباط، سارع بوتين بإصدار قانون يجرِّم نشر "الأخبار الكاذبة" عن الجيش، ويفرض عقوبات تصل إلى 15 عاماً وغرامات باهظة على المخالفين.

كتب أليكسي نافالني، زعيم المعارضة الروسية المسجون، على تويتر: "لا تنسوا أن الداعية الرئيسي للحرب ليس التلفزيون، بل عملاق تكنولوجيا المعلومات الروسي ياندكس".

أليكسي نافالني، زعيم المعارضة الروسية المسجون،اعتبر أن الداعية الرئيسي للحرب ليس التلفزيون، بل عملاق تكنولوجيا المعلومات الروسي ياندكس"/رويترز

أقر الاتحاد الأوروبي عقوبات على أحد كبار المسؤولين التنفيذيين لشركة ياندكس، واتهم المسؤول الروسي، الذي كان رئيساً سابقاً لشركة Yandex.News، بنشر أخبار يُراد منها تضليل المتابعين.

ردَّت الشركة على الاتهامات الموجهة إليها بأنها تنشر معلومات مضللة، بالقول إن القانون الروسي قيَّد أيديها، وإنها تريد الحفاظ على سبل عيش موظفيها وحماية مصالح مستثمريها.

الحكومة تضع يديها على النظير الروسي لفيسبوك

من جهة أخرى، انتزعت الحكومة الروسية السيطرةَ على موقع VKontakte، أحد أبرز مواقع التواصل الاجتماعي في روسيا والمعادل لموقع فيسبوك، وهو ما دفع المسؤولين التنفيذيين في ياندكس إلى مزيد من الحذر والخوف من تأميم مماثل لشركتهم.

في الوقت الحالي، يقول المسؤولون التنفيذيون للشركة إن شاغلهم الرئيسي هو مواصلة الابتكار وتجاوز العقبات، التي يفرضها واقع أن المركز الرئيسي للشركة في روسيا قد أصبح معزولاً عن معظم التقنيات الغربية.

وقال بوينتون، رئيس مجلس إدارة الشركة: "منذ بداية الحرب، أوقفنا جميع المبادرات بناءً على قرار بتعليق خدماتنا في جميع أنحاء العالم".

وأشارت إلينا بونينا، أستاذة الرياضيات التي أتمَّت قبل استقالتها في أبريل/نيسان 5 سنوات من العمل رئيسة تنفيذية بالشركة، إلى أن نحو 2500 موظف في الشركة غادروا روسيا وما زالوا يعملون من الخارج، ومع ذلك تتسارع وتيرة مغادرة الموظفين للشركة، ويتزايد الانقسام بين موظفي الشركة الذين بقوا في روسيا، ومن قرروا الرحيل إلى خارج البلاد.

تحميل المزيد