إطلاق نار جماعي قتل 6 وأصاب 36 في شيكاغو خلال احتفالات يوم الاستقلال، وأدانه الرئيس جو بايدن مطالباً بوضع حد لحيازة السلاح، وموجهاً أصابع الاتهام مرة أخرى لجماعات الضغط، فما قصة الرابطة الوطنية للأسلحة، الأقوى بين تلك الجماعات؟
كانت الشرطة الأمريكية قد أعلنت الإثنين، 4 يوليو/تموز 2022، أنها ألقت القبض على مطلق النار في الحادث الذي أودى بحياة ستة أشخاص وأصاب ما لا يقل عن 36، عندما أطلق الرصاص من بندقية قوية من فوق سطح مبنى، مستهدفاً عرضاً بمناسبة يوم الاستقلال في ضاحية هايلاند بارك الراقية في مدينة شيكاغو الأمريكية، ما دفع المتفرجين المذعورين للفرار من المكان.
وقالت الشرطة إن مُطلق النار هو روبرت إي. كريمو الثالث، البالغ من العمر 22 عاماً، وهو من المنطقة، بحسب رويترز. وقالت شرطة هايلاند بارك إنه سيتم توجيه اتهامات للمشتبه به، ولم تتوصل الشرطة بعد للدافع وراء إطلاق النار.
جيم أنتوني، المتحدث باسم النظام الصحي بجامعة نورث شور، قال إن أكثر من 36 شخصاً أصيبوا، معظمهم بطلق ناري. وقال بريغام تيمبل، وهو طبيب طوارئ، إن الضحايا الستة والعشرين الذين نقلوا إلى مستشفى هايلاند بارك تراوحت أعمارهم بين الثامنة و85 عاماً.
أمريكا أخطر مكان على وجه الأرض
حادث إطلاق النار الجماعي يأتي في وقت ما زال فيه العنف باستخدام الأسلحة ماثلاً في أذهان كثير من الأمريكيين، بعد مذبحة في 24 مايو/أيار الماضي، أدت إلى مقتل 19 تلميذاً ومعلمتين في مدرسة ابتدائية في أوفالدي بتكساس، وهجوم في 14 مايو/أيار، أدى لمقتل عشرة أشخاص في محل بقالة في بافالو بنيويورك.
وتعليقاً على الحادث الأخير قال الرئيس الأمريكي جو بايدن في بيان "صدمت أنا و(زوجتي) جيل من العنف المسلح العقيم الذي أثار مجدداً حزن الأمريكيين في يوم الاستقلال". وأضاف "تحدثت مع حاكم (إلينوي جيه.بي) بريتسكر ورئيسة البلدية روتيرنج، وقدمت دعم الحكومة الاتحادية الكامل لمجتمعاتهما. كما أنني دفعت سلطات إنفاذ القانون الاتحادية للمساعدة في البحث بشكل عاجل عن مطلق النار".
كانت أمريكا قد شهدت 33 حادث إطلاق نار جماعياً خلال النصف الأول من مايو/أيار 2022 فقط، و202 حادث من هذا النوع القاتل منذ بداية العام. و"إطلاق نار جماعي" مصطلح يتم استخدامه عندما يفتح شخص ما النار بطريقة عشوائية فيقتل أو يصيب 4 أشخاص على الأقل، دون أن يكون مرتكب الجريمة من بين القتلى أو المصابين، بحسب التعريف المعتمد لدى المنظمة الأمريكية "أرشيف عنف الأسلحة النارية Gun Violence Archive"، وهو التعريف نفسه الذي يعتمده مكتب التحقيقات الفيدرالية.
وفي أعقاب مجزرة الأطفال في المدرسة الابتدائية بأوفالدي في تكساس، علق بايدن قائلاً: "أين شجاعتنا للوقوف في وجه جماعات الضغط (اللوبيات)؟"، فهل تلك اللوبيات مستترة أو غير معلومة؟ أم أنها أقوى من حكومة الولايات المتحدة الأمريكية نفسها؟
إذ وجَّه بايدن خطاباً إلى الأمريكيين، حثهم فيه على الوقوف في وجه "جماعات الضغط القوية سياسياً في مجال صناعة الأسلحة النارية"، والتي ألقى الرئيس باللوم عليها في منع سن قوانين أكثر صرامة تتعلق باستخدام هذا النوع من الأسلحة.
متى تأسست الرابطة الوطنية للأسلحة؟
الرابطة الوطنية للأسلحة (NRA) هي أقوى منظمة تمارس الضغط (لوبي) دفاعاً عن حقوق ملكية السلاح في الولايات المتحدة. وتأسست الرابطة الوطنية للأسلحة في عام 1871 من قبل اثنين من قدامى المحاربين الأمريكيين في الحرب الأهلية هما ويليام كونانت تشيرش والكابتن جورج وود وينغيت، وتم انتخاب الجنرال أمبروز بيرنسايد كأول رئيس للرابطة، بحسب تقرير لموقع Indian Express.
كان الهدف الذي تم إنشاء المنظمة من أجله هو تصميمها كمجموعة ترفيهية "لتعزيز وتشجيع إطلاق النار بالبنادق على أساس علمي". وبدأت الرابطة في ممارسة الضغط السياسي في عام 1934، عندما بدأت في الكتابة إلى أعضائها حول معلومات تتعلق بمشاريع قوانين الأسلحة النارية القادمة، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC.
ودعمت الرابطة قانونين رئيسيين لمكافحة الأسلحة، وهما قانون الأسلحة النارية الوطني لعام 1934، وقانون مراقبة الأسلحة لعام 1968، لكنها أصبحت أكثر نشاطاً سياسياً بعد تمرير قانون مراقبة الأسلحة في السبعينيات.
ومنذ عام 1975، بدأت الرابطة الوطنية للأسلحة في محاولة التأثير على السياسة بشكل مباشر من خلال ذراع الضغط الذي شكلته آنذاك، وهو معهد العمل التشريعي. وفي عام 1977 شكلت لجنة العمل السياسي الخاصة بها (باك)، لتوجيه الأموال إلى المشرعين.
وتُعد الرابطة الآن من بين أقوى مجموعات الضغط ذات المصالح الخاصة في الولايات المتحدة، ولديها ميزانية كبيرة للتأثير على أعضاء الكونغرس بشأن سياسة الأسلحة، ويديرها واين لابيير نائب الرئيس التنفيذي.
ويخوض المدعون العامون في نيويورك وواشنطن العاصمة حالياً معركة قانونية لحل هذه المنظمة، بسبب مزاعم بأن القيادة العليا أساءت استخدام صندوق خيري وإعادة توجيه الأموال للإنفاق الشخصي المترف. ووصفت الرابطة الدعوى بأنها "هجوم متعمد لا أساس له من الصحة".
كم تنفق الرابطة من أموال لممارسة الضغط السياسي؟
أنفقت الرابطة الوطنية للأسلحة في عام 2020 حوالي 250 مليون دولار، أي أكثر بكثير من جميع مجموعات الدفاع عن ملكية الأسلحة ومحاربة وضع قيود عليها في البلاد مجتمعة، لكن الرابطة لديها عضوية أكبر بكثير من أي من تلك المجموعات، وتستخدم أموالها في مجالات متعددة مثل إنشاء ميادين إطلاق النار والبرامج التعليمية الخاصة بكيفية إطلاق النار.
وفيما يتعلق بالضغط تنفق الرابطة رسمياً حوالي 3 ملايين دولار سنوياً للتأثير على سياسة الأسلحة، وكان المبلغ المسجل الذي تم إنفاقه على ممارسة الضغط (لوبي) في عام 2014 نحو 3.3 مليون دولار.
ومع ذلك، هذه هي فقط المساهمات المسجلة للمشرعين، ويتم إنفاق مبالغ كبيرة في أماكن أخرى من خلال لجان العمل السياسي والمساهمات المستقلة، وهي الأموال التي يصعب تتبعها.
ويشير المحللون إلى أن الرابطة تتمتع أيضاً بنفوذ غير مباشر كبير من خلال المشاركة السياسية لأعضائها، حيث يصوت العديد منهم بطريقة أو بأخرى في كل ما يتعلق بهذه القضية وحدها.
وتُصنف الرابطة أعضاء الكونغرس الأمريكي علناً من إيه إلى إف بناء على مواقفهم من مسألة امتلاك السلاح، ويمكن أن تؤثر هذه التصنيفات بشكل خطير على استطلاعات الرأي، وقد تكلف المرشحين المؤيدين لفرض رقابة على السلاح مقاعدهم.
وبعد انتخاب دونالد ترامب في عام 2016، انخفض إنفاق الرابطة على الحملات السياسية. وجاء ذلك وسط صعود الجماعات المؤيدة للرقابة على السلاح، والتي تلقت ملايين الدولارات من المؤيدين الذين يعارضون معظم سياسات الرابطة الوطنية للأسلحة.
وتشير التقديرات إلى أن الجماعات المؤيدة للرقابة على الأسلحة ربما تكون قد تفوقت على الرابطة في هذا الإجراء لأول مرة على الإطلاق في عام 2018.
كم عدد أعضاء الرابطة الوطنية للأسلحة، ومن أبرزهم؟
تفاوتت تقديرات عضوية الرابطة على نطاق واسع على مدى عقود، وبحسب الأرقام التي أصدرتها الرابطة نفسها بشأن عدد أعضائها عام 2012، قفزت أعداد الأعضاء إلى ما يقرب من 5 ملايين، لكن بعض المحللين قدروا الرقم بما يقرب من 3 ملايين عضو، وتم توجيه اتهامات للمنظمة بأنها تتعمد تضخيم الأرقام الخاصة بعضويتها.
وعلى مر السنين، تتباهى الرابطة الوطنية للأسلحة بعضوية بعض الأعضاء البارزين، بما في ذلك الرئيس السابق الراحل جورج بوش الأب الذي استقال من المجموعة في عام 1995، بعد أن وصف لابيير عناصر مكتب التحقيقات الفيدرالي باعتبارهم "بلطجية مقنعين" في أعقاب هجوم على مبنى حكومي في أوكلاهوما سيتي.
ومن بين الأعضاء الحاليين المرشحة السابقة لمنصب نائب الرئيس سارة بالين، والممثل توم سيليك والممثلة وبي غولدبرغ. وكان الممثل الراحل تشارلتون هيستون رئيساً للرابطة الوطنية للبنادق بين عامي 1998 و2003. واشتهر هيستون بحمل بندقية فوق رأسه في مؤتمر للرابطة بعد إطلاق النار الجماعي في مدرسة كولومبين الثانوية عام 1999، ووجه حديثه إلى المدافعين عن الرقابة على الأسلحة قائلاً إنه سيتعين عليهم أخذها "من يدي الباردة الميتة".
وتمارس الرابطة ضغوطاً شديدة ضد جميع أشكال الرقابة على الأسلحة، وتجادل بأن المزيد من الأسلحة تجعل البلاد أكثر أماناً. وهي تدافع بقوة عن تفسير مثير للجدل للتعديل الثاني من دستور الولايات المتحدة، فهي ترى أن هذا التعديل يمنح المواطنين الأمريكيين الحق في حمل السلاح دون أي تدخل حكومي.
كما تعارض الرابطة بشدة معظم التشريعات المحلية والتشريعية الفيدرالية وتشريعات الولايات التي من شأنها تقييد ملكية السلاح. فعلى سبيل المثال ضغطت من أجل إعادة بيع الأسلحة التي صادرتها الشرطة، بحجة أن تدمير تلك الأسلحة يمثل في الواقع إهداراً لأسلحة جيدة تماماً.
وفي الوقت ذاته، تدعم الرابطة بقوة التشريعات التي توسع حقوق حيازة السلاح مثل قوانين "حمل السلاح علناً"، التي تسمح لمالكي الأسلحة بحمل أسلحتهم غير مخفية في معظم الأماكن العامة.
المجتمع الأمريكي الأكثر تسليحاً في العالم
يرى كثير من المحللين والمراقبين أن الرابطة الوطنية للأسلحة تستمد قوتها الرئيسية من حقيقة كون قضية حيازة السلاح راسخة، ليس فقط في السياسة والقانون، بل في الثقافة الأمريكية ذاتها، بحسب تحليل لموقع Vox الأمريكي.
وتحتل الولايات المتحدة الأمريكية الصدارة عالمياً في حيازة المدنيين للسلاح، لكن هناك صعوبة كبيرة في توفر أرقام دقيقة بعدد الأسلحة التي يمتلكها المواطنون الأمريكيون بسبب عدم وجود قاعدة بيانات يسجل فيها المواطن بياناته عند شراء سلاح ناري من جهة، وبسبب وجود سوق سوداء ضخمة لبيع الأسلحة النارية في ظل غياب قوانين فيدرالية قوية لمكافحة الاتجار في الأسلحة النارية.
لكن التقارير الفيدرالية الأمريكية تشير إلى زيادة مرعبة في امتلاك الأسلحة النارية في البلاد، إذ رصد تحقيق لمجلة Newsweek الأمريكية قبل فترة ظاهرة الارتفاع القياسي في شراء الأسلحة النارية، كشف أن عام 2020 شهد شراء نحو 17 مليون أمريكي 40 مليون قطعة سلاح.
بينما شهد العام الماضي (2021) في نصفه الأول فقط شراء أكثر من 20 مليون سلاح ناري آخر. وبحسب الأنماط التاريخية لمن يقتنون الأسلحة، تنتمي الأغلبية الساحقة من هؤلاء إلى الرجال البيض المنتمين للمناطق الحضرية في الولايات الجنوبية، وينتمون للحزب الجمهوري، باختصار القاعدة الانتخابية الرئيسية لدونالد ترامب.
وخلال عام 2020، أصبحت الأسلحة النارية السبب الرئيسي لوفاة الأطفال والمراهقين الأمريكيين، متجاوزة حوادث السيارات، وفقاً لرسالة بحثية لجامعة ميشيغان نُشرت في مجلة نيو إنغلاند الطبية الشهر الماضي.
وكان تقرير لمجموعة بحثية مقرها سويسرا، تُسمى أبحاث الأسلحة النارية الصغيرة، قد رصد أن هناك نحو 390 مليون قطعة سلاح ناري يمتلكها الأمريكيون، أي أن كل 100 مواطن أمريكي يمتلكون 120.5 سلاح ناري. تلك الأرقام ترجع إلى عام 2018، أي أنها قفزت بصورة قياسية على الأرجح، بحسب تقرير موقع Vox.
الخلاصة هنا هي أن الرابطة الوطنية للأسلحة تتمتع بنفوذ، هائل يجعلها بالفعل أقوى من الحكومة الفيدرالية ذاتها، إذ إن أصحاب الرأي المدافع عن الحق في امتلاك السلاح الناري لا يمثلون فقط اللوبيات أو جماعات الضغط المدافعة عن ذلك الحق الدستوري، فهناك انقسام على ما يبدو بين الأمريكيين أنفسهم، بحسب ما تظهره استطلاعات الرأي.