سيؤدي منح فنلندا والسويد الضوء الأخضر للانضمام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) إلى توسعه بدرجة لم يسبق لها مثيل منذ عقود. وفي الوقت نفسه، تتبنى مجموعة السبع، التي تتألف من دول الناتو وحليفة الولايات المتحدة اليابان، نهجاً صارماً مع روسيا والصين. على أنه في الشرق، تتطلع هيئتان تركزان على الأمن والاقتصاد وتقودهما بكين وموسكو إلى ضم أعضاء جدد إليها، مثل إيران والسعودية، العدوتان اللتان تتمتعان بنفوذ قوي في الشرق الأوسط، واللتان قد يكون لانضمامهما لهذه الجبهة الجديدة تأثير كبير على التوازن الجيوسياسي العالمي.
ما المنظمات الدولية التي من الممكن أن تضم روسيا والصين إليها إيران والسعودية؟
تقول مجلة Newsweek الأمريكية، إن الهيئتان المعنيتان في انضمام إيران والسعودية، هما منظمة شنغهاي للتعاون (SCO) ومنظمة بريكس BRICS. تأسست الأولى عام 2001 في شكل تحالف سياسي واقتصادي وعسكري من ستة أعضاء هم الصين وروسيا ودول آسيا الوسطى كازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان، وانضمت إليها العدوتان اللدودتان في جنوب آسيا، الهند وباكستان عام 2017.
أما التحالف الثاني، فهو مجموعة من القوى الاقتصادية الناشئة تكون في بدايته عام 2006 من البرازيل وروسيا والهند والصين، وانضمت إليه جنوب إفريقيا عام 2010، وهي دول تعتبر صاحبة أسرع نمو اقتصادي في العالم، وهي مرحلة مماثلة من التنمية الاقتصادية المتقدمة حديثاً، وفي طريقها إلى أن تصبح دولاً متقدمة.
ويبدو أن نهج التعددية القطبية الذي تتبناه بريكس في تعاملها مع الشؤون الدولية اجتذب إيران والسعودية على السواء. على أن لكلتا الدولتين أسبابها الخاصة للانضمام إلى هذا التحالف.
فهذه الخطوة بالنسبة للرياض لا تتعلق بمعاداة واشنطن المتحالفة معها منذ عقود، بقدر ما تتعلق بمكانتها طرفاً فاعلاً مستقلاُ.
يقول محمد الحامد، رئيس مجلس إدارة شركة النخبة السعودي لمجلة Newsweek: "دعوة الصين للسعودية للانضمام إلى تحالف (بريكس) تؤكد أن المملكة لها دور كبير في بناء العالم الجديد، وأصبحت لاعباً مهماً وأساسياً في التجارة والاقتصاد العالميين".
ما الذي قد يدفع إيران والسعودية للانضمام لهذه المنظمات؟
وفي الوقت الذي يسعى فيه ولي العهد الأمير محمد إلى تعزيز التعاون مع الولايات المتحدة، حرص أيضاً على توسيع العلاقات مع روسيا والصين في السنوات الأخيرة. وانضمامه إلى مجموعة بريكس يثبت عزم الرياض على التعامل مع القوى الكبرى الأخرى، ويمثل مكسباً مهماً للجهود المبذولة لتعزيز البرامج الاقتصادية التي تشكلت خارج رعاية الولايات المتحدة وحلفائها الدائمين.
وقال الحامد: "انضمام السعودية إلى هذا التحالف سيوازن النظام الاقتصادي العالمي، خاصة أن السعودية هي أكبر مُصدِّر للنفط في العالم، وهي من ضمن مجموعة العشرين أيضاً. وانضمامها سيدعم أي حركة اقتصادية وتطور في التجارة والاقتصاد العالميين، وسيسجل تقدماً ملحوظاً في جوانب اجتماعية واقتصادية، فمن الضروري أن يكون للسعودية شراكات مع كل دولة في العالم".
وهذا النهج يتناقض تناقضاً صارخاً مع نهج واشنطن، التي تستبعد الدول التي لا تتفق معها بقائمة من العقوبات. والهيمنة الأمريكية على النظام المالي العالمي لم يترك خيارات كثيرة أمام هذه الدول، لكن هذا الوضع يتغير تدريجياً بفضل الآليات التي توفرها تحالفات مثل بريكس لتفادي هذه العقوبات.
وإيران من بين تلك الدول التي تتطلع إلى صد الضغط الاقتصادي الأمريكي. فقد دفع اليأس من تغيير السياسة في واشنطن طهران إلى تركيز جهودها على منطقتها لإقامة شراكات استراتيجية مع بكين وموسكو.
تقول زكية يزدان شيناس، الباحثة في مركز دراسات الشرق الأوسط الاستراتيجية في طهران لمجلة Newsweek: "المسؤولون الإيرانيون أدركوا أخيراً أن الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين لن يسمحوا يوماً للجمهورية الإسلامية الإيرانية بأن تمارس دورها الذي تستحقه عن جدارة كقوة وسطى في المنطقة".
وأضافت: "وهكذا، قرروا تحييد المحاولات الأمريكية لعزل إيران بزيادة التقارب مع التحالفات غير الغربية مثل منظمة شنغهاي للتعاون وبريكس. ويرى الإيرانيون أيضاً أن النظام العالمي سيكون شرقياً في المستقبل، ولهذا يحاولون الاقتراب من المنظمات التي تساهم فيها القوى الشرقية، مثل روسيا والصين بدور قيادي".
ومثل السعودية، فاحتياطيات النفط والغاز الإيرانية تجعلها شريكاً استراتيجياً مهماً، لا سيما في ضوء الخلافات المتفاقمة على الطاقة العالمية بعد العقوبات الغربية على روسيا، والخصومة القوية بين بكين وواشنطن.
وتقول زكية: "إيران هي الدولة الوحيدة المنتجة للطاقة غير الحليفة للولايات المتحدة في الخليج، ولن ترفض إمداد الصين بالطاقة في حالة تصعيد الحرب التجارية بين بكين وواشنطن. وموقع إيران الجيوسياسي ازداد قوة في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية، وهذا أمر بالغ الأهمية للقوى العظمى في هذه الهيئات، أي روسيا والصين".
مكسب كبير لروسيا والصين
من جهته، يرى أخيل راميش، الباحث في منتدى جزر المحيط الهادئ، أن انضمام إيران والسعودية للبريكس سيكون "مكسباً كبيراً" للمنظمة بسبب مشكلات الطاقة.
وقال راميش: "بالنسبة لدول مثل الصين والهند، إلى حد ما، فالاعتماد على استيراد النفط مشكلة كبيرة، سواء من المنظور الاقتصادي المتمثل في العجز التجاري أو من المنظور الجيوسياسي المتمثل في الاضطرار إلى تقديم تضحيات أمنية واستراتيجية حفاظاً على واردات النفط. ووجود ثلاثة دول من كبار منتجي النفط في المنظمة، روسيا وإيران والسعودية، له أن يمنح هذه الدول خيار تأمين النفط بأسعار مخفضة أو بترتيبات بديلة، مثل المقايضة".
واحتياطيات النفط في طهران والرياض ستمنح دول البريكس نفوذاً قوياً في صد هيمنة الدولار الأمريكي على النظام المالي العالمي، وفقاً لما يراه راميش، الذي قال: "للاستغناء عن الدولار الأمريكي العملة الاحتياطية العالمية، ستحتاج إلى مزيد من الدول المصدرة للسلع الأساسية، وخاصة المصدرة للنفط".
واستضافت الصين قمة البريكس الرابعة عشرة، يوم الخميس 23 يونيو/حزيران 2022، فيما يرى المحللون أنها فرصة لبكين لتعزيز "نموذج الحوكمة والتنمية" الخاص بها، في وقت يشهد عدم استقرار عالمي بسبب الصراع الدائر بين روسيا والغرب بسبب الحرب الأوكرانية.
قبل القمة في بكين، أشادت وسائل الإعلام الحكومية الصينية بدول بريكس، لتعزيزها "التعاون متعدد الأطراف، واستخدامها للأساليب والأشكال والمبادئ غير الغربية"، مشددة على أهمية هذا التكتل في وقت تجذب فيه الولايات المتحدة حلفاءها الغربيين إلى "التمرد" على العولمة.
وفي مايو/أيار الماضي، دعا الرئيس الصيني المجموعة إلى "رفض عقلية الحرب الباردة، والعمل معاً لبناء مجتمع عالمي آمن للجميع". وعلى الرغم من اختلافاتهم الجوهرية، يحافظ قادة الدول الخمس على مسافة معينة من النظام الليبرالي الذي تقوده الولايات المتحدة.
واقترحت الصين توسيع مجموعة البريكس خلال اجتماع لوزراء خارجية الكتلة في مايو/أيار الماضي. وعلى الرغم من الترحيب بالاقتراح من قبل الدول الأعضاء الأخرى، لم تكن هناك إعلانات رسمية عن الأعضاء الجدد أو دعوات لها.