صوَّت البرلمان الأوروبي في 29 يونيو/حزيران 2022، لصالح حظر بيع السيارات الجديدة التي تستخدم البنزين أو الديزل بحلول عام 2035. وإذا وافق الاتحاد الأوروبي على ذلك، فإن هذه الخطوة ستُحدث ثورة في ثالث أكبر سوق للسيارات في العالم، بعد الصين والولايات المتحدة، وبالتالي تسريع التحول العالمي لصناعة السيارات بأكملها إلى تكنولوجيا البطاريات والطاقة النظيفة.
لكن ما لم يذكره المشرعون الأوروبيون هو أنه لا يمكن للعالم تعدين وتنقية الكميات الهائلة من المعادن التي تدخل في البطاريات، الليثيوم والنيكل والكوبالت والمنغنيز والبلاديوم وغيرها، للاقتراب بأي قدر من نطاق هذا التحول السريع إلى السيارات الكهربائية. ويكمن "السر القذر" للثورة الخضراء، كما تصف مجلة Foreign Policy الأمريكية، في تعطشها الشديد للموارد من إفريقيا وأماكن أخرى نامية، والتي تُنتَج باستخدام بعض من "أقذر التقنيات" في العالم.
"ثورة الطاقة الخضراء ستغني الغرب وتفقر الدول النامية أكثر"
علاوة على ذلك، فإن التحول المتسارع إلى البطاريات يهدد الآن بتكرار واحدة من أكثر الديناميكيات تدميراً في تاريخ الاقتصاد العالمي: الاستخراج المنهجي للسلع الخام من جنوب الكرة الأرضية بطريقة جعلت البلدان المتقدمة غنية بشكل لا يمكن تصوره، بينما تترك أثراً من التدهور البيئي، وانتهاكات حقوق الإنسان، والتخلف شبه الدائم في جميع أنحاء العالم النامي، كما تقول "فورين بوليسي".
تحاول بعض البلدان عكس هذا الاتجاه والحصول على نصيب أكبر من ثروات التحول في مجال الطاقة. فقد فرضت إندونيسيا، على سبيل المثال، حظراً على تصدير النيكل الخام في عام 2020، مما أجبر الشركات الأجنبية فعلياً على نقل معالجة النيكل إلى إندونيسيا. لكن العديد من الاقتصاديين يتساءلون عما إذا كان مثل هذا الحظر يحفز بالفعل على التنمية. في سوق عالمي تنافسي، غالباً ما تُعوَّق مثل هذه المبادرات بسبب الافتقار إلى المهارات المحلية والشبكات اللوجستية. وبالمثل، حاولت بوليفيا إضافة قيمة إلى احتياطياتها من الليثيوم، وكانت النتائج باهتة حتى الآن.
لكن الأمر لا يتعلق بالاقتصاد فقط، كما تقول المجلة الأمريكية، فنظراً لأن معادن البطاريات تكتسب أهميةً إستراتيجية من نواحٍ كثيرة مماثلة للدور المركزي الذي لعبه النفط لفترة طويلة، فسيكون من الصعب جداً على البلدان النامية التي لديها موارد كبيرة الحفاظ على مسارات التنمية الخاصة بها من الاختطاف على يد الجغرافيا السياسية. ما من بلدٍ يوضح هذه المشكلة بشكل أفضل من جمهورية الكونغو الديمقراطية، التي تتحكم في أكبر احتياطيات معروفة من الكوبالت في العالم، وهو معدن ظهر كمفتاح للتحول الأخضر، لأسباب ليس أقلها أن بطاريات السيارات الكهربائية المنتَجة من الكوبالت تتيح مسافات أطول للقيادة.
حددت حكومة الصين بطاريات السيارات الكهربائية وسلاسل التوريد الخاصة بها كمكانة صناعية إستراتيجية في وقت مبكر. في عام 2016، عندما كان سعر الكوبالت منخفضاً نسبياً، انطلقت بكين في جولة تسوق. اشترت شركة التعدين العملاقة China Molybdenum أحد أكبر مناجم الكوبالت في العالم، وهو منجم Tenke Fungurume الواقع في جنوبيّ شرق الكونغو، من شركة Freeport-McMoRan الأمريكية.
واليوم، تسيطر الشركات الصينية على 60% من احتياطيات الكوبالت العالمية و80% من قدرة تكرير الكوبالت في العالم، الأمر الذي ساعد الصين على تأمين ريادة كبيرة كصانعة لبطاريات السيارات الكهربائية. وتسيطر شركة صينية واحدة، وهي شركة CATL، على ثلث سوق البطاريات العالمي بأكمله.
التنافس على موارد إفريقيا
أثار استهداف الصين للبطاريات، كجزء من تخطيطها الصناعي الإستراتيجي القلق في الولايات المتحدة. في مايو/أيار، أعلنت إدارة بايدن عن خطة بقيمة 3 مليارات دولار لتعزيز الإنتاج المحلي لبطاريات السيارات الكهربائية. ولكن لكي تنجح أي محاولة لانتزاع جزء أكبر من سلسلة إمداد البطاريات من الصين، سيحتاج المصنعون الأمريكيون أيضاً إلى وصول أكبر إلى المعادن مثل الكوبالت. وقد وضع هذا الكونغو -والأنشطة الصينية هناك- في مرمى نيران واشنطن.
الكونغو ليست دولة إفريقية عادية. فهذه الدولة، التي تساوي تقريباً مساحة أوروبا الغربية، تتمتع بموارد هائلة هي من نواحٍ كثيرة أساسية للثروات الاقتصادية للقارة الإفريقية بأكملها. سيتعين على أي شريك يهتم بالثروة المعدنية للكونغو أن يتغلب على العقبات نفسها التي تعيق القارة ككل. بسبب الحجم الهائل للكونغو، وموقعها غير الساحلي تقريباً في وسط إفريقيا، وضعف الوصول إلى محاور النقل، فإن أي تطوير منهجي لموارد الكونغو من شأنه أن ينتشر إلى البلدان المجاورة ويضع سوابق، جيدة وسيئة، لبقية القارة.
القضية الرئيسية هي البنية التحتية العابرة للحدود مثل السكك الحديدية والوصول إلى الموانئ البحرية. هذا ليس مجرد شرط مسبق لجلب موارد البطاريات إلى السوق. إن ندرة البنية التحتية العابرة للحدود في معظم أنحاء إفريقيا تعني أيضاً أن الجهود المبذولة لدمج اقتصادات القارة لم تنطلق قط، رغم أن منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، التي أُنشِئت عام 2018، هي أكبر منطقة تجارة حرة في العالم.
هنا، تتقدم الصين كثيراً، حيث مُوِّلَت البنية التحتية للسكك الحديدية والموانئ وشُيِّدَت من قبل كيانات صينية تعمل على تحويل الخدمات اللوجستية في إفريقيا. في عام 2019، قدَّر مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية أن 46 ميناء إفريقي جنوب الصحراء قد بُنِيَ أو وُسِّعَ أو شُغِّلَ من قبل كيانات صينية.
تقول المجلة الأمريكية إنه من المحتمل أن يكون الجمع بين البنية التحتية للسكك الحديدية والموانئ قوياً. على سبيل المثال، رُبِطَ ميناء لوبيتو في المحيط الأطلسي في أنغولا مؤخراً عبر خط سكة حديد يبلغ طوله 830 ميلاً بالحدود الجنوبية للكونغو. تتنافس العديد من دول شرق إفريقيا أيضاً على التمويل لربط موانئها في المحيط الهندي بشرق الكونغو.
ولكن نظراً لأن العديد من الكيانات الصينية ذات المصالح التجارية والسياسية المختلفة تركز على ربط مناطق إنتاج الموارد بالبحر لشحنها إلى الصين، فإنهم ينتهي بهم الأمر، على مستوى أوسع، إلى تكرار اقتصاد استخراج الموارد في الحقبة الاستعمارية -وهو الوضع الذي يضع بلد مثل الكونغو معرض لخطر البقاء عالقاً في تخلف دائم. وجهة النظر الأكثر تفاؤلاً هي أنه بمجرد إنشائها، ستفتح البنية التحتية العابرة للحدود خيارات بديلة للتنمية، مثل تعزيز التجارة بين البلدان الإفريقية والتصنيع المحلي.
التعطش للموارد الإفريقية
تُتَّهَم شركات التعدين الصينية بفاقمة انخفاض معايير العمل والبيئة، المنخفضة في الأصل، وهناك أدلة كثيرة على الممارسات السيئة بين الكيانات الصينية في الكونغو. كانت الشركات الصينية أيضاً بطيئة في تقديم مشاريع البنية التحتية الموعودة التي كانت جزءاً من صفقات المعادن الرئيسية، ولكنها لا ترتبط ارتباطاً مباشراً باقتصاد الاستخراج، مثل المدارس والمستشفيات والبنية التحتية الاجتماعية الأخرى.
يرى البعض في ذلك فرصة للشركات الغربية لإزاحة منافسيها الصينيين من خلال إبرام صفقات مع الكونغو تركز بشكل أكبر على التنمية. وعلى مدار السنوات القليلة الماضية، قامت وفود مشتركة من المسؤولين الحكوميين الأمريكيين والمديرين التنفيذيين للشركات، فضلاً عن المجموعات الأوروبية، بزيارة الكونغو، ولكن كان هناك القليل من الإعلانات العامة عن اتفاقيات تعاون ملموسة.
ولكن حتى لو واجهت الصين منافسة أكبر على مصالح الكونغو، فإن هذا لا يضمن أن تحول الطاقة لن يؤدي إلى اندفاع آخر على الموارد الإفريقية مع القليل من الفوائد لمعظم الأفارقة. ذلك لأن الغرب لم يكن أفضل بشكل واضح من الصين. الشركات الغربية العملاقة العاملة في الكونغو، مثل شركة التعدين السويسرية وتجارة السلع، Glencore، لديها سجل طويل ومستمر من انتهاكات حقوق الإنسان والفساد.
نظرة سريعة على التاريخ الغربي في الكونغو، من عهد بلجيكا الاستعماري المروِّع إلى دعم الولايات المتحدة لنظام موبوتو سيسي سيكو الوحشي والفاسد، يجعل من الصعب تصوير المستثمرين الصينيين على أنهم سيئون بشكل فريد بين الجهات الأجنبية العاملة في الكونغو.
إن الصين والغرب يسحبان السلسلة نفسها: في عام 2018، انضمت شركة China Molybdenum إلى الشركات الغربية مثل Glencore وIvanhoe Mines لمعارضة قانون تعدين جديد زاد من حصة الحكومة الكونغولية من عائدات التعدين. تضمن الصراع الذي تلى ذلك بين الحكومة والشركات وقفاً مؤقتاً لعمليات شركة Molybdenum الصينية. لكن الشركة لديها حلفاء أقوياء داخل الحكومة يعقِّدون أي جهود لإصلاح قطاع التعدين في البلاد – إذا كان هذا هو بالفعل هدف الحكومة، نظراً لأن السياسة الكونغولية فاسدة للغاية ومبهمة في أحسن الأحوال.
ولكن حتى لو كان من الممكن أن تزيد المنافسة الأمريكية الصينية من نفوذ الكونغو، فقد يكون من الصعب جذب المزيد من الشركات الأمريكية المهتمة بالكونغو. مع تركيز المستثمرين بشكل متزايد على الامتثال للمعايير البيئية والاجتماعية ومعايير الحوكمة، فإن العديد من الشركات تكره القيام بأعمال تجارية في بلد معروف بالفساد مثل الكونغو. هناك قيود قانونية أيضاً، مثل قانون الممارسات الأجنبية الفاسدة، الذي لا مكافئ له في الصين.