زيادة أوبك لإنتاج النفط لا تبدو أمراً سهلاً على الإطلاق، سواء بسبب صعوبة تنفيذها من الناحية الفنية، وتداعيات هذا القرار التي لا يمكن التكهن بها من ناحية أخرى، والتي تكون كارثية على الدول المنتجة للنفط.
وتترقب الدول المستهلكة للنفط بفارغ الصبر اجتماع منظمة أوبك مرةً أخرى، يوم الخميس 30 يونيو/حزيران لمناقشة زيادة الإنتاج، وذلك لمناقشة ما إذا كانت ستضخ المزيد من الخام في الأسواق لاحتواء الأسعار الجامحة.
إذ ارتفع سعر النفط في العام الجاري لأعلى مستوياته منذ 14 عاماً، بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا. وتراجعت الأسعار قليلاً بعدها لتستقر عقود خام برنت الآجلة عند مستوى 113 دولاراً للبرميل تقريباً في يوم الإثنين 27 يونيو/حزيران، لكن الدول الغربية تضغط على الدول النفطية من أجل الاستمرار في ضخ المزيد من النفط إلى الأسواق.
حيث دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الدول المنتجة للنفط إلى زيادة إنتاجها بكميات "استثنائية"، وفقاً لما نقلته وكالة Associated Press الأمريكية يوم الإثنين.
لكن الدول المصدرة للنفط يجب أن تضع في اعتبارها الركود العالمي الوشيك الذي يهدد بخفض الطلب على الخام، وتقويض قدرتها على التحكم في الأسعار، حسبما ورد في تقرير لشبكة CNN الأمريكية.
شبح الركود يطارد العالم
وحذر خبراء الاقتصاد من زيادة احتمال حدوث انكماش اقتصادي عالمي وشيك خلال الـ18 شهراً المقبلة، بالتزامن مع رفع البنوك المركزية أسعار الفائدة من أجل السيطرة على التضخم.
فيما أصدر محللو Citigroup مذكرةً يوم الأربعاء، 22 يونيو/حزيران، لتقييم مسار النمو العالمي على مدار الـ18 شهراً المقبلة.
وكتب المحللون في مذكرتهم أن الركود أصبح يمثل "خطراً ملموساً بشكلٍ متزايد" على الاقتصاد.
و يهدد ارتفاع الأسعار بدفع الاقتصاد العالمي الهش إلى الركود، بينما يضرب المستهلكين بأسعار غير مسبوقة للبنزين التي ارتفعت في الولايات المتحدة فوق 5 دولارات للغالون خلال ذروة موسم القيادة بسبب العطلات الصيفية، ما يُشكّل خطراً سياسياً على إدارة الرئيس الديمقراطي جو بايدن.
وفي مؤشر على قلق الأسواق من الركود المحتمل، شهدت صناديق الاستثمار في الأسهم العالمية مؤخراً، أعلى كمية من التدفقات الخارجة منذ 9 أسابيع بسبب إقدام المستثمرين على جمع ومراكمة السيولة النقدية وسط مخاوف من احتمال اتجاه اقتصاد الولايات المتحدة (أكبر اقتصاد في العالم) إلى الركود.
زيادة أوبك لإنتاج النفط قد تفاقم هذا الخطر
ويرى الخبراء أن الدول المنتجة للنفط لا تستطيع استباق الانكماش الاقتصادي بضخ المزيد من الخام. فضلاً عن أن زيادة أوبك لإنتاج النفط، سيعني المخاطرة بانهيار أسعار الخام والإضرار باقتصادات تلك الدول في حالة حدوث الركود.
بينما أفادت الدول الوحيدة القادرة على ضخ المزيد من النفط، السعودية والإمارات، بأن سوق النفط متوازنة ولا تحتاج لزيادة الإنتاج. وتمتلك السعودية والإمارات معاً القدرة على زيادة الإنتاج بمقدار 2.5 مليون برميل يومياً.
وقال يوسف الشمري، الرئيس التنفيذي ومدير أبحاث النفط في CMarkits بلندن، إن الدول المنتجة للنفط تدرك أن سوق النفط لم يصلها الأثر الاقتصادي لرفع أسعار الفائدة بعد. وتتصرف تلك الدول بناءً على هذه الفكرة.
في ما قالت أمينة بكر، كبيرة مراسلي أوبك في شركة Energy Intelligence، إن أوبك لا تمتلك القدرة على تجنب الركود بمفردها. وأضافت: "أعتقد أننا لا نستطيع تجاوز الركود.. ولا يمكننا الحفاظ على حالة الاقتصاد. ويجب أن نشهد عملية انهيار وإعادة ضبط للأسواق في مرحلةٍ ما".
أوبك لديها ذكريات أليمة مع تخمة النفط
يبدو أن أوبك تفكر في أنه مع تزايد احتمالات الركود العالمي، فإن استهلاك النفط قد يتراجع، وبالتالي فإن زيادة أوبك لإنتاج النفط، قد تؤدي إلى تكرار تخمة النفط التي حدثت في الثمانينات (1980s oil glut)، والتي نتجت عن ظروف مشابهة، حيث كان سببها حدوث ارتفاع كبير في أسعار النفط جراء حرب أكتوبر/تشرين 1973 ثم الثورة الإيرانية، والحرب العراقية الإيرانية التي قفزت بالأسعار لمستويات عالية، مما خلق تباطؤاً للنشاط الاقتصادي في البلدان الصناعية وترشيد استهلاك الطاقة نتيجة ارتفاع أسعار الوقود، تزامن ذلك مع زيادة الإنتاج مرة أخرى؛ مما أدى إلى انهيار الأسعار.
فلقد انخفض النفط عام 1986 من 27 دولاراً إلى أقل من 10 دولارات بعدما كان قد وصل إلى ذروته في عام 1980 التي بلغت أكثر من 35 دولاراً أمريكياً للبرميل (ما يعادل 109 دولارات للبرميل بقيمة الدولار 2019).
شكل انهيار أسعار النفط عام 1986 مكسباً للبلدان المستهلكة للنفط مثل الولايات المتحدة واليابان وأوروبا والدول النامية، لكنه مثل خسارة جسيمة في عائدات الدول المنتجة للنفط في شمال أوروبا والاتحاد السوفييتي وأوبك.
ويعتقد أن انهيار النفط كان له دور رئيسي في الأزمة الاقتصادية التي واجهت الجزائر في الثمانينات والتي أدت إلى مظاهرات ضخمة دفعت الرئيس الشاذلي بن جديد إلى إجراء إصلاحات عاجلة تضمنت تنظيم انتخابات بلدية وبرلمانية فازت بها الجبهة الإسلامية للإنقاذ، الأمر الذي جعل الجيش الجزائري يدفعه للاستقالة وإلغاء نتائج الانتخابات وشن حملة قمع ضد الإسلاميين ودخلت البلاد في حرب أهلية عرفت باسم العشرية السوداء والتي لقي فيها عشرات الآلاف حتفهم.
وفي الخليج، فإن المملكة العربية السعودية وغيرها من دول الخليج ضعفت قوتها الاقتصادية بشكل ملحوظ في الوقت.
لكن الثمن الذي دفعته دول الخليج لم يكن فقط تراجع ميزانيتها ومعاناتها من عجز كبير فقط، ولكن تحول الوضع الاقتصادية إلى هذه البلاد إلى أكبر أزمة في تاريخها الحديث، حيث أدى تراجع أسعار النفط لتراجع مدخولات العراق في عهد صدام حسين، في الوقت الذي كانت فيه البلاد تعاني من ديون كبيرة جراء الحرب العراقية الإيرانية.
كان ذلك أحد أسباب غزو صدام حسين للكويت في عام 1990، حيث كان يخطط لاستغلال النفط الكويتي، ولكن الغزو أدى إلى حرب الخليج الأولى التي تسببت في تدمير وحصار العراق وتكبيد دول الخليج مادية خسائر فادحة.
ويعتقد أن الاتحاد السوفييتي الذي كان أكبر منتج للنفط في ذلك الوقت، قد يكون سبب تدهور أوضاعه ومن ثم انهياره، وهو التراجع الهائل في أسعار النفط.
بادرة حسن نية لبايدن
ورغم هذه المخاوف، زيادة أوبك لإنتاج النفط، بشكل جزئي أصبحت مرجحة، حيث اتفقت الدول الأعضاء في المنظمة على زيادة الإنتاج بـ648.000 برميل يومياً في يوليو/تموز وأغسطس/آب خلال اجتماعها الأخير يوم الثاني من يونيو/حزيران، بزيادةٍ عن رقم 432.000 برميل المتفق عليه مسبقاً حتى شهر سبتمبر/أيلول.
وانتشرت بعض التكهنات بأن الرياض قد تزيد الإنتاج قليلاً كبادرة حسن نوايا إبان استعداد الرئيس الأمريكي جو بايدن لزيارة السعودية في منتصف يوليو/تموز.
وأوضح الشمري أنها "ستكون لفتةً لطيفة" للمساعدة في احتواء التضخم داخل الولايات المتحدة على المدى القريب.
لكن المملكة العربية السعودية، صاحبة أكبر سعة إنتاج فائضة، بدأت تدق أجراس الإنذار مؤخراً حول تراجع قدرة البلاد على الاستمرار في ضخ المزيد من النفط.
حيث أفاد وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان لوكالة Bloomberg الأمريكية في مايو/أيار قائلاً: "يجب أن يستيقظ العالم على واقع الأمور. لقد بدأت قدرة العالم على إنتاج الطاقة في التضاؤل على جميع المستويات".