كان قرار حظر استيراد الذهب الروسي أحد الأسلحة التي جاء جو بايدن إلى قمة مجموعة السبع حاملاً إياه، فما قصة هذا المعدن النفيس ومدى أهميته بالنسبة للرئيس فلاديمير بوتين والحرب في أوكرانيا؟
كان زعماء مجموعة السبع، والتي كانت تعرف باسم مجموعة الثمانية قبل استبعاد روسيا منها عام 2014، قد جعلوا من حظر استيراد الذهب الروسي أحد أهداف قمتهم المنعقدة في ألمانيا، والهادفة إلى تشديد الخناق على موسكو ورئيسها بوتين بسبب الحرب في أوكرانيا، من خلال فرض مزيد من العقوبات.
والحرب في أوكرانيا، التي يسميها الكرملين "عملية عسكرية خاصة، بينما يصفها الغرب بأنها غزو، هي بالأساس أزمة جيوسياسية ترجع إلى عام 2014 عندما ضمت موسكو شبه جزيرة القرم وكان ذلك سبب استبعادها من مجموعة الثمانية وقتها؛ لتقتصر المجموعة على الولايات المتحدة واليابان وكندا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا والاتحاد الأوروبي.
هل هناك إجماع على حظر استيراد الذهب الروسي؟
ومنذ قبل أن تبدأ الحرب بثلاثة أيام، بدأت رحلة فرض العقوبات الغربية على روسيا، بمجرد إعلان بوتين الاعتراف باستقلال منطقتي لوغانسيك ودونيتسك الانفصاليتين في إقليم دونباس شرق أوكرانيا، ولا تزال تلك الرحلة مستمرة دون توقف، إذ لا يمر أسبوع دون إصدار حزمات جديدة من تلك العقوبات.
العقوبات الغربية على روسيا لم تترك أي مجال إلا وطالته، وليس فقط المجال الاقتصادي بجميع قطاعاته، فالرياضة والفن والطب والتكنولوجيا وغيرها أصبحت أيضا هدفا لتلك العقوبات.
ولأن روسيا هي ثاني أكبر منتج للذهب في العالم، بعد الصين، فقد وضعت الدول الغربية المعدن النفيس لدى موسكو في مرمى نيران عقوباتها منذ البداية، وهو ما يثير التساؤلات بشأن هذا القرار الأخير، الذي يأتي بعد أكثر من 4 شهور من اندلاع الحرب.
كان الرئيس الأمريكي جو بايدن قد قال، الأحد 26 يونيو/حزيران، لحلفائه إنه "علينا توحيد الصفوف" في مواجهة روسيا، وفي مستهل الاجتماع المنعقد في جبال الألب البافارية، تحركت الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا واليابان بالفعل لحظر واردات الذهب الروسي، في إطار تشديد العقوبات على موسكو والسعي لقطع سبل تمويل حربها في أوكرانيا.
الإعلان عن القرار جاء عبر لندن، إذ قالت الحكومة البريطانية إن الدول الأربع قد اتفقت على حظر استيراد الذهب الروسي الجديد، مضيفة أن حظر الذهب الروسي يستهدف الأثرياء الروس الذين يشترون السبائك باعتبارها الملاذ الآمن لتقليل الأضرار المالية للعقوبات الغربية.
لكن لا يبدو أن هناك إجماعاً داخل المجموعة على هذا القرار؛ إذ قال رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل، الأحد، في أعقاب إعلان تلك الخطوة من جانب لندن، إنه سيتعين التعامل بحرص مع هذه المسألة وإجراء المزيد من المناقشات حولها.
والإثنين 27 يونيو/حزيران، قال المستشار الألماني أولاف شولتس لمحطة "زد.دي.إف" إن المناقشات بشأن حظر استيراد الذهب الروسي مستمرة وسيكون من الضروري إجراؤها مع الشركاء في الاتحاد الأوروبي، بحسب رويترز.
هل هذا هو التحرك الأول لاستهداف ذهب روسيا؟
لا، إذ إن مجموعة السبع كانت قد اتخذت إجراءات، أو على الأقل سعت إلى ذلك، تهدف إلى حرمان الكرملين من الاستفادة من الاحتياطيات الضخمة من الذهب، وذلك خلال اجتماع لزعماء المجموعة على هامش قمة لحلف الناتو عقدت في مارس/آذار الماضي لتنسيق الموقف الغربي من الأزمة الأوكرانية.
وكان تقرير لصحيفة Financial Times البريطانية قد كشف في ذلك الوقت عن اتفاق قادة مجموعة السبع على اتخاذ إجراءات صارمة ضد قدرة روسيا على بيع احتياطياتها من الذهب لدعم عملتها المحلية، في خطوة كان الهدف منها متع محاولات من جانب موسكو للتهرب من العقوبات المالية المفروضة عليها بسبب الهجوم على أوكرانيا.
ووقتها أيضاً اتفق زعماء المجموعة على مواصلة العمل على تقليص قدرة روسيا على الاستفادة من احتياطياتها الدولية لدعم الاقتصاد الروسي وتمويل حرب أوكرانيا، وشملت تلك الخطوات العمل على ضمان أن أي معاملة تنطوي على الذهب متعلقة بالبنك المركزي للاتحاد الروسي مشمولة بالعقوبات، حسبما قال البيت الأبيض في بيان وقتها.
تمتلك روسيا خامس أكبر مخزون من الذهب في العالم، تُقدر قيمته بنحو 140 مليار دولار، وتم بناء احتياطيات روسيا الضخمة من المعدن الثمين على مدى العقد ونصف العقد الماضيين، وكان الهدف منها أن تكون نوعاً من بوليصة التأمين الاقتصادي للبلاد ضد الضغوط الغربية.
ومنذ عام 2014 بالتحديد، بدأت روسيا في تخزين الذهب بقوة، وذلك عندما فرضت الولايات المتحدة عقوبات على الكرملين بسبب ضمّه شبه جزيرة القرم، مما ضاعف مقتنياته من الذهب. وبلغت صادرات الذهب الروسية 15.5 مليار دولار العام الماضي فقط.
كما أن روسيا موطن لأكبر شركات التعدين الرئيسية في العالم، بما في ذلك "بولي ميتال انترناشيونال" (Polymetal International)، و"بوليوس" (Polyus)، وقد تم حظر التعامل مع الشركتين منذ مارس/آذار الماضي بالفعل، عندما علق سوق تداول الذهب في لندن ونيويورك جميع المصافي الروسية من القوائم المعتمدة لديهما تنفيذاً للعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة على روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا.
ماذا تعني خطوة حظر الذهب الروسي إذا؟
ارتفعت أسعار الذهب عالمياً، الإثنين 27 يونيو/حزيران كرد فعل مباشر على ما يبدو، على أنباء اعتزام الدول الغربية حظر واردات المعدن من روسيا رسمياً، إذ ارتفع الذهب في المعاملات الفورية 0.5 في المئة إلى 1835.58 دولار للأوقية (الأونصة) بحلول الساعة 0231 بتوقيت غرينتش. وارتفعت العقود الآجلة للذهب الأمريكي 0.3 في المئة إلى 1836.30 دولار، بحسب رويترز.
لكن أغلب المحللين يرون أن ذلك رد فعل طبيعي ولا يعني بالضرورة أنه، أي ارتفاع أسعار الذهب استجابة للحظر المتوقع للمعدن النفيس من روسيا، هو أمر مستدام أو سيكون تأثيره طويل الأمد.
"حظر واردات الذهب الجديد من روسيا خطوة رمزية إلى حد كبير"، تحت هذا العنوان تناول تحليل لوكالة بلومبرغ الأمريكية تداعيات القرار الذي يبدو أن الرئيس الأمريكي جو بايدن قد حمله في جعبته في طريقه لاجتماعات مجموعة السبع في أوروبا.
إذ قال محللون للوكالة الأمريكية إن ارتفاع أسعار الذهب رد فعل طبيعي، لكن العقوبات على الذهب الروسي لا تمثل داعماً وحيداً أو حتى رئيسياً لهذا الارتفاع، كما أن هذا الحظر لا يعدو كونه تجسيداً للواقع العملي الذي فرضته العقوبات على روسيا بشكل عام.
وعلى الرغم من أن بيان الحكومة البريطانية قد أكد أن قرار الحظر سيكون له تأثير عالمي وسيمنع الذهب الروسي من الوصول للأسواق العالمية، فإن المحللين رأوا أن القرار في حد ذاته لا يحدث ولا ينتظر أن تكون له تداعيات كبيرة؛ لأن سوق الذهب الرئيسي في لندن كان قد حذف شركات الذهب الروسي من قائمته بالفعل منذ مارس/آذار الماضي.
وارين باترسون، رئيس استراتيجية السلع في مجموعة ING بولاية نيفادا، قال لوكالة بلومبرغ إن "تأثير قرار حظر واردات الذهب الروسي من جانب مجموعة السبع على الأرجح لن يكون ملحوظاً؛ لأن صناعة المعدن النفيس حول العالم كانت قد اتخذت بالفعل خطوات لتقييد الذهب الروسي. يبدو أن القرار رمزي إلى حد كبير".
واتفق كارستن مينك، المحلل في مجموعة جوليوس باير، مع باترسون في الرأي، وقال لبلومبرغ إنه على الرغم من رد الفعل الإيجابي الذي أظهرته أسعار الذهب، فإن "تأثير الحظر محدود بالفعل"، مضيفاً أن ارتفاع أسعار الذهب لا يتأثر كثيراً بانخفاض أو ارتفاع المعروض من المعدن النفيس.
والرأي نفسه عبَّر عنه فيفيك دار، محلل السلع في بنك الكومنولث بأستراليا، بقوله إن "قرار الحظر الذي يتحدثون عنه لن يفعل شيئاً أكثر من جعل الأمر الواقع الحالي، الذي فرضته العقوبات، رسمياً"، مضيفاً أنه لا يتوقع أن يكون لحظر الذهب الروسي رسمياً تأثير يُذكر على الأسعار.
كما قال جيفري هالي، كبير محللي أواندا لرويترز: "يبدو أن حظر مجموعة السبع استيراد الذهب الروسي يقدم بعض الدعم (للأسعار) على المدى القريب في أوائل التعامل بآسيا، ولكن.. لا أتوقع أن يمثل هذا تغييراً هيكلياً في توقعات العرض والطلب يدعم الأسعار".
الخلاصة هنا هي أن قرار حظر واردات الذهب الروسي، الذي يسعى بايدن وحلفاؤه إلى جعله رسمياً ومتفقاً عليه في الغرب، لا يقدم جديداً فيما يتعلق بالتأثير على أسعار الذهب بشكل عام ولا على تأثيره على روسيا أيضاً، على أساس أن الذهب الروسي هو في حكم المحظور فعلياً منذ مارس/آذار الماضي.