مصير مجهول يواجه إبراهيم سعدون، المغربي المحكوم عليه بالإعدام في إقليم دونباس الأوكراني من قبل الانفصاليين الموالين لروسيا، وسط تساؤلات حول حقيقة حصوله على الجنسية الأوكرانية، وهل تستطيع بلاده إنقاذه، ولماذا تورط في هذا الصراع الذي لا ناقة ولا جمل له فيه.
بدا إبراهيم سعدون أكثر صلابة من رفيقيه البريطانيين اللذين حكم عليهما بحكم مماثل من قبل المحكمة ذاتها.
نظر إبراهيم سعدون منجذباً وعيناه فارغتان، في مواجهة كاميرات قناة RT الروسي قائلاً: "مرحباً أبي وأمي. أنا بخير هنا، لا تقلقا عليّ. كل شيء سيصبح على ما يرام".
كان ذلك في يوم 10 يونيو/حزيران، بعد يوم من الحُكِمَ على إبراهيم سعدون البالغ من العمر 21 عاماً، إلى جانب مواطنين بريطانيين، بالإعدام من قبل المحكمة العليا لجمهورية دونيتسك الشعبية، المنطقة الانفصالية الموالية لروسيا في أوكرانيا.
ونقلت وكالة أنباء Interfax الروسية عن مسؤول قضائي قوله إن الرجال أدينوا بارتكاب "أنشطة مرتزقة وارتكاب أعمال تهدف إلى الاستيلاء على السلطة والإطاحة بالنظام الدستوري لجمهورية دونيتسك الشعبية".
وخلال البث القصير الذي بثته قناة RT الإخبارية الناطقة بالعربية، لم يعلق سعدون على الحكم. لكنه أجاب على أسئلة الصحفي حول المعاملة التي يتلقاها.
قال: "اليوم عاملوني بشكل أفضل من البارحة. كنت مستعداً لأي شيء عندما استسلمت. لكنني أردت أن أعيش".
بعد تجنيده في الجيش الأوكراني، أكد أنه يتقاضى راتباً شهرياً يتراوح بين "10500 و11000 هريفنيا (عملة أوكرانيا) أي نحو 371 دولاراً"، تضاعف ثلاث مرات عندما كان على خط المواجهة.
قصة إبراهيم سعدون ولماذا تورط في هذا الصراع؟
على عكس التقارير التي ظهرت عبر وسائل الإعلام، لم يُلقَ القبض على سعدون من قِبَلِ الجيش الروسي، حسبما قال مقربون منه لموقع Middle East Eye البريطاني. وقالوا إنه استسلم خلال معركة في منطقة دونباس، في أبريل/نيسان، بينما كان يرتدي زي لواء ماريوبول 36 من مشاة البحرية.
كيف انتهى الأمر بهذا الشاب المغربي هنا؟ كان سعدون واحداً من 8 آلاف طالب من المغرب يدرسون في أوكرانيا، ولدى المغرب ثاني أكبر مجتمع للطلاب الأجانب في البلاد.
كان يدرس في كلية كييف للديناميكا الهوائية وتكنولوجيا الفضاء لمدة عامين.
وقالت ليليا أليكسانوفا، التي قابلته في صيف ذلك العام، لموقع Middle East Eye: "في خريف 2021، قبل اندلاع الحرب بفترة طويلة، غادر للانضمام إلى الجيش الأوكراني".
هذه المرأة الأوكرانية البالغة من العمر 19 عاماً، والتي تعيش الآن في بوسطن، ترسم صورة لرجل يتمتع بتعاطف "غير عادي"، و"كان محبوباً نظراً للسهولة التي كان يتواصل بها مع كل من التقى بهم".
وقالت أليكسانوفا إن سعدون "وقع في حب أوكرانيا وكثيراً ما كان يتحدث عن رغبته في رد الجميل للبلد الذي قدم له الكثير".
وبحسب أليكسانوفا، رأى سعدون في الانضمام للجيش الأوكراني "نوعاً من التنفيس"، عما مكنه من تطهير كل شياطينه، وتحديداً الأشياء التي كانت تزعج عقله.
الأوكرانيون يرفضون وصفه بالمرتزق
وقالت أليكسانوفا، التي تعترض على أي شخص يدعو صديقها "بالمرتزق": "لقد أجرينا مناقشات طويلة حول صحته العقلية. كان يعلم أنني أعاني من القلق، لقد ساعدني بشكل كبير في التغلب على الصعوبات".
لم يلتحق بالجيش الأوكراني من أجل المال ولا للحصول على جواز سفر. لقد فعل ذلك عن قناعة شخصية، قبل الهجوم الروسي بوقتٍ طويل، حسب قولها.
وقالت: "بقينا على اتصال بعد أن غادرت إلى الولايات المتحدة. لكنه توقف فجأة عن الرد على رسائلي في مارس/آذار. في المرة الأولى التي رأيت فيها وجهه في مقطع فيديو صُدِمت لأنني لم أتعرف على إبراهيم الذي كنت أعرفه. في النهاية، كنت سعيدةً فقط لمعرفة أنه على قيد الحياة".
وأطلقوا حملة للدفاع عنه
الآن، يقول أصدقاء سعدون الأوكرانيون إنهم نظموا حملة على وسائل التواصل الاجتماعي، باستخدام هاشتاغ #SaveBrahim، للدفاع عنه من خلال قول الحقيقة بشأن تجربته.
في كييف، ظهرت ملصقات تحمل وجهه في الأماكن العامة كجزء من الحملة.
قالت أليكسانوفا: "العالم بحاجة إلى أن يعرف أنه ليس مرتزقاً، وأنه لا ينبغي معاملته على هذا النحو. إنه أسير حرب".
هل لديه جواز سفر أوكراني كما قال والده؟
يشكك أصدقاء سعدون الأوكرانيون أيضاً في مزاعم والد سعدون بأن ابنه لديه جواز سفر أوكراني.
وقالت أليكسانوفا: "هذا غير صحيح. وقالوا إن إبراهيم كان لديه تصريح إقامة في أوكرانيا ساري المفعول حتى عام 2024. لدينا نسخ من جميع وثائقه الرسمية. لم يكن والده على اتصال به لفترة طويلة. لقد خلط بين المصطلحات في الترجمة وقال إن لديه جواز سفر، لكن هذا ليس هو الحال على الإطلاق".
مهمة أصدقاء سعدون الأوكرانيين ليست سهلة، حسب موقع Middle East Eye.
ففي 15 يونيو/حزيران، أعلن رئيس مجلس الدوما، أحد مجلسيّ البرلمان الفدرالي الروسي، فياتشيسلاف فولودين: "عقوبة الإعدام هي العقوبة التي يستحقها هؤلاء الفاشيون".
ربما لم يكن يشير مباشرة إلى سعدون، لكن كلماته جاءت بعد أقل من أسبوع من صدور الأحكام بحق المغربي ورفيقيه البريطانيَّين.
وقال فولودين إنه سيكون من "العدل" فرض عقوبة الإعدام في جمهورية دونيتسك الانفصالية "خاصة في وقت الحرب".
وخلافاً لهذا الرأي، كانت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان قد صرحت قبل أيام قليلة أن محاكمة الجنود الأجانب الثلاثة تشكل "جريمة حرب".
وفي جلسة طارئة في 16 يونيو/حزيران، في اليوم التالي لتصريحات فولودين، طلبت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان من موسكو عدم إعدام سعدون.
ورغم استبعاد موسكو في منتصف مارس/آذار من مجلس أوروبا، فإن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان واضحة في أن روسيا لا تزال ملزمة بالامتثال لقراراتها.
ما هو موقف المغرب؟
في المغرب، بينما تابعت وسائل الإعلام المحلية هذه القضية، لم يكن ذلك كافياً لإجبار الحكومة على مساعدة سعدون، حسب تعبير الموقع البريطاني.
واقتصرت السفارة المغربية في كييف، التي ظلت صامتة، على نشر بيان صحفي جاء فيه أن سعدون "أُلقِيَ القبض عليه وهو يرتدي زي الجيش الأوكراني، كعضو في وحدة من مشاة البحرية الأوكرانية"، وأنه "أسير حالياً لدى كيان لا تعترف به لا الأمم المتحدة ولا المغرب".
ولم تضِف السفارة أي تعليق آخر.
ويواجه ملف الطالب المغربي، صعوبات شكلية وقانونية تجعل عملية إنقاذه من شبح الإعدام تشوبها تعقيدات، خاصة في ظل غياب معطيات حول الصفة التي حوكم بها، حسب وسائل الإعلام المغربية.
وكانت ناتاليا نيكونورفا، وزيرة الشؤون الخارجية في ما يسمى "جمهورية دونيتسك الشعبية" قد قالت في وقت سابق إن بريطانيا والمغرب لديهما فرصة لإرسال محامين للمواطنين المُدانين، في محاولة على ما يبدو لاستغلال الأزمة للحصول على شكل من أشكال الاعتراف لهذه الجمهورية التي لا تعترف بها أي دولة غير روسيا.
وأوضحت نيكونورفا، أنه رسمياً لم تتصل بهم أي من هذه الدول، معتبرة أن بريطانيا والمغرب "لا تهتمان مطلقاً بمصير مواطنيهما، ويمكنهما إرسال محامٍ لمواطنين من بلديهما. لكن لا شيء على الإطلاق وقع".
"يمكن للمغرب أن يلعب بورقة حياده وعدم حضور تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد روسيا، وما عدا ذلك ليست هناك أوراق تفاوض أو ضغط"، حسبما قال عزيز إدامين، الخبير في القانون الدولي، في تصريح لجريدة "هسبريس" الإلكترونية المغربية.
وقال الخبير القانوني المغربي إن "الضغط عبر الآليات القانونية الدولية لن يجدي نفعا، مما يبقى المنفذ الوحيد هو السلك الدبلوماسي والسياسي والتفاوض المغربي مع السلطات الروسية بشكل مباشر وسلطات الدونباس بشكل غير مباشر"، حسب تعبيره.
وأكدت أمينة بوعياش رئيسة المجلس الوطني المغربي لحقوق الإنسان أنها بعثت برسالة إلى نظيرها الروسي تطلب منه "التدخل قدر الإمكان للحفاظ على حقوق المواطن المغربي إبراهيم سعدون".
وأضافت أنها طلبت من منتدى حقوق الإنسان الروسي "بذل قصارى جهده لضمان أن يحظى إبراهيم سعدون بمحاكمة واستئناف عادلين".