حذَّرت الأمم المتحدة وسياسيون وجمعيات خيرية من أنَّ الزيادات الحادة في أسعار الغذاء والوقود الدولية، منذ الهجوم الروسي على أوكرانيا، تركت الملايين في إفريقيا يواجهون الجوع وانعدام الأمن الغذائي هذا العام. وقد أدى ارتفاع الأسعار إلى تفاقم المشكلات الاقتصادية الناجمة عن جائحة فيروس كورونا المستجد؛ ما أثار مخاوف من الاضطرابات في البلدان الأكثر تضرراً. وقال برنامج الغذاء العالمي إنَّ مناطق من إفريقيا تواجه "حالة طوارئ غذائية غير مسبوقة" هذا العام، ويرجع ذلك جزئياً إلى الحرب في أوكرانيا.
الجوع يضرب إفريقيا.. ومزارعون: "نحاول البقاء على قيد الحياة"
ورصدت صحيفة The Financial Times البريطانية مظاهر الأزمة الغذائية في عدد من الدول الإفريقية، حيث يقول عامل بناء يدعى إزرا نغالا، في أحد الأحياء الفقيرة في العاصمة الكينية نيروبي، إنه يحاول بالكاد تغطية نفقاته. وقال: "أحاول البقاء على قيد الحياة"، وهو يشرح أنه لا يستطيع إطعام زوجته وابنه البالغ من العمر أربع سنوات. وأضاف نغالا: "خلال الأشهر القليلة الماضية كانت هناك موجة من الجوع عانى منها آخرون مثلي. وتقول الحكومة إنَّ الحرب في أوكرانيا هي سبب كل هذا".
فيما قال أحمد شيد، وزير المالية الإثيوبي، لصحيفة The Financial Times: "أدى الصراع في أوكرانيا إلى ارتفاع الأسعار العالمية للوقود والأسمدة وكذلك زيت الطعام والسكر والقمح على وجه الخصوص. وهذا جلب صدمات كبيرة للنظام".
وقالت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) إنَّ ما يصل إلى 20 مليون شخص في المنطقة الممتدة من شمال كينيا إلى الصومال وأجزاء كبيرة من إثيوبيا قد يعانون من الجوع في عام 2022؛ وذلك بسبب أسوأ موجة جفاف منذ أربعة عقود، التي تفاقمت بسبب تداعيات الحرب في أوكرانيا. ويواجه أكثر من 40 مليون شخص في منطقة الساحل وغرب إفريقيا هذا العام انعداماً حاداً للأمن الغذائي، وفقاً لمنظمة الفاو، في ارتفاع من 10.8 مليون شخص قبل ثلاث سنوات.
كيف أثرت الحرب الروسية الأوكرانية على إفريقيا؟
قبل الحرب، كانت روسيا وأوكرانيا توفران حصة من رقمين من واردات القمح إلى أكثر من 20 دولة في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء، بما في ذلك مدغشقر والكاميرون وأوغندا ونيجيريا، وفقاً لمنظمة الفاو. وتعتمد إريتريا على هذين البلدين في جميع وارداتها من القمح.
وحتى تلك البلدان التي لا تعتمد على الواردات من روسيا وأوكرانيا تضررت من ارتفاع الأسعار.
يتوقع صندوق النقد الدولي أنَّ ارتفاع أسعار المستهلكين في إفريقيا جنوب الصحراء سيسجل نسبة 12.2% هذا العام، وهو أعلى معدل منذ ما يقرب من عقدين من الزمن. وفي إثيوبيا ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 42.9%، في أبريل/نيسان عن نفس الشهر قبل عام.
وهناك مخاوف من أنَّ ارتفاع أسعار المواد الغذائية قد يؤجج الاضطرابات في البلدان الفقيرة، حيث يشكل الغذاء جزءاً من الإنفاق اليومي أكبر منه في البلدان المتقدمة.
خلال أزمة الغذاء 2007-2008، التي نتجت عن ارتفاع أسعار الطاقة والجفاف في مناطق إنتاج المحاصيل، واجهت نحو 40 دولة اضطرابات اجتماعية. وكان أكثر من ثلث هذه البلدان في القارة الإفريقية.
وحتى قبل الحرب الروسية في أواخر فبراير/شباط، كان الوباء قد أصاب بالفعل النمو الاقتصادي في القارة. قال وانديل سيهلوبو، كبير الاقتصاديين في غرفة الأعمال الزراعية في جنوب إفريقيا: "كانت إفريقيا تكافح بالفعل مع انعدام الأمن الغذائي. لقد تضاءلت قدرة هذه البلدان الإفريقية على حماية سكانها من تقلبات أسعار الغذاء".
حالة طوارئ غذائية غير مسبوقة
وكانت هناك بالفعل بعض العلامات على الاضطرابات. فقد أعلنت تشاد، الدولة غير الساحلية، حالة "الطوارئ" الغذائية في وقت سابق من هذا الشهر. وفي أوغندا، أُلقِي القبض على ستة نشطاء للاحتجاج على ارتفاع أسعار المواد الغذائية في نهاية مايو/أيار، وفقاً لمنظمة العفو الدولية. وأدى ارتفاع أسعار المواد الغذائية منذ مايو/أيار إلى اندلاع احتجاجات في الشوارع في نيروبي، عاصمة كينيا، وتجمعوا تحت هاشتاغ #LowerFoodPrices (أسعار غذاء أقل) و # Njaa-Revolution – أي "ثورة الجوع" باللغة السواحيلية.
قال لويس ماغانغا، أحد النشطاء المحليين في نيروبي حول تكلفة المعيشة: "الناس جوعى، والحقيقة هي أنهم لا يستطيعون تحمل هذه الأسعار المرتفعة. مع بداية كل يوم جديد ترتفع الأسعار".
في مايو/أيار، قفزت أسعار زيوت الطعام بأكثر من 45% عن العام الماضي في كينيا، في حين زاد سعر الدقيق بنسبة 28%، وفقاً للبنك الدولي.
حتى الدول النفطية الإفريقية تعاني
وحتى نيجيريا، منتج النفط وعضو أوبك، تضررت من أسعار الغذاء والوقود العالمية. وتصدّر الدولة الإفريقية الأعلى كثافة سكانية النفط الخام، لكنها تعتمد على واردات الوقود، بجانب أنها مستورد كبير للغذاء، وخاصة الحبوب. وارتفع سعر الخبز في لاغوس من 300 نايرا (0.72 دولار) قبل الوباء إلى 700 نايرا (1.67 دولار) هذا العام، بحسب شيبوندو إيميكا أونيناتشو، المحلل في بنك الأسواق الناشئة Renaissance Capital.
وقال أونيناتشو: "إذا انتقلت فجأة إلى 700 نيرة للحصول على رغيف من شرائح الخبز فهذا يضغط على أي شخص يتقاضى الحد الأدنى (الشهري) للأجور وهو 30 ألف نايرا (71 دولاراً)".
وأضاف أنَّ سعر دقيق القمح يعني أنه في المناطق الريفية يخلطه الناس مع الدقيق المصنوع من الكسافا، وهي خضراوات جذرية رخيصة؛ لأنهم "على استعداد للتنازل" عن الجودة لصالح خفض تكلفة المنتجات التي يتناولونها يومياً، مثل الخبز.
بالعودة إلى كينيا فإنَّ ارتفاع أسعار الوقود يعني أنَّ عامل البناء نغالا ينفق نصف راتبه تقريباً على أسعار الوقود. ونتيجة لهذا الارتفاع أيضاً، أصبحت بعض الأطعمة باهظة الثمن.
وقال: "لا يمكننا تحمل تكاليف الأشياء الأساسية مثل زيت الطهي ودقيق الذرة"، وتحديداً هذا الأخير المستخدم لصنع طبق الأوغالي المحلي، وهو عجين دقيق الذرة المطبوخ. ونوه: "هناك أشخاص لا يستطيعون حتى تحمل ثمن وجبة واحدة في اليوم".