تعرضت أفغانستان لزلزال مدمر أودى بحياة المئات، فكيف تحدث الزلازل؟ وهل يمكن أن نتسبب، نحن البشر، في وقوعها بالفعل؟ وهل تَسبَّبَ نشاط بشري في زلزال من قبل؟
كان مسؤولون أفغان قد قالوا، صباح الأربعاء 22 يونيو/حزيران، إن زلزالاً أودى بحياة 920 شخصاً على الأقل، وأسفر عن إصابة أكثر من 600، وتوقعوا زيادة عدد القتلى مع تدفق المعلومات من القرى في المناطق الجبلية النائية.
وبحسب مسؤولين أفغان، فإن قوة الزلزال، الذي وقع في وقت كان السكان فيه نائمين، بلغت 6.1 درجة، وأظهرت صور نشرتها وسائل إعلام أفغانية منازل تحولت إلى أنقاض، وجثثاً ملفوفة بأغطية على الأرض.
وقال صلاح الدين أيوبي، المسؤول بوزارة الداخلية، إن طائرات هليكوبتر انتشرت، في إطار جهود الإنقاذ، لتسهيل الوصول للجرحى، ونقل الإمدادات الطبية والغذاء. وأضاف: "من المرجح أن يرتفع عدد القتلى؛ لأن بعض القرى تقع في مناطق نائية في الجبال، وسيستغرق الأمر بعض الوقت لجمع التفاصيل".
وذكرت هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية أن الزلزال وقع على بعد 44 كيلومتراً من مدينة خوست في جنوب شرقي أفغانستان، وكان على عمق 51 كيلومتراً. وكتب أحد سكان العاصمة الأفغانية كابول على موقع مركز رصد الزلازل الأوروبي المتوسطي يقول: "هزات قوية وطويلة". وقال أحد سكان مدينة بيشاور في شمال غربي باكستان: "كان قوياً"، بحسب رويترز.
كيف تحدث الزلازل؟
الزلازل ظاهرة طبيعية تحدث نتيجة لتحرك ألواح الغلاف الصخري في باطن الأرض، أو ما تعرف جيولوجياً بالصفائح التكتونية. وتكون حركة تلك الألواح أو الصفائح إما متباعدة عن بعضها أو مصطدمة مع بعضها أو منزلقة عبر حدودها، وتنطلق من أعماق مختلفة، وتتوقف قوتها على هذا العمق الذي تنشأ منه.
ومن صفات الأرض الأساسية أنها ذات صدع؛ فهناك شبكة هائلة من الصدوع تمزق الغلاف الصخري للأرض وتحيط به إحاطة كاملة، يشبهها العلماء بخط اللحام على كرة التنس.
إذ إن الأرض تحت أقدامنا، بحسب علماء الجغرافيا، غير مستقرة بالمرة، وتتألف من طبقات متباينة السماكة تتحرك في اتجاهات مختلفة، وتزخر بالصدوع والكسور التي تتخللها مجارٍ ضيقة من السوائل. وهناك رواسب وطين وقواعد صخرية، بخلاف تلك الصفائح التكتونية العملاقة التي تحتك ببعضها أو تتباعد عن بعضها.
وتقاس الزلازل بمقياس ريختر، وهو مقياس لوغاريتمي، بمعنى أن كل زيادة درجة واحدة على مقياس ريختر يقابلها زيادة 10 أمثال في القوة عن الدرجة التي تسبقها؛ فإن زلزالا بقوة 3 درجات قد يشعر به السكان، بينما إذا بلغت قوته 4 درجات فقد تهتز الأرفف ويسقط ما فوقها، لكن زلزالاً بقوة 5.5 درجة أو أكثر قد يكون كفيلاً بإلحاق أضرار بالمباني.
ويبلغ عدد الصفائح التكتونية العملاقة 12 لوحاً تقريباً، ولأنها في حركة دائمة فإنها تمزق الغلاف الصخري الذي يغلف باطن الكرة الأرضية. وتطفو تلك الألواح أو الصفائح التكتونية فرق طبقة سائلة منصهرة عالية اللزوجة وعالية الحرارة، ويؤدي دوران الأرض حول محورها أمام الشمس إلى انزلاق تلك الألواح فوق الطبقة المنصهرة؛ ما يؤدي أحياناً إلى تباعد تلك الألواح، واندفاع تلك الحمم الملتهبة نحو السطح بسرعات هائلة، وهو ما يتسبب في حدوث البراكين.
لكن عندما يحدث العكس، أي أن تلك الحمم الملتهبة تندفع إلى أسفل نحو باطن الأرض، يؤدي ذلك إلى تصادم بعض تلك الصفائح التكتونية بعضها ببعض، فتحدث الزلازل بشكل طبيعي.
متى نشعر بوقوع زلزال؟
وبما أن باطن الكرة الأرضية عبارة عن طبقة من الحمم المنصهرة في حالة حركة دائمة، فإن وقوع الزلازل أمر شبه مستمر ولا يتوقف، فكيف لا يشعر بها البشر طوال الوقت؟ ولماذا تختلف دورية وقوع الزلازل من منطقة لأخرى حول العالم؟
الأمر كله يتعلق بمدى قوة الزلازل التي تنتج عن تلك الحركة، فإذا كان الزلزال أقل من 3 درجات على مقياس ريختر، وهذه النوعية تمثل النسبة الأعظم من الزلازل الناتجة عن الحركة الطبيعية في باطن الأرض، لا يشعر بها البشر.
أما إذا بلغت درجة قوة الزلزال 3 درجات فما فوق بمقياس ريختر، فسيشعر بها الناس، وإذا تخطت 5 درجات بمقياس ريختر تبدأ المباني في الاهتزاز، وربما السقوط وحدوث الأضرار المادية والبشرية. ولا شك أن طبيعة المنطقة التي تشهد الزلزال ونوعية المباني فيها ومدى جودة الاستعدادات لوقوع الزلازل يكون لها أثر كبير في التخفيف من وطأة أضرار الزلازل إلى حد كبير.
فالزلزال الذي وقع في أفغانستان، الأربعاء 22 يونيو/حزيران بلغت قوته 6.1 درجة بمقياس ريختر، وأودى بحياة ما يقرب من ألف شخص، ومن المتوقع أن يرتفع العدد، بينما قد يقع زلزال بالقوة نفسها في مناطق أخرى ولا يتسبب في ذلك العدد الضخم من الخسائر البشرية.
هل يمكن أن نتنبأ بالزلزال قبل حدوثه؟
كلا، وهذا هو الرأي العلمي القاطع، بحسب موقع هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، التي تضع 3 شروط كي يكون التنبؤ بالزلزال قائماً بالفعل. أول هذه الشروط تحديد يوم وتوقيت حدوث الزلزال بدقة، والثاني تحديد مكان حدوث الزلزال بدقة، أما الثالث فهو تحديد قوة الزلزال أيضاً بدقة.
وبالتالي فإنه، وعلى الرغم من التطور العلمي الكبير والتقدم التكنولوجي الذي حققته البشرية حتى الآن، لا تزال قدرة الإنسان على التنبؤ الدقيق بوقوع الزلزال قبل أن يحدث فعلياً محدودة إلى حد كبير، وإن كانت هناك بعض الأدوات والمؤشرات التي يسعى البعض من خلالها إلى محاولة توقع حدوث الزلزال قبل أن يحدث، ولو بفترة زمنية قصيرة.
ومن هذه الأدوات أجهزة الرصد الزلزالي التي تقيس باستمرار وعلى مدار الساعة أية اهتزازات في سطح القشرة الأرضية، حتى لو كانت ناجمة عن حركات القطارات أو الشاحنات، وعن طريق هذا الرصد يمكن ملاحظة أية تغيرات تنبئ بقرب وقوع هزة أرضية، بحسب تقرير لموقع قناة الجزيرة.
كما أن ظهور بعض المنحدرات أو الشقوق أو التصدعات في جزء من القشرة الأرضية في منطقة ما قد يكون مؤشراً على احتمال وقوع زلزال في تلك المنطقة. ويستدل العلماء أيضاً على قرب وقوع هزات أرضية عن طريق اختلاف مقادير المياه في الآبار أو الخلجان، وأيضاً عن طريق تصاعد بعض الغازات مثل غاز "الرادون"، لا سيما في المناجم والمحاجر. كما أن هجرة بعض الحيوانات بطريقة مفاجئة تعتبر أيضاً مؤشراً على قرب وقوع زلزال أو هزة أرضية.
هل يمكن أن يتسبب البشر في حدوث زلازل؟
نعم، وقد حدث ذلك فعلاً؛ إذ كان زلزال بقوة 5.5 درجة بمقياس ريختر قد ضرب مدينة بوهانغ بكوريا الجنوبية، يوم 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، أسفر عن إصابة 135 شخصاً بجروح، وإجلاء 1,700 شخص من منازلهم، وإلحاق ضرر بآلاف المباني، وبلغت حصيلة الخسائر 75 مليون دولار.
وأشار البعض بأصابع الاتهام إلى عمليات الحفر بمشروع لتوليد الكهرباء من الطاقة الحرارية الجوفية؛ ما دفع حكومة كوريا الجنوبية إلى تكليف فريق من علماء الزلازل للبحث في مدى ارتباط النشاط الصناعي بوقوع الزلزال.
وقبلت حكومة كوريا الجنوبية نتائج التحقيقات التي توصل لها بيل إيلسويرث، من مركز دراسة أسباب الزلازل بجامعة ستانفورد، وشارك مع فريق المحققين الدولي للكشف عن أسباب زلزال بوهانغ، والتي خلصت إلى أن زلزال 2017 كان ناتجاً عن نشاط بشري. وصرحت الحكومة بأنها ستقوم بتفكيك محطة توليد الكهرباء من الطاقة الحرارية الجوفية، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC.
ويقول إيلسويرث إن عمال الحفر كانوا يعتمدون على نظام بسيط نسبياً لتقييم مدى سلامة الحفر، بحيث يتوقفون عن الحفر إذا بلغت شدة الهزات الأرضية درجة محددة، مشيراً إلى أن الهزات الأرضية كانت ضعيفة للغاية، لكن تحليل مكانها، من جانب فريق التحقيق، يكشف عن وجود صدع؛ حيث تبين للمحققين، من خلال تحليل هذه الموجات الزلزالية الخفيفة فيما بعد، أن عمال الحفر اخترقوا خط الصدع (الفالق)، وهو الحد الفاصل بين صفيحتين تكتونيتين. وتتحرك الطبقات والصفائح التكتونية عادة على طول هذه الفوالق، وتسبب الزلازل.
وعادة ما يقوم العمال بفحص المنطقة التي ستخضع للحفر أو لضخ السائل، لتفادي الاقتراب من الفوالق، لكن في هذه الحالة لم تظهر أية علامات لوجود فالق عند السطح، ولم يخطر على بال الفريق أن آلات الحفر اجتازت الفالق.
وفي ظل زيادة وتيرة عمليات الحفر والتكسير الهيدروليكي حول العالم، تتصاعد المخاوف من انتشار الزلازل الناتجة عن الأنشطة البشرية؛ إذ بلغ عدد آبار النفط التي تحفر سنوياً 100 ألف بئر، وذكرت وكالة الطاقة الدولية أن مشروعات استغلال الطاقة الحرارية الجوفية قد تزيد بحلول عام 2050 بمقدار 6 أضعاف.