توقفت المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة حول البرنامج النووي الإيراني، واجتمع العالم بتركيزه على الغزو الروسي لأوكرانيا، ويبدو أن هذين العاملين استحثَّا إسرائيل على تكثيف هجماتها العسكرية في سوريا. وقد أشارت تقارير إخبارية أجنبية إلى أن إسرائيل لم تكتف بتسريع وتيرة ضرباتها على الأهداف المرتبطة بإيران في سوريا، بل عملت على تعزيز إحكامها لتلك الضربات، حتى نجحت في إصابة مطار دمشق الدولي عدة مرات في الأسابيع الماضية وأوقفت حركة الطيران فيه.
ضرب خطوط الإمداد الإيرانية من سوريا إلى لبنان
تفاوتت شدة "المعارك الصغيرة بين الحروب" التي شنتها إسرائيل على إيران طوال العقد الماضي. وتشير التقارير إلى أن غاية إسرائيل الرئيسة من هذه الهجمات هي قطع طرق الأسلحة الإيرانية المنقولة إلى حزب الله اللبناني. ويقول موقع Al-Monitor الأمريكي: "يبدو أن إسرائيل لم تُرد إحراج النظام السوري ولا استفزازه للانتقام، فتجنَّبت إعلان مسؤوليتها عن هذه الهجمات عموماً، إلا في بعض الحالات التي رأت فيها ضرورة التصريح بذلك".
تشن إسرائيل حملتها على إمدادات الأسلحة الإيرانية لحزب الله اللبناني براً وبحراً وجواً. فقد ذكرت تقارير صحفية أجنبية أن إسرائيل تقصف أحياناً قوافل الشاحنات المتوجهة إلى لبنان خلال مرورها وسط سوريا، أو حتى بالقرب من الحدود السورية مع العراق. كما ورد أن البحرية الإسرائيلية في البحر الأحمر تعمل على اعتراض مثل هذه الشاحنات، ونُسبت عدة ضربات على ميناء اللاذقية السوري إلى القوات الإسرائيلية.
إسرائيل تخشى الصواريخ الإيرانية الموجّهة "الدقيقة"
سعت إيران للبحث عن طرق أخرى لنقل الأسلحة، خاصة لنقل المكونات اللازمة لما يسمى مشروع حزب الله لتعزيز صواريخه بقدرات التوجيه الدقيقة. ويستدعي هذا المشروع مخاوف كبيرة لدى إسرائيل؛ لأن النجاح فيه يعني تحويل عدة آلاف من الصواريخ التي يملكها الحزب إلى مقذوفات دقيقة قادرة على توجيه ضربات مباشرة في قلب إسرائيل خلال أي حرب مقبلة، فضلاً عن قدرتها على تعطيل البنية التحتية للبلاد.
تعمل إيران على إعادة تهيئة هذه الصواريخ منخفضة القدرة بتزويدها بأنظمة ملاحة موجَّهة عبر الأقمار الصناعية. وتعتمد هذه الأنظمة على مكونات شديدة الصغر يمكن تمويهها ونقلها بين الأمتعة على متن رحلات الركاب المستمرة من إيران إلى سوريا. ويزعم المسؤولون الإسرائيليون إن إيران بدأت في نقلها عبر إحدى الدول الأوروبية أيضاً.
تشير الصور التي التقطتها الأقمار الصناعية حديثاً إلى أن إسرائيل قصفت مطار دمشق مرتين على الأقل، إحداهما الشهر الماضي والأخرى في 10 يونيو/حزيران، وهو ما ألحق بالمطار أضراراً كبيرة واستدعى إيقاف العمل فيه. وقد أعلنت وزارة النقل السورية إغلاق المطار إلى 20 يونيو/حزيران لحين استكمال ما وصف بإجراءات الصيانة.
وتشير الهجمات الإسرائيلية على مطار دمشق إلى الأهمية الشديدة التي توليها إسرائيل للعمل على إحباط تسليم مكونات الصواريخ الإيرانية لحزب الله. والغالب أن هذه الهجمات تحذير للنظام السوري من أن استمرار عمليات التسليم قد يؤدي إلى تعطيل المطار الرئيسي في البلاد مدةً أطول.
التمدد الإيراني في سوريا
في السياق، قال مسؤولون إسرائيليون، قبل بضعة أشهر، إن رئيس النظام السوري بشار الأسد يسمح لإيران بالعمل في بلاده لأنه مدين لها لمساعدتها الهائلة لنظامه في مواجهة الثورة السورية، لكن إسرائيل غير راضية عن استمرار وجود إيران في البلاد. وتلمِّح هذه الآراء إلى أن بشار الأسد "قد لا يكون مستاء من الهجمات الإسرائيلية على الأراضي السورية، وأنه قرر التغافل عنها".
ربما تصحّ المزاعم الإسرائيلية بشأن الأسد، لكن المعلومات المتاحة لا تشير إلى أن النظام السوري أقدم على أي عمل ملموس للحدِّ من الوجود الإيراني في سوريا. ومن ثم يمكن الزعم بأن قصف المطار محاولة إسرائيلية لحثِّه على استباق الأمور والعمل على تقليص استخدام إيران لسوريا وبنيتها التحتية.
توتر العلاقات بين تل أبيب وموسكو
في الوقت نفسه، يبدو أن الحرب الروسية على أوكرانيا، وتداعياتها، قد حطَّمت آمال إسرائيل في أن يؤدي النزاع الروسي الإيراني على الهيمنة في سوريا إلى الإطاحة بالنفوذ الإيراني من البلاد.
وكان بعض التقارير الإسرائيلية توقع أن تضطر روسيا إلى سحب بعض قواتها من سوريا لتعزيز قوات الغزو في أوكرانيا، لكن موسكو لم تحدث أي تغييرات جذرية على قواتها المنتشرة في سوريا. وأشارت تقارير حديثة إلى تزايد الاحتكاك بين إسرائيل وروسيا، وتستشهد تلك التقارير بالصاروخ (أرض جو) الذي أطلقته بطارية دفاع جوي روسية من طراز "إس 300" على طائرات إسرائيلية في إحدى الهجمات على سوريا في منتصف مايو/أيار.
تخوّفت إسرائيل من توتر علاقتها مع موسكو، وما قد يؤدي إليه ذلك من تفعيل روسيا لدفاعها الجوي في سوريا، وكان ذلك أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت إسرائيل إلى تجنب الانضمام إلى الولايات المتحدة وحلفائها في إدانتهم الشديدة لغزو أوكرانيا. ومع أن إسرائيل اضطرت بفعل الضغوط الدولية والمحلية إلى إدانة الغزو الروسي في نهاية المطاف، فإن هذه الإدانة جاءت بلغة مُبهمة واقتصر الدعم المعلن لأوكرانيا على المساعدات المدنية والإنسانية.
كان استنكار إسرائيل للغزو الروسي استنكاراً محدوداً، ومع ذلك فقد أثار استياء موسكو، وكانت له تداعيات على العمليات الإسرائيلية في سوريا. وقد أصدرت موسكو إدانة لعملية الهجوم على مطار دمشق، ووصفت وزارة الخارجية الروسية الهجومَ بأنه "ممارسة شريرة" و"عمل غير مسؤول" يعرّض أرواح الأبرياء للخطر.
في نهاية المطاف، يبدو أن إسرائيل لا تنوي تقليص مساعيها الرامية إلى الحدِّ من تسليم الأسلحة إلى حزب الله. كما أن توقف المفاوضات بشأن البرنامج النووي الإيراني وتركيز العالم على الحرب الروسية في أوكرانيا يمنحان إسرائيل مزيداً من الجرأة على مواجهة إيران وقدراً من الحرية في شن هجماتها في سوريا.