شراء السلع قبل أن تشهد مزيداً من الارتفاعات في أسعارها، أم ادخار الأموال تحسباً للركود التضخمي المحتمل؟ تبدو خيارات المواطن والحكومات بالمنطقة العربية صعبةً في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية التي أوصلت شبح التضخم إلى أعلى مستوى له منذ عقود، ولكن الأخطر ما يخشاه خبراء من انزلاق العالم إلى ركود تضخمي.
يكفي لنعلم حجم الأزمة التي يبدو أن العالم مقبل عليها أن الشرطة البريطانية طلبت من أفرادها عدم التشدد في القبض على سارقي الطعام بسبب تكلفة المعيشة.
هذا يحدث في الدولة التي تمثل المركز المالي للعالم، والتي كانت إلى عهد قريب إمبراطورية لا تغرب عنها الشمس، وفي ألمانيا قلب أوروبا الاقتصادي، أصبح إيجاد قنينة زيت طعام مسألة صعبة لكثير من المواطنين، خاصة في بداية الحرب الأوكرانية.
ولكن في العالم العربي، قد يكون الوضع أسوأ بكثير، فهذه المنطقة هي الأكثر استيراداً لطعامها في العالم، والأقل تصنيعاً بعد إفريقيا، والأكثر حاجة للإصلاحات الاقتصادية، وبها مجموعة من الدول صاحبة الديون المقلقة.
شبح الركود التضخمي يلوح بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية
وبينما يكافح العالم التضخم غير المسبوق منذ عقود، فإن مخاطر الانزلاق لركود تضخمي تزداد.
وعادة، فإن ارتفاع الأسعار يؤدي إلى الإقبال على الشراء؛ لكي يحافظ الناس على قيمة نقودهم وكذلك للإسراع بشراء السلع قبل أن تشهد مزيداً من الارتفاع، وهذا يجعل للتضخم ميزة واحدة هي أنه يؤدي للانتعاش الاقتصادي؛ لأن الناس يخرجون النقود من جيوبهم (وهي حالة مفيدة عادة للتجار وأصحاب الأعمال وغيرهم من أصحاب الدخول المتغيرة بينما مضرة لأصحاب الدخول الثابتة).
ولكن في الركود التضخمي، ترتفع الأسعار، دون أن يمتلك الناس القدرة المالية على شراء السلع؛ فتصبح السلع عالية الثمن للمشترين وراكدة عند البائعين، الذين بدورهم يميلون للتخلص من العمالة في ظل تراجع الأعمال، فتتوسع البطالة التي تعمق الركود.
الخطر الثالث الذي يهدد بعض الدول العربية
ولكن بعض الدول العربية تواجه خطراً ثالثاً يضاف إلى التضخم والركود المحتمل، هو خطر الانهيار الاقتصادي الشامل، عبر العجز عن سداد الديون وتوفير العملة الصعبة لشراء السلع الأجنبية، وصولاً لاحتمال انهيار العملة.
تهدد هذه المخاطر الدول العربية غير النفطية، بشكل أساسي وبصورة أقل الدول العربية النفطية غير الخليجية مثل الجزائر والعراق وليبيا، بينما الخطر يبدو أقل كثيراً على الدول الخليجية.
ولكن إذا انزلقت الأزمة الحالية إلى ركود تضخمي، فإن الخطر قد يمتد للدول العربية النفطية؛ إذ يمكن أن تتراجع أسعار النفط بشكل حاد، وخاصة مع توجُّه الدول المتقدمة بشكل صارم للاستغناء عن الوقود الأحفوري؛ مما قد يُنهي دورة ارتفاع أسعار النفط الحالية ويُدخل النفط موجة انخفاض دائمة، وفي ظل اعتماد الدول العربية النفطية بشكل كامل على عائدات الطاقة، دون أي عوائد أخرى، فإنها قد تواجه على المديين المتوسط والبعيد خطر حدوث أزمات اقتصادية غير مسبوقة، تهدد شكل الحياة الحديث بالمنطقة؛ لأنه إذا تراجعت أسعار النفط بشكل نهائي، فإن ذلك يعني أن العديد من الدول العربية النفطية قد لا تجد أموالاً لدفع رواتب موظفيها أو تشغيل محطات الكهرباء أو تحلية مياه البحر، وهذا السيناريو قد يمتد تأثيره للدول العربية غير النفطية التي تعتمد بشكل كبير على انتقال أموال النفط إليها عبر تحويلات العاملين بدول الخليج، وكذلك المساعدات والاستثمارات الخليجية.
ولذا يجب ألا يغري ارتفاع أسعار النفط، الدول الخليجية بزيادة الإنفاق بشكل غير ضروري، وعليها أن تعمل على تنفيذ استثمارات إنتاجية، لأن الفورة النفطية لن تدوم في الأغلب.
ولكن يظل الخطر الأقرب الماثل للمنطقة في الوقت الحالي هو خطر التضخم، والركود التضخمي، والذي يأتي بشكل مختلف هذه المرة ويجعل التعامل التقليدي معه غير مُجدٍ.
خيارات التعامل مع الأزمة الاقتصادية العالمية على المستوى الفردي
يفترض أن البورصات أحد أفضل الأوعية الاستثمارية التي تجمع بين تقديم عائد جيد والحفاظ على قيمة الأموال؛ لأنها مرتبطة بالسوق، ولكن في العالم العربي فإن البورصات أغلبها ضعيفة، وثقافة المضاربة هي السائدة في المنطقة، إضافة إلى أن أداء كثير منها كان فاشلاً في سنوات ذروتها وأضاع أموال كثيرٍ من صغار المستثمرين.
وهناك شكوك بشأن التدخلات السياسية في البورصات العربية وغياب الشفافية، والتداخل بين الإعلام الذي يفترض أن يمارس الرقابة الخارجية وبين الشركات.
كما أن البورصات العربية تعاني من ضعف الشركات في المنطقة، الأمر الذي جعل رؤوس الأموال العربية الكبيرة تبحث عن الفرص في البورصات العالمية، ولكن ها هي البورصات العالمية تتهاوى، ويجب التفكير في سحب بعض الاستثمارات العربية منها.
وضع العقارات مختلف هذه المرة
تاريخياً، في مواجهة خطر التضخم بالدول العربية كان الناس يلجأون لشراء العقارات للاحتفاظ بقيمة النقود، وهي ظاهرة موجودة في العالم كله، ولكن تظهر بشكل أكبر في العالم العربي، بسبب قلة البدائل؛ حيث لا توجد استثمارات صناعية أو زراعية كبيرة، وتفتقد معظم الدول العربية لبورصات موثوق فيها يمكن للمواطن العادي أن يضع بها مدخراته، كما سبق الإشارة.
ولعقود حوَّل العرب، سواء من أبناء دول الخليج أو العاملين فيها، أموال البترودولار إلى عقارات، سواء أراضٍ أو شقق، ولكن يبدو أن السوق العقارية وصلت لذروتها حالياً، وهناك مؤشرات على أنها لم تعد مربحة كما كانت في السابق، ولكن الأخطر أن التخارج منها أصبح صعباً، بعد أن أصبحت أسعارها مرتفعة بشكل كبير دون وجود أموال في المقابل لدى المشترين المحتملين.
ففي مصر، قبل فترة التعويم الأولى عام 2016، وبعدها، شهدت السوق العقارية إقبالاً هائلاً، وهرب المصريون من تراجع قيمة الجنيه إلى الطوب والمباني.
ولكن خلال السنوات الماضية، لم يتم استكمال العديد من المشاريع، ودخل المشترون في مشكلات مع العديد من الشركات التي أخفقت في تسليم الوحدات السكنية في موعدها، وحتى المشاريع التي استكملَت كثيراً منها لم تُسكن بشكل كثيف.
وفي ظل وجود عروض لبيع الوحدات الجديدة بالتقسيط من الشركات، أصبح بيع المشتري للوحدة العقارية بنفس القيمة التي اشتراها بها قبل سنوات أمراً صعباً، وبات عليه أن يتخلى عن جزء من الأموال التي وضعها في الوحدة؛ لكي يتخلص منها (مع وجود اختلافات كبيرة حسب المناطق).
وليس هناك مؤشرات على إقبال كبير على العقارات عقب التعويم الأخير، الذي أفقد الجنيه المصري نحو 18% من قيمته أمام الدولار، مثلما حدث عام 2016.
يبدو الوضع مماثلاً، في دبي التي تعد السوق الأهم للعقارات في المنطقة، والتي مرت بسنوات من التراجع، ففي تقرير نشرته وكالة رويترز العام الماضي قالت فيه عن هذه السوق: "إن المشترين يعودون، لكن طريق تعافي سوق عقارات دبي ما زال طويلاً، بسبب استمرار انخفاض الإيجارات وتخمة المعروض".
قد يؤدي فرار رجال الأعمال الروس من أوروبا إلى بعض النشاط في سوق دبي، وقد يحفز ارتفاع أسعار النفط سوق دبي العقارية وباقي الأسواق الخليجية، وحتى بعض الدول العربية غير النفطية التي لديها أعداد كبيرة من العمالة في الخليج.
لكن ولَّت الأيام التي كانت فيها العقارات بمثابة "الكنز الرمادي"، كما يظل خطر عدم القدرة على التخارج بسرعة ماثلاً أمام أي شخص يضع استثماراته في العقار.
ولكن بصفة ما، فإن العقار يجب أن يظل جزءاً من المحفظة المالية لأي مواطن عربي، ويفضل أن يكون هذا العقار يجمع بين كونه وسيلة للاستثمار وبين كونه عقاراً قابلاً للسكن أو الإيجار في حال الفشل في بيعه.
الشراء بالقسط قد يكون أمراً مقبولاً، خاصة أن التضخم سيجعل قيمة الأقساط تتراجع في المستقبل، ولكن خطر الركود وتراجع المداخيل قد يجعل الأقساط عبئاً في الوقت ذاته، كما أن الارتفاع في فوائد البنوك تماشياً مع ما يحدث في الولايات المتحدة قد يؤدي لرفع تكلفة الاقتراض.
الخلاصة: إذا كان لديك عقار، يمكنك تخصيص جزء ليس كبيراً من أموالك لشراء عقار جديد كنوع من الاستثمار البعيد الأمد تحسباً للتضخم، ولكن ضع في حسبانك أنك قد لا تستطيع بيعه بالسرعة اللازمة عند الحاجة.
أما إذا لم يكن لديك عقار، فعليك شراء واحد بغرض السكن، ولكن لا تجعل أغلب مدخولاتك مرهونة بسداد الأقساط، فقد ولَّى الزمن الذي كانت فيه العقارات استثماراً شديد الربحية، وعاد لوضعه الطبيعي كمكان للسكن وبعض الربح المحتمل أو الخسارة أيضاً.
الذهب.. ملاذ مفضَّل، ولكن بلا عائد دوري
يظل الذهب الملاذ المفضل في أوقات الأزمات، خاصة التضخم وأوقات الحروب، يختلف الأمر قليلاً في أوقات الركود؛ حيث لا يزدهر المعدن الأصفر كثيراً، ولكن يظل الذهب أحد أهم الأوعية الادخارية في الوقت الحالي، في ظل حالة الضبابية القائمة، وأداء الذهب مازال قوياً في الأزمة الحالية، مع ملاحظة أن شراء الذهب المصنوع يؤدي لبعض الخسارة، عبر ما يعرف بتكلفة المصنعية، ولذلك يُفضل البعض شراء ما يُعرف بـ"الذهب الكسر".
تظل مشكلة الذهب في أنه لا يعطي عائداً مالياً، كما أن هناك مخاوف من أنه إذا حدث ركود عميق، فقد يفقد رونقه مع قلة السيولة العالمية، ولكن في حال الدول العربية التي يخشى من تعرضها لأزمة عملات يظل الذهب الوسيلة الأضمن، للحفاظ على قيمة المدخرات، خاصة أنه سهل البيع والتسييل، لكن مشكلة الذهب أن الإقبال على شرائه يسحب السيولة من الأسواق ويفاقم الركود والضغط على العملة المحلية؛ مما يجعله قراراً إيجابياً من الناحية الفردية وسلبياً من الناحية الجماعية.
ويمكن لأي شخص عادي تداول أو حيازة الذهب وغيره من المعادن والمواد الخام عبر شركات تعمل في البورصات العالمية، ويمكن في المرحلة الحالية، الاستثمار في المعادن المستخدمة في البطاريات الكهربائية وغيرها من الصناعات الحديثة.
وإلى جانب الذهب، يمكن الاحتفاظ بمدخرات من العملات الأجنبية مثل الدولار، لا ينصح بالتوسع في هذه الظاهرة؛ لأنها تؤدي للدولرة، التي تضر الاقتصادات الوطنية، كما أن الفائدة على الدولار أقل بكثير من العملات المحلية، وبالتالي إذا لم يحدث انخفاض كبير في العملات المحلية، فإن الاحتفاظ بالدولار يمثل خسارة ليست بالقليلة.
ولكن للتحوط يجب على المرء في أي دولة من دول العالم الثالث المعرضة للانهيارات المالية أو السياسية أو حتى الدول الغنية ولكن الضعيفة عسكرياً مثل دول الخليج أو الدول الإسكندنافية الاحتفاظ بجزء صغير من المدخرات بالدولار تحسباً لأي أزمات محلية، ولكن حتى الدولار قد يتزعزع من على عرشه مع استمرار الأزمة الاقتصادية العالمية والمخاوف من مشكلات الاقتصاد الأمريكي المحتملة.
شراء السلع، هل هو استثمار جيد الآن؟
حتى قبل حرب أوكرانيا، ظهرت أزمة كبيرة في السلع عالمياً بسبب خروج العالم المفاجئ من جائحة كورونا؛ مما أدى إلى أزمة سلاسل التوريد الشهيرة.
وفي العديد من الدول العربية، أضيفت الأزمات المحلية إلى البعد العالمي لأزمة السلع، ففي مصر على سبيل المثال، أصبح شراء سيارة جديدة مسألة صعبة، بعد أن فرضت الحكومة قيوداً غير رسمية على استيراد السلع غير الضرورية، للحفاظ على احتياطيات البلاد من الدولار.
في الأغلب، ستضطر بعض الدول العربية الأخرى لقيود مماثلة، مع تفاقم الأزمة الاقتصادية العالمية، خاصة دولاً مثل تونس والسودان، وحتى المغرب والأردن اللتين تعانيان من ضغط ارتفاع أسعار الطاقة على موازين المدفوعات والحساب الجاري لديهما.
قد يرى البعض أن شراء السلع مع استمرار وتيرة ارتفاع أسعارها قد يكون الخيار المالي الأفضل حالياً.
ولكن يجب ملاحظة أن السلع ليست استثماراً وليست بديلاً للذهب والعقارات والبورصة، اشترِ السلع التي تحتاجها أو قد تحتاجها مستقبلاً، أما إذا اشتريت سلعة ليس لك حاجة بها تحسباً لزيادة أسعارها ففي الأغلب لو أعدت محاولة بيعها مستعملة بعد فترة سوف تخسر جزءاً من قيمتها.
الأهم أن الشراء نقداً أو بالتقسيط يقتطع من مدخراتك ودخلك ويقلل من قدرتك على التعامل مع الأزمات القادمة.
ما الحل إذن؟ إذا كنت تحتاج إلى سلعة حالياً تقدَّم لشرائها فوراً، المشكلة لم تعد فقط في أزمة سلاسل التوريد التي قد يحتمل أن تحل أو التضخم العالمي الذي قد يستفحل، ولكن في بعض الدول النامية ومنها بعض الدول العربية هناك خطر يحدق بالعملات المحلية، وقد يعني هذا قفزة هائلة في الأسعار.
لذلك إذا كان لديك نقود أو فرصة لشراء سلعة بالتقسيط تريدها فعلاً، فلا تردد واشترِها بسرعة، وإذا كنت تفكر في شراء سلعة ما مستقبلاً، فالأفضل أن تشتريها الآن، لا تنتظر.
هل ولَّى زمن السلع الرخيصة؟
وعلى المدى البعيد، عليك أن تعلم أن نمط حياة المواطنين العرب، خاصة في الدول غير النفطية سيتغير.
سيل السلع الرخيصة القادمة من الصين وغيرها من دول آسيا لن يستمر بنفس الأسعار القديمة، مع ارتفاع أجور العمالة في هذه البلدان، وكذلك أسعار المواد الخام.
ولذا فإن وتيرة شرائك للسلع الأجنبية المستوردة سوف تتباطأ، الهاتف المحمول يجب أن تحافظ عليه لتبقيه لفترة أطول، والهواتف الصينية المحمولة الصينية لم تعد رخيصة.
إحدى أخطر نتائج الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية أن الغذاء الرخيص، لا سيما الحبوب ومنها القمح، قد يكون انتهى عصره أيضاً، تحتاج الدول العربية بجدية لمحاولة تقليص فجوة إنتاج الحبوب عبر تطوير أساليب الزراعة، وتقليل الاستهلاك.
السيارات الجديدة تتحول إلى سلعة باهظة، عليك الحفاظ على سيارتك قدر المستطاع، والوقود سوف يصل لأسعار فلكية، معظم الحكومات العربية ما زالت تبقيه بعيداً عن أسعاره العالمية، ولكنها لن تتمكن من الاستمرار في حمايتك من حُمَّى ارتفاع أسعار النفط طويلاً.
يفترض بالحكومات العربية أن تعمل على تطوير شبكة نقل عام وخاص للركاب تقلل من الحاجة للسيارات الخاصة، يمكن للشركات الخاصة، والنشطاء والمبرمجين تطوير تطبيقات ذكية للنقل الجماعي بما في ذلك تشارُك استخدام السيارات بين المواطنين العاديين.
إذا لم يتم تحرير تدريجي وذكي لأسعار صرف العملات في أغلب الدول العربية، فإن العملات العربية لن تستطيع الصمود أمام استنزاف الاستيراد الحالي وسوف تنخفض قيمتها، عاجلاً أم آجلاً.
ثبّت مصرف لبنان سعر صرف الليرة اللبنانية لمدة تقارب 20 عاماً، وأصبحت البلاد سوقاً رائجة للسلع المستوردة من كل العالم، وكانت تستورد السمك من تركيا التي تشاركها البحر المتوسط، عاشت الطبقة الوسطى اللبنانية حياة تشبه حياة الأوروبيين، بينما ثبات الليرة يمنع تطور البلاد الصناعي، رغم القدرات المتوفرة للعمالة اللبنانية، والنتيجة انهار سعر الليرة إلى أقل من عُشر قيمتها قبل الأزمة.
تغيير نمط الحياة بالمنطقة العربية أصبح ضرورياً لأنها أكثر عرضة للأزمات من غيرها
في أوروبا وأمريكا وغيرها من الدول الثرية بدأ الكثيرون يغيرون من نمط حياتهم، مع تفاقم الأزمة الاقتصادية العالمية وتزايد التضخم والمخاوف من الركود.
ولكن العالم العربي أكثر حاجة للتغير من غيره من مناطق العالم؛ لأنها المنطقة التي تعاني القصور الأكبر في الإنتاج الصناعي والزراعي، ولا تقدم للعالم سوى النفط، الذي أصبحت حُمَّى التخلص منه مسيطرة على الغرب.
وإذا تجاهل العرب هذه الحقيقة فسوف يصبحون جميعاً كالنعام التي تضع رؤوسها في الرمال.
فعلى الأرجح: نحن أمام مرحلتين متتابعتين للمنطقة نتيجة الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية؛ مرحلة توسع التضخم التي ستشهد زيادة في أسعار النفط، ستؤدي إلى ازدهار الدول النفطية مع أزمات في الدول العربية غير النفطية، قد يخففها كما جرت العادة بعض المساعدات الاقتصادية من الدول النفطية، أو بعض المساعدات الغربية للدول غير النفطية المتأزمة؛ لضمان الاستقرار بمجمل المنطقة الغنية بالنفط.
المرحلة التالية هي غالباً مرحلة ركود تضخمي محتمل ستؤدي لتراجع أسعار النفط، تعقبها مرحلة انهيار أسعار النفط جراء استغناء الدول المتقدمة عنه، كوقود للسيارات.
وتجدر الملاحظة أن أغلب الدول الأوروبية قررت حظر السيارات العاملة بالوقود الأحفوري بما في ذلك السيارات الهجين في فترة تتراوح بين 2030 للدول الأكثر تشدداً و2040 للدول الأقل تشدداً، فيما قررت النرويج حظر سيارات محركات الاحتراق الداخلي بدءاً من 2025.
يعني ذلك أن تراجع أسعار النفط سوف يبدأ قبل عام 2030 بسنوات؛ لأن الحظر لن يكون فجأة، بل سيسبقه تراجع كبير في استهلاك النفط.
وهذا يعني أن الفورة النفطية الحالية ستنتهي، وسيكون لذلك تأثيرات شديدة الخطورة لمنطقة لا تكاد تُنتج للعالم شيئاً سوى النفط والغاز، وعكس ما يظن البعض سوف تتضرر من هذه الأزمة الدول العربية غير النفطية؛ لأن أموال النفط تتسرب لها عبر تحويلات العاملين والمساعدات والاستثمارات والإكراميات وغيرها من الطرق.
يتداخل مع ذلك أن المنطقة العربية هي أكثر مناطق العالم شُحاً في المياه، وتأثراً بالتغيرات المناخية، وأشدها بعداً عن الصناعة والتكنولوجيا، واستيراداً للغذاء.
يحتاج ذلك إلى تغيير سريع في نمط الحياة على مستوى الفرد والمجتمع، بدءاً من التخلي عن النهم الاستهلاكي، وتركيز كل فرد في الاستثمار في تطوير نفسه وتعليم أبنائه.
وعلى مستوى الدول، هناك حاجة للاهتمام بالزراعة والصناعة والبحث العلمي، وترشيد دعم الوقود، والسماح بأسعار صرف واقعية للعملات حتى ولو تراجعت قيمتها، لتقوية المنتج المحلي، فهذه مطالب لم تعد ترفاً؛ بل هي شروط مصيرية لمنطقة على حافة كارثة.