جدل محتدم مثار في واشنطن حول التغير في سياسة أمريكا تجاه دول الخليج، في ظل زيارة بايدن المرتقبة للسعودية، وسط تشكيك من قبل بعض الديمقراطيين في جدوى التحالف مع الرياض وأبوظبي، بينما يرى آخرون أنه لا مفر من العودة للسياسة التقليدية تجاه المنطقة.
وجاء هذا الجدل بينما حسم الرئيس الأمريكي جو بايدن أمره على ما يبدو، تجاه زيارة السعودية، حيث أعلنت الرياض اليوم، الثلاثاء، أن بايدن سيزور المملكة بدعوة من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز يومي 15 و16 يوليو/تموز القادم، وسيشارك في قمة مشتركة دعا إليها العاهل السعودي لقادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ومصر والأردن والعراق، في زيارة ذات طابع احتفالي تشبه القمة الإسلامية الأمريكية التي حضرها ترامب في الرياض عقب توليه السلطة.
وفي هذا السياق عرض تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية نقاشاً حول سياسة أمريكا تجاه دول الخليج وخاصة السعودية والإمارات بين إيما أشفورد، زميلة أولى في مركز سكوكروفت للاستراتيجيات والأمن التابع للمجلس الأطلسي، وماثيو كروينيغ، نائب مدير مركز سكوكروفت للاستراتيجيات والأمن التابع للمجلس الأطلسي.
وتمحور النقاش حول ما إذا كانت الضمانات الأمنية لدولة الإمارات التي يجرى الحديث عنها وذوبان الجليد في العلاقات بين واشنطن والرياض يمكن أن يعزز- أو يضعف- الولايات المتحدة، وهل من مصلحة الولايات المتحدة العودة لسياسة التحالف التقليدية مع دول الخليج والتي وصلت لذروتها في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب.
زيارة بايدن تعيد سياسة أمريكا تجاه دول الخليج لسيرتها الأولى
وتمثل زيارة بايدن المرتقبة للرياض التطور الأكثر إثارة للدهشة، بعد وصف الرئيس الأمريكي للمملكة بالمنبوذة ورفض سابقاً مقابلة ولي عهد البلاد الأمير محمد بن سلمان، حسب وصف إيما أشفورد التي عبرت في النقاش حول وجهة النظر الرافضة لتعزيز التحالف مع دول الخليج.
وتمثل أزمة الطاقة التي تفاقمت بسبب العقوبات الغربية على روسيا الدافع الرئيسي لسياسة بايدن تجاه دول الخليج، فرغم أن أمريكا قادرة بشكل متزايد على الاعتماد على إنتاج النفط والغاز المحلي للحفاظ على أمن طاقتها، بل إنها مصدر متزايد للنفط والغاز، ولكن كجزء من تلك الأسواق العالمية، يخضع الأمريكيون أيضاً للتسعير الدولي. وهذا يعني أن نقص الإمدادات في أماكن أخرى لا يزال يسبب اضطرابات في الأسعار في الداخل، ويرفع تكلفة الوقود للأمريكيين ويفاقم التضخم الذي يقلق بايدن والديمقراطيين.
ولكن لفتت إيما إلى أنه حتى الآن، لم يكن السعوديون والإماراتيون مستعدين لمحاولة مساعدة الغرب حقاً في مواجهة اضطرابات سوق النفط الناجمة عن حرب موسكو في أوكرانيا. بدلاً من ذلك، استمروا في التعاون مع روسيا من خلال أوبك +.
وتضيف قائلة: "لهذا السبب أجد التحول المفاجئ لفريق بايدن في المنطقة أمراً محيراً. معتبرة أنها مبادرة في صالح الرياض حيث يحصل السعوديون على شيء يريدونه بشدة، ولا يحصل الأمريكيون على شيء"، حسب تعبيرها.
وترى أنه عندما لا يكون للولايات المتحدة أي مصالح رئيسية على المحك، مثلما هو الحال من وجهة نظرها مع دول الخليج يجب أن تأخذ في الاعتبار مخاوف حقوق الإنسان، معتبرة أن أهمية السعودية للمصالح الأمريكية تتضاءل، في مقابل تزايد دواعي القلق المتعلقة بحقوق الإنسان في المملكة ومنها اغتيال الصحافي جمال خاشقجي.
في المقابل، رأى ماثيو كروينيغ، نائب مدير مركز سكوكروفت الذي يدافع عن تعزيز العلاقات الأمريكية مع دول الخليج أن تحرك بايدن تجاه السعودية والإمارات جاء متأخراً جداً، لكنه يقول إنه سعيد لرؤية بايدن يعكس مساره ويحافظ على نفوذ الولايات المتحدة في هذه المنطقة ذات الأهمية الجيوسياسية.
وأبدى ماثيو تفهمه لموقف الإمارات والسعودية بعدم المسارعة في مساعدة بايدن بزيادة إنتاج النفط كما طلب بعد الأزمة الأوكرانية قائلاً: "لماذا يجب أن يساعدوا بايدن، بينما كان يركلهم من أسفل؟!"، مشيداً بسياسة سلفه دونالد ترامب تجاه المنطقة، حيث احتضن شركاء أمريكا التقليديين، وأدى إلى بعض مبادرات السلام العربية الإسرائيلية الجديدة (في شكل اتفاقات أبراهام). لكن بايدن تجاهلهم وشوَّه سمعتهم ودفعهم إلى أحضان فلاديمير بوتين وشي جين بينغ. لا يمكنك إلقاء اللوم على دول المنطقة للبحث عن مصالحها، وإذا لم تكن واشنطن موجودة من أجلهم، فسيتعين عليهم البحث في مكان آخر.
واعتبر أن سياسة بايدن تجاه الخليج كانت مضللة منذ البداية، قائلاً أنا أؤيد التحالف مع الأصدقاء الديمقراطيين وسحق المنافسين المستبدين، لكن ما يجب فعله حيال المستبدين الودودين هو مشكلة أصعب.
وأضاف: "أفضل ما ينجح هو عندما تحتضن واشنطن شركاءها في الشرق الأوسط، على أن تضغط عليهم فيه خلف الأبواب المغلقة بشأن حقوق الإنسان. يسعدني أن بايدن تعلم أخيراً هذا الدرس- حتى لو تأخر قليلاً"، حسب ماثيو.
يتقاربان مع خصوم واشنطن
في المقابل، هناك اتهامات من قبل منتقدي السعودية والإمارات في الولايات المتحدة أنهما يتقاربان مع خصوم وواشنطن مثل الصين وروسيا.
فبالنسبة لكثير من الأمريكيين إذا كانت الإمارات تدعم المصالح الأمنية والاقتصادية للولايات المتحدة، فلماذا إذاً ستعرض السماح للصين ببناء قاعدة بحرية؟، حسبما تتساءل إيما، التي أشارت إلى أنه في السنوات الأخيرة، سعت دول الخليج إلى تحقيق أهداف السياسة الخارجية التي غالباً ما تتعارض بشدة مع مصالح واشنطن مثل تمويل المتطرفين في سوريا على سبيل المثال- كما زادوا بشكل كبير علاقاتهم الاقتصادية مع الدول الآسيوية.
ضمانة أمريكية محتملة للإمارات
وهناك شائعات في واشنطن أن البيت الأبيض يدرس تقديم ضمانات أمنية للإمارات من النوع الذي يقدمه لحلفاء الناتو. وتقول إيما نحن لا نعرف حقاً ما قد يستتبعه ذلك، حيث تشير التقارير إلى "إطار عمل استراتيجي" قد يتضمن "ضمانات أمنية أمريكية معينة"، وتتساءل عن نوع الفوائد التي ستحصل عليها الولايات المتحدة. هل هذا ضمان أمني ضد هجوم إيراني؟ هل لدعم دول الخليج في حربها في اليمن؟ هل لوضعها تحت المظلة النووية الأمريكية؟.
ويدور جدل في الأوساط الأمريكية حول مقدار الخطر الذي تمثله الصين على نفوذ واشنطن في منطقة الخليج والشرق الأوسط، إذ تقول إيما لا أرى أن الصينيين هم القوة المهيمنة في الشرق الأوسط، ونحن لسنا قريبين من هذه النقطة الآن. في المقابل، فإن الولايات المتحدة مُبالغ فيها في التزامها العسكري بالمنطقة.
بينما يجني الصينيون والروس الفوائد الاقتصادية، فإن السفن والطائرات الأمريكية هي التي تساعد في الحفاظ على حرية الملاحة لنقل النفط، على الرغم من أن 65% من جميع نفط الخليج يذهب إلى آسيا. حتى ترامب لاحظ هذه المشكلة بوضوح.
وتنتقد المخاوف من أنه إذا لم تقم الولايات المتحدة بتقديم ضمانات أمريكية للإمارات، فإنها قد تلجأ لخصوم أمريكا، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة خاضت بالحرب الباردة بأكملها دون تقديم ضمانات أمنية ملموسة للسعوديين، رغم أن نفط الخليج كان أكثر أهمية في ذلك الوقت.
ورأت أنه إذا لم تقدم أمريكا ضماناً أمنياً للإمارات، فسيستمر النفط في التدفق إلى الأسواق العالمية، وسيستمر الوضع الأمني في الشرق الأوسط كما كان، وستستمر العلاقات المتنامية بين إسرائيل ودول الخليج. لا شيء يتغير.
ولكن ماثيو يرى أن منع سيطرة الدول المعادية لأمريكا على منطقة الخليج كان واحدة من ركائز السياسة الخارجية لواشنطن منذ عام 1945، ومع احتمال دخول موسكو وبكين إليها، لا ينبغي لأمريكا أن تتنازل عن هذا النفوذ، بل يجب أن تحافظ على مشاركة عسكرية ودبلوماسية واقتصادية ذات مغزى في المنطقة، معتبراً أن هذا يجلب الأمن والازدهار للشعب الأمريكي دون سبب على الإطلاق.
إيران مبرراً أساسياً للوجود العسكري الأمريكي بالمنطقة
ويلجأ المدافعون عن الحفاظ على العلاقات التقليدية بين الولايات المتحدة والسعودية والإمارات للإشارة للخطر الإيراني لتبرير موقفهم المؤيد سياسة أمريكا تجاه دول الخليج بشكلها التقليدي، باعتبار أن وجود قوات هناك يسمح للبنتاغون بردع واحتواء إيران، وإجراء عمليات مكافحة الإرهاب في المنطقة، وتحقيق الاستقرار في أسواق الطاقة. ويسمح ذلك للولايات المتحدة بإبراز قوتها عالمياً، مثلما يقول ماثيو.
كما أن جزءاً كبيراً من القوة العسكرية الأمريكية في أفغانستان يتدفق ذهاباً وإياباً عبر قواعد الخليج. وبينما يرى ماثيو كروينيغ أنه يجب على واشنطن أن تحول بعض قوتها من الشرق الأوسط إلى منطقة المحيطين الهندي والهادئ، فإنها ستحتاج إلى الحفاظ على وجود كبير بمنطقة الخليج، خاصة إذا امتلكت إيران أسلحة نووية، الأمر الذي قد يكون شبه حتمي.
قضية حرجة
واحدة من القضايا الحرجة بشأن سياسة أمريكا تجاه دول الخليج، هي التدخل الإماراتي في الشؤون الداخلية الأمريكية، إذ تتساءل إيما: من الذي سيردع الإمارات عما تصفه بالأنشطة الخبيثة؟.
وأشارت إلى وصف وزارة العدل الأمريكية هذه التدخلات الإماراتية بأنها "جهود غير قانونية لتعزيز مصالح الإمارات والولايات المتحدة بتوجيهٍ من مسؤول إماراتي رفيع المستوى".
كما سبق أن عينت الإمارات مجموعة من موظفي وكالة الأمن القومي السابقين للتجسس على المعارضين والصحفيين، بمن فيهم مواطنون أمريكيون.