"ننتظر وصول أصدقاء الرئيس وهم مقيدون بالأغلال"، يبدو هذا حال الجميع في جنوب إفريقيا، حيث تأمل البلاد في أن تتم محاكمة أفراد عائلة غوبتا الهندية المتهمين بالفساد، بعد أن تم إلقاء القبض على إثنين منهما في الإمارات التي هربت لها العائلة فاحشة الثراء.
وتحولت قصص فساد آل غوبتا ورئيس جنوب إفريقيا السابق جاكوب زوما، الذي حكم بين 2009 إلى 2018، إلى روايات مثيرة للاستغراب، وبدا أنها تشبه الأفلام الهندية المشهورة بالمبالغة، ولكنها ليست مبهجة على الإطلاق بالنسبة لبلد كان ينظر له قبل عقود باعتباره موطن نضال أسطوري ضد العنصرية، بينما تورط رئيسه، حسب التحقيقات، في عمليات نهب واسعة.
وأقيمت إحدى الحفلات الأسطورية المترفة التي نظمها آل غوبتا مستغلين صداقتهم للرئيس السابق، في قاعدة عسكرية مخصصة للرؤساء والقادة فقط، وجميع المدعوين في الحفل البالغ عددهم نحو مئتين جاء أغلبهم من الهند ودخلوا جنوب إفريقيا بلا تأشيرات.
وتم القبض على أتول وراجيش غوبتا، مديري الأعمال المتهمين بنهب موارد حكومة جنوب إفريقيا بتواطؤ من الرئيس السابق للبلاد، من قبل سلطات الإمارات التي كانوا قد فروا إليها هرباً من التحقيقات، ولكن لم يعرف لماذا لم يلقى القبض على شقيقهم الثالث أجاي.
من الهند إلى جنوب إفريقيا المحررة لتوها من العنصرية
وُلد الإخوة غوبتا الثلاثة في الهند، وانتقلوا إلى جنوب إفريقيا في أوائل التسعينيات، في وقت كانت فيه البلاد تتحرر من نظام الفصل العنصري. طور الأخوان بسرعة مصالح تجارية في مجموعة من القطاعات، بما في ذلك الطاقة والإعلام، وأقاموا علاقات مع أعضاء المؤتمر الوطني الإفريقي الذي حكم البلاد بعد أن قادها للنضال من أجل إنهاء حكم الأقلية البيضاء في جنوب إفريقيا.
وأصبحت عائلة غوبتا "Guptas" قريبة بشكل خاص من الرئيس زوما وعائلته.
وباتت العائلتان زوما وغوبتاس مرتبطتين ارتباطاً وثيقاً عبر شبكة من المحسوبية، لدرجة أنه تمت صياغة مصطلح مشترك لهما هو "الزوبتاس".
كان نجل الرئيس السابق، دودوزان زوما، شريكاً تجارياً للأخوين.
وأصبح آتول غوبتا سابع أغنى شخص في جنوب إفريقيا في عام 2016، بصافي ثروة تقدر بـ10.7 مليار راند (773.47 مليون دولار أمريكي).
وعملت بونجي نيغما زوما، إحدى زوجات الرئيس زوما، في خدمات التعدين التي تسيطر عليها عائلة غوبتا.
وعملت ابنته، دوبزيل زوما كمديرة في شركة Sahara Computers، المشروع الأولي لشركة Guptas في جنوب إفريقيا.
كان دودوزان زوما، ابن الرئيس، مديراً لعدد قليل من الشركات المملوكة لغوبتا قبل أن يستقيل في عام 2016 جراء الغضب الشعبي.
"غوبتا غيت"
عندما هبطت طائرة مستأجرة تقل ضيوفاً لحضور حفل زفاف ابنة شقيقة الإخوان غوبتا في قاعدة ووتركلوف الجوية العسكرية بالقرب من بريتوريا في عام 2013، أثار الأمر ضجة نظراً لأنه يُسمح فقط لرؤساء الدول والوفود الدبلوماسية الزائرة باستخدام هذه القاعدة.
شارك في الحفل الذي أقيم في منتجع صن سيتي الصارخ والمبهرج أكثر من 200 ضيف وصلوا للقاعدة العسكرية القريبة على متن طائرة إيرباص مستأجرة من الهند- بدون حاجة لجوازات سفر، حسبما ورد في تقرير لمجلة The Economist البريطانية.
نبه ذلك الحدث البلاد إلى قوة ووقاحة الإخوة غوبتا، وأثار موجة غضب كبيرة؛ لدرجة أن وسائل الإعلام في جنوب إفريقيا أطلقت عليها لقب "غوبتاغيت".
عائلة غوبتا والرئيس.. اتهامات بالاغتصاب وفساد بالمليارات
واجه جاكوب جيدليليكيسا زوما، الرئيس السابق لجنوب إفريقيا، العديد من القضايا القانونية قبل وأثناء وبعد رئاسته، بما في ذلك تهم الاغتصاب والاختلاس والفساد والاحتيال، على سبيل المثال لا الحصر.
استقال زوما من منصبه في عام 2018، ويُعتقد أن عائلة غوبتاس غادرت جنوب إفريقيا بعد فترة وجيزة من استقالته.
بعد رحيل زوما، بدأت لجنة برئاسة ريموند زوندو، رئيس المحكمة العليا الآن في جنوب إفريقيا، بالنظر في مزاعم "الاستيلاء على الدولة" خلال فترة رئاسته التي استمرت تسع سنوات. يشير مفهوم الاستيلاء على الدولة إلى كيفية ممارسة الكيانات الخاصة نفوذاً غير مشروع على الحكومة واستخدام الموارد العامة لتحقيق مكاسب شخصية.
بعد أكثر من 400 يوم من جلسات الاستماع التي ضمت مئات الشهود، أصدر التحقيق سلسلة من التقارير هذا العام اتهمت زوما بترؤس "ثقافة الممارسات الفاسدة". قدر وزير المالية السابق برافين جوردهان أن سرقة الأموال العامة أثناء رئاسة زوما ربما بلغت أكثر من 6.5 مليار دولار، حسبما ذكرت وكالة بلومبرغ الأمريكية.
توضح نتائج التحقيقات بالتفصيل كيف عزز الإخوة غوبتا مصالحهم التجارية من خلال السيطرة على التعيينات الحكومية الرئيسية. وخلص التحقيق إلى أن زوما اختار كبار القادة في شركة Eskom المحتكرة للكهرباء في البلاد، بعد التشاور الوثيق مع آل غوبتا، وتم إلقاء اللوم على Eskom في انقطاع التيار الكهربائي المنتظم في جنوب إفريقيا.
ووجدت اللجنة أن مثل هذه الإجراءات "فتحت الأبواب بسهولة" أمام الإخوة غوبتا للحصول على أموال وممتلكات شعب جنوب إفريقيا".
وجه لآل غوبتا مع الرئيس السابق جاكوب ورفاقه اتهامات تتعلق بالكسب غير المشروع تتضمن عقوداً عامة بقيمة 49 مليار راند على الأقل (3.2 مليار دولار) ذهبت إلى الشركات المرتبطة بعائلة غوبتا.
قيل إن التكلفة على الاقتصاد الأوسع كانت أكبر من ذلك عدة مرات، والتكلفة على سمعة جنوب إفريقيا لا يمكن قياسها.
نفى زوما والإخوة غوبتا ارتكاب أي خطأ، ووصفوا المزاعم ضدهم بأنها ذات دوافع سياسية. وفي 6 يونيو/حزيران 2022، أُلقِيَ القبض على أتول وراجيش في دبي في قضية تتابعها هيئة الادعاء الوطنية في جنوب إفريقيا. وستتبع ذلك معركةٌ حول تسليم المجرمين.
تظهر التحقيقات تفاصيل وقحة تميز فساد آل غوبتا المزعوم.
ووفقاً للعديد من التحقيقات، كان آخرها تحقيق بقيادة قاضٍ في قضية الاستيلاء على الدولة، بعد أن أصبح زوما رئيساً، استخدم الإخوة غوبتا علاقتهم لتعيين مسؤولين مطيعين في الشركات المملوكة للدولة والإدارات الحكومية. وكان هؤلاء الأتباع يوجهون العقود نحو الشركات المرتبطة بعائلة غوبتا، التي تحوِّل الأموال إلى الخارج. استُخدِمَت مثل هذه التكتيكات في الاستحواذ على منجم فحم يبيع الوقود لمرفق الكهرباء المملوك للدولة بأسعار متضخمة إلى حد بعيد، وعقود لتزويد شركة الشحن العامة بقطارات، ومزرعة ألبان في مقاطعة فري ستيت كانت تحلب دافعي الضرائب بدلاً من الأبقار. كانت الأموال المخصصة لهذه المزرعة تهدف إلى مساعدة المزارعين الفقراء على بدء عمل تجاري زراعي. وبدلاً من ذلك، زُعم أن بعض الأموال استخدمت لدفع تكاليف حفل الزفاف في صن سيتي، حيث حصل الضيوف على أوشحة تبلغ قيمتها حوالي 160 ألف دولار.
بلغت عائلة غوبتا ذروة ثروتها في أكتوبر/تشرين الأول 2015. في ذلك الشهر، طلب ابن زوما (والشريك التجاري لعائلة غوبتا) من مسيبيسي جوناس، نائب وزير المالية، زيارة مجمع العائلة الهندية في جوهانسبرغ. يقول إنه عُرض عليه في تلك الليلة 600 مليون راند لتولي منصب وزير المالية و"العمل معهم"- وإذا كانت لديه حقيبة كبيرة بما يكفي، فربما قد حصل على 600 ألف راند نقداً في تلك الليلة. وبعد وقت قصير من رفض العرض، وصف جوناس الأحداث لوزير المالية نهلانهلا نيني، الذي أقاله زوما بعد بضعة أيام واستبدله وأحل محله برلمانياً غير مؤهل.
الإمارات تلقي القبض عليهم بعد نشرة حمراء من الإنتربول وعقوبات أمريكية
إذا أعيد أتول وراجيش إلى جنوب إفريقيا للإجابة عن أسئلة المحققين العديدة، فسيكون ذلك علامة على تقدم متأخر. ولكن لا يزال هناك طريق طويل لقطعه.
وجاءت الاعتقالات رداً على "نشرة حمراء" من الإنتربول- وهو طلب من أحد أعضاء المنظمة (جنوب إفريقيا في هذه الحالة) لإلقاء القبض على المشتبه بهم بانتظار تسليمهم المحتمل. ربما ساعد ذلك في أن الإمارات، التي غالباً ما تتهم بالتباطؤ في مكافحة غسيل الأموال، تعرضت لضغوط من السلطات الأمريكية، التي فرضت عقوبات على الأشقاء الثلاثة بسبب "شبكة الفساد الكبيرة"، حسبما ورد في تقرير مجلة The Economist.
وتجري حكومة جنوب إفريقيا محادثات مع مسؤولين في الإمارات بشأن تسليمهم. وأي محاولة للقيام بذلك سيواجهها الإخوة غوبتا ومحاموهم بشراسة.
وحتى لو انتهى الأمر بالإخوة غوبتا في جنوب إفريقيا، فقد يستغرق الأمر سنوات للانتهاء من القضية. تمكن زوما من إيقاف تهم الفساد التي وُجهت إليه لأول مرة في عام 2005، وقد تنتهي قضيته أو لا تنتهي هذا العام. ومع ذلك، فإن أخبار الاعتقال توفر أملاً مبدئياً لجميع هؤلاء الجنوب إفريقيين- المراسلين الأقوياء، والمبلغين الشجعان، والمحامين العامين الدؤوبين، والمواطنين النشطين- الذين كافحوا لتحرير بلدهم المحتل.