تصدّر نظام US Frontier قائمة أقوى حواسيب العالم بعد حصوله على المركز الأول في آخر نسخة من مسابقة Top500 الدولية مؤخراً ليصبح أول "حاسوب إكسا" في العالم، ولكن الكثيرين يعتقدون أن هناك حواسيب أكثر قوة تعمل في الخفاء.
وأصبح الحاسوب US Frontier هو أول كمبيوتر عملاق في تاريخ القائمة يسجل "1 كوينتيليون" عملية فاصلة عائمة في الثانية (أي مليار مليار عملية في الثانية)، ليصنف بأنه أول حاسوب إكسا في العالم، حسب ما أعلنته قائمة أقوى 500 حاسوب في العالم "TOP500"، التي تنظمها وكالة تصنيف ألمانية.
وبُنِيَ حاسوب فرونتير بواسطة مختبر أوك ردج الوطني في ولاية تينيسي الأمريكية، لصالح وزارة الطاقة الأمريكية.
وبدأ مشروع TOP500 الذي يرتب أقوى 500 نظام كمبيوتر في العالم في عام 1993 وينشر قائمة محدثة بترتيب أجهزة الكمبيوتر العملاقة مرتين في السنة، والمشروع بدأته جامعة ألمانية ثم توسع ليشمل مؤسسات أمريكية، ولكن مقر المشروع ما زال في ألمانيا.
الصين تتراجع قليلاً
وتراجع الحاسوب العملاق الياباني "فوجاكو"، الذي احتل المركز الأول في قائمة أفضل 500 حاسوب لمدة عامين، إلى المركز الثاني، وجاء في المركز الثالث، مجموعة Lumi الجديدة في المركز الأوروبي للحوسبة الفائقة في فنلندا.
واصلت الصين الاحتفاظ بالنصيب الأكبر من حيث عدد الأجهزة الموجودة على القائمة، حيث بلغ عددها 173 نظاماً من بين 500 جهاز مقارنةً بـ 126 نظاماًً من الولايات المتحدة.
ولكن تراجع الحاسوب "Sunway TaihuLight" الصيني، الذي تصدر القائمة في عامي 2016 و 2017 ، إلى المركز السادس هذه المرة، بينما جاء حاسوب "تيانهي 2A" الصيني في المركز التاسع، بعد أن كان الأسرع في الفترة من 2013 إلى 2015 ، حسب صحيفة South China Morning Post الصينية.
والحاسوب Frontier الأمريكي قادر على إجراء 10 مرات حسابات في الثانية أكثر من الحاسوب الصيني Sunway TaihuLight، الذي تصدر القائمة منذ ست سنوات بـ 93 كوادريليون عملية حسابية في الثانية.
لماذا يشكك البعض في هذه النتيجة، وهل هناك حواسيب فائقة تعمل في الخفاء؟
وفقًا لمُصنّعيه، فإن الحاسوب Frontier، قادر على التشغيل لسرعة 2 exaflops (وهي وحدة تعادل إجراء عملية حسابية كل ثانية لمدة تزيد على 31 ألف سنة وهو ما يقرب من مليار مليار عملية في الثانية).
ومع ذلك، لم يثبت الجهاز ذلك حتى الآن بما يرضي المراقبين المستقلين، ليصفون بإطمئنان أنه أول حاسوب إكسا في العالم.
ولكن منظمي المسابقة كانوا مقتنعين بأن الحاسوب فرونتير يمكنه إدارة 1.102 exaflops، وفقاً للإصدار الإعلامي لمشروع TOP 500.
وهذا يعني أنه أول جهاز إكسا في العالم، أو أول "آلة إكساسكيل" حقيقية في العالم، حسب بيان مسابقة TOP500.
ويُستخدم مصطلح حاسوب إكسا لوصف الأجهزة الحديثة القادرة على إجراء مليار مليار معاملة في الثانية. ووضع المصنعون تطوير أجهزة إكسا هدفاً لهم منذ وقتٍ طويل، في ظل سعيهم لتحقيق أداءٍ أعلى.
ولكن تواجه المزاعم بأن Frontier أول جهاز إكسا في العالم، بعض المعارضة؛ لأن البعض يعتقد أن بعض الحواسيب الأخرى ربما حققت هذا الإنجاز في الخفاء بالفعل، حسبما ورد في تقرير لمجلة New Scientist البريطانية.
لماذا يتسابق العالم على إنتاج حاسوب إكسا؟
يعتقد أن حوسبة الإكساسكيل ستسمح في المقام الأول بتحسين التطبيقات العلمية والتنبؤ بشكل أفضل؛ مثل التنبؤ بالطقس ونمذجة المناخ والطب الشخصي، وقد تصل إلى قوة معالجة تعادل القوة الخاصة بالدماغ البشري على المستوى العصبي.
وأصبحت الحواسيب الفائقة ضروريةً اليوم لتنفيذ مجموعةٍ واسعة من الأبحاث العلمية، وإجراء عمليات محاكاة ضخمة لمختلف الأشياء بدايةً بالفيزياء النووية وصولاً إلى آثار العقاقير، بالإضافة إلى تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي. وتُستخدم هذه الحواسيب أيضاً للتنقيب في البيانات والبحث عن الأنماط؛ مما يعني أن الأكاديميين، والشركات، والحكومات التي تمتلك أقوى الأجهزة ستحظى بالأفضلية.
وعلى سبيل المثال، توقفت الولايات المتحدة عن إجراء تجارب الأسلحة النووية في عام 1992، وبدلاً من ذلك لجأت إلى أجهزة الكمبيوتر العملاقة لاختبار الأسلحة فعلياً. لكن تطوير هذه التجارب يحتاج إلى حواسيب أقوى، وهو ما بدأت تعمل عليه.
وتستعد وزارة الطاقة الأمريكية لاستخدام حاسوب إكسا Frontier لمعالجة 24 مشكلة علمية وهندسية أولية مع التطبيقات ومجموعة البرامج.
مشروع Top500 يلمح إلى وجود حواسيب سرية خارقة
تُعتبر قائمة Top500 بمثابة القائمة النهائية التي تضم جميع الحواسيب الفائقة. وتعتمد على مقياسٍ واحد هو مدى سرعة الجهاز في حل عددٍ هائل من المعادلات، وذلك عن طريق تشغيل برنامج يُدعى معايير لينباك LINPACK benchmarks. ويُقدم البرنامج نتائجه بمقياس عمليات النقطة العائمة بالثانية، أو فلوبس.
لكن جاك دونغارا من مشروع Top500 أقر بأن القائمة لا تضم جميع الحواسيب الفائقة، التي لا تجري إضافتها للقائمة إلا بعد قيام مالكها بتشغيل البرنامج وتقديم نتائجه. وأردف: "لا أستطيع إضافة الحاسوب الفائق إلى القائمة في حال لم يُرسل مالكه نتائج البرنامج. ولا أستطيع إرغامهم على فعل ذلك".
لماذا لا يرغب بعض المالكين في إدراج حواسيبهم الفائقة على القائمة؟
يُفضل بعض المالكين عدم الإفصاح عن نتائجهم المعيارية، أو حتى الإعلان عن وجود جهاز من الأساس. وأوضح سايمون ماكينتوش سميث من جامعة برستل البريطانية أن وكالات الاستخبارات وبعض الشركات لديها دافع للحفاظ على سرية أجهزتها، لكنها ليست الوحيدة التي تفعل ذلك، حيث توجد أجهزة أكاديمية لم يسبق إدراجها على القائمة أيضاً مثل بلو ووترز، التي يشغلها المركز الوطني لتطبيقات الحوسبة الفائقة بجامعة إلينوي الأمريكية في إربانا-شامبين.
من جانبه، أوضح بيل كرامر، مدير مشروع بلو ووترز، في عام 2012 أن قائمة Top500 كانت "مثيرةً للاهتمام في مرحلةٍ ما منذ فترة، لكنها قد تسبب الضرر للمجتمع من بعض الزوايا في الوقت الراهن".
هل أصبحت مسابقة استعراضية؟
تُعتبر وحدة القياس "فلوبس" مقياساً مفيداً للأداء، لكن بعض الأجهزة تكون مصممةً في الأصل لتأدية أنواعٍ بعينها من المهام؛ مما يعني أن برنامج "لينباك" الذي يقوم بعملية قياس قوة الأجهزة لن يقدم صورة كاملةً لأدائها في كل مرة.
ويقول ماكينتوش سميث إن العكس صحيحٌ أيضاً؛ إذ يرغب بعض المالكين في الانضمام للقائمة بشدة لدرجة أنهم يُصممون أجهزتهم لتقديم أداءٍ جيد في اختبار المعايرة، بدلاً من تصميمها لتأدية المهام اليومية التي بُنِيَت من أجلها. وأردف: "توجد بعض الأنظمة التي ظهر بعضها مؤخراً ويمكنك أن تقول إنها معدلةٌ بطريقةٍ أو بأخرى لتحقيق درجةٍ معينة على برنامج لينباك؛ مما قد يعني أنها ليست بهذه الجودة في الاختبارات العلمية العامة. ونتحدث هنا عن أنظمةٍ رائعة تبلغ تكلفتها مئات الملايين من الدولارات".
إليك الدولة التي يحتمل أنها تمتلك أجهزة إكسا سرية
يقول دونغارا إن هناك إجماعاً بين خبراء الحواسيب الفائقة على أن الصين لديها ما لا يقل عن جهازي حاسوب إكسا يعملان منذ عام 2021، وهما أوشن لايت OceanLight وتيانهي-3 Tianhe-3. وتعمل الصين أيضاً على بناء جهازٍ ثالث أكبر يُدعى سوغون Sugon. ويُذكر أن الأوراق العلمية الخاصة بأبحاث غير مرتبطة هي التي كشفت عن وجود تلك الأجهزة، وذلك أثناء تطرقها للعمليات الحسابية التي نفذتها الأجهزة.
وقال جاك دونجارا، الأستاذ المتميز لعلوم الكمبيوتر بجامعة تينيسي في الولايات المتحدة : "إن الأجهزة الصينية الغائبة تؤثر على مصداقية قائمة أفضل 500 شركة وتغير المعلومات التاريخية التي تنقلها القائمة".
وتابع: "نحن نعلم أنها موجودة، وقد كُتبت أوراق بحثية حول استخدام هذه الأنظمة. نحن نتفهم كفاءة أدائها، ولكن لم يتم تقديم أي شيء رسمياً".
واعتادت الصين على المشاركة بنشاط في التصنيف العالمي، لكنها أصبحت أكثر ترددًا في مشاركة معلومات الحوسبة الفائقة في السنوات الأخيرة؛ بسبب "الخلافات التجارية" مع الولايات المتحدة، وفقاً لعالم صيني مشارك في المشروع.
وقال عالم صيني، طلب عدم نشر اسمه لأنه غير مصرح له بالتحدث إلى وسائل الإعلام، إن المؤسسات البحثية ذات الحوسبة الفائقة في الصين "أوقفت إلى أجل غير مسمى" تقديم البيانات إلى Top500، بما في ذلك تطوير وأداء الحوسبة الفائقة.
وضعت واشنطن ما لا يقل عن 12 كياناً صينياً مرتبطاً بالحوسبة الفائقة في قائمة سوداء للتصدير، بما في ذلك الشركة المصنعة لحاشوب سوغون والمركز الوطني للحوسبة الفائقة في مدينة ووشي الشرقية، ومطور حاسوب Sunway TaihuLight الفائق الذي كان مهيمناً في يوم من الأيام.
وقال تشو يو، أستاذ الجغرافيا في كلية فاسار في نيويورك، الذي يبحث في العولمة وصناعة التكنولوجيا الفائقة في الصين، إنه من غير الواضح ما إذا كان هناك أمر من أعلى إلى أسفل للمؤسسات الصينية للمشاركة في تصنيفات الكمبيوتر الدولية لأن البعض الجامعات لا تزال ترسل البيانات إلى هيئات التصنيف.
ويعتقد ماكينتوش سميث كذلك أن أجهزة وكالات الاستخبارات ستحقق أداءً جيداً على القائمة، في حال سُمِحَ بإضافتها طبعاً. وأردف: "من المؤكد أن بعض الجهات الأمنية في الولايات المتحدة لديها أجهزةٌ قادرة على احتلال رأس القائمة. ولا شك أن بعض المجموعات لن ترغب في تواجد تلك الأجهزة على القائمة".