يمثل الحظر الأوروبي للنفط الروسي أكبر عقوبة توقع على موسكو حتى الآن، ويأمل قادة الاتحاد الأوروبي أن يكون ضربة كبيرة للكرملين، ولكن هناك مخاوف من تضرر أوروبا نفسها من القرار وأن يكون تأثيره محدوداً على روسيا في المقابل.
فخبراء الصناعة قالوا إن وطأة تأثير الحظر الأوروبي للنفط الروسي قد تخف على موسكو بفضل ارتفاع أسعار الطاقة واستعداد دول أخرى لشراء بعض النفط الروسي، حسبما ورد في تقرير لوكالة Associated Press الأمريكية.
واتفق زعماء الاتحاد الأوروبي يوم الإثنين 30 مايو/أيار على تقليص واردات النفط الروسي بنحو 90% على مدار الأشهر الست المقبلة، في خطوةٍ كبيرة لم يتصورها أحدٌ قبل بضعة أشهر.
وجاء هذا القرار في وقت تعتمد الكتلة الأوروبية التي تضم 27 دولة على روسيا في تلبية 25% من نفطها و40% من غازها الطبيعي، وكانت الدول الأوروبية شديدة الاعتماد على روسيا تحديداً مترددةً في التحرك على نحوٍ خاص.
بينما احتفى زعماء الدول الأوروبية بالقرار واصفين إياه بنقطة التحول، لكن المحللين كانوا أكثر تحفظاً.
من المحتمل أن يتمخّض عن حظر الاتحاد الأوروبي غالبية واردات النفط الروسي صدمة جديدة لاقتصاد العالم، ما سيؤدي إلى إعادة تنظيم تجارة الطاقة العالمية على نحوٍ قد يجعل روسيا أضعف من الناحية الاقتصادية، كما يأمل الغرب، وقد يمنح الواقع الجديد الصين والهند قوة تفاوض، ويضخ مزيداً من الأموال في خزائن الدول المنتجة للنفط مثل السعودية.
الحظر الأوروبي للنفط الروسي يسمح لموسكو بالاحتفاظ ببعض أسواقها بالقارة
وينطبق حظر الاتحاد الأوروبي على جميع منتجات النفط الروسي المنقولة بحراً. لكن المجر أصرت على أن يتضمن الحظر إعفاءً مؤقتاً لمنتجات النفط المنقولة عبر خط أنابيب دروزبا الروسي إلى بعض الدول الحبيسة في وسط أوروبا.
وستحتفظ روسيا ببعض أسواقها الأوروبية، فضلاً عن بيع بعض نفطها- الذي كان متجهاً إلى أوروبا- للصين والهند والعملاء الآخرين في آسيا، لكنها ستضطر حينها لتقديم بعض الخصومات بحسب الرئيس التنفيذي لشركة Macro-Advisory الاستشارية كريس ويفر.
وأوضح ويفر: "لن تكون الخصومات مؤلمةً للغاية مالياً بالنسبة لروسيا في الوقت الحالي، نظراً لارتفاع الأسعار العالمية. إذ أصبحت الأسعار أعلى من العام الماضي بكثير. وحتى لو قدمت روسيا بعض الخصومات، فسوف تبيع نفطها بنفس سعر بيعه العام الماضي تقريباً. وتعتبر الهند من المشترين الجاهزين، كما الصين المهتمة دون شك بشراء المزيد من النفط. وكلتاهما من الدول التي ستحصل على خصومات كبيرة على أسعار السوق العالمية".
ومع ذلك فقد اعتادت روسيا النظر إلى أوروبا باعتبارها سوق الطاقة الأساسي، مما يجعل قرار يوم الإثنين أبرز الجهود المتخذة حتى الآن لعقاب روسيا على ما تفعله في أوكرانيا.
ألمانيا ترى في القرار وسيلة لإنهاء الحرب وتحقيق السلام
وقال المستشار الألماني أولاف شولتس: "هناك هدف واضح واحد للعقوبات: دفع روسيا لإنهاء الحرب، وسحب قواتها، والتوافق مع أوكرانيا على سلامٍ منطقي وعادل".
وقدرت أوكرانيا أن الحظر الجديد قد يكبد روسيا مليارات الدولارات سنوياً.
حيث قال وزير الخارجية دميترو كوليبا: "سيؤدي حظر النفط إلى تسريع العد التنازلي لانهيار الاقتصاد وآلة الحرب الروسية".
فيما قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال خطابٍ بالفيديو إن أوكرانيا ستضغط من أجل فرض عقوبات أخرى، مضيفاً أنه "لا يجب أن تظل هناك أي علاقات اقتصادية بارزة بين العالم الحر وبين الدولة الإرهابية".
المحللون يخشون تأثيرات عكسية للقرار
أما سيمون تاغليابترا، خبير الطاقة والباحث الزميل في مؤسسة Bruegel البحثية ببروكسل، فقد وصف الحظر بأنه "ضربةٌ كبيرة".
بينما حذّر بعض خبراء الطاقة من أن هذه العقوبات من هذه النوعية قد تقوض فاعلية الجهود الأوروبية الجديدة، ومن المرجح أن يستمر اعتماد أوروبا على الغاز الطبيعي الروسي لفترةٍ قد تصل إلى سنوات، رغم الحظر المفروض على النفط. ما قد يحفظ لبوتين قدراً من نفوذه، خاصةً في حال ارتفاع الطلب على الغاز بالتزامن مع برد الشتاء.
و تمتلك روسيا أيضاً بعض الأوراق الأخرى التي يمكنها استغلالها لصالحها، ومن شأنها أن تقوض فاعلية الحظر الأوروبي للنفط الروسي. إذ تُعَدُّ الصين سوقاً متنامية بالنسبة لروسيا، حيث يربط بين البلدين خط أنابيب يعمل بسعته الكاملة تقريباً، لكن الصين زادت شحنات ناقلات النفط من الخام الروسي في الأشهر الأخيرة أيضاً.
وتمتلك الهند العديد من المصافي النفطية الكبرى التي تستطيع جني أرباحٍ هائلة من تكرير النفط الروسي وتحويله إلى الديزل وغيره من أشكال الوقود المطلوبة بشدة حول العالم.
وأوضحت ميغان أوسوليفان، مديرة مشروع الجغرافيا السياسية للطاقة في كلية كينيدي بجامعة هارفارد: "ستكون هناك العديد من التداعيات الجيوسياسية، إذ سيقرب الحظر الولايات المتحدة من اقتصاد الطاقة العالمي أكثر، فضلاً عن توطيد علاقات الطاقة بين روسيا والصين".
وقال ماتيو فيلا، محلل مؤسسة ISPI البحثية في ميلان، إن روسيا ستتلقى ضربةً كبيرة للغاية الآن. لكنه حذر من أن الخطوة قد تأتي بنتائج عكسية في النهاية.
وأوضح: "سيظهر الخطر في حال ارتفاع أسعار النفط عموماً بسبب العقوبات الأوروبية. إذ إن ارتفاع الأسعار بشدة يخاطر بزيادة مكاسب روسيا وخسارة أوروبا لرهانها على العقوبات".
يأتي ذلك في وقت سجل التضخم في أوروبا وأمريكا مستويات غير مسبوقة منذ ما يقرب من نصف قرن.
ومن المستبعد أن يؤدي الحظر الأوروبي للنفط الروسي إلى إقناع الكرملين بإنهاء الحرب، كما كان الحال في جولات العقوبات السابقة.
واستغلت موسكو من ناحيتها الحظر الأوروبي للنفط الروسي في محاولةٍ لتعبئة الدعم الشعبي ضد الغرب، الذي وصفوه بأنه عازمٌ على تدمير روسيا.
حيث قال دميتري ميدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن الروسي والرئيس السابق للبلاد، إن حظر النفط يستهدف خفض عائدات البلاد من التصدير وإجبار الحكومة على تقليص المزايا الاجتماعية.
وكتب ميدفيديف عبر قناته في أحد تطبيقات التراسل: "إنهم يكرهوننا جميعاً! تنبع هذه القرارات من كراهيةٍ عميقة لروسيا وشعبها بالكامل".
وهكذا ردت روسيا على القرار بإغلاق بعض صنابير الغاز
في المقابل، لم تتوانَ روسيا أيضاً عن تعليق صادرات الطاقة الخاصة بها. إذ قالت عملاقة الطاقة الروسية Gazprom إنها ستقطع إمدادات الغاز الطبيعي عن شركتي GasTerra الهولندية وOersted الدنماركية، بالإضافة إلى وقف شحناتها الخاصة بشركة Shell Energy Europe والتي كانت متجهةً إلى ألمانيا.
وقد أفادت ألمانيا بأن لديها موردين آخرين، في ما قالت GasTerra وOersted إنهما كانتا مستعدتين لقطع الإمدادات.
وسبق للشركة الروسية كذلك أن أوقفت إمداداتها المتجهة إلى بلغاريا، وبولندا، وفنلندا.
ويشكل النفط الروسي المنقول بحراً نحو ثلثي واردات الاتحاد الأوروبي النفطية من موسكو. وعلاوةً على وقف الاتحاد الأوروبي لتلك الواردات، فقد اتفقت ألمانيا وبولندا على التوقف عن استخدام النفط القادم من الفرع الشمالي لخط أنابيب دروزبا.
أوروبا لن تستطيع اتخاذ قرار مماثل بشأن الغاز
لكن التوافق على فرض عقوبات على الغاز الطبيعي الروسي قد يكون أصعب بكثير، نظراً لأنه يمثل نسبةً أكبر من مزيج الطاقة الأوروبي.
ولا يمتلك زعماء أوروبا الكثير من البدائل للغاز الروسي؛ لأن كبار الدول المصدرة الأخرى -الولايات المتحدة وأستراليا وقطر- لا يمكنها زيادة صادراتها بدرجةٍ كبيرة على الفور.
إذ قال ويفر: "الرسالة العالية والواضحة التي ستسمعها موسكو أنه من شبه المستحيل أن يتوصل الاتحاد الأوروبي لأي اتفاق على حظر الغاز، لأن الغاز لن يسهل الحصول عليه من مصادر أخرى في أوروبا مثل النفط".