أصدرت وزارة الدفاع الأوكرانية مؤخراً لقطات جوية للحرب في منطقة دونباس، لم تُظهر نجاحات أوكرانيا ضد روسيا، بل تُظهر نقاط ضعفها، والحقول والمدن والمنشآت الأساسية التي تم تدميرها بواسطة الصواريخ الروسية. وقالت الوزارة في تغريدة، في 26 مايو/أيار 2022: "هذا ما تبدو عليه أكبر وأروع حرب في القرن الحادي والعشرين. أوكرانيا مستعدة للرد، وللقيام بذلك، نحتاج إلى راجمات صواريخ MLRS في الحال!".
ويبدو أن نداءات كييف وجدت صداها في الغرب، وتحديداً واشنطن، حيث أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن، في 31 مايو/أيار، أنه سيرسل "أنظمة صاروخية وذخائر أكثر تطوراً، ستمكنها من ضرب أهداف رئيسية بدقة أكبر في ساحة المعركة في أوكرانيا". وقال البنتاغون إنه سيرسل شحنة أولى من صواريخ هيمارس M142 عالية الدقة (HIMARS)، والموجودة حالياً في أوروبا. فما هي منظومة هيمارس الصاروخية وما مزاياها، وهل تغير شيء في ميزان الحرب بين أوكرانيا وروسيا؟
ما هي منظومة هيمارس الصاروخية؟
تعتبر منظومة هيمارس الصاروخية، التي ستقدمها واشنطن لكييف، منصة صاروخية متنقلة يمكنها إطلاق عدة صواريخ دقيقة التوجيه في نفس الوقت. وتقوم كلٌّ من روسيا وأوكرانيا بالفعل بتشغيل هذه الوحدات المتنقلة، لكن نظام هيمارس لديه مدى ودقة أكبر، وأخف وزناً من راجمة الصواريخ إم-270 المثبتة على جنزير، والتي طُوِّرَت في السبعينيات للقوات الأمريكية والقوات الحليفة لها.
تحمل الراجمة الواحدة من منظومة HIMARS ستة صواريخ موجهة من خلال نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، حيث تبلغ دقتها مسافات تصل إلى 70-84 كم، أي حوالي ثلاثة أضعاف مدى مدافع الهاوتزر التي قدمتها أمريكا لكييف حتى الآن. وتقول التقارير إن ألمانيا وبريطانيا من المحتمل أن تزودا كييف بنسخ أقدم من HIMARS، تحديداً منظومة (M270 (MLRS، الذي يطلق نفس العائلة من الصواريخ.
وقال مسؤول أمريكي بعد إعلان بايدن الأخير، إن نظام هيمارس الذي تقدمه واشنطن لأوكرانيا سيكون مداه نحو 80 كيلومتراً، حيث تحمل راجمة هيمارس ستة صواريخ مُوجهة عيار 227 ملم، لكن لن تزود الولايات المتحدة أوكرانيا بنظام الصواريخ التكتيكية، الذي يبلغ مداه 300 كيلومتر.
مع طاقم صغير، يمكن لنظام هيمارس إزالة جراب مستهلك وتحميل واحد جديد في دقائق، دون مساعدة من مركباتٍ أخرى. وسوف تتطلب الأطقم بعض التدريب، ولدى الجيش الأمريكي بالفعل وحدات من نظام هيمارس في أوروبا. وتمتلك بولندا ورومانيا، الحليفتان في الناتو، هذا النظام.
لماذا يُعد نظام صواريخ هيمارس ذا قيمة لأوكرانيا؟
سوف يمنح نظام هيمارس القوات الأوكرانية القدرة على الضرب بصورةٍ أكبر خلف الخطوط الروسية، وعلى مسافاتٍ محمية من أسلحة روسيا بعيدة المدى بشكلٍ أفضل.
والصواريخ الموجهة بواسطة نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، التي يطلقها نظام هيمارس لها مدى يقارب ضعف مدافع الهاون إم-777، التي زوَّدت الولايات المتحدة بها القوات الأوكرانية مؤخراً.
وسوف يوضع نظام هيمارس على بُعد 80 كيلومتراً خارج نطاق المدفعية الروسية، بينما يعرِّض المدفعية الروسية للخطر. ويمكن للنظام أن يهدِّد مستودعات الإمداد الروسية، في ظل اعتقاد غربي بأن القوات الروسية تعاني من مشكلاتٍ لوجستية.
ويقول محللون إن نظام هيمارس يمكن أن يكون "عامل تغيير" في الحرب، في وقتٍ يبدو فيه أن القوات الأوكرانية تكافح تحت نيران القوات الروسية، لكن آخرين قالوا إن النظام الصاروخي لن يقلب الموازين فجأة.
وتقول مجلة Economist البريطانية، إنه بالنظر إلى أن القوات الأوكرانية ستحتاج إلى ثلاثة أسابيع من التدريب، فقد تصل الأسلحة بعد فوات الأوان لإنقاذ مدينة سيفيرودونتسك، التي انسحبوا منها جزئياً بعد أسابيع من القصف. كما تقول المجلة إن المنظومة الصاروخية ستأتي مع شروط، إذ لن تزودها أمريكا بنظام الصواريخ التكتيكية الأكبر حجماً (ATACMS)، الذي يبلغ مداه حوالي 300 كيلومتر، ووعدت أوكرانيا بعدم إطلاق نيران هذه الأسلحة على الأراضي الروسية.
ومع تحول الحرب من المعارك القريبة حول كييف وخاركيف إلى مبارزات مدفعية في أرض دونباس المفتوحة، استغل الروس قوتهم النارية الساحقة، بما في ذلك أنظمة الصواريخ مثل BM-27 Uragan وBM-30 Smerch، وهي أقل دقة وأبطأ في الحركة من منظومة هيمارس الأمريكية، وأوكرانيا لديها بعض من المنظومات هذه سوفييتية الصنع أيضاً، لكنها تكافح من أجل الحصول على إمدادات جديدة.
وحول التأخير في إمداد كييف بهذه الأسلحة، يقول المسؤولون الأمريكيون إنهم اضطروا إلى انتظار الأموال -التمويل التكميلي البالغ 40 مليار دولار من المساعدات الإنسانية والعسكرية لأوكرانيا تم توقيعه ليصبح قانوناً في 21 مايو/أيار فقط- وكانوا يعطون الأولوية للأسلحة التي يمكن لأوكرانيا استخدامها بسرعة، لكن أمريكا قلقة أيضاً من التصعيد مع روسيا.
لماذا تحد واشنطن من مدى الصواريخ التي ستسلمها لأوكرانيا؟
قال بايدن في مقالته بصحيفة New York Times إن الصواريخ المتطورة ستمكِّن الأوكرانيين من "ضرب أهداف رئيسية بدقة أكبر في ساحة المعركة في أوكرانيا".
ومع ذلك، تخطط الولايات المتحدة للحد من مدى الصواريخ التي تمنحها لأوكرانيا، لتجنب استخدامها لضرب أهداف في عمق روسيا. قال بايدن: "لن نرسل إلى أوكرانيا أنظمة صواريخ يمكنها ضرب روسيا".
منذ بداية الهجوم الروسي، في 24 فبراير/شباط، كانت الولايات المتحدة حساسة بشأن اتخاذ أي إجراء لدعم كييف قد يستفز موسكو لخوض الحرب خارج حدود أوكرانيا.
وشمل ذلك عدم الدعم العلني للضربات الأوكرانية داخل الأراضي الروسية. استخدمت أوكرانيا عدة مرات صواريخها ومروحياتها وطائراتها المسيَّرة لضرب أهداف روسية قريبة في ولايتي كورسك وبلغورود المجاورتين.
وإذا قدمت الولايات المتحدة نظام الصواريخ التكتيكية، فسوف يكون لديها من الناحية النظرية القدرة على ضرب المراكز الحضرية والقواعد العسكرية الروسية الرئيسية، بما في ذلك المطارات التي تنطلق منها الهجمات على أوكرانيا. وقال مسؤول أمريكي: "قدم الأوكرانيون تأكيداتٍ بأنهم لن يستخدموا هذه الأنظمة ضد الأراضي الروسية".