نُذر كارثة جديدة بالصومال.. لماذا تتكرر المجاعات بدول إفريقيا رغم غناها بالأراضي الزراعية والمياه؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/06/02 الساعة 15:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/06/02 الساعة 15:21 بتوقيت غرينتش
موجة جفاف خطيرة في الصومال/رويترز

تشهد الصومال موجة نزوح من ويلات أزمة الجفاف، وسط مخاوف من حدوث مجاعة في البلد المنكوب بأزماته السياسية، وتثير هذه المأساة تساؤلات عن سبب تكرار المجاعات في دول إفريقيا مثل الصومال وغيره، مقارنة بغيرها من مناطق العالم، رغم غنى القارة السمراء بالأراضي الزراعية والمياه وغيرها من الموارد الطبيعية.

وتوالت التحذيرات الحكومية والأممية من تحول أزمة الجفاف التي يشهدها الصومال، إلى حالة مجاعة، نتيجة قلة الأمطار خلال ثلاثة مواسم متتالية، وسط موجات نزوح للمتضررين نحو المدن الكبرى.

وبحسب إحصاءات أممية، وصل عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في الصومال نحو 7.7 مليون شخص، خلال العام الجاري، أي نصف السكان تقريباً، وقد يتعرض أكثر من 300 ألف صومالي لخطر الموت، كما أن انعدام مياه الشرب يؤدي إلى مشكلات صحية عدة، إذ يضطر كثيرون إلى شرب مياه غير نظيفة، وتشهد بعض مناطق الصومال بالفعل تزايداً في حالات الإسهال والكوليرا.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أعلن رئيس الوزراء الصومالي روبلي، دخول البلاد حالة إنسانية طارئة بسبب أزمة الجفاف، بينما لم تنجح الجهود المحلية والدولية في كبح تداعيات الأزمة.

وتفادياً لتدهور الوضع الإنساني في البلاد، نظمت الحكومة الصومالية مؤخراً في مقديشو، مؤتمراً وطنياً لدعم المتضررين من الجفاف، شارك فيه رؤساء الأقاليم الفيدرالية ووزراء الحكومة والمرشحون المحتملون في سباق الرئاسة، إلى جانب الشركات والهيئات الإنسانية المحلية.

الجفاف الأسوأ في القرن الإفريقي منذ عام 1981 ولكن الصومال الأشد تأثراً

وتشهد منطقة القرن الإفريقي جفافاً هو الأشد من نوعه منذ العام 1981، تسبب في دفع ما يقدر بـ13 مليون شخص في إثيوبيا وكينيا والصومال إلى الجوع الشديد، لكن يبقى الصومال الأشد تضرراً، بالنظر إلى ما يعانيه البلد المنكوب من أزمات عدة.

وتقلصت الرقعة الجغرافية ذات الغطاء النباتي في الصومال خلال الـ20 سنة الماضية من 64 إلى 18%، حسبما يقول منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في الصومال آدم عبد المولى لموقع "إندبندنت عربية".

وأضاف أن التوقعات الخاصة بالعام الحالي أكثر قتامة، فبينما فشلت ثلاثة فصول مطرية على التوالي، فإن المؤشرات الخاصة بموسم الأمطار القادم من أبريل/نيسان وحتى يونيو/حزيران تنذر بفصل رابع من الجفاف، ما يعني شحاً حاداً في المواد الغذائية ومياه الشرب.

وأودت المجاعة بحياة 250 ألف شخص في الصومال عام 2011، وسط مخاوف من تكرارها، حيث تزداد موجة النزوح للهاربين من ويلات أزمة الجفاف في الأقاليم الصومالية منذ مطلع العام 2022، وباتت ضواحي العاصمة مقديشو، محطة لجوء لكثير منهم بعد رحلة شاقة بحثاً عما يسد رمقهم.

المجاعات في دول إفريقيا
فتاة صومالية تشرب الماء من صنبور في مخيم ككساري للنازحين داخلياً في دولو/رويترز

وبالإضافة لأزمة الجفاف تعاني مقديشيو منذ سنوات من حصار خانق فرضته حركة "الشباب" المسلحة المتطرفة، حيث تمنع دخول أي مؤن غذائية إليها، وهو ما يفاقم معاناة سكانها.

ورغم أن الصومال بلاد ذات موقع استراتيجي، كما أنها غنية بأراضيها الزراعية والمياه، حيث يوجد بها نهران رئيسيان، فإنها تعاني من أوضاع اقتصادية وإنسانية مأساوية.

فالبلاد تعاني من واحدة من أطول فترات الاضطراب السياسي في تاريخ إفريقيا الحديث، حيث شهدت سلسلة من الحروب الأهلية منذ سقوط نظام سياد بري عام 1991، وما أعقبه من تدخل أمريكي ثم غزو إثيوبي عام 2006، أطاح بحكومة اتحاد المحاكم الإسلامية التي كانت قد فرضت فترة نادرة من الاستقرار النسبي، وبعد خروج القوات الإثيوبية عام 2009، عانت البلاد من الأزمات وسيطرة الحركات المتطرفة، على أجزاء من البلاد.

ورغم إطلاق عملية سياسية بدفع من الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، مازالت البلاد تفتقر لحكومة قوية، حيث تتوالى خلافات القوى السياسية مع استمرار انفصال جمهورية أرض الصومال في الشمال عن مقديشيو غير المعترف بها دولياً، وفشل الحكومات المتعاقبة في فرض سيطرتها الكاملة على البلاد، إضافة إلى الاضطرابات القبلية وممارسات الجماعات المتطرفة، يضاف إلى ذلك القيود التي تفرضها إثيوبيا على تدفق الأنهار المشتركة إلى الصومال.

كل ذلك جعل الصومال عرضة دوماً لخطر المجاعات رغم إمكانيات البلاد الاقتصادية، وتمتعها بحالة نادرة من الوحدة القومية، إذ تعد إحدى الدول القليلة في إفريقيا التي ينتمي سكانها لعرق واحد ويتحدثون لغة واحدة هي اللغة الصومالية.

إثيوبيا المجاورة شهدت واحدة من أسوأ المجاعات في القرن العشرين

بينما تمثل الصومال نموذجاً حاداً يظهر كيف تؤدي الأوضاع السياسية والاجتماعية المضطربة بالدول الإفريقية إلى تعرض سكانها لخطر المجاعات رغم ثرائها بالموارد، فإن خطر المجاعات في دول إفريقيا يكاد يهدد معظم مناطق القارة.

فعلى سبيل المثال شهدت إثيوبيا المجاورة مجاعات متعددة، بعضها كان الأسوأ في القرن العشرين، رغم أن هضبة الحبشة المشهورة بأمطارها الغزيرة تمد نهر النيل، أطول أنهار العالم بنحو 70% من إجمالي المياه التي تسير في مجراه.

وقلة هم من يستطيعون أن ينسوا الصور المروعة للإثيوبيين الهزيلة التي نقلت الدموع إلى العالم خلال مجاعة عام 1984، التي خلفت أكثر من مليون قتيل، وكان من بين أشهر الصور صورة لنسر يتربص بطفل يكاد يموت جوعاً استعداداً لافتراسه.

لماذا تظل المجاعات في إفريقيا خطراً ماثلاً رغم اختفائها في بقية العالم؟

بينما تم القضاء على المجاعات على ما يبدو من آسيا وأوروبا خلال القرن العشرين، ولكن ليس من إفريقيا، حيث عانت ثلاث دول -إثيوبيا وملاوي والنيجر- من أزمات غذائية هائلة منذ عام 2000، وها هي الصومال معرضة للخطر ذاته.

ولدى إفريقيا الأراضي الصالحة للزراعة والحياة البرية وأعلى الجبال الاستوائية ومساحات شاسعة من الغابات الاستوائية المطيرة، هي الأكبر في العالم بعد أمريكا الجنوبية.

ورغم كون إفريقيا جنوب الصحراء مصدراً صافياً للمنتجات الزراعية، فإن انعدام الأمن الغذائي مستمر ويتزايد.

وأدى التدهور المطرد في الأمن الغذائي إلى مضاعفة من يعانون من نقص التغذية في إفريقيا.

ومن المتوقع أن المنطقة لن تكون قادرة على إطعام 60% من سكانها بحلول عام 2025، والزيادة السريعة للسكان ليست مشكلة بقدر ما هو فشل النمو الاقتصادي في المنطقة لمواكبة النمو السكاني، حسب تقرير للأمم المتحدة.

إرث الاستعمار المستمر

كانت معظم القارة الإفريقية مكتفية ذاتياً من الطعام قبل خضوعها للاستعمار الأوروبي، حيث كان السكان في كل بلد في الأغلب يزرعون المحصول الرئيسي الذين يقتاتون عليه، مثل الأرز الذي استبدل في كثير من المناطق بالفول السوداني، أو غيره من المحاصيل الملائمة للتصدير، لجعل المستعمرات أكثر ربحية للمحتل الأوروبي.

وبالتالي أحد أسباب تعدد المجاعات في إفريقيا هو إلى حد كبير إرث من أنظمة الإنتاج الزراعي الاستعمارية الموجهة للتصدير، والتي خصصت الأراضي الخصبة النادرة والمياه والعمالة لتلبية احتياجات الصناعات والمستهلكين في شمال الكرة الأرضية، حسب بحث بعنوان "لماذا يستمر انعدام الأمن الغذائي في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى: مراجعة للأدلة الموجودة" نشر عام 2022 في موقع springer link العلمي.

كما قوض الاستعمار العقد الاجتماعي بين الزعماء التقليديين والمجتمعات، والذي كان له دور فعال في إدارة ندرة الغذاء في الأوقات السابقة.

بعد الاستقلال، ظلت السياسات الزراعية تركز على الصادرات وأهملت البحث والاستثمارات الزراعية الحيوية.

ونتيجة لذلك، فإن إفريقيا هي المنطقة الوحيدة في العالم التي تسبب فيها زيادة إنتاج الصادرات في انخفاض إنتاج الغذاء للفرد.

المشكلات المالية واللوجستية مثل الديون والتخزين

كما تعاني الدول الإفريقية من الديون المتراكمة والاستثمارات الضعيفة في مجال الزراعة.

كما أن من أسباب المجاعات في دول إفريقيا ممارسات الإقراض لدى البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وتقلبات أسعار العملة والفوائد العالمية، التي أعاقت قدرتها على دعم الزراعة وتحسين سبل العيش والأمن الغذائي.

ولكي تكون الزراعة مستدامة يجب أن تكون مربحة، ويستدعي ذلك ربط المزارعين بسلاسل التوريد المحلية والإشارات والمعلومات عن السوق، وتحسين التخزين بعد الحصاد، بينما تعاني القارة من ممارسات إنتاج وتخزين المحاصيل والأغذية غير الملائمة.

والعديد من المجاعات في إفريقيا كان سببها انخفاض في إنتاج المحاصيل أو الثروة الحيوانية، وارتفاع أسعار المواد الغذائية وانهيار أسعار الأصول، والإخفاق في الاستجابات الإنسانية، حسب بحث لستيفن ديفيروكس من جامعة ساسكس البريطانية نُشر في موقع Research Gate.

دور الحكومات السلبي وغياب المُساءلة

ومع ذلك، فإن السؤال المهم ليس سبب حدوث هذه المجاعات، ولكن لماذا لم يتم منعها، رغم تكرارها بشكل دوري.

من المسلم به أنه لا يمكن أن يحدث أي نمو اقتصادي ذي مغزى في بيئة غير ديمقراطية، ومن دون بنية تحتية مناسبة. يتحمل القادة الأفارقة مسؤولية تنفيذ السياسات التي تعزز الديمقراطية وتراعي حقوق الإنسان، والتي ستؤدي إلى تنمية اجتماعية واقتصادية عبر خلق بيئة لمزيد من الاستثمار الاقتصادي.

ويرى الباحث ستيفن ديفيروكس أن من أسباب المجاعات في إفريقيا التدخلات الحكومية والدولية غير الفعالة وغير المناسبة، والعلاقات السلبية بين الحكومات والوكالات المانحة في اللحظات الحرجة، وعدم المساءلة عن منع المجاعات السابقة في البلدان منخفضة الدخل ذات الديمقراطيات الضعيفة وشركاء التنمية المتداخلين.

الأمراض

إفريقيا هي قارة الأمراض الفتاكة، مثل الملاريا والتيفوئيد والسل ووباء فيروس نقص المناعة البشرية "الإيدز"، حسب وصف تقرير للأمم المتحدة.

ويتعرض الأطفال دائماً لخطر الإصابة بالأمراض والوفيات وتوقف النمو. 

إن عبء المرض يبطئ النمو السكاني، لا سيما في حالة فيروس نقص المناعة البشرية "الإيدز".

كما أن هناك انتشاراً كبيراً للأمية واللامبالاة، حسب التقرير الأممي، ما يجعل من الصعب على معظم حملات التوعية أن يكون لها تأثير، وبصفة عامة، يتوقف الفقراء عن إضفاء قيمة طويلة الأجل على حياتهم، ولا يهتمون إلا بالبقاء الفوري.

ضغوط زيادة السكان وتدهور إنتاجية الأراضي 

أصبحت البيئة والموارد الطبيعية الرئيسية في معظم البلدان الإفريقية مهددة بشكل متزايد من خلال تصاعد الضغط من سكان الريف والمدن على السواء الذين يتزايد عددهم بسرعة.

من أهم العوامل التي تم تحديدها باعتبارها معوقات لإنتاج الغذاء في إفريقيا تدهور الأراضي، وتقنيات تصنيع الأغذية غير الملائمة والسياسات الاقتصادية السيئة لدعم إنتاج الغذاء، فضلاً عن الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتدني للنساء، اللائي يشكلن غالبية منتجي الأغذية.

الاقتصادات الريفية، التي تعتمد بشكل كبير على الزراعة، قد دُمرت إلى حد كبير بسبب تدهور الأراضي وحرمت من العمالة البشرية، حيث يغادر الشباب والقادرون جسدياً إلى المدن بحثاً عن وظائف. ويستمر المزارعون في الزراعة دون استخدام المدخلات الزراعية المناسبة، وبالتالي يحصلون على غلات منخفضة للغاية، كما أدى عدم الاستقرار السياسي إلى تعطيل الأنشطة الاقتصادية إلى حد كبير، ما أسهم في زيادة الفقر، بالإضافة إلى ذلك هناك توزيع غير عادل للثروة، حيث تمتلك نسبة صغيرة من الناس الجزء الأكبر من الموارد، في حين أن الغالبية لا تزال غارقة في الفقر.

 متوالية الفقر المستمر

لا يزال الفقر أحد أهم أسباب الجوع في إفريقيا، فأكثر من نصف الأفارقة يعيشون تحت خط الفقر، وبالتالي يؤدي الجوع إلى تزايد الفقر، لأن الجياع ينتجون أقل من إمكاناتهم.

وينتشر سوء التغذية على نطاق واسع، ويؤثر في الغالب على الأطفال، كما ظهر سوء التغذية لدى البالغين كتهديد خطير للأمن الغذائي، لا سيما في القرن الإفريقي، حيث لا يمكن للأفراد المتضررين أن يكونوا منتجين جسدياً في شراء الغذاء أو إنتاجيته. 

الحروب الأهلية 

إن إطعام الجياع في المناطق التي مزقتها الحروب والصراعات كان ولا يزال يمثل تحدياً كبيراً. إنها لحقيقة محزنة أن معظم أجزاء إفريقيا قد تورطت في وقت أو آخر في صراعات عنيفة، معظمها كانت داخلية، بين مجموعات عرقية معينة داخل البلدان المتضررة. 

تؤدي الحروب إلى غياب بيئة يمكنها جذب كل من الاستثمارات المحلية والأجنبية، حيث يجب أن يتأكد المستثمرون من الأمن لأنفسهم واستثماراتهم.

الجفاف يهدد العديد من المناطق بالقارة الإفريقية/رويترز، أرشيفية

وفي حين أن بعض النزاعات قد انتهت منذ بعض الوقت، لا يزال الشعور بآثارها الضارة على البيئة والبنية التحتية موجوداً، فضلاً عن نفسية ورفاهية الأمة.

بالإضافة إلى ذلك، تؤدي النزاعات إلى تعطيل الأنشطة الاقتصادية اليومية العادية، والتي يعتبر إنتاج الأغذية وتسويقها وتوزيعها جزءاً لا يتجزأ منها. لا يقتصر تأثير الحروب فقط على ترك المزارع دون رقابة أو تعطيل أنشطة السوق، ولكن إما أن يكون الناس مشردين أو غير آمنين للغاية للمشاركة في الأنشطة الإنتاجية. 

كما يعيش النازحون من الحروب عادة في ظل ظروف مزدحمة، حيث يتعرضون لتفشي الأمراض المرتبطة بظروف غير صحية. 

التغير المناخي 

أرجع باحثون تزايد وتيرة المجاعات في إفريقيا، جنوب الصحراء الكبرى، إلى تفاقم التغير المناخي العالمي.

فالقارة تدفع ثمن ظاهرة التغير المناخي، رغم أنها لم تكن السبب الرئيسي وراء تلوث المناخ وتفاقم ظاهرة التغير المناخي، حيث إن مساهمات القارة في انبعاثات الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري هي الأقل على مستوى العالم، إذ لا تتجاوز 3.8%.

مشكلات السوق 

يرى باحثون أن المجاعات تحدث أحياناً كنتيجة مأساوية لإخفاقات السوق والحكومات، عندما تتداخل الظروف المناخية أو الاضطرابات السياسية، والفقر، مع ضعف البنية التحتية الاجتماعية والمادية، ووجود حكومات ضعيفة وغير مستعدة، ونظام سياسي مغلق نسبياً.

كما تعاني إفريقيا تقليدياً من صغر وضعف الطبقة الوسطى القيادية في المجتمع من مهندسين زراعيين وري وأطباء، وكذلك المسؤولين المحليين والتجار، ويتضافر ذلك مع ضعف المؤسسات الحكومية والمدنية ومشكلات النقل، جراء سوء حالة الطرق، لجعل أي مشكلة غذائية تتفاقم.

ضعف بنية الري

تعاني العديد من الدول الإفريقية من نقص كبير في البنية الخاصة بالري، من سدود وآبار وغيرها، ما يجعلها عرضة لتأثيرات الجفاف أكثر من مناطق العالم الأخرى.

تقدم مصر نموذجاً واضحاً، لذلك عرفت مصر على مدار تاريخها بثرائها الزراعي، الذي وفرته مياه النيل المتدفقة، ولكن عندما كان يزداد تدفق هذه المياه عبر الفيضانات الجامحة أو ينقص من خلال الجفاف كانت مصر تعاني كوارث أو مجاعات كبيرة تحدثنا عنها كتب التاريخ، ومنها الشدة المستنصرية، التي وقعت في العهد الفاطمي، وقيل إنها أدت إلى وفاة ثلث سكان مصر، ودفعت الناس إلى أكل الكلاب والقطط ولحوم البشر، بعد مجاعة عصفت بالبلاد لمدة 7 سنوات.

ولكن انطلاق مشروعات الري في عهد مؤسس مصر الحديثة محمد علي باشا، بدءاً من الترع والقناطر الخيرية، مروراً بخزان أسوان، وصولاً للسد العالي، جعلت المجاعات والفيضانات جزءاً من تاريخ قد مضى.

وظاهرة المجاعات كانت تحدث في العديد من دول العالم، منها دول أوروبية، فروسيا رغم أنها تاريخياً منتج ضخم للحبوب شهدت مجاعات عديدة بسبب الطقس أو الحروب الخارجية، مثل الحرب العالمية الأولى، أو الداخلية مثل الحرب الأهلية الدامية في عشرينات القرن العشرين، ولكن قيام دولة قوية ومشروعات الري الضخمة منعت تكرار ذلك، وهو أمر ينطبق على الصين والهند التي اشتهرت بالمجاعات الجامحة حتى القرن العشرين.

واللافت أن المنطقة العربية باستثناء مناطقها المتداخلة مع إفريقيا جنوب الصحراء، لا تعاني من ظاهرة المجاعات مثل القارة السمراء، رغم أنها أكثر جفافاً منها، وقد يرجع ذلك لأسباب عديدة، منها ثراء المنطقة العربية بالنفط الذي تنتقل دولاراته من الدول الغنية بها إلى بقية مناطقه عبر هجرة العمالة أو المساعدات الاقتصادية.

كما أن الدول العربية تمتلك مؤسسات حكومية وأهلية أقوى وتقاليد تجارية عريقة، ولوجود طبقة واسعة من المهاجرين في الخليج وأوروبا، التي تساعد مواطنيها في الداخل في أوقات الأزمات، علماً أن هناك آراء علمية ترى أن الجفاف الناتج عن التغير المناخي هو أحد أسباب احتجاجات الربيع العربي، كما أن تفاقم مشكلات التغير المناخي مؤخراً مع الفشل الاقتصادي والسياسي قد لا يجعل بعض دول المنطقة العربية محصنة كثيراً ضد احتمالات المجاعات، وها هي لبنان تعاني من أسوأ أزمة مالية منذ قرن، حسب مؤسسات دولية، وسط تحذيرات من أن دولاً عربية قد تتعرض للإفلاس مثل سريلانكا.

القارة المهملة دولياً

كما أن من أهم أسباب المجاعات في إفريقيا غياب الاهتمام الدولي، حيث نادراً ما تثير أي كارثة في إفريقيا اهتماماً دولياً يذكر.

وتشير بعض الدراسات الأكاديمية الإعلامية إلى أنه في الأزمات والكوارث، تولي وسائل الإعلام الغربية اهتماماً لوفاة كل شخص ينتمي لأوروبا الغربية أو الولايات المتحدة يعادل نحو أربعة أو خمسة من أوروبا الشرقية، وتسعة من الشرق الأوسط ونحو 12 آسيوياً، أما إفريقيا فالعدد قد يكون بالعشرات.

ويؤدي غياب الاستجابة الدولية لتفاقم المجاعات في الدول الإفريقية، لأنها تبدو بعيدة عن الأجندة الدولية أكثر حتى من بقية دول العالم الثالث.

وقد تكون إجابة لماذا تتكرر ظاهرة المجاعات في إفريقيا أكثر من غيرها من مناطق العالم، لدى العلامة العربي ابن خلدون، عندما قال إن من يلقون حتفهم في المجاعات إنما "قتلهم الشبع المعتاد"، فالقارة الإفريقية غنية بمواردها الزراعية التي يعتمد سكانها عليها بشكل مباشر، وعندما تصاب هذه الموارد بكارثة فإن تأثيرها يكون مضاعفاً، في ظل غياب أي بديل، نظراً لقلة الموارد المالية الأخرى المتوفرة للسكان، وخاصة المزارعين، وتتفاقم الأوضاع مع ضعف البنية التحتية وضعف الدولة وسوء الإدارة وقلة المساعدات الخارجية.

تحميل المزيد