بعقوبات صارمة بينها الإعدام، صوَّت البرلمان العراقي بالإجماع مؤخراً على قانون تجريم تطبيع العراقيين مع إسرائيل، وهو القانون الذي قال منتقدوه إنه يستهدف المسؤولين في كردستان العراق، بينما دافع عنه التيار الصدري الذي قدمه، مؤكداً أنه يعبر عن موقف العراقيين جميعاً، وينزع من إيران ورقة تستخدمها للمزايدة.
وتنص المادة (4) من القانون الذي يشمل العراقيين داخل العراق وخارجه، وفق نسخة متداولة، على أن: "يعاقب بالإعدام أو السجن المؤبد كل من طبع أو تخابر مع الكيان الصهيوني، حسب التعبير الوارد في القانون، أو روّج له أو لأية أفكار أو مبادئ أو أيديولوجيات أو سلوكيات صهيونية أو ماسونية بأية وسيلة كانت علنية أو سرية بما في ذلك المؤتمرات أو التجمعات أو المؤلفات أو المطبوعات أو وسائل التواصل الاجتماعي أو أي وسيلة أخرى".
فما الهدف الحقيقي لهذا القانون ومن المستفيد منه ومن المتضرر، وكيف سيؤثر على الوضع في العراق وخاصة إقليم كردستان؟
وقال بيان لمجلس النواب العراقي إن القانون أقر "بالإجماع". ومن بين 329 عضواً بالبرلمان حضر 275 عضواً جلسة التي نوقش فيها القانون.
والعراق رغم أنه ليس له حدود مع إسرائيل، ولكن كان من أكثر الدول العربية مشاركة في الحروب العربية بعد مصر وسوريا، ويعد باختلاف أنظمته السياسية، ملكية أم جمهورية، من الناحية الرسمية في حالة حرب مع إسرائيل منذ عام 1948 كونه لم يوقع على اتفاقية الهدنة التي عُقدت آنذاك، كما وجه نظام صدام حسين خلال حرب تحرير الكويت عام 1991 نحو 49 صاروخاً إلى إسرائيل.
ويتوسع التشريع الجديد في قانون العقوبات العراقي لعام 1969، الذي ينص على أن المواطنين الذين يتواصلون مع إسرائيل سيواجهون المحاكمة وربما عقوبة الإعدام. وتم تجميد هذا التشريع بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003.
ورحبت السلطة والفصائل الفلسطينية وإيران بقانون تجريم تطبيع العراقيين مع إسرائيل، الذي وافق عليه البرلمان الخميس الماضي، بينما انتقدته إسرائيل، والولايات المتحدة بشدة، واعتبرت الأخيرة أنه يخالف حركة التطبيع المتزايدة بين الدول العربية وإسرائيل.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس إنه "منزعج" من هذه الخطوة، مشيراً إلى أنها تهدد "حرية التعبير" وتعزز "بيئة معاداة للسامية"، حسب تعبيره.
أول شيء يتفق عليه البرلمان العراقي منذ فترة
تم اقتراح التشريع المناهض للتطبيع من قبل كتلة "سائرون" البرلمانية التي يتزعمها رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر.
وحصل تحالف سائرون على 74 مقعداً من أصل 329 بالبرلمان في الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي أجريت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مما جعله صاحب أكبر كتلة برلمانية، بينما تراجع نصيب الأحزاب الشيعية الموالية لإيران.
ولم يتمكن البرلمان العراقي، من الانعقاد بشأن أي قضية أخرى، بما في ذلك انتخاب رئيس جديد وتشكيل الحكومة، مما أطال أمد الأزمة السياسية في البلاد، في ظل محاولة التيار الصدري تشكيل حكومة أغلبية بالتحالف مع أحزاب سنية وكردية مع رغبته في استبعاد الأحزاب الشيعية الحليفة لإيران، التي تعرقل إنعقاد البرلمان لأنه تريد في المقابل تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم كل الأحزاب، كما كان الحال خلال السنوات الماضية.
التيار الصدري صاحب القانون، والهدف ليس إسرائيل فقط بل إيران أيضاً
وخرج الآلاف من أنصار الصدر إلى شوارع بغداد والمدن والمحافظات الكبرى الأخرى للاحتفال، وشكر كثيرون الصدر على حشد التشريع في البرلمان.
وقال نواب من حزب الصدر إنهم اقترحوا القانون للحد من أي مزاعم من قبل الأحزاب الشيعية التي تنافسه والمدعومة من إيران تجاه جهود الصدر للتحالف مع الأحزاب الكردية التي قد تكون لها علاقات سرية مع إسرائيل.
وغرد زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الذي يعد عراب هذا القانون قائلاً إنه "لا يعادي الديانات بل يعادي التطرف والإرهاب والظلم". وأضاف الصدر: "نحن نحمي الأقليات المسيحية واليهودية وأنتم تطردون العرب والمسلمين". واختتم التغريدة بالقول "نحن نستنكر عمل الدواعش وأنتم تؤيدون التطرف الغربي".
وقال هيوا عثمان، المحلل السياسي المقيم في أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق لصحيفة The New York Times الأمريكية، إن "الصدر يحاول سحب البساط من تحت أقدام الآخرين". وكان يشير إلى المنافسة بين الصدر والفصائل السياسية المدعومة من إيران داخل العراق، والتي تؤكد على معارضتها لإسرائيل والولايات المتحدة.
ويُنظر إلى الصدر على أنه قومي عراقي أقل ارتباطاً بإيران من بعض القادة السياسيين الشيعة الآخرين في البلاد.
وقال عثمان عن التنافس السياسي بين الشيعة الذي ميز السياسة العراقية في السنوات الأخيرة: "إن الصدر يقول لحلفاء إيران بهذا القانون (لا يمكنكم أن تكونوا أكثر وطنية مني)".
ومن المعروف أن إيران عادة ما توصم خصومها السياسيين بالعمالة لإسرائيل وتتاجر في هذا الشأن بدورها في دعم حزب الله وفصائل المقاومة الفلسطينية.
ولكن الصدر- إضافة إلى نقده لدور إيران السلبي في الحياة السياسية العراقية- هو ناقد دائم للسياسة الأمريكية، واتخذ موقفاً حاداً تجاه واشنطن عقب اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني على يد القوات الأمريكية بأوامر من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
كما أن التيار الصدري واضح في رفضه لإسرائيل وتأييد كفاح الشعب الفلسطيني، كما أن الصدر واحد من القادة الشيعة القلائل بمنطقة الشرق الأوسط برمتها الذي انتقد الرئيس السوري بشار الأسد، وطالب ذات مرة باستقالته، إضافة إلى أنه من أكثر زعماء الأحزاب الشيعية العراقية انفتاحاً على الدول العربية خاصة السعودية غريمة إيران.
وبهذا القانون فإن الصدر ضرب عصفورين بحجر واحد، فهو يؤكد على دور قومي رافض لإسرائيل، لا يختلف عليه السنة والشيعة في العراق، وفي ذات الوقت يحاول أن ينزع من طهران ورقة يمكن أن تستخدمها بسبب تحالفه مع القوى السنية والكردية ضد حلفائها.
وقال مراقبون سياسيون لموقع Middle East Eye البريطاني إن التشريع يمكن أن يضع حداً للنقاش الذي كان قائماً منذ سنوات حول ما إذا كان العراق سيتبع الدول الإقليمية الأخرى في تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
وقال عضو "ائتلاف دولة القانون"، حيدر اللامي، لشبكة "رووداو" الإعلامية، إنه كانت هناك ضغوط على القيادات الشيعية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، ما دفع تلك القيادات إلى سد الطريق أمام المسألة بقانون مشرع في البرلمان يمنع التطبيع.
القانون يدعم جهود إيران للتصدي للنفوذ الإسرائيلي والأمريكي في كردستان
حتى لو كان الصدر هو القوة الدافعة القانونية وراء القانون، لكي ينزع من طهران ورقة تستخدمها ضد تحالفه المحتمل مع الأكراد، فإن طهران تظل مستفيدة من التشريع، حيث يوفر لها أداة قانونية للتصدي للنفوذين الأمريكي والإسرائيلي في كردستان العراق.
وستنطبق أحكام القانون على حكومة إقليم كردستان العراق الذي يتمتع بحكم شبه ذاتي، والذي يُعرف بعلاقاته الودية ولكن غير المعترف بها علناً مع إسرائيل.
والعلاقات بين القوى السياسية الكردية الرئيسية وبين إسرائيل قديمة جداً، وهي ليست خافية على أحد، فإسرائيل تكاد تكون الدولة الوحيدة مع الإمارات التي أيدت انفصال إقليم كردستان خلال الاستفتاء الذي نظم عام 2017، وفشل في تحقيق أهدافه بعد هجوم الحشد الشعبي بتوجيه إيراني على القوات الكردية في كركوك، ومعارضة الحكومتين العراقية والتركية، وكذلك أغلب دول العالم.
وفي مارس/آذار 2022، أطلقت إيران عشرات الصواريخ الباليستية على مدينة أربيل عاصمة كردستان العراق، قائلة إنها كانت تستهدف قاعدة استخبارات إسرائيلية.
وقال مسؤول أمريكي كبير آنذاك إن منزلاً بالقرب من أربيل قُصف بالهجوم كان بالفعل موقعاً استخباراتياً إسرائيلياً، حسب صحيفة The New York Times الأمريكية، على الرغم من أن مسؤولاً كبيراً في إدارة بايدن نفى هذا التقييم علناً.
وتعرض منزل باز كريم، الرئيس التنفيذي لشركة النفط KAR GROUP، لأضرار جسيمة في الهجوم. وقد اتهمت الشركة في الماضي ببيع النفط بهدوء لإسرائيل.
وفي وقت جرى الحديث في بعض الأوساط السياسية وعبر مواقع التواصل الاجتماعي عن أن هناك أكثر من نسخة من هذا القانون، تحدثت تقارير إعلامية عن مخاوف من أن يؤدي قرار البرلمان العراقي إلى وضع البلاد على قائمة الدول التي يمكن أن تستهدفها واشنطن.
وحاولت تقارير إعلامية غربية تخويف العراقيين من القانون، فقالت صحيفة The New York Times إنه يمكن أن يجعل الشركات الأمريكية والأجنبية الأخرى العاملة في مجال الأعمال التجارية مع إسرائيل حذرة من التعامل مع العراق.
كيف سيؤثر على علاقات كردستان بإسرائيل خاصة بيع النفط؟
ويقول منتقدو القانون إنه يمكن أن يؤدي إلى "مناوشات" بين الحكومة المركزية في بغداد وإقليم كردستان، وذلك نتيجة الاتهامات للإقليم ببيع النفط المستخرج من أراضيه. إلى إسرائيل.
وقال فرهاد علاء الدين، رئيس مجموعة الأبحاث العراقية ومقرها بغداد إنه تم حذف بند كان ينص على طرد الشركات الأجنبية والمستثمرين الأجانب في العراق الذين كانوا يقومون بأعمال تجارية مع إسرائيل ويصادرون أصولهم في العراق من نسخة مسودة أشد قسوة من مشروع القانون.
وقال محللون إن من السابق لأوانه معرفة كيف ستؤثر الأخبار على شركات النفط أو شركات الاستثمار الأجنبية الأخرى العاملة في العراق، لكن إقليم كردستان شبه المستقل سيكون الأكثر تضرراً.
المفارقة أن الأكراد أيدوا القانون
وعلى الرغم من تأثيرات القانون المحتملة على إقليم كردستان العراق، صوت نائب رئيس البرلمان العراقي، شكوان عبد الله، عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني القوي الذي يتزعمه آل بارزاني، على القانون، كما فعل رئيس البرلمان العربي السني محمد الحلبوسي. وتلقى الحلبوسي دعماً من قبل الإمارات العربية المتحدة، القوة الدافعة وراء التطبيع مع إسرائيل، حسب نيويورك تايمز.
وانضم الحزب الديمقراطي الكردستاني، وهو حليف وثيق للولايات المتحدة، في وقت سابق من هذا العام إلى الصدر والحلبوسي، في محاولة لتشكيل حكومة جديدة تستبعد حلفاء إيران.
وفي إشارة إلى قبول إقليم كردستان الضمني لإسرائيل، نظمت مجموعة بحثية أمريكية مؤتمراً مؤيداً للتطبيع في سبتمبر/أيلول الماضي في أربيل بموافقة الحكومة الكردية.
جمع المؤتمر شخصيات عراقية بهدف تطبيع العلاقات، ولكن بدلاً من ذلك أسفر عن تهديدات بالقتل وأوامر اعتقال للمشاركين العراقيين الرئيسيين.
وكان لافتاً أن عرفات كرم مستشار الزعيم الكردي مسعود بارزاني أكد في تغريدة له، أن تصويت الأكراد في البرلمان الاتحادي على قانون تجريم تطبيع العراقيين مع إسرائيل، لا يعني انضمام أربيل إلى جبهة المقاومة، في إشارة للمحور الذي تقوده إيران ويضم أحزاباً شيعية عراقية ولبنانية والحوثيين في اليمن.
ويعتقد أن التشريع قد يجعل من غير القانوني للعراقيين داخل أو خارج البلاد المشاركة حتى على وسائل التواصل الاجتماعي مع المسؤولين الإسرائيليين أو حضور المؤتمرات من قبل المنظمات التي لها علاقات مع إسرائيل.
وقال هيوا عثمان، المحلل سياسي المقيم في أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق: "آخر شيء يدور في أذهان معظم العراقيين هو هذه القضايا". "عامة الناس لا يحبون إسرائيل، لكن المضي قدماً في قضية ليست هنا ولا هناك في الوقت الحالي، إنه أمر غريب للغاية".
وقال أكاديمي رفض الإفصاح عن هويته لموقع Middle East Eye البريطاني: "أحكام القانون فضفاضة وخاضعة للتفسير، ويمكن استخدامها كأداة للتخلص من المعارضين، سواء كانوا أفراداً أو كيانات أو شركات".
وأضاف أن معظم العراقيين يعارضون التطبيع مع إسرائيل، لكنهم يعارضون أيضاً ما وصفه بـ"إحياء العقلية الشمولية للأنظمة الديكتاتورية التي تشرع قوانين يمكن تحويلها إلى أسلحة لملاحقة معارضيها".
هل يوقع الرئيس الكردي للعراق القانون؟
في العادة، وفقاً للدستور العراقي، يجب أن يوقع رئيس البلاد على القانون. ولكن إذا لم يفعل ذلك، فسيصبح ساري المفعول في غضون 15 يوماً.
يطرح التشريع معضلة على الرئيس العراقي برهم صالح الذي ينتمي للأقلية الكردية وولائه السياسي لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني ثاني أكبر الأحزاب الكردية (حزب ليبرالي يحتفظ بعلاقة تقليدياً جيدة مع الغرب وإيران معاً).
ويحتاج برهم صالح، مثل أي شخص يشغل منصب الرئيس في الحسابات السياسية الحالية، إلى دعم تيار مقتدى الصدر مقدم القانون وحلفائه. ولكن تقرير صحيفة The New York Times الأمريكية توقع ألا يوقع صالح على التشريع.
وبرهم صالح، يعتقد أنه مع رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته مصطفى الكاظمي هما مهندسا الانتخابات التي جاءت تلبية لاحتجاجات المتظاهرين العراقيين عام 2019، ضد النخبة الحاكمة الموالية لطهران، وهي الانتخابات التي أدت لتراجع واضح لنفوذ طهران في البرلمان العراقي الجديد.
وبالتالي فإن صالح والأحزاب الكردية من مصلحتها دعم جهود الصدر في إضعاف حجة إيران، بشأن الاختراق الإسرائيلي للبلاد، وفي الوقت ذاته فإن تطبيق القانون لن يكون ممكناً في الأغلب في كردستان العراق، الذي لا يكاد يخضع لسلطة بغداد، ولكن قد يصبح أداة إضافية محتملة لإيران ضد الأكراد، وفي الوقت ذاته، فإن القانون على الأقل قد يدفع الأكراد لخفيف أنشطة التطبيع العلنية مع إسرائيل.