التشابه بين حزب القوات اللبنانية وحزب الله رغم العداء المتبادل بينهما، يبدو واضحاً لدرجة أن بعض منتسبي القوات لا ينكرونه في أحاديثهم الخاصة.
فبعد فوز حزب القوات اللبنانية بنحو 20 مقعداً تمثل نحو سدس مجلس النواب اللبناني أصبح الحزب الفائز الأكبر في الانتخابات اللبنانية الأخيرة التي شهدت تراجعاً لكتلة 8 آذار التي يقودها حزب الله، وتم تسجيل أكبر تراجع من قبل كتلة التيار الوطني الحر(الذي أسسه الرئيس ميشال عون) منافس القوات اللبنانية على زعامة مسيحيي لبنان، وحليف حزب الله، ليصبح حزب القوات صاحب أكبر كتلة برلمانية في لبنان، بدلاً من التيار العوني ونال لأول مرة لقب أكبر تيار مسيحي، بل يعتقد أنه اخترق الأوساط السنية أيضاً.
ورغم أن حزب القوات اللبنانية يقدم نفسه كخصم لحزب الله، وقائد لمحاولة إنهاء هيمنته السياسية والأمنية على الدولة اللبنانية، فإن تاريخ القوات وبصورة أقل حاضره، يجعل الكثيرين من نقاد حزب الله يرون في القوات مجرد نسخة مارونية من الحزب، حتى لو كان حزب القوات الأعلى صوتاً في انتقاد حزب الله وسلاحه وتبعيته لإيران.
فنشأة القوات اللبنانية الميليشياوية التي ما زالت واضحة في اسمها ثم تحالفها المعروف مع إسرائيل، وكونها صاحبة السجل الأشرس من المذابح خلال الحرب الأهلية بين كل الفصائل اللبنانية، وعلاقتها الوطيدة المستجدة مع السعودية، وكفاءتها في تقديم الخدمات الفئوية للطائفة المارونية مثلما يفعل حزب الله مع الطائفة الشيعية تؤكد تشابهها مع الحزب حتى لو كانت خصمه السياسي الأول.
ويتشابه هتاف "شيعة شيعة" الذي يقوله أنصار حزب الله في مظاهراتهم مع هتاف "الله قوات" الذي يردده أحياناً منتسبو القوات.
ويُعتقد أن حزب الله نفسه يريد أن ينصب حزب القوات خصمه الأول، بالنظر لتاريخ القوات الملطخ بالدماء، وعلاقتها القديمة بإسرائيل، والاتهامات الموجهة لها من التورط في اغتيال زعماء موارنة وسنة كبار (بمن فيهم رئيس الوزراء الراحل رشيد كرامي)، مما يجعل حزب القوات خصماً مثالياً يستطيع حزب الله أن يهاجم تاريخه وأن يؤكد صوابية مواقفه السياسية، ويخيف به طائفته الشيعية وحتى من جزء من السنة والموارنة (خاصة موارنة زغرتا بالشمال اللبناني الذي تورطت القوات في اغتيال زعيمهم طوني فرنجية).
وقد يكون جزء من صلابة حزب القوات اللبنانية في مواجهة حزب الله نابعاً من الطابع الميليشياتي شبه العسكري للقوات، كما ظهر في أحداث الطيونة التي وقعت في أكتوبر/تشرين الأول 2021، وشهدت اشتباكات بين مسلحين مسيحيين وآخرين شيعة، أدت إلى سقوط 7 قتلى وأكثر من 30 جريحاً من مناصري ومحازبي "الثنائي الشيعي"، حركة "أمل" و"حزب الله".
وآنذاك اتهم حزب الله القوات بالمسؤولية عن الأحداث التي وقعت عندما هاجم مسلحون مسيحيون مسيرة مسلحة نظمها أنصار حزب الله وأمل بسبب مرورهم عبر حي مسيحي، والمفارقة أن حزب القوات لم ينفِ مشاركته في الأحداث، ولكنه قال إن أنصاره شاركوا كأفراد من أبناء الحي يدافعون عن منطقتهم، وليس كتنظيميين.
وبصفة عامة فإنه، باستثناء تيار المستقبل، فإن معظم الأحزاب اللبنانية الحالية هي ذاتها الأحزاب التي خاضت الحرب الأهلية من 1975 إلى 1990.
ورغم أن الأحزاب اللبنانية سلمت سلاحها بعد نهاية الحرب الأهلية (باستثناء حركة أمل وحزب الله الشيعيين بدعوى أنهما فصائل مقاومة)، إلا أن معظم هذه الأحزاب لا تخلو من بقايا طابع عسكري، خاصة أن المجتمع اللبناني بطبيعته مسلح.
ولكن يعتقد على نطاق واسع أن بقايا الطابع العسكري والميليشياتي لدى القوات أكثر من غيرها من الأحزاب اللبنانية الأخرى.
حزب القوات اللبنانية نشأ كجناح عسكري للفصائل المسيحية
تأسس حزب القوات اللبنانية كميليشيا مسيحية لبنانية في عام 1976 على يد بشير الجميّل ابن بيار الجميل مؤسس حزب الكتائب اللبنانية وهو حزب يدعو للقومية المارونية، واُتهم خلال فترة نشأته وذورة صعوده بأنه متأثر بالفاشية ومعاد للعروبة والإسلام.
كان الهدف أن تكون القوات بمثابة ميليشيا للجبهة اللبنانية، وهي تحالف من عدة أحزاب مسيحية يمينية، هيمن عليه حزب الكتائب.
وقال الجميل وقتها إن السبب لـ"تأسيس القوات اللبنانية تنظيمي وتحضيري؛ تحسباً لتحديات عسكرية تحيط بمسيحيي لبنان".
وقد برز الجميل الابن خلال القتال في أواخر السبعينيات، كزعيم قوي لميليشيا الكتائب، وكان هدف الجميل من تأسيس القوات السيطرة على كافة القوى المسيحية الأخرى المتنافسة عبر دمج ميليشياتها في القوات اللبنانية الخاضعة لسيطرته وسيطرة الجناح العسكري للكتائب.
وبعد انهيار تحالف الجبهة اللبنانية عام 1978، كانت القوات اللبنانية في الأساس ذراعاً للكتائب، وكان يشار إليها أحياناً باسم ميليشيا الكتائب.
وفي أغسطس/آب من عام 1982 بعد الغزو الإسرائيلي للبنان، تم انتخاب بشير الجميل، لرئاسة الجمهورية، تحت حماية الجيش الإسرائيلي، لكن بعد 3 أسابيع من انتخابه، اًغتيل الجميل في تفجير لمقر الكتائب.
وبعد اغتيال بشير الجميل في سبتمبر/أيلول من عام 1982، انتخب شقيقه أمين الجميل رئيساً للبلاد، بطريقة مشابهة، ولكنه لم يكن ذا توجه عسكري، مما أفقده السيطرة على ميليشيا القوات اللبنانية، وتولي فادي أفرام قيادة القوات اللبنانية حتى أكتوبر/تشرين الأول من عام 1984، ثم فؤاد أبو نادر بين أكتوبر/تشرين الأول من عام 1984 ومارس/آذار من عام 1985، ثم إيلي حبيقة حتى يناير/كانون الثاني من عام 1986، ثم سمير جعجع عام 1986.
ولقد التحق جعجع بميليشيا حزب الكتائب في عام 1975، ثم بالقوات اللبنانية، وارتقى في المناصب في عهد الجميل، ومنذ توليه قيادة القوات اللبنانية عام 1986. ظلت القوات، أقوى ميليشيا مسيحية وأدارت جيباً مسيحياً خلال الحرب الأهلية، والذي أحياناً كانت ما تصفه الصحافة الغربية بـ"مارونستان".
قاتل الجميع خلال الحرب وتحالف مع الأسد وإسرائيل
وكانت ميليشيا "القوات اللبنانية" أحد أبرز الأطراف في الحرب الأهلية بلبنان، التي استمرت نحو 15 عاماً وشهدت تبدلات في التحالفات.
وبينما يركز حزب القوات اللبنانية حالياً على ميراثه المعارض للنظام السوري في لبنان خاصة خلال الحرب الأهلية ومعاناتهم من اضطهاده بعد نهاية الحرب الأهلية، فإن الواقع أن بداية الحرب الأهلية شهدت دخول القوات السورية للبنان لنصرة الميليشيات المسيحية التي يقودها القوات ضد تحالف اليسار اللبناني الذي كان يقوده الزعيم الدرزي كمال جنبلاط مع الفصائل الفلسطينية، وهو التحالف الذي كان يطالب بإنهاء السيطرة المارونية على السلطة وإعطاء تمثيل أكبر للمسلمين، وسياسته كانت تركز على القومية العربية ودعم القضية الفلسطينية، بينما قال اليمينيون المسيحيون إن هدف الفلسطينيين هو الاستيطان في لبنان.
وتحولت ميليشيا القوات من حليف لجيش النظام السوري، الذي أنقذ الأحزاب المسيحية من الهزيمة في بداية الحرب الأهلية (ويعتقد أنه متورط في اغتيال غريم الأحزاب المسيحية كمال جنبلاط) إلى العداء مع الجيش السوري، بعد أن حاول الأخير دخول مدينة زحلة التي ينظر لها كمعقل للمسيحيين في البقاع.
وكانت ميليشيا القوات اللبنانية مدعومة من إسرائيل طوال معظم فترات الحرب الأهلية.
في عام 1983، هزم المقاتلون الدروز القوات اللبنانية في جبال الشوف، مما دفع نحو 250 ألف مسيحي إلى الفرار من المنطقة، وهو أكبر نزوح طائفي منفرد في الحرب.
في السنوات الأخيرة للحرب الأهلية قامت معارك بين "القوات" من جهة والقطاع المسيحي من الجيش اللبناني بزعامة ميشال عون (الرئيس الحالي) رغم كونهما ينتميان إلى الطائفة المارونية وكانا متحالفين في بداية الحرب، فيما يعرف بحرب توحيد البندقية المسيحية، وكان من أسباب الحرب الخلافات حول اتفاق الطائف، والوجود السوري في لبنان الذي عارضه عون.
وبسبب دعمه للحكومة التي نشأت بتفاهم سوري سعودي بعد اتفاق الطائف، تم ضم جعجع إلى أول حكومة بعد الحرب الأهلية في ديسمبر/كانون الأول من عام 1990. لكنه فشل في أن يصبح زعيم حزب الكتائب، وقاد القوات اللبنانية في مسار منفصل عن الحزب.
جعجع تم سجنه بعد خلافه مع حافظ الأسد
وبعد تنفيذ اتفاق الطائف، دخل جعجع في نزاع مع النظام السوري برئاسة حافظ الأسد (وكانت وقتها سوريا مسيطرة على لبنان)، ما أدى إلى خضوع زعيم "القوات" للمحاكمة في تهم عديدة، منها اغتيال رئيس الحكومة السابق رشيد كرامي في 1987.
ورغم نفي جعجع جميع التّهم، تمت إدانته وحُكم عليه بالإعدام، ثم خُفف الحكم إلى السجن مدى الحياة. وقضى جعجع 11 سنة في زنزانة داخل مبنى وزارة الدفاع اللبنانية، وخرج بعفو من البرلمان عام 2005، بعد خروج الجيش السوري من لبنان.
كما حظرت السلطات اللبنانية التي كانت تخضع للنفوذ السوري القوات اللبنانية في 1994 وسجنت العديد من نشطائها وصادرت أصولها.
ويكاد يكون جعجع زعيم الميليشيا الوحيد الذي سُجن، بينما استفاد آخرون من العفو وتقلدوا مناصب وزارية لفترات طويلة.
أبرز الجرائم المنسوبة للقوات اللبنانية خلال الحرب الأهلية
خلال الحرب الأهلية نسبت جرائم متعددة للقوات اللبنانية، أو شاركت بها مع فصائل أخرى.
ومن هذه المذابح مذبحة تل الزعتر التي نفذتها القواتُ السورية في لبنان وميليشيات مسيحية يمينية، بينها حزب الكتائب التي كانت القوات بمثابة جناحه العسكري، وحراس الأرزة، وبلغ عدد ضحايا مجزرة تل الزعتر 4280 قتيلاً أغلبهم مدنيون، وتمت تصفية معظمهم في الفترة من 12 إلى 14 أغسطس/آب 1976، بينما البقية توفوا خلال حصار المخيم ومعارك سبقت اقتحامه.
ومن أشهر جرائم القوات اللبنانية والمتهم فيها سمير جعجع شخصياً مجزرة إهدن، التي أدت إلى مقتل زعيم تيار المردة طوني فرنجية (تيار مسيحي يتركز في قضاء زغرتا بشمال لبنان).
وهذه المجزرة التي وقعت عام 1978، ولم ينكرها جعجع، حدثت في وقت كان فيه الكتائب وتيار المردة، متحالفين، وينسقان مع الجيش السوري، ومع صعود قوة الكتائب حاولت القوات باعتبارها جناحه العسكري السيطرة على المناطق الشمالية المسيحية؛ الأمر الذي رفضه طوني فرنجية زعيم تيار المردة في ذلك الوقت.
وحسب رواية سمير جعجع، فلقد صدر قرار من قبل بشير الجميل بالمواجهة مع المردة، وأمره الجميل بالسفر للشمال اللبناني، إذ يقول إنّ "الهدف كان اعتقال المجموعة التي تعتبر الذراع العسكرية لفرنجية، وليس اغتيال فرنجية والذي كان يظن أنه غير موجود في في القصر".
ويحاول جعجع تقليل دوره في المذبحة رغم أنه كان قائد القوة التي نفذتها حيث يقول بأنّه أُصيب برصاصة في كتفه وأخرى في رجله وأخرى في فخذه وزنده أثناء العمليّة وغاب عن الوعي أكثر من مرّة قبل أن يعلم أنّ طوني فرنجية قد قُتل، في حين أنّ الهدف لم يكن قتله بل اعتقال المجموعة التابعة له.
ولكن في تصريخ آخر وصف جعجع، ما حدث في إهدن بأنه كان "ساعة تخلٍ". وهو لفظ لبناني، يعني حدوث خطأ في لحظة كان فيها المرء خارجاً عن السيطرة على نفسه، وهو إلى حد ما تعبير قد يفهم منه أن الجريمة قد تمت بشكل عمدي وليس نتيجة خطأ.
كما تورّط جناح من القوات اللبنانية في مجرزة صابرا وشاتيلا بقيادة إيلي حبيقة، الذي تحول بعد ذلك إلى حليف لسوريا الأسد.
ووقعت المذبحة بعد اغتيال بشير الجميل وبعد انسحاب القوات الفلسطينية من لبنان، بضمانة دولية وأمريكية بعدم المساس بالمخيمات الفلسطينية، حيث أدت إلى مقتل مئات الفلسطينيين ونفذتها القوات اللبنانية بتوجيه وإشراف من حليفها الجيش الإسرائيلي تحت قيادة وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك أرئيل شارون، وهزت هذه المذبحة العالم، وتسببت في حالة نادرة في خروج مظاهرات احتجاج ضخمة في إسرائيل، أدت إلى استقالة شارون من منصبه بعد أن حملته لجنة تحقيق إسرائيلية المسؤولية.
سر التركيز على جرائم القوات اللبنانية أكثر من غيرها
بينما ارتكبت كل الفصائل اللبنانية وغير اللبنانية (خاصة الجيش السوري) جرائم خلال الحرب الأهلية اللبنانية، إلا أنه عادة يتم التركيز على جرائم القوات اللبنانية أكثر من غيرها، (علماً بأن حزب الله ليس له مشاركة كبيرة بهذه الحرب).
ويرجع ذلك لأسباب كثيرة، منها أن الحرب تكتب بأقلام المنتصرين والقوات يعتبر أحد المهزومين في الحرب التي فاز بها إلى حد كبير، النظام السوري وحلفاؤه.
ولكن حتى القوى المسيحية الأخرى المهزومة مثل قوات عون لم توصم بهذه الوصمة.
وقد يرجع ذلك إلى الطابع الاستئصالي العنيف الذي ميز القوات خلال الحرب الأهلية، والذي لم يقتصر في الأغلب على خصومهم من مسلمي لبنان والدروز والفلسطينيين، ولكن نفذت القوات جرائم بشعة ضد المختلفين معها من الموارنة في ظل مساعيها في ذلك الوقت للانفراد بزعامة المسيحيين في لبنان.
ويلاحظ أن مذابح القوات اللبنانية تنافس في شراستها مذابح النظام السوري، والجيش الإسرائيلي، بينما كانت المذابح التي نفذتها القوى الأخرى أقل في عدد ضحاياها في الأغلب، وكان كثير منها يرتبط بعمليات نهب أو تطهير طائفي، عبر التهجير بالأساس، ولكن القوات كان مشروعها في بعض الأوقات هو الاستئصال عبر الدماء لتأسيس دويلة مارونية خالية من المسلمين، وفي الوقت نفسه القضاء على الأحزاب والقادة المسيحيين المنافسين لضمان زعامة القوات لهذه الدويلة.
وبينما تعتبر القوات من الميليشيات القليلة في لبنان التي أعربت عن قدر من الاعتذار عن ماضيها الإجرامي، ولكن هناك شكوك أثيرت حول صدق هذه الاعتذارات خاصة أنه سبق أن انتشر فيديو تظهر فيه ستريدا زوجة جعجع في جلسة خاصة خلال جولة في أستراليا، تتحدث فيها "بفخر" عما اقترفه زوجها رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع بحق أهل زغرتا، مما أثار استياءً وردود فعل غاضبة من قبل تيار المردة وعموم أهل زغرتا.
كيف تحول حزب القوات إلى قائد المعارضة ضد حزب الله؟
بدأت مرحلة جديدة بالنسبة للقوات اللبنانية، عام 2005 عندما انسحب الجيش السوري من لبنان تحت ضغط دولي عقب اغتيال رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، حيث أطلق سراح جعجع من السجن، وبات حزب القوات أكبر حزب مسيحي مشارك في قوى 14 آذار التي يقودها تيار المستقبل، وتركزت أفكار 14 آذار على معارضة سوريا وحزب الله والتحالف مع السعودية والغرب.
وحافظ حزب القوات اللبنانية على تركيزه على انتقاد حزب الله ودوره السياسي بينما وضع منتقدو حزب الله الآخرون القضية جانباً، قائلين إن مسألة سلاح حزب الله يصعب معالجتها حالياً، وانخرطوا أحياناً في علاقات براغماتية مع حزب الله، عكس القوات (وكان الرفض في إقامة مثل هذه العلاقة يأتي بالأكثر من حزب الله).
والعلاقة بين السعودية والأحزاب المسيحية اللبنانية اليمينية قديمة، حيث تحالفت الرياض أحياناً معهم ضد قوى اليسار اللبناني (التي يغلب عليها المسلمون) لأنها كانت مدعومة من الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، ومنظمة التحرير الفلسطينية، ولكن تيار المستقبل كان دوماً حليف السعودية الأكبر والأهم بلبنان.
ولكن مع تردي العلاقات بين السعودية والحريري خاصة بعدما قيل عن احتجاز الأخيرعام 2018 من قبل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في الرياض، أصبح حزب القوات اللبنانية حليف السعودية الأول في لبنان بدلاً من تيار المستقبل الذي نشأ في الأصل بدعم سعودي.
وكان واضحاً أن ولي العهد السعودي يرى الحريري بتياره ذي الطابع المدني، ضعيفاً في مواجهة حزب الله الذي يواصل الهجوم على السعودية ويدعم الحوثيين باليمن، بينما يشاركه الحريري في تشكيل الحكومة أحياناً، التي تمولها السعودية.
في المقابل ظلت القوات اللبنانية الأكثر حزماً في معارضة حزب الله، في ظل تحصنها بمعاقلها المسيحية الجبلية، وأصولها الميليشياوية والتركيبة المسيحية اللبنانية التي تجعل هناك تحسباً من قبل حزب الله في الإساءة إليها، سواء بسبب طبيعة العلاقة الحساسة بين المسلمين والمسيحيين في البلاد وعزلة المسيحيين النسبية في مناطقهم أو حتى لا يغضب حزب الله حليفه المسيحي ميشال عون، وهذا الفارق في طريقة تعامل مع الحزب مع منافسيه من المسلمين والمسيحيين ظهر في اقتحام الحزب وحليفته الشيعية أمل للمناطق السنية والدرزية خلال أحداث 7 مايو/أيار 2008، بينما لم يفعل المثل مع المناطق المسيحية.
السلاح ما زال في يدي
رغم تأكيد حزب القوات اللبنانية على طابعه السياسي ورفعه شعارات الحداثة والانحياز للدولة التي يؤكد أنها يجب أن تحتكر السلاح، ولكن الحزب يقدم نفسه دوماً بأنه لا يهاب سلاح حزب الله، وهو أمر كما سبق الإشارة يرتبط بطبيعة الطائفة المسيحية في لبنان من ناحية وجذور الحزب العسكرية، التي يعتقد أنها مازالت موجودة.
وكانت القوات اللبنانية خلال مرحلة الحرب الأهلية تتمتع بحضور عسكري كبير، وتمتلك أسلحة متطورة قدمت من دول عديدة أوروبية، بالإضافة للتدريب والتسليح الذي وفره الجيش الإسرائيلي والذي تحالف مع القوات خلال فترة الاجتياح الإسرائيلي للبنان، وبهذه الأسلحة خاضت القوات اللبنانية معارك ضد الفصائل الفلسطينية ثم حرب الإلغاء ضد الجيش اللبناني الذي كان يقوده حينها رئيس الجمهورية الحالي ميشال عون، كما خاض الحزب حرب التحرير في وجه القوات السورية التي حاولت اجتياح المناطق المسيحية شرق بيروت.
وعقب اتفاق الطائف الذي أوقف الحرب الأهلية طُلب من الميليشيات تسليم سلاحها والعتاد الثقيل للجيش السوري، لكن صفقة سياسية أدت إلى بيع الدبابات والصواريخ الثقيلة والمعدات المهمة المملوكة لحزب القوات اللبنانية إلى صربيا التي كانت تخوض حربها ضد البوسنة.
ولكن عقب انسحاب الجيش السوري من لبنان عام 2005 إثر اغتيال رفيق الحريري أعاد حزب القوات اللبنانية تنظيم نفسه وبات مشاركاً بشكل شرعي في الحكومات والبرلمان، وأصبح أحد أبرز الأحزاب المسيحية النشطة في المشهد اللبناني، كما يُعتقد أنه أعاد ترتيب حضوره العسكري عبر تنظيم صفوفه وإطلاق برامج للتدريب الأمني والعسكري.
وعن الرقم المحتمل للقوى العسكرية التابعة للقوات اللبنانية، فقد نشرت جريدة الأخبار اللبنانية الموالية لحزب الله قبل فترة تقريراً يزعم بأن جعجع قال للزعيم الدرزي وليد جنبلاط إنه سيمضي في المواجهة ضد حزب الله حتى النهاية، مضيفاً: "لدي 15 ألف مقاتل، ونحن قادرون على مواجهة الحزب الذي بات يعاني من ضعف كبير، نتيجة الأوضاع في لبنان وفي الإقليم"، وهو التصريح الذي نفاه حزب القوات اللبنانية، فيما لم يؤكده أو ينفيه جنبلاط.
وحسب التقرير فلقد قدّم جعجع قراءته السياسية، وفيها أنه مدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية، ومن السعودية والإمارات العربية المتحدة ودول أخرى. أما حزب الله، برأي جعجع، فيعاني ويقدّم التنازلات لأنه أضعف ممّا كان عليه يوماً.
لم يوافق جنبلاط جعجع على قراءته، حسب التقرير، وخرج من اللقاء مذهولاً من تقديرات القائد الذي لم يفُز بمعركة يوماً، حسب التعبير الوارد في التقرير والذي يتم التندر به أحياناً على جعجع من قبل خصومه.