زار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف دولاً مهمة في الشرق الأوسط محمَّلاً بحقيبة مليئة برسالة فريدة حول الأزمة الروسية- الأوكرانية وتداعياتها الجيوسياسية، ومن بين الدول التي زارها لافروف سلطنة عمان والجزائر.
في رحلة سريعة شملت البلدين بالنظر إلى ما يُشار إليها باسم "العمليات العسكرية الخاصة" في أوكرانيا وضغط العقوبات الغربية، والخوف من العزلة، فمن المهم لموسكو الحفاظ على علاقاتها التقليدية التي يعود عمرها لعدة سنوات مع شركائها في هاتين المنطقتين، بحسب تقرير لموقع Modern Diplomacy الأوروبي.
وداخل منطقة المغرب العربي، تظل الجزائر أحد شركاء موسكو الموثوق بهم، ولذلك أشار لافروف إلى أنَّ موسكو والجزائر متحدتان بعلاقات قوية وودية، مما يسلط الضوء على خطط تعزيز التعاون العسكري والتقني، ويضمن تجديد الاتفاقية الاستراتيجية (معاهدة) التي تهدف إلى الارتقاء بالعلاقات الثنائية.
ووفقاً لتقارير وزارة الخارجية، قال كبير الدبلوماسيين الروس في اجتماع مع نظيره الجزائري رمطان لعمامرة، إنَّ "العلاقات الودية سريعة التطور" تستوجب الحفاظ على مستوى عالٍ من التعاون لتوقيع "وثيقة استراتيجية جديدة بين الدول، التي ستعكس الجودة الجديدة لعلاقاتنا".
التقى الدبلوماسيان معاً في أوائل أبريل/نيسان، عندما زار لعمامرة موسكو ضمن وفد جامعة الدول العربية لإجراء مفاوضات بشأن أوكرانيا. وتشير التقارير إلى أنَّ الجزائر من بين الشركاء التجاريين الثلاثة الأساسيين لروسيا في إفريقيا. وإلى جانب التعاون الاقتصادي، تزعم موسكو والجزائر أنهما تحاربان الإرهاب معاً. وتقدم الجزائر مساهماتها في قاعدة البيانات الدولية لمكافحة الإرهاب التي تأسست بمبادرة روسية.
لافروف في الجزائر ماذا يريد؟
وفي 10 مايو/أيار، استقبل الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، لافروف، وأشار إلى أنَّ الجزائر تؤيد بناء شراكة شاملة أوسع وأقوى، خاصة مع التاريخ الطويل والقائم على مبادئ الصداقة والثقة، مع روسيا الاتحادية. وجدّد الوزير الروسي، خلال اللقاء، دعوة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون نيابةً عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإجراء زيارة رسمية لروسيا الاتحادية.
وتكتسب هذه التطورات أهمية خاصة هذا العام؛ إذ تحتفل روسيا والجزائر بمرور 60 عاماً على العلاقات الدبلوماسية. وسلّط الجانبان الضوء على العلاقات التجارية والاقتصادية سريعة النمو بين البلدين. والجزائر هي واحدة من أكبر الشركاء التجاريين لروسيا في القارة الإفريقية؛ إذ وصلت التجارة إلى 3 مليارات دولار في عام 2022. بالإضافة إلى ذلك، تعمل روسيا والجزائر معاً عن قرب في إطار "أوبك+" ومنتدى الدول المصدرة للغاز.
إضافة إلى ذلك، سلّطت التقارير الضوء على تطور التعاون العسكري التقني الذي له جذور راسخة وآفاق طيبة؛ إذ تُقدر موسكو الثقة التي وضعها الأصدقاء الجزائريون في مسألة تعزيز القدرة الدفاعية للجزائر. وهناك احتمالات جيدة لمواصلة هذا الاتجاه. إلى جانب ذلك، تهتم العديد من الشركات الروسية بتنفيذ مشروعات مشتركة مع شركاء جزائريين في مجالات الطاقة والموارد المعدنية والاستكشاف الجيولوجي والأدوية.
البقاء على الوضع القديم
وكانت رحلة لافروف تهدف إلى ضمان عدم وجود خطط لخرق التزاماتهم تجاه روسيا، لا سيما في مجال إمدادات النفط والغاز. بالإضافة إلى ذلك، سعت موسكو لإثبات أنها تواصل تركيز اهتمامها على الشرق الأوسط، حسبما كتبت الصحيفة الروسية المحلية Kommersant، في تقريرها الإخباري التحليلي والتقييمي.
ولم تنضم دول المنطقة إلى عقوبات الغرب ضد موسكو، لكنها قلقة من تأثير الصراع في الاستقرار الاقتصادي. تدرس دول الشرق الأوسط الفوائد التي يمكن أن تُستمَد من هذا الوضع.
يزور السياسيون الغربيون المنطقة واحداً تلو الآخر، على أمل إيجاد بدائل للنفط والغاز الروسيين. ووجد مُصدِّرا الغاز الرئيسيان، قطر والجزائر، نفسيهما في قلب دائرة الضوء. وتجري الدوحة بالفعل محادثات مع شركاء أوروبيين. أما بالنسبة للجزائر، فهي "لا تستطيع تقديم كميات إضافية من الغاز إلى أوروبا- والأهم من ذلك أنها لا ترغب في فعل هذا"، كما أشار مدير مركز الدراسات الإفريقية في المدرسة العليا للاقتصاد، أندري ماسلوف.
ماذا عن عُمان؟
وفي سلطنة عمان، عقد لافروف اجتماعات مع السلطان هيثم بن طارق آل سعيد ونائب رئيس الوزراء لدى شؤون مجلس الوزراء الخاص بسلطنة عمان فهد بن محمود آل سعيد. واستندت المباحثات المنفصلة إلى النطاق الكامل للعلاقات الروسية- العُمانية.
وأثنت اللقاءات على موقف السلطنة المتوازن والموضوعي من الأوضاع الإقليمية مثل التسوية السورية وعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية. ويمكن لسلطنة عمان، التي لم تغلق سفارتها في دمشق قط، أن تكون مفيدة في هذا الصدد.
وتسهم عمان بدورٍ مهم في تعزيز الاستقرار والأمن في منطقة الخليج؛ نظراً لأنَّ موقع مسقط المتوازن يجعلها منصة محايدة ومهمة لمختلف المبادرات الدبلوماسية. وهذا النهج له صدى مطلق مع مفهوم الأمن الجماعي الروسي لمنطقة الخليج العربي.
وأشار لافروف في تصريحاته إلى أنَّ عمان ودول مجلس التعاون الخليجي مثل السعودية والإمارات تضطلع بدورٍ إيجابي في دفع تسوية الأزمة اليمنية. وأضاف: "نحن متفقون بشأن وجوب بذل كل ما في وُسعنا لاستئناف المحادثات الفلسطينية- الإسرائيلية المباشرة وإيجاد طرق لحل هذا الصراع الطويل على أساس الحلول القانونية المقبولة دولياً والمتاحة".
زيارة لافروف إلى عمان لها أهمية كبيرة أيضاً. وفي هذا السياق، أشار الخبير الروسي في مجلس الشؤون الدولية كيريل سيمينوف: "لطالما سعت عمان إلى اتخاذ موقف خاص، وهي تتبنى رأياً خاصاً بشأن جميع القضايا. وهي أيضاً وسيط متمرس في الشؤون الإقليمية، بما في ذلك قضية اليمن والبرنامج النووي الإيراني".
وإجمالاً، اتضح أنَّ جولة لافروف في الشرق الأوسط جاءت في الوقت المناسب وسط تكهنات في وسائل الإعلام الإقليمية حول تراجع دور روسيا في الشرق الأوسط، ووجودها في سوريا. وأوضح سيمينوف: "تركز روسيا على الحفاظ على وجودها في المناطق التي تجدها حاسمة، خاصة بالقرب من قواعدها العسكرية في اللاذقية وطرطوس، وكذلك في المناطق التي تنص الاتفاقيات على وجود القوات الروسية فيها، ولا سيما مع تركيا. وفي أماكن أخرى، قد يكون الأمر متعلقاً بوجود مؤقت".
ويسعى العالم العربي أيضاً للسلام في أوكرانيا. في مطلع أبريل/نيسان، أعلنت جامعة الدول العربية استعدادها للمساهمة في حل سلمي بين روسيا وأوكرانيا، وأرسلت وفداً برئاسة الأمين العام للجامعة، أحمد أبو الغيط، إلى موسكو من الجزائر ومصر والأردن والعراق والإمارات والسودان.