جاء قرار الهند حظر صادرات القمح ليثير مخاوف من أزمة غذائية عالمية جراء تفاقم نقص القمح الذي حدث في الأصل بسبب الأزمة الأوكرانية، وهذا النقص في القمح سيكون من أكبر المتضررين منه عدد من الدول العربية التي تعد من المستوردين الأساسيين للقمح.
وأعلنت الهند في 14 مايو/أيار 2022، حظر تصدير القمح، وذلك بعد أيام قليلة فقط من قولها إنها تستهدف شحنات قياسية في عام 2022، حيث أدت موجة الحر القائظ إلى تقليص الإنتاج لترتفع الأسعار المحلية إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق.
لماذا اتخذت الهند القرار في هذا التوقيت الحرج؟
وتعد الهند ثاني أكبر منتج للقمح في العالم بعد الصين، ولكن تستهلك معظم القمح الذي تنتجه.
وكانت الحكومة الهندية قد أعلنت عن خطة مؤخراً لتصدير 10 ملايين طن هذا العام، وبدأت في إرسال وفود إلى عدد من الدول منها المغرب وتونس والجزائر ولبنان؛ لتسويق صادراتها من القمح، وبدأت في استقبال طلبات من دول لأول مرة تستورد القمح الهندي على الإطلاق، منها تركيا، ومصر التي تعد الدولة الأولى المستوردة للقمح في العالم.
وفاخر الإعلام الهندي بأن بلاده تمكنت من إنقاذ العالم من أزمة غذائية تسببت بها الحرب الروسية الأوكرانية، وهوجمت بعض وسائل الإعلام الغربية التي اتهمت الهند بالتخاذل عن تصدير المواد الدوائية في بداية الجائحة.
ثم جاء قرار الهند حظر تصدير القمح فجأة ليصدم العالم الذي تفاءل بالمنقذ الهندي.
وبررت الحكومة الهندية القرار بارتفاع أسعار القمح الهندي محلياً تأثراً بالأزمة العالمية جراء موجة الحر التي حطمت الرقم القياسي هذا الربيع، حيث كان مارس/آذار 2022 أكثر الشهور سخونة على الإطلاق في الهند منذ عقود، مما ألحق أضراراً بالمحاصيل في الهند وقلص إنتاج القمح بما يصل إلى الربع في بعض الحالات، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية.
وتسببت موجة الحر في خفض توقعات الإنتاج العام المقبل من 111 مليون طن إلى 95 مليون طن، لتواجه البلاد ارتفاعاً في أسعار القمح بنحو 20%، في وقت وصل مستوى التضخم إلى 7.79% وهو أعلى مستوى منذ أكثر من ثماني سنوات، وبدا أن البلد المصدر للقمح، قد يواجه أزمة في ارتفاع أسعاره محلياً، وصعوبة في حصول الطبقة الفقيرة عليه بسبب نقصه في الأسواق.
فمع اندفاع التجار لشراء المواد الغذائية لبيعها في السوق الدولية، كافحت الحكومة الهندية لتنفيذ عمليات شراء لبنك الطعام المحلي وبرنامج الحصص التموينية، وفقاً للباحثين الزراعيين الهنود والإحصاءات الحكومية.
وقال المسؤولون الهنود إنهم اتخذوا القرار بعد النظر في احتياجات الهند الخاصة واحتياجات الدول المجاورة. وقالت الوزارة إن الأمن الغذائي في الهند "معرض للخطر" بسبب ارتفاع الأسعار العالمية.
كيف سيؤثر قرار الهند حظر تصدير القمح على بقية العالم؟
تشير توقعات وزارة الزراعة الأمريكية، إلى أن إنتاج القمح العالمى انخفض لأول مرة منذ أربع سنوات خلال الموسم التسويقى الحالي، بمقدار 4.5 مليون طن هذا العام إلى 774.8 مليون طن بسبب ضعف المحاصيل فى أوكرانيا وأستراليا والمغرب. وذكرت وزارة الزراعة الأمريكية في تقرير منفصل أن إنتاج القمح في أوكرانيا قد ينخفض بنسبة 35% إلى 21.5 مليون طن عن العام السابق.
وقرار الهند- وهي ثاني أكبر منتج للقمح في العالم- قد يؤدي لمزيد من الارتفاع في أسعار القمح ويثير قلق صانعي السياسة، بعد أن كان يؤمل أن نيودلهي ستساهم في سد فجوة العرض في الأسواق الدولية التي خلفتها حرب روسيا على أوكرانيا.
وقبل الحرب الأوكرانية الروسية، شكلت كييف وموسكو ثلث صادرات القمح والشعير العالمية، في حين تراجعت الصادرات الأوكرانية بشكل كبير بعد العملية العسكرية الروسية في 24 فبراير/شباط إثر إغلاق موانئها وتدمير بنيتها التحتية المدنية وصوامع الحبوب، بحسب وكالة أسوشيتد برس.
وتعد الهند ثامن أكبر مصدر للقمح في العالم وتمثل 4.1% من إجمالي صادرات القمح العالمية في 2020-2021. أنتجت الدولة 109.6 طن متري من القمح في 2021-22، تم تصدير 8.2 مليون طن منها، ارتفاعاً من 2.6 مليون طن من الصادرات في 2020-2021، وفقاً لتقديرات وزارة الزراعة الأمريكية (USDA).
وقال تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية إن الهند تمتلك حوالي 10% من احتياطيات الحبوب في العالم، وفقاً لبيانات وزارة الزراعة الأمريكية، وهو فائض كبير ناتج عن دعمها الكبير لمزارعيها.
مودي وعد بايدن بإنقاذ العالم ثم غير كلامه
وبين كاتبا التقرير سمير ياسر وفيكتوريا كيم أن قرار الهند حظر تصدير القمح، الذي تم الإعلان عنه في إشعار وزارة التجارة الجمعة الماضي، كان بمثابة تغيير كبير عن الإعلان السابق لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي الذي أبلغ الرئيس الأمريكي جو بايدن في أبريل/نيسان الماضي أن بلاده مستعدة لتزويد العالم باحتياطياتها من القمح، كما حث منتجي القمح المحليين على اغتنام الفرصة قائلاً إن المسؤولين الهنود والمؤسسات المالية يجب أن يدعموا المصدرين.
وأضاف الكاتبان أن خبراء زراعيين قالوا إن استمرار الموجة الحارة وارتفاع درجات الحرارة قد يؤثران على موسم الحصاد هذا العام، وهو ما قد يكون عاملاً في تغيير الحكومة الهندية مسارها وفرضها حظراً على صادرات القمح.
وانتقد وزراء الزراعة في مجموعة السبع خلال اجتماع في شتوتغارت بألمانيا السبت الماضي، قرار الهند حظر تصدير القمح الذي يأتي في وقت تشهد فيه الأسواق العالمية توتراً كبيراً جراء النزاع في أوكرانيا.
وقال وزير الزراعة الألماني جيم أوزدمير بعد اجتماع مع نظرائه: "إذا بدأ الجميع بفرض مثل هذه القيود على الصادرات أو حتى إغلاق الأسواق فلن يؤدي ذلك سوى إلى تفاقم الأزمة وسيضر ذلك بالهند وبمزارعيها".
أكثر الدول تضرراً من حظر الهند لتصدير القمح
سيكون لقرار الهند حظر تصدير القمح تداعيات عالمية كبيرة؛ حيث من المقرر أن تتأثر العديد من البلدان النامية ذات الدخل المنخفض- وخاصة من آسيا والشرق الأوسط.
وقال تقرير من مؤسسة نومورا التجارية: "ستشعر البلدان النامية منخفضة الدخل بالتأثير بشكل غير متناسب، على الرغم من أن حكومة الهند تركت خيار التصدير مفتوحاً إلى الدول المعرضة للخطر".
ستكون بنغلاديش إذا شملها قرار الهند حظر تصدير القمح من بين أكثر الدول تضرراً حيث تمثل 55.9% من إجمالي صادرات القمح الهندية، تليها سريلانكا (7.9%) والإمارات العربية المتحدة (6.9%) وإندونيسيا (5.9%) واليمن (5.3%) والفلبين (5.1%). بحسب تقرير نومورا.
وقال التقرير: "في آسيا، تعتمد معظم الاقتصادات الأخرى على القمح المستورد للاستهلاك المحلي وهي معرضة لخطر ارتفاع أسعار القمح على مستوى العالم، حتى لو لم تستورد مباشرة من الهند".
وذكر التقرير أنه إذا أدى حظر القمح في الهند إلى ارتفاع أسعار بدائل مثل الأرز، فقد يكون هناك ضغط تصاعدي على أسعار المواد الغذائية الأخرى.
كيف ستتأثر الدول العربية؟
أبرز المستوردين العرب للقمح الهندي هما الإمارات وقطر، وهما دولتان قليلتا السكان، وثريتان، بالتالي فإن في مقدورهما إيجاد بدائل.
على الجانب الآخر، سوف تتأثر أغلب الدول العربية من جراء قرار الهند حظر تصدير القمح حتى لو لم تكن تعتمد على نيودلهي في توفير هذه السلعة الاستراتيجية.
فرغم أن أغلب الدول العربية لم تكن الهند تمثل مصدراً أساسياً لها لتوريد القمح، ولكن العديد منها كان يتطلع لنيودلهي لأن تكون بديلاً للقمح الروسي، وأفادت تقارير بأن بعض الدول العربية تتنافس على محاولة استيراد القمح من الهند بعدما تلقت وعوداً من نيودلهي في هذا الصدد.
وحظر الهند لتصدير القمح قد يكون بمثابة ضربة أخرى للمنظمات الدولية التي تعمل على مواجهة التهديد المتزايد لانتشار الجوع على نطاق واسع وفق تقرير لصحيفة نيويورك تايمز.
وتعتمد العديد من الدول العربية المنكوبة بالأزمات على المنظمات الدولية لتوريد القمح، وتعد اليمن التي تعاني أسوأ أزمة إنسانية في العالم نموذجاً فجاً لهذا الوضع.
مصر أكبر مستورد قمح في العالم راهنت على نيودلهي
لم تكن القاهرة مشترياً تقليدياً للقمح الهندي، ولكن بسبب أزمة أوكرانيا، أعلنت مصر أنها تبحث استيراد القمح من الهند كبديل مُحتمل عن كييف، بعدما أدى الهجوم الروسي على الأراضي الأوكرانية إلى عرقلة صادرات كييف وموسكو العالمية من الحبوب.
وتعاني مصر، من تأثير قفزة في أسعار الخبز والدقيق (الطحين)، بعد أن أغلق الهجوم الروسي لأوكرانيا منافذ الوصول إلى قمح البحر الأسود المنخفض السعر.
وتتجاوز واردات مصر من القمح الروسي 8 ملايين طن سنوياً، بينما تتجاوز 4 ملايين طن من أوكرانيا، تعادل ما بين 85 إلى 90% من احتياجاتها، ما يعني أن مصر بحاجة للبحث مبكراً عن مصادر أخرى تكون قادرة على توفير 13 مليون طن سنوياً بحد أقصى منها 4 ملايين طن تأتي من أوكرانيا يجب إيجاد بديل لهم بشكل سريع، فيما يمكنها مواصلة الاعتماد جزئياً على القمح الروسي.
والقمح الهندي بدأ في التوجه لها
وسبق أن أعلنت القاهرة عن زيارة وفد رسمي إلى الهند يوم 10 أبريل/نيسان لبحث استيراد القمح منها.
وقبل إعلان الهند حظر تصدير القمح، نقلت وكالة رويترز عن مصادر- لم تذكر اسمها- قولها إن مصر قد تشتري ما يصل إلى 12 مليون طن من القمح الهندي، وذكر أحد المصادر أن "الهند في موقف يمكنها من توريد نوعية عالية من القمح إلى مصر وتلبية متطلباتها بشأن الجودة".
بدوره، كان وزير التجارة والصناعة الهندي بيوش جويال، قد قال إنه اجتمع نهاية مارس/آذار 2022 مع وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية المصرية هالة السعيد في دبي، وناقشا "استعداد نيودلهي لتوريد قمح عالي الجودة" لمصر.
وسبق أن قالت وزارة التجارة الهندية، في بيان قبل قرار حظر تصدير القمح، إن نيودلهي "تجري مناقشات لبيع القمح للبوسنة والسودان ونيجيريا وإيران، بينما وصلت إلى مرحلة المفاوضات النهائية مع مصر لإمدادها بشحنات قمح".
ولكن حتى قبل إعلان الهند حظر تصدير القمح، أفادت تقارير بظهور بعض المشكلات في عملية تصدير القمح من نيودلهي لمصر، وعلى رأس هذه المشكلات تجاوز فحوصات الجودة المعقدة التي وضعتها السلطات المصرية، فضلاً عن كلفة الشحن العالية من الهند إلى مصر، والتي سوف تتسبب بدورها في نزع صفة القمح الرخيص عن القمح الهندي.
ولكن الإعلان الهندي جاء ليضيف مشكلات جديدة للقاهرة أكبر مستورد للقمح في العالم، وألقى بظلال من الشك حول نيودلهي كمصدر بديل لأوكرانيا.
هل تتأثر مصر بالقرار الهندي؟
قال أحمد العطار، رئيس الحجر الزراعي المصري السبت 14 مايو/أيار 2022، إنه عاد إلى مصر بعد زيارة للهند استغرقت 4 أيام لفحص شحنة قمح هندي لمصر بلغت 60 ألف طن، موضحاً أنها كانت الشحنة الأولى التي ستصل مصر.
وأوضح العطار، في تصريح نشرته وسائل الإعلام المصرية أن قرار الحظر الهندي يؤكد استمرار السماح بشحنات القمح التي صدر لها خطابات ائتمان بالفعل أو إلى البلدان التي تطلب الإمدادات "لتلبية احتياجات أمنها الغذائي".
واتفقت مصر على شراء 500 ألف طن من القمح من الهند، حسبما قال وزير التموين علي المصيلحي لوكالة Reuters.
تقارير عن استثناء الهند لمصر من القرار
وأعربت وزارة التجارة الهندية، الأحد، عن انفتاحها على تصدير القمح إلى البلدان التي تعاني من عجز غذائي على المستوى الحكومي، رغم القيود التي أعلنت مؤخراً.
وقال وزير التجارة الهندي بي في آر سبرامانيام، في مؤتمر صحفي، إن بلاده ستبقي الباب مفتوحاً أمام تصدير القمح إلى البلدان التي تعاني من عجز غذائي على المستوى الحكومي. وأضاف أن الحكومة ستسمح أيضاً للشركات الخاصة بالوفاء بالتزاماتها السابقة لتصدير ما يقرب من 4.3 مليون طن من القمح حتى يوليو/تموز المقبل.
وتجري مصر محادثات مع الهند بشأن الإعفاء من حظر تصدير القمح، حسبما قال أحمد العطار، رئيس الحجر الزراعي المصري.
وقال أحمد العطار، رئيس الحجر الزراعي المصري إن مصر لن تشعر بتأثير قرار الهند الآن بسبب موسم حصاد المحصول المحلي الجاري، مؤكداً أن خروج القمح الهندي من السوق العالمي سيؤدي إلى زيادة سعر المحصول العالمي نظراً لقلة المعروض، ويجب اتخاذ العديد من الإجراءات للتحوط من تلك الأزمة.
بينما بدا وزير التموين المصري علي المصيلحي أكثر ثقة في عدم تأثر بلاده بالقرار الهندي، إذ قال أمس الأحد إن أي اتفاقات تبرمها الحكومة المصرية لشراء القمح الهندي لن تتأثر بحظر التصدير الذي أعلنته نيودلهي، لأننا نتحدث معهم على أساس اتفاق حكومي، والحظر يستثني الحكومات بما في ذلك الحكومة المصرية".
وقالت الهند إنها ستظل تسمح بالصادرات المستندة بطلبات اعتماد صدرت بالفعل، والمبيعات إلى البلدان التي تطلب الإمدادات "لتلبية احتياجات الأمن الغذائي".
ويشير ذلك إلى أنه على الأقل الصادرات التي اتفقت عليها القاهرة لن يسري عليها الحظر، كما أن القاهرة سوف يصبح لها الأولوية في الاستيراد من الهند باعتبارها من الدول التي تعتمد على القمح في أمنها الغذائي، إضافة إلى أنها نفذت تعاقداتها عبر التعامل مع الحكومة الهندية.
القرار قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، وإليك البدائل للقمح الهندي
من المتوقع أن ترتفع أسعار القمح عالمياً بعد قرار الهند حظر تصديره، ومن الطبيعي أن يتأثر السوق المحلي المصري نتيجة هذا القرار.
ولكن تأمل مصر أن موسم حصاد القمح المحلي الجاري سيخفف من الأزمة حالياً، ولكن ستحتاج إلى التحوط ضد أزمة نقص الغذاء العالمي بعدة إجراءات محلية.
ويشتري مشترو الحبوب في مصر، الهيئة العامة للسلع التموينية، القمح عادة من خلال المناقصات الدولية، لكن المصيلحي قال في المؤتمر الصحفي، إن مجلس الوزراء وافق على عمليات شراء مباشرة من دول أو شركات.
وتجري مصر محادثات مع أستراليا وكازاخستان وفرنسا بشأن مثل هذه الصفقات، وهي الدول التي ستتجه أغلب الدول العربية لها على الأرجح لإيجاد بدائل للقمح الهندي، مما قد يشعل منافسة قد تتواجه فيها العديد من الدول العربية، بعضها في الأصل يعاني من أزمة مالية خانقة.
وأوضح العطار أنه من المتوقع أن يتم تعديل المواصفات القياسية للقمح المصري في الوقت الحالي؛ لمحاولة استيعاب دولة أو أكثر بديلة للهند لاستيراد القمح على المدى القصير، مؤكداً أنه لا بد من إجراءات لزيادة المحصول المحلي ورفع المساحة المزروعة محلياً، مقترحاً زيادة سعر توريد القمح من الفلاحين؛ لتشجيعهم على زيادة التوريد، مشيراً إلى أنه يتم توريد القمح من الفلاحين بـ5900 جنيه للطن، مقارنة بـ9000 جنيه للطن وفقاً للسعر العالمي، مما قد يؤدي إلى تهرب بعض الفلاحين من توريد القمح لهيئة السلع التموينية.