في ظل سعيه المحموم للترشح مجدداً للانتخابات الرئاسية الأمريكية بعد عامين من الآن، يسعى الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لتوسيع قاعدة مؤيديه ودعم مرشحين لانتخابات مجلس الشيوخ النصفية، المقرر عقدها في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل؛ مما يعطي ترامب المزيد من التحكم والسيطرة على مفاصل الحزب الجمهوري.
ترامب "صانع الملوك" ومانح صكوك التأييد للمرشحين
تقول صحيفة The Times البريطانية، إنه بينما كان الكاتب الأمريكي، جي دي فانس، يستعد لقضاء عطلة نهاية الأسبوع، جاءته أخيراً الأخبار السارة التي كان ينتظرها منذ شهور: لقد وافق ترامب على تأييد حملته الانتخابية ليصبح مرشح الحزب الجمهوري عن ولاية أوهايو في انتخابات مجلس الشيوخ.
بعد أن نال فانس صك التأييد من ترامب، تحوَّل من مرشحٍ بين عدة مرشحين إلى المرشح المفضل لحزبه في التنافس على المقعد المأمول في مجلس الشيوخ.
كان فانس يقبع في المركز الثالث بنسبة تأييد هزيلة بلغت بالكاد 11% حتى مارس/آذار، إلا أن استطلاع رأي أجرته شبكة Fox News حديثاً كشف عن صعود كبير لهذه النسبة وارتقائه بين قائمة المرشحين إلى نسبة تأييد بلغت 23%، ليصبح الآن المرشح الأقرب للفوز بترشيح الحزب الجمهوري في الانتخابات التمهيدية الجمهورية يوم الثلاثاء 3 مايو/آيار، ثم المنافسة على مقعد مجلس الشيوخ في انتخابات التجديد النصفي في شهر نوفمبر/تشرين الثاني القادم.
وقال مصدر قريب من حملة فانس الانتخابية للصحيفة البريطانية، إن مناصرة ترامب له كانت "كوقود الصواريخ" فقد حلَّقت بتأييد فانس داخل الحزب الجمهوري إلى مستوى غير معهود، و"قد لاحظنا زيادة فورية في التبرعات ونسب التصويت له والحماس لدعمه بين أنصار الحزب، وبدأت حشود المؤيدين تتوافد على مقر الحملة. لا شك لدينا في أن تأييد ترامب هو الصك السياسي الأقوى".
ترامب يصنع تحولاً كبيراً داخل الحزب الجمهوري
بلغ فانس بهذا التأييد ذروة تحوِّله من ناقدٍ لاذع لترامب إلى مرشح مخلص لحملة ترامب "أنقذوا أمريكا"؛ إذ يأتي ذلك بعد أن وصف فانس راعيه الحالي في عام 2016 بأنه "أحمق" و"جالب للمهالك" و"جديرٌ بالذم" وزعم أنه "قد يكون هتلر أمريكا"، أما الآن فهو مناصر حميم لترامب، ودليل بارز على مدى التحول الذي أحدثه ترامب في سياسة الحزب الجمهوري.
تشير مسيرة تحول فانس من مرشح مستبعَد إلى المرشح البارز بدعم ترامب إلى مقدار النفوذ غير المسبوق الذي بات يحوزه الرئيس الأمريكي السابق في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، وقد أصبح الآن "صانع الملوك" والآمر الناهي الذي يفرض نفوذه على ترشيحات الحزب في جميع أنحاء البلاد على نحو لم يضاهه رئيس سابق ولا قائم. والأمر الآن بين نجاحٍ لمساعيه يؤكد نفوذه وجدارته بالترشح للرئاسة مرة أخرى، وإما إخفاق يؤذن بانحسار هذا النفوذ شيئاً فشيئاً.
وتقول "التايمز" إن هذه ليست أول محاولة لترامب في السعي إلى التحكم في سياسة الحزب الجمهوري، فقد شهدت مدته الرئاسية دعمَه لمزيج متفاوت من المرشحين، بعضهم نجح مثل رون دي سانتيس، الذي فاز بمنصب حاكم ولاية فلوريدا في عام 2018 وبات الآن مؤهلاً لمنافسة ترامب نفسه على مقعد الترشيح للرئاسة، وبعضهم أخفق، مثل روي مور في انتخابات ولاية ألاباما في عام 2017، والذي نالت منه تهمة التحرش بالمراهقات وسقط سقوطاً ذريعاً في الانتخابات.
أما هذه المرة، فإن ترامب من منتجعه في مارالاغو منح صكوك التأييد لأكثر من 120 مرشحاً جمهورياً، مع رسالة دعم وشيك بمبلغ 5 آلاف دولار أمريكي، والشبيه الذي تستدعيه هذه التصرفات إلى الذهن هو سلوك زعماء المافيا في الأفلام الأمريكية. فقد توافد على ترامب مئات المرشحين لمناصب عليا ودنيا، من مدعي العموم الطامحين إلى عضوية مجلس الشيوخ، وقدموا إليه لتقبيل الخاتم ونيل التأييد من "الأب الروحي".
ما الغاية التي يسعى إليها ترامب بتحركاته الأخيرة؟
بحسب "التايمز"، يخشى أنصار الحزب الديمقراطي أن تكون غاية ترامب هي حشد المناصب الانتخابية بمناصريه، أو من يؤيدون على الأقل مظلوميته المهجوسة بأنه خسر انتخابات 2020 الرئاسية لأنها زُوِّرت، وبعض الديمقراطيين إنما يُرجعون الأمر إلى رغبة ترامب في الانتقام، لكن يراودهم أيضاً أن يكون المآل هو تعبئة الحزب الجمهوري بسياسيين يُقبلون على دعمه إذا حاول الانقلاب على نتيجة انتخابات أخرى في عام 2024.
يتحدث مراقبون عن هاجس آخر قد يكون دافعاً لتحركات ترامب، وهو الإطاحة بأبرز معارضيه في الحزب الجمهوري: ليز تشيني، ابنة نائب الرئيس السابق ديك تشيني، لا سيما أنها تمسكت بانتقاد شديد الحدة لمزاعم التزوير، وتبرأت من أعمال الشغب التي قادها أنصار ترامب بالكابيتول في يناير/كانون الثاني الماضي.
يستحوذ ترامب على النفوذ والمال، اللازمين لإحكام هيمنته على الناخبين الجمهوريين. وقد كفل له تزايد الدعم الشعبي تفوقاً واضحاً على حزبه في جمع التبرعات، ويكفي دليلاً على ذلك أنه بدأ عام 2022 بجمع 122 مليون دولار في صندوق دعمه السياسي، أي أكثر من ضعف المبلغ الذي جمعته "اللجنة الوطنية" الموكَّلة بجمع التبرعات في الحزب الجمهوري.
ولعل الأهم من ذلك، أن الدلائل تشير إلى أن ترامب يخطط للترشح للرئاسة مرة أخرى، وهو متيقن بأنه يستطيع بسهولة هزيمة جو بايدن أو نائبته كامالا هاريس. ويساعده نفوذه المتزايد في "صناعة ملوك" الحزب وقياداته في تعزيز قوته وتمديد شبكته من المناصرين والمُبايعين.
يبذل بايدن الجهود لمواجهة التضخم المتفشي، والهجرة غير الشرعية، والأزمة العامة في الحقبة التالية للوباء، وفي الوقت نفسه كان ترامب يتجهز لبلوغ غايته، وعندما سُئل في مقابلة مع برنامج TalkTV عن نيته حيال الترشح للانتخابات، أجاب: "لأسبابٍ تتعلق بتمويل الحملات وما إلى ذلك، لا يجوز لي الإجابة، ومع ذلك دعني أصارحك: أرى أننا سنُسعد الكثير من الناس. أحب بلدنا، و[أخشى] أن يكون في طريقه إلى الجحيم، إلا أنني أزعم أننا سنُسعد الناس".
مع ذلك، لفت بعض المراقبين إلى أن خطة الهيمنة على صناعة قيادات الحزب لتعزيز النفوذ فيه لا تخلو من المزالق، فقد يتعثر بعض المدعومين من ترامب في بلوغ مسعاهم، وحينها قد ينكشف ضعف في نفوذه داخل الحزب.
وأشار آخرون إلى أن ترامب، وإن كان محبوباً من مناصريه، فإن الآراء حوله تتفاوت بشدة بين عموم الناخبين. ويقول غلين بولغر، خبير استطلاعات الرأي بين أنصار الحزب الجمهوري، إن "الناخبين المتأرجحين الذين يقررون مصير الانتخابات يتطلعون دائماً إلى الأمام، ولا يعبأون كثيراً بالماضي. ومن ثم إذا أصر ترامب على هوسه بانتخابات عام 2020، ومزاعم تزويرها، سيكون ردهم عليه: (إنها أخبار تقادم عليها الزمن)"، حسب تعبيره.
كشفت مؤشرات أخرى عن اتجاه لدى بعض الناخبين الجمهوريين بتفضيل مرشح جديد في عام 2024. وقال استطلاع رأي حديث أجرته وكالة The Associated Press، إن 44% من الجمهوريين لا يريدون ترشح ترامب للرئاسة مرة أخرى، كما يميل بعض الناخبين الجمهوريين الآن إلى ترشيح حاكم ولاية فلوريدا رون دي سانتيس.