“تحول دبلوماسي كبير”.. ما الذي يدفع تركيا والسعودية لإصلاح علاقاتهما الآن بعد سنوات من الخصومة؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/04/29 الساعة 14:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/04/29 الساعة 14:04 بتوقيت غرينتش
لقاء محمد بن سلمان ورجب طيب أردوغان في السعودية/ getty images

أدى مقتل الكاتب الصحفي السعودي جمال خاشقجي، على يد عملاء سعوديين داخل قنصلية المملكة في إسطنبول عام 2018 إلى تحوُّل العلاقة المتوتِّرة والمزعزعة بالفعل بين تركيا والسعودية إلى انهيارٍ كامل.  وبعد نحو 4 أعوام، يبدو أن تركيا والمملكة السعودية تحاولان بناء جسرٍ والمُضيّ قُدُماً في علاقاتهما. فما الذي يدفعهما لذلك؟ 

تركيا والسعودية.. ماذا وراء التحوُّل الدبلوماسي الكبير في الشرق الأوسط؟ 

في أول رحلةٍ له إلى المملكة السعودية منذ خمس سنوات، احتضن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان واحتسى القهوة العربية التقليدية مع الملك سلمان قبل مأدبة عشاء رسمية ومحادثات مباشرة استمرت حتى الساعات الأولى من اليوم الجمعة، 29 أبريل/نيسان، كما تذكر صحيفة Washington Post الأمريكية.

وبحسب الصحيفة، فإن مكتب أردوغان لم يصدر أيَّ إعلانٍ مُسبَّق عن الزيارة. وفي مطار إسطنبول قبل مغادرته، قال أردوغان للصحفيين إن رحلته "ستفتح الأبواب لعصر جديد من علاقاتنا".

وقال: "يعيش حوالي 40 ألف مواطن تركي في المملكة السعودية بأعمالٍ أنشأوها، ويساهمون في الاقتصاد السعودي. بالنسبة لتركيا، تتمتع المملكة السعودية بمكانةٍ خاصة للتجارة والاستثمارات والمشاريع واسعة النطاق التي نفَّذها مطورونا لسنواتٍ عديدة بنجاح". 

يتزامن التوجُّه الدبلوماسي لتركيا مع أسوأ أزمة اقتصادية تشهدها البلاد منذ عقدين. يمكن أن يساعد وجود دول الخليج العربية الثرية كحلفاء في جذب الاستثمارات. وقد اتَّخذت تركيا خطواتٍ لتحسين العلاقات مع مصر وإسرائيل. 

بعد إصلاح العلاقات مع الإمارات، أعلنت أبوظبي عن صندوقٍ بقيمة 10 مليارات دولار لدعم الاستثمارات في تركيا، واتَّخذت خطوات أخرى لدعم الاقتصاد.

بلغ معدل التضخم الرسمي في تركيا 61%، بينما تراجعت قيمة الليرة نسبة 44% مقابل الدولار العام الماضي. لا تبشِّر هذه النسب بالخير لأردوغان، خاصةً أنه من المُقرَّر عقد الانتخابات في تركيا العام المقبل. 

يقول دبلوماسيون ومحللون إن المساعي الدبلوماسية الحثيثة مطلوبة لمساعدة تركيا على تخفيف الضغوط الاقتصادية والسياسية، وقال دبلوماسي غربي لوكالة رويترز البريطانية: "أردوغان رجل عملي، وتحركه الدوافع السياسية، واستطلاعات الرأي قد لا تصمد لصالحه لعام ما لم يتمكن من دعم الوظائف". وأضاف: "بالتالي هو يسعى جزئياً لصفقات وتمويل في السعودية، وخط تبادل (عملة) ربما بعشرة إلى 20 مليار دولار قد يكون أمراً يستحق العناء".

في غضون ذلك، تتمتَّع المملكة السعودية بعامٍ اقتصادي مزدهر مع توقُّع ارتفاع احتياطياتها الأجنبية. ومن المُتوقَّع أن تدر أسعار الطاقة المرتفعة على المملكة أكثر من 400 مليار دولار من العائدات هذا العام. بمعنى آخر، لدى المملكة السعودية رأس مالٍ للاستثمار في تركيا. 

ما مصلحة السعودية من التقارب مع تركيا الآن؟ 

بالنسبة للسعودية، يأتي تغيير موقف المملكة السعودية في الوقت الذي تسعى فيه إلى توسيع تحالفاتها في وقت تتوتَّر فيه العلاقات بين الرياض وواشنطن. 

لم يجر وليّ العهد حتى الآن مكالمة مباشرة مع الرئيس جو بايدن منذ أن تولَّى منصبه قبل أكثر من عام. طالب عددٌ من المشرعين من الحزب الديمقراطي، الذي ينتمي إليه بايدن، علناً بمزيدٍ من الصرامة مع المملكة السعودية. ووصفوا المملكة بأنها شريكٌ استراتيجي سيئ، لأنها تلتزم باتفاقٍ تقوده أوبك مع روسيا يقول منتقدون إنه أدى إلى تفاقم أزمة إمدادات النفط في ظلِّ الهجوم الروسي على أوكرانيا. 

أصبح توقيت المصالحة أكثر منطقية الآن. أنهت المملكة السعودية حظراً دام سنوات على قطر بسبب دعمها لجماعة الإخوان المسلمين وجماعات المعارضة الأخرى. على الرغم من استعادة العلاقات بين المملكة السعودية وقطر، لم تُصلَح هذه العلاقات مع حليف قطر الراسخ -تركيا- حتى الآن. 

من المُحتَمَل أن يكون الدافع الأقوى للمصالحة هو أن وليّ العهد يريد وضع حد نهائي لفضيحة مقتل خاشقجي التي ألقت بظلالها عليه وعلى سمعته. 

ظلَّ المستثمرون والسياسيون الغربيون البارزون بعيدين عن الرياض في أعقاب قتل خاشقجي، رغم أن بعضهم عاد منذ ذلك الحين للقيام بأعمالٍ تجارية مرةً أخرى في المملكة. 

ما هي التداعيات الأوسع نطاقاً الآن لهذا التقارب؟ 

تقول صحيفة The Independent البريطانية، إن المملكة السعودية والإمارات أصبحتا أكثر قلقاً من إيران، التي تتَّجه ببطءٍ نحو اتفاقٍ نووي مع الولايات المتحدة يمكن أن يرفع العقوبات الرئيسية من عليها. 

تنافست تركيا وإيران، رغم أنهما ليستا خصمين، في سوريا والعراق، مع الحفاظ على علاقاتٍ اقتصادية وحدودٍ مشتركة. وقد يؤدي تحالف تركيا الوثيق مع السعودية ودول الخليج إلى زيادة الضغط على إيران. 

ويمكن أن يؤدي الانفراج أيضاً إلى نزع فتيل التوترات في ليبيا، حيث اندلعت معارك بالوكالة بين الإمارات وتركيا. ويمكن أن يؤدي إلى مزيد من تبني نهج سياسي خارجي أكثر براغماتية من قبل دول الخليج العربية ويساعد في تخفيف العزلة الدبلوماسية التي واجهتها تركيا عن بعض الدول الغربية. 

ومع ذلك، من شبه المؤكد في النهاية أن انعدام الثقة سيظهر تحت السطح بين وليّ العهد السعودي وأردوغان، كما تقول الصحيفة البريطانية.

كيف كانت تركيا تضغط على وليّ العهد؟ 

أثارت السلطات التركية موجة الغضب والشكوك العالمية الموجهة للأمير محمد. ونشرت تركيا تسجيلاً صوتياً لعملية القتل المروِّعة إلى وكالات الاستخبارات الغربية. وخلُصَت الاستخبارات الأمريكية في وقتٍ لاحق إلى أن العملية لم تكن لتحدث بدون موافقة وليّ العهد، الذي بدوره نفى أيَّ تورُّطٍ له. 

وبينما لم يتَّهم أردوغان وليّ العهد السعودي بالاسم، قال إن عملية قتل خاشقجي تمَّت بأوامر من "أعلى المستويات" في الحكومة السعودية. وكان خاشقجي قد دخل القنصلية في أكتوبر/تشرين الأول 2018 في موعدٍ من أجل الحصول على أوراقٍ تسمح له بالزواج من خطيبته التركية التي كانت تنتظره في الخارج. لم يخرج ولم يُعثَر على جثته حتى اليوم.

وفي مقالٍ نشرته صحيفة Washington Post، تساءل أردوغان: "أين جثة خاشقجي؟ من أعطى الأمر بقتل هذه الروح الطيبة؟ للأسف، رفضت السلطات السعودية الإجابة عن هذه الأسئلة". 

رفعت تركيا قضية مفتوحة ضد 26 مشتبهاً سعودياً غيابياً، ولكن قبل ثلاثة أسابيع من وصول أردوغان للمملكة السعودية، أوقف المدَّعي العام التركي القضية عن طريق إحالتها إلى المملكة، التي لديها بالفعل محاكمةٌ تُوجَّه إليها انتقاداتٌ واسعة، فيما لم تتم إدانة أيُّ مسؤولٍ أشرف على العملية بعد، بحسب الصحيفة الأمريكية.

تحميل المزيد