في مشاهد تعيد للأذهان ما حصل خلال شهر رمضان الماضي خلال عام 2021، شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي هجوماً عنيفاً وغير مسبوق على مئات المصلين المعتكفين داخل مصليات المسجد الأقصى، وقامت بعد صلاة فجر الجمعة 15 أبريل/نيسان 2022 بتحطيم بوابات المصلى القبلي ونوافذه وإطلاق قنابل الصوت والغاز والرصاص المطاطي على المرابطين بداخله، قبل أن تنجح بدخوله وتدنيسه واعتقال الشبان الفلسطينيين، الذين اشتبكوا مع شرطة الاحتلال وحاولوا منعها من الدخول.
يأتي هذا الهجوم الذي أسفر عن مئات الإصابات والاعتقالات في صفوف المرابطين، تزامناً مع دعوات المستوطنين المتطرفين لاقتحام المسجد الأقصى وتقديم ما يسمى "قرابين الفصح" في باحاته خلال أيام "عيد الفصح العبري" التي تبدأ مساء الجمعة وتمتد لثمانية أيام.
فهل يتكرر سيناريو رمضان 2021 وتنفجر المواجهة مجدداً بعد تحذير المقاومة الفلسطينية لحكومة الاحتلال من السماح للمتطرفين بتنفيذ مخططاتهم داخل المسجد الأقصى؟
هل تمهِّد شرطة الاحتلال الطريق أمام "جماعات الهيكل" لاقتحام المسجد الأقصى؟
يقول د.عبد الله معروف أستاذ دراسات بيت المقدس ومسؤول الإعلام والعلاقات العامة السابق بالمسجد الأقصى المبارك، إن ما حدث فجر الجمعة يعد في غاية الخطورة من ناحية الشكل والوقت والمضمون، حيث أظهر الاقتحام العنيف واستعداد الاحتلال المبكر لتفريغ الأقصى من آلاف المصلين الذين أدوا صلاة الفجر فيه، أن الاحتلال على الأرجح لديه نية مبيتة لتفريغ المسجد من المصلين والمعتكفين، لتمرير مخطط المستوطنين المتطرفين بتقديم "قربان الفصح" داخل باحات المسجد، كما هدَّدوا بذلك منذ بداية شهر رمضان.
يقول معروف لـ"عربي بوست"، إن هذا الأمر له سابقة في التاريخ الحديث، ففي عام 2019، كانت حكومة الاحتلال قد أعلنت عدة مرات نيتها بعدم السماح للمستوطنين باقتحام المسجد الأقصى في يوم عيد الأضحى المبارك، الذي تزامن حينها مع مناسبة دينية للجماعات اليهودية المتطرفة، لكن الذي حصل أن المصلّين فوجئوا باقتحام أعداد كبيرة من شرطة الاحتلال للمسجد بعد أداء صلاة العيد لإخلائهم بالقوة منه، وذلك تمهيداً لاقتحام الجماعات المتطرفة للأقصى بحماية الشرطة، وبالتالي تبين أن كل ما كانت تقوم به حكومة الاحتلال بقيادة بنيامين نتنياهو حينها، هو مناورة لتضليل الفلسطينيين والسماح بالنهاية للمتطرفين بالاقتحام.
وبالتالي، يقول معروف إن "ما شهدناه اليوم الجمعة من اقتحام بأعداد كبيرة من شرطة الاحتلال للمسجد صباح هذا اليوم وقمع المصلين والمرابطين، يبين أنه قد يكون لدى الاحتلال نية مبيتة للسماح للمتطرفين بتقديم القرابين داخل باحات المسجد، لذلك أنا أخشى أنه بعد هذا التمهيد من شرطة الاحتلال، أن تحاول (جماعات الهيكل) إدخال قرابين الفصح إلى المسجد أو ذبحها خارجه وجلب دمها ونثره في ساحات الأقصى سراً".
من جانبه، يقول الباحث في الشؤون الإسرائيلية محمود مرداوي لـ"عربي بوست"، إن الاقتحام هذه المرة جاء دون أي مبرر أو ذريعة يتذرع بها الاحتلال إلا منع المصلين والمعتكفين من التواجد داخل المسجد، وبالتالي فإن سلطات الاحتلال تقوم بالتحضير لما تخطط له وتنتويه، لأنه خالف كل ما تعهدت به للوسطاء بشكل مستمر حول أنها لن تقوم بأي إجراءات معادية تضيق على الفلسطينيين في القدس، وأنها ستمنع المتطرفين من الاقتحام.
لكن ما حصل بحسب مرداوي هو العكس، حيث اقتحمت قوات الاحتلال المسجد الأقصى وقامت بتدنيسه واعتدت بشكل وحشي على المصلين وخالفت كل ما وعدت به للوسطاء في سياسة خطيرة، تنذر بالسماح لجماعات الهيكل المتطرفة باقتحام المسجد الأقصى.
هل يتكرر سيناريو رمضان 2021 وتنفجر المواجهة؟
في السياق، يحذر خبراء من أن المواجهة التي وقعت في رمضان الماضي 2021 بعد اقتحامات المسجد الأقصى من قبل شرطة الاحتلال والمستوطنين والاعتداء على المصلين والمرابطين، وما سبقها من محاولات لإخلاء حي الشيخ جراح في القدس من ساكنيه، قد تتكرر خلال شهر رمضان هذا العام، لأن الأسباب التي أدت للمواجهة تتكرر الآن.
واندلعت "معركة سيف القدس" في منتصف شهر رمضان الماضي بين المقاومة الفلسطينية ودولة الاحتلال، حيث كانت حركة حماس قد حذرت حكومة بنيامين نتنياهو من استمرار الانتهاكات في القدس، وأعطت الجيش الإسرائيلي مهلة ساعة للخروج من المسجد الأقصى وحي الشيخ جراح وإلا فسوف ستندلع الحرب.
ومع انتهاء المهلة في تمام الساعة السادسة مساءً في يوم 10 مايو/أيار 2021، بدأت المقاومة بإطلاق رشقات صواريخ مكثفة على إسرائيل، لتشن حكومة الاحتلال حرباً جوية على القطاع استشهد فيها نحو 200 فلسطيني، فيما قتل نحو 13 إسرائيلياً في الهجمات الصاروخية للمقاومة التي طالت مناطق جديدة داخل كيان الاحتلال، قبل أن تنتهي الحرب بوساطة مصرية، في 21 من الشهر ذاته.
وحذرت فصائل المقاومة الفلسطينية الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه، هذا الأسبوع، من "اللعب بالنار" والإقدام على اقتحام المسجد الأقصى وتدنيسه وذبح "القرابين" فيه ضمن ما يسمى "عيد الفصح"، مؤكدةً في بيان لها، أنه "على قيادة العدو أن تتحمل المسؤولية كاملة عن تداعيات هذه الخطوة التهويدية الخطيرة، التي ستكون إن وقعت بداية أيام سوداء للاحتلال ومستوطنيه".
وشدّدت الفصائل الفلسطينية، على أن "جرائم الإعدام بدم بارد التي يرتكبها جنود الاحتلال بحق المواطنين، ستواجه بتصعيد المواجهة مع المحتل في كل الميادين، موضحة أن المعركة مع الاحتلال مفتوحة وشاملة في كل ساحات فلسطين".
"قد نكون أمام مواجهة أعنف من التي رأيناها في رمضان 2021"
ويرى أستاذ دراسات بيت المقدس عبد الله معروف أن ما سيحدد إذا ما كانت المواجهة والحرب التي وقعت في رمضان 2021، ستكرر هذا العام، هو ما سيقدم عليه الاحتلال حكومة وجماعات متطرفة، وكذلك أداء الشارع الفلسطيني في التصدي لهذه الإجراءات في القدس، فإذا حاولت هذه الجماعات القيام بتقديم "القرابين" داخل الأقصى وتنفيذ ما تخطط له، فإن الشعب الفلسطيني لن يترك ذلك يمر مرور الكرام دون رد فعل عاصف وكبير.
مشيراً إلى أن خطورة ما تخطط له "جماعات الهيكل" بتقديم القرابين داخل باحات المسجد الأقصى، يكمن في أنها آخر خطوة يجب القيام بها قبل البدء ببناء ما يسمى "المعبد أو الهيكل" في المسجد الأقصى المبارك حسب رؤية هذه الجماعات.
ولذلك، بحسب معروف، فإن هذا الأمر سيكون بمثابة إعلان واضح بتغيير الوضع القائم بالمسجد الأقصى المبارك، وهو ما كانت هذه الجماعات تحاول القيام به بشكل جزئي العام الماضي، مما يعني أننا سنكون أمام مواجهة كبيرة جداً في القدس والأراضي المحتلة، أعتى وأعنف من التي رأيناها العام الماضي.
من جهته يقول الباحث مرداوي إن قرار الدفاع عن المسجد الأقصى والمقدسات اتخذ أول أمس من قبل قيادة المقاومة الفلسطينية بالإجماع، قبل يومين من حادثة اقتحام الأقصى، حيث حذرت المقاومة الاحتلال من "اللعب بالنار" عبر السماح للمستوطنين باقتحام المسجد وتقديم "قرابين الفصح" فيه.
مضيفاً أن المقاومة تدير معركة مع الاحتلال بأشكال متعددة ومختلفة، وبالتالي فإن قرار المواجهة وردع العدو قد اتخذ، وشكله ونوعه يخضع لتقديرات المقاومة.
حيث يرى الباحث الفلسطيني في الشأن الإسرائيلي أن "جبهة المواجهة مع الاحتلال ليست عسكرية فحسب، بل تسير في مسارات متعددة، رغم أن قرار المواجهة الميدانية جاهز ولا أعتقد أن المقاومة ستتأخر في تفعيله من أجل ردع الاحتلال عن جرائمه. وفي الوقت نفسه، لا يوجد خطوط حمراء أمام المقاومة والشعب الفلسطيني من أجل الدفاع عن المقدسات والإنسان الفلسطيني وأمنه ومستقبله".