ما الدول الأكثر استفادة من الأزمة الأوكرانية في الشرق الأوسط؟، مجموعة من خبراء السياسة في المنطقة أجابوا عن هذا السؤال، في مسح نشرته صحيفة The Washington Post الأمريكية حول تأثيرات أزمة أوكرانيا بالشرق الأوسط.
وفيما يتعلق بنفوذ القوى العظمى في المنطقة وكيف سيتغير هذا النفوذ جراء تأثيرات أزمة أوكرانيا بالشرق الأوسط، كشف المسح الذي أجراه خبراء أكاديميون في الشرق الأوسط أنَّ هجوم روسيا على أوكرانيا أضعف مكانتها في الشرق الأوسط، لصالح الصين في المقام الأول.
ويعتقد عدد كبير من المشاركين في الاستطلاع أنَّ الهجوم عزز مكانة الولايات المتحدة في المنطقة بدلاً من إضعافها.
هذه ليست سوى بعض النتائج التي توصلت إليها الموجة الثالثة من استطلاع أجراه مشروع The Middle East Scholars Barometer (مقياس علماء الشرق الأوسط)، التابع لجامعة ميريلاند الأمريكية، الشهر الماضي. وشارك في الاستطلاع ما يقرب من 600 باحث من تخصصات متعددة، من بينهم أعضاء في الجمعية الأمريكية للعلوم السياسية، وجمعية دراسات الشرق الأوسط، والجمعية الأمريكية التاريخية.
أبرز تأثيرات أزمة أوكرانيا بالشرق الأوسط هو تراجع نفوذ روسيا
58% من المستطلعين أعربوا عن اعتقادهم أنَّ الأزمة ستضعف مكانة روسيا في الشرق الأوسط، بينما توقع 33% فقط أنها ستعزز موقعها الإقليمي.
وفي المقابل، رأى كثيرون أنَّ الصين هي المستفيد الواضح من هذا الصراع: إذ يعتقد 63% أنَّ الأزمة عززت مكانة بكين في المنطقة، و5% فقط توقعوا أن تؤدي تأثيرات أزمة أوكرانيا بالشرق الأوسط إلى إضعاف نفوذ الصين.
وتحدثت نسبة 40% عن تزايد قوة موقف الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بسبب العملية العسكرية في أوكرانيا، بينما توقع 34% ألا يكون لها تأثير حقيقي على مكانة الولايات المتحدة.
وإليك أبرز الرابحين من بين دول المنطقة
أكبر الرابحين من الأزمة حتى الآن هم قطر وفقاً لنتائج الاستطلاع (50% من المشاركين في الاستطلاع يقولون إنَّ الأزمة تعزز تحالفها مع الولايات المتحدة، و10% فقط يقولون إنها تضعفها)، وتركيا (61% يقولون إنَّ الأزمة تقوي التحالف مع الولايات المتحدة و15% فقط تضعفه).
ويبدو أنَّ هذا يعكس تقديراً لدور قطر في توفير الغاز الطبيعي لأوروبا لتعويض تأثير العقوبات على روسيا، وتوفير تركيا طائرات بدون طيار للجيش الأوكراني، إلى جانب قيامها بالوساطة بين موسكو وكييف.
على الجانب الآخر، توقع 36% من المُستطلَعة آراؤهم أن تؤدي الأزمة الأوكرانية إلى إضعاف العلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. ويعكس ذلك على الأرجح الاتهامات المتبادلة التي حظيت بتغطية إعلامية كبيرة، حيث أعرب هذان الحليفان عن استيائهما من إهمال الولايات المتحدة المتصور لمصالح البلدين، بينما اشتكت الولايات المتحدة من عدم دعمهم لأوكرانيا في الأزمة.
ورفض الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي والشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي (الرجل القوي بالإمارات)، تلقّي مكالمة هاتفية من بايدن حول ملف الأزمة الأوكرانية، حسبما نقل تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية عن مصادر قبل أسابيع.
وقالت الصحيفة في تقريرها: "إن مسؤولين من الشرق الأوسط والولايات المتحدة قالوا إن البيت الأبيض حاول دون جدوى، ترتيب مكالمات بين الرئيس بايدن والزعماء الفعليين للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، حيث كانت الولايات المتحدة تعمل على بناء دعم دولي لأوكرانيا واحتواء ارتفاع أسعار النفط".
ولفتت الصحيفة إلى أن "كلاً من الأمير محمد والشيخ محمد تلقّيا مكالمات هاتفية من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد رفضهما التحدث مع بايدن، ثم تحدث كلاهما في وقت لاحق مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي".
إسرائيل لن تتضرر من موقفها الحذر
ومع ذلك، هناك توقع أقل بأنَّ الأزمة ستؤثر في العلاقات الأمريكية مع إسرائيل؛ إذ يتوقع 56% من المشاركين في الاستطلاع أنَّ الحذر الإسرائيلي من الأزمة لن يكون له تأثير حقيقي في العلاقات.
ولم تنضم تل أبيب إلى الدول التي فرضت عقوبات على موسكو والتي نفذتها الدول الغربية، وعدد من حلفائها مثل اليابان.
إذ أجبرت الحرب الروسية الأوكرانية إسرائيل على السير على حبل مشدود، فأوكرانيا هي شريك اقتصادي مهم لتل أبيب في قطاعَي الزراعة والتكنولوجيا، كما أنها موطن لعشرات الآلاف من اليهود، كلا البلدين عضو في المجال الاجتماعي والسياسي الغربي، وأشارت أوكرانيا إلى استعدادها للاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، على الرغم من حقيقة أن المدينة تتمتع بوضع محتل وفقاً للأمم المتحدة.
ويعلم الجميع أن روسيا كانت شريكاً محورياً لإسرائيل في سوريا، فيما يتعلق بتنسيق الضربات الجوية الإسرائيلية ضد الأهداف الإيرانية والحليفة لطهران. وعلى مدى سنوات كانت إسرائيل تغازل روسيا فلاديمير بوتين، حيث أقامت علاقات وثيقة للغاية مع الحفاظ على تحالفها الاستراتيجي مع أهم متبرع لها: الولايات المتحدة.
الآن تجد إسرائيل نفسها محاصرةً بين المصالح والمواقف العالمية المتناقضة، مترددة في اتخاذ خيار واضح.
وفي محاولة أخيرة لتجنب حسم موقفها بطريقة أو بأخرى، حيث تحتشد الغالبية العظمى من الرأي العام الغربي وراء القضية الأوكرانية، حاولت إسرائيل تصوير نفسها على أنها وسيط نزيه بين موسكو وكييف، مدعية أن لديها مصالح خاصة واحتياجات فريدة.
وفي الآونة الأخيرة، اتصل رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت بكل من نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وبوتين.
وتخشى المؤسسة العسكرية والأمنية والدبلوماسية الإسرائيلية من أنه إذا انضمت البلاد إلى العالم في إدانة العدوان الروسي، وتتبع الغرب في فرض عقوبات على الشركات والبنوك والقلة الروسية، فسوف تجلب على نفسها حنق بوتين في سوريا وخارجها.
هل تضرر إيران من تأثيرات أزمة أوكرانيا بالشرق الأوسط؟
وحول انعكاسات أزمة أوكرانيا على المحادثات النووية الإيرانية. اعتقد 42% من الباحثين أنَّ الأزمة الأوكرانية قلّلت من احتمالية نجاح الولايات المتحدة وإيران في إحياء الاتفاق النووي الإيراني، مقارنةً بـ32% فقط ممن اعتقدوا أنَّ الصراع قد يحسِّن احتمالات الصفقة بينهما. وشعرت الأغلبية (67%) أنَّ اتفاقاً نووياً مع إيران بعد تجديده سيقلل من فرص حصول إيران على سلاح نووي في السنوات العشر المقبلة.
ووجهت إيران انتقاداً نادراً إلى روسيا، بعدما طلبت الأخيرة قبل أسابيع ضمانات مكتوبة من واشنطن اعتبرتها طهران ذريعة روسية لعرقلة المفاوضات النووية التي أوشكت على الوصول لاتفاق، وسط حديث عن أن موسكو لا تريد إحياء الاتفاق النووي لعرقلة عودة طهران لتصدير النفط والغاز، باعتبار أن أزمة الطاقة هي واحدة من أقوى الأدوات في يد موسكو للضغط على الغرب.
ويأتي ذلك في وقت يبدو فيه احتمال التوصل إلى اتفاق أقرب من أي وقت مضى، كما أن الولايات المتحدة تبحث عن بدائل للنفط والغاز الروسيين، خاصة لأوروبا حتى لو كان البديل لدى خصومها مثل فنزويلا.
والمفارقة أن إيران قد تكون الأقدر على تعويض أي حظر على تصدير النفط الروسي، وهذا على ما يبدو ما يجعل موسكو تريد عرقلة سير المفاوضات النووية في اللحظة التي اقتربت من إحياء الاتفاق النووي الإيراني.
وجعل ذلك رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت قلقاً جداً من إتمام الاتفاق، وقال إن بلاده لن تكون ملزمة به.
كيف ينظر الباحثون إلى الصراع الإسرائيلي الفلسطيني؟
تم طرح نفس الأسئلة حول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في كل من الجولات الثلاث للاستطلاع. ويستمر التشاؤم حول حل الدولتين في الازدياد: 61% لم يعودوا يرون إمكانية حل الدولتين، مقارنة بـ52% في فبراير/شباط 2021 و57% في سبتمبر/أيلول 2021.
في الوقت نفسه، يصف 60% الواقع الحالي بأنه "دولة واحدة شبيهة بالفصل العنصري". وهذا أعلى قليلاً من استطلاع فبراير/شباط 2021 (59%) وأقل من استطلاع سبتمبر/أيلول 2021 (65%). قد يكون الارتفاع المفاجئ في استطلاع سبتمبر/أيلول انعكاساً لتقرير منظمة هيومن رايتس ووتش الذي حظي بتغطية إعلامية واسعة، والذي وصف الممارسات الإسرائيلية بأنها "فصل عنصري" وحرب مايو/أيار 2021 على غزة.
ماذا عن الاستقرار المستقبلي في المنطقة؟
ما لا يزيد عن 6% من العلماء رأوا عدم الاستقرار أمراً مرجحاً للغاية على مدى السنوات الخمس المقبلة في مصر أو الأردن أو المملكة العربية السعودية أو تركيا أو إيران. ومع ذلك، فإنَّ الثقة في هذا الحكم تبدو ضعيفة نسبياً: 39% يرون أنَّ عدم الاستقرار مرجح إلى حد ما في مصر تحديداً.
قبل عقد من الزمان، تعرض علماء السياسة في الشرق الأوسط لانتقادات لفشلهم في توقع الانتفاضات العربية ولإفراطهم في الثقة في الاستقرار السلطوي العربي.
وتساءل تقرير الصحيفة الأمريكية: هل يقع الخبراء الذين شملهم الاستطلاع الآن في نفس الفخ- أم أنهم يرون شيئاً حقيقياً بشأن الاحتمالات المنخفضة في المنطقة لموجة جديدة من الاحتجاجات؟
بايدن أفضل أم ترامب
لا يبدو الخبراء الأكاديميون ميالين إلى اعتبار أن إدارة بايدن أعادت ضبط سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بشكل كاف. ويقول 6% فقط إنها أسوأ من إدارة ترامب. لكن 39% يقولون إنَّ السياسة الأمريكية في المنطقة لم تتغير تغيراً كبيراً، و12% فقط يصفونها بأنها "أفضل بكثير".
تخفي الآراء الفاترة اختلافات مهمة في قضايا محددة. فقد حصل تعامل بايدن مع القضية الإسرائيلية الفلسطينية على أعلى الدرجات السلبية: 7% فقط ينظرون إلى سياساته نظرة إيجابية. لكن 68% لديهم وجهة نظر إيجابية بشأن طريقة تعامله مع الاتفاق النووي الإيراني. إذا فشل ذلك، فإنَّ الكثيرين في مجتمع الخبراء الأكاديميين في الشرق الأوسط سيكون لديهم القليل من الأشياء الإيجابية لقولها حول السياسة الأمريكية الحالية في المنطقة.