هل روسيا معزولة دولياً بعد عقوبات الغرب غير المسبوقة؟ كلا، وهذا هو السبب الحاسم

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2022/04/10 الساعة 11:26 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/04/11 الساعة 07:51 بتوقيت غرينتش
صيدليات روسيا تعاني من نقص في الأدوية - Getty Images

فرضت الدول الغربية، بقيادة الولايات المتحدة، عقوبات على روسيا ربما لم تتعرض لها دولة أخرى، ولا حتى كوريا الشمالية، خلال فترة زمنية قصيرة، والهدف معاقبة موسكو وإجبارها على وقف الهجوم على أوكرانيا.

لكن الهجوم الروسي على أوكرانيا، الذي يصفه الرئيس فلاديمير بوتين بأنه عملية عسكرية خاصة، بينما يعتبره الغرب بزعامة الرئيس الأمريكي جو بايدن غزواً غير مبرر، لا يزال مستمراً للأسبوع السابع، ولا يبدو أنه قد يتوقف سوى بقرار روسي، فهل حققت العقوبات الغربية هدفها الآخر، وهو عزل روسيا تماماً؟

صحيفة Washington Post الأمريكية نشرت تحليلاً بعنوان "ما مدى عزلة روسيا حقاً؟"، رصد مدى تأثير العقوبات الغربية على موسكو بشكل فعلي، بعد أن انتقلت روسيا، نتيجةً لهجومها على أوكرانيا، لدولة معزولة عن العالم. في غضون أسابيع، وتحولت من اقتصاد متكامل للغاية إلى واحدة من أكثر البلدان التي تُفرَض عليها العقوبات في العالم، وتذهب الحكومات الغربية إلى حدِّ تخريب السياسات والتقاليد القديمة لإرسال الأسلحة والمعدات الأخرى إلى أوكرانيا.

كان فرض العقوبات الغربية على روسيا قد بدأ منذ أعلن الرئيس فلاديمير بوتين، الأحد 21 فبراير/شباط 2022، الاعتراف باستقلال لوغانسك ودونيتسك في إقليم دونباس الأوكراني، وتصاعدت وتيرة تلك العقوبات وحِدّتها وشمولها مع بدء الهجوم على أوكرانيا، الخميس 24 فبراير/شباط.

وصوَّتَ أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة مرتين لإدانة الهجوم الروسي. وحفنةٌ فقط من الدول، بما في ذلك دول منبوذة مثل كوريا الشمالية وإريتريا، هي التي انحازت إلى روسيا.

تمادت الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى أبعد من ذلك يوم الخميس، 7 أبريل/نيسان، حين صوّتَت على استبعاد روسيا من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. كانت هذه هي المرة الثانية فقط في تاريخ المجلس التي تُعلَّق فيها عضوية أحد أعضائه البالغ عددهم 47، بعد إطاحة ليبيا في عام 2011.

ما مدى عزلة روسيا في الجمعية العامة للأمم المتحدة؟ 

خضعت روسيا لثلاثة تصويتات في الجمعية العامة منذ هجومها على أوكرانيا. في كلِّ حالة، عارضها غالبية المصوِّتين من أعضاء الأمم المتحدة.

في 2 مارس/آذار، صوَّت 141 من أصل 193 عضواً في الجمعية العامة لصالح قرار يدين الهجوم الروسي ويطالب بالانسحاب الكامل.

القرار الذي رعته أكثر من 90 دولة وصل بسهولة إلى أغلبية الثلثين المطلوبة لإقراره، خمس دول فقط صوَّتَت ضده، بيلاروسيا وإريتريا وكوريا الشمالية وسوريا وبالطبع روسيا.

وفي تصويت ثانٍ في 24 مارس/آذار، خرجت 140 دولة لدعم قرار مماثل، وصوَّتت الدول الخمس نفسها ضد القرار أيضاً.

مثل هذه القرارات غير ملزمة، على الرغم من أنها يمكن أن تعكس في كثيرٍ من الأحيان وزن الرأي العام، ولكن بينما صوَّتت الغالبية العظمى من الدول لصالح هذا القرار، امتنعت العديد من الدول الكبرى -بما في ذلك الهند والصين- عن التصويت، كانت هذه الدول مجتمعةً تمثِّل غالبية سكان العالم.

مجلس حقوق الإنسان روسيا الأمم المتحدة
الجمعية العامة للأمم المتحدة/ getty images

وأُجرِيَ تصويتٌ ثالث في 7 أبريل/نيسان، بعد مزاعم جديدة بشأن مقتل مدنيين في أوكرانيا، فيما يتعلَّق بعضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان. وصوَّتت الجمعية العامة بـ93 صوتاً مقابل 24 على تعليق عضوية روسيا في الهيئة، وامتناع 58 عضواً عن التصويت.

على عكس الأصوات الأخرى في الجمعية العامة، كان لهذا التصويت تأثيرٌ حقيقي، على الرغم من أنه كان محدوداً، إذ إن عضوية المجلس مؤقتة لمدة ثلاث سنوات من قِبل المجموعات الإقليمية. كانت ولاية روسيا ستنتهي في وقتٍ لاحق من هذا العام.

قال ريتشارد جوان، مدير مجموعة الأزمات الدولية في الأمم المتحدة، إن نتائج التصويت كانت أفضل للغرب مِمّا توقَّعه كثيرون، وإن بعض الدبلوماسيين الأمريكيين والأوروبيين اعتقدوا أنهم قد يحصلون على 60 صوتاً فقط لصالحهم. أحد العوامل الرئيسية هو على الأرجح تأثير الأدلة على الفظائع الروسية المزعومة في بوتشا وغيرها من البلدات التي احتلَّها الروس مؤخَّراً.

وقال جوان: "كنَّا نعلم دائماً أن الدول التي كانت على استعداد لإدانة روسيا خطابياً ستفكر ملياً في دعم أي نوع من العقوبة الملموسة لموسكو"، مضيفاً أن بعض الدول، بما في ذلك الصين، كانت قلقة بشأن هذه السابقة.

ما مدى عزلة روسيا في مجلس الأمن؟

روسيا هي واحدة من خمسة أعضاء دائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وهي الهيئة الوحيدة في الأمم المتحدة التي لديها سلطة إصدار قرارات ملزمة للدول الأعضاء أو السماح بفرض عقوبات دولية وعمل عسكري.

واقترح بعض المحلِّلين أن روسيا قد تفقد حق النقض إذا أُلغِيَت أوراق اعتمادها، رغم أنه حتى وقت كتابة هذا التقرير لم تحظَ الفكرة بزخمٍ كبير.

استخدمت روسيا حق النقض (الفيتو)، في 25 فبراير/شباط، لمنع مشروع قرارٍ يدعوها إلى إنهاء الهجوم على أوكرانيا. وصوَّتَت 11 دولة أخرى لصالح القرار، لكن الصين والهند والإمارات امتنعت عن التصويت.

مجلس الأمن كوريا الشمالية صاروخ
مجلس الأمن الدولي/ رويترز

وأيَّدَت الصين مشروع قرار قدمته روسيا، في 23 مارس/آذار. ورغم أن النص دعا إلى حماية المدنيين في أوكرانيا، فقد نُظر إلى المسودة على نطاق واسع على أنها محاولة لتبرير التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا، وامتنع 13 عضواً آخرين في مجلس الأمن عن التصويت، أي أن القرار لم يُعتَمَد.

وقال جوان إنه حتى الآن باءت الإجراءات الروسية في مجلس الأمن بالفشل، لكن يمكن للبلاد استخدام حق النقض لعرقلة اتخاذ إجراء بشأن قضايا لا تتعلق بأوكرانيا إذا كانت ترغب في عرقلة عمل الهيئة.

ما الدول التي فَرضت عقوباتٍ على روسيا؟

وفقاً لبعض المقاييس، أصبحت روسيا أكثر دول العالم تعرضاً للعقوبات، أثَّرَت هذه العقوبات الاقتصادية على الاقتصاد الروسي، مع انخفاض الروبل، وتزايُد مشاهد الذعر في البنوك ومحلات السوبر ماركت.

وبالإضافة إلى حزم العقوبات الاقتصادية التي يتم تشديدها على مدار الساعة، تواجه روسيا أيضاً عقوبات رياضية، وحظر طيران يمكن وصفه بفرض عزلة دولية على موسكو؛ إذ قرر الاتحاد الدولي لكرة القدم طرد المنتخب الروسي من تصفيات الملحق الأوروبي للتأهل لمونديال قطر 2022.

وعلى المنوال نفسه سارت جميع الاتحادات الرياضية الدولية، وكذلك فعلت اللجنة الأولمبية الدولية، وقرر الاتحاد الدولي للعبة الجودو سحب الرئاسة الشرفية التي كان الرئيس الروسي يتمتع بها، فبوتين كان ولا يزال يمارس رياضة الجودو.

وعلى مستوى السفر الجوي، قررت بريطانيا والاتحاد الأوروبي حظر شركات الطيران الروسية من التحليق في أجوائها، إذ أعلنت بريطانيا حظر شركة إيروفلوت للطيران الروسية، وقررت منع هبوط رحلات الشركة في مطارات بريطانيا، وتوالت تلك القرارات حتى أصبح وصول الدبلوماسيين الروس أو وزير الخارجية سيرغي لافروف إلى مقر الأمم المتحدة، سواء في جنيف أو نيويورك، مسألة صعبة وربما مستحيلة.

أوكرانيا
الرئيس الأمريكي جو بايدن يريد التخلص من بوتين- Getty Images

الحصار أو العقوبات لم تتوقف عند حدود الاقتصاد والرياضة، بل وصلت إلى السينما، إذ قالت ثلاثة استوديوهات رئيسية هي سوني وديزني ووارنر براذرز إنها ستوقف عرض الأفلام القادمة في روسيا مؤقتاً، بحسب رويترز.

لكن المهم ليس فقط حجم العقوبات، ولكن عمقها، كانت الولايات المتحدة قد فرضت عقوباتٍ على البنك المركزي الروسي، وفرضت قيوداً على الصادرات، ليس فقط على روسيا، ولكن على شريكتها بيلاروسيا.

ومع ذلك، عمدت دولٌ قليلةٌ نسبياً إلى فرض عقوباتٍ على روسيا، فقط سبع حكوماتٍ فعلت ذلك، جنباً إلى جنب مع الاتحاد الأوروبي الذي فرض عقوباتٍ ككتلةٍ واحدة.

ويرجع الانتشار المحدود لهذه العقوبات جزئياً إلى الجوانب العملية- يمكن لروسيا استخدام حق النقض ضد أيِّ عقوباتٍ من جانب الأمم المتحدة تقترحها في مجلس الأمن، لكن الجزء الأكبر من الاقتصاد العالمي الذي تغطيه الدول التي تفرض عقوبات على روسيا ضخم، ويعكس القوة المالية المشتركة للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

وفي الواقع، مجرد النظر إلى الناتج المحلي الإجمالي، وهو إحصاء يتتبع الناتج الاقتصادي، يبرز تأثير العقوبات. تتحكم هذه البلدان بشكل فعال في الجوانب الرئيسية للتمويل العالمي، بدءاً من الدولار الأمريكي وحتى نظام سويفت للاتصالات المالية العالمية بين البنوك، ومقره بلجيكا.

ومع عرقلة عقوبات الأمم المتحدة فعلياً بسبب التهديد باستخدام روسيا لحق النقض، كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها يحاولون إدارة السياسة الدولية بدون المؤسسات الدولية. ومع ذلك ظلت هناك ثغرات كبيرة، حيث ظلَّت صادرات الطاقة الروسية معفاة إلى حدٍّ كبير من العقوبات.

تجنَّبت الولايات المتحدة حتى الآن أيضاً استخدام عقوباتٍ ثانوية، والتي لن تعاقب روسيا بشكلٍ مباشر، لكنها ستعاقب شركاءها الدوليين.

لكن عزل روسيا ليس توجُّهاً عالمياً حقيقياً، رغم أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلفاء آخرين قد فرضوا عقوبات على الأوليغارشية الروسية، يعيش معظم سكان العالم في دولٍ لم تفرض مثل هذه العقوبات.

وحتى في تصويت الأمم المتحدة لم يمثِّل المستنكرون للهجوم الروسي معظم سكان العالم، وكان الممتنعون عن التصويت وأنصار روسيا هم الذين يمثِّلون غالبية العالم حقاً.

والنتيجة هي وضعٌ دولي منقسم، حيث يدين جزء واحد فقط من العالم الكرملين وزعيمه، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويتصرف جزء كبير من الجانب الآخر كالمعتاد كما كانت الأمور قبل الهجوم.

تحميل المزيد