عبر قناته على تطبيق تلغرام، يشيد رمضان قديروف، الزعيم الشيشاني، كل يوم، بمقاتليه الذين يعرض لقطات لهم وهم يطلقون النار في كل مكان، ولأسرى أوكرانيين راكعين بنظرات هائمة، أو يتم جرهم وسط جثث من قبل أفراد الميليشيا السيئة السمعة التابعة له المنتشرة إلى جانب الجيش الروسي في أوكرانيا.
"رجال قديروف" جزء أساسي في دعاية روسيا الحربية لتخويف "الأعداء"
ومن مدينة ماريوبول المنكوبة التي يحاصرها الروس إلى الشرق الانفصالي الموالي لروسيا، يُظهر رجل الشيشان القوي مساهمته في الحرب في تسجيلات فيديو مرفقة بعبارات تشيد بـ"شجاعة" رجاله أمام من يسميهم "نازيي كييف" كما تصفهم موسكو.
ويصف تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية، قديروف، بالابن الانفصالي الشيشاني الذي أصبح موالياً للروس. وهو يتمتع بحماية فلاديمير بوتين، ويُتهم باستمرار بارتكاب انتهاكات خطرة لحقوق الإنسان. وقد ظهر بنفسه في منتصف آذار/مارس في صورة وسط نحو ثلاثين رجلاً مسلحاً في مكان قال إنه ماريوبول.
ويؤكد قديروف أيضاً أنه وجد و"عاقب بنفسه أوكرانيّاً عذب مواطناً روسياً". أما رجاله فيعرضون بفخر "غنائمهم" وهم جنود أوكرانيون جرحى وتغطيهم الدماء، كما تقول الوكالة الفرنسية.
من جهتها، تقول أوريلي كامبانا، المتخصصة في العنف السياسي في جامعة لافال في كندا، إنه في "الحرب النفسية" المحتدمة يشكل "الإعلان عن دخول قوات قديروف الحرب والدعاية التي تحيط بها، جزءاً من هذا الجهد لزعزعة العدو".
وكتبت كامبانا في تحليل على موقع "The Conversation" الإلكتروني "إنهم معروفون بوحشيتهم"، لذلك "الحديث عن استخدام القوات الشيشانية هدفه إثارة الخوف بين السكان الأوكرانيين".
المشاركة في الحرب بأوكرانيا "دعاية شخصية" لقديروف
في بداية الحرب، كان بوتين يعول على إطاحة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بسرعة، كما أشيع أن قوات قديروف كانت مكلفة بقتله.
وتوعّد رمضان قديروف الذي يحكم بقبضة من حديد الشيشان، الكيان التابع للاتحاد الروسي، زيلينسكي بأنه سيصبح "الرئيس السابق لأوكرانيا" قريباً.
ومنذ ذلك الحين، أصبح الرئيس الأوكراني بالنسبة لشعبه والغرب رمزاً للمقاومة، بتحدّيه بوتين كل يوم من خلال خطبه على شبكات التواصل الاجتماعي، حيث يحاول أنصاره أيضاً السخرية من قوات قديروف أو "القديروفتسكي".
أما الذين ذهبوا منهم إلى أوكرانيا، فقد قدر زعيمهم عددهم بنحو ألف، في منتصف آذار/مارس الماضي، وهي معلومات لا يمكن التحقق منها من مصدر مستقل، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية.
ويرى الخبير السياسي أليكسي مالاشنكو أنه "لا أحد يعرف عدد الشيشانيين الذين يقاتلون في أوكرانيا، وأين انتشروا بالتحديد، في الوقت نفسه التحق شيشانيون آخرون بالمعسكر الأوكراني".
وأعلن رمضان قديروف استيلاء رجاله على بلدية ماريوبول، قبل أن ينشر تسجيل فيديو يكشف أن الأمر لا يتعلق بأكثر من مبنى إداري ثانوي.
وقال الباحث السياسي الروسي قسطنطين كالاتشيف، إن "قديروف يشارك في العملية في أوكرانيا ليؤكد ولاءه الكامل لبوتين، وليحافظ على نفوذه، بالنسبة له المشاركة في العملية دعاية شخصية".
"بوتين يثق بقاديروف تماماً"
وبحسب "AFP"، يشتبه بأن قديروف نفسه يقف وراء اغتيال عدد من معارضي الكرملين، بمن فيهم بوريس نيمتسوف، والصحفية آنا بوليتكوفسكا، التي كانت تنتقد السلطة.
وأصيب رسلان غيريمييف، قائد القوات الشيشانية في ماريوبول، الذي يشتبه بأنه دبّر عملية اغتيال بوريس نيمتسوف في 2015، بجروح، في نهاية آذار/مارس، في هذه المدينة الاستراتيجية الواقعة على ساحل بحر آزوف.
في أوكرانيا، يمكن أن يعمل رجال قديروف كقوة مساعدة لإخضاع المجموعات المتمردة، بما في ذلك في الجيش الروسي، كما فعلوا في 2014 مع بعض الانفصاليين الموالين لروسيا المترددين.
وقالت كامبانا إن "تجربة قوات قديروف يمكن أن تكون مكسباً ليس للتغلب على المقاومة الأوكرانية محلياً فقط، بل ولتأديب القوات الروسية وأعوانها".
وفي موسكو ثمة أطراف لا تحبذ رجال قديروف. فما زالت الاستخبارات تشعر بالاستياء من الانفصاليين الشيشان، الذين أوقفوا تقدم الجيش الروسي حتى فرض الأخير نفسه من خلال تدمير غروزني، وهذا ما تكرر في ماريوبول. وقال أليكسي مالاتشينكو: "لكن بوتين يثق بهم تماماً. قديروف يقول دائماً إنه جندي لبوتين، بالنسبة له المشاركة في العملية في أوكرانيا تعد نجاحاً شخصياً له".
من نواحٍ كثيرة، أصبحت العلاقة بين بوتين والشيشان المسلمين بشكل خاص وقديروف علاقة تكافلية. صَقَلَ بوتين سمعته في السنوات الأولى من حكمه بإرسال قوات إلى الشيشان، لإخماد التمرد المسلح هناك. شعر والد قديروف، الزعيم الديني المتمرِّد أحمد قديروف، بالاتجاه الذي كانت تهبُّ فيه الرياح، وتعهَّد بالولاء للكرملين، وساعد القوات الروسية في إخماد الحركة الانفصالية.
وبعد مقتل والده في انفجار قنبلة، عزَّزَ قديروف الأصغر تحالف عائلته مع موسكو. لقد ضمِن ولاء الشيشان مقابل التدفُّقات النقدية الهائلة التي أثرَت عائلته وساعدته في بناء جهازٍ أمني ضخم، كان في بعض الأحيان بمثابة جيشه الشخصي.
منذ ذلك الحين تورَّطت قواته في بعض أسوأ انتهاكات حقوق الإنسان بروسيا الحديثة، وضمن ذلك الاعتقالات الجماعية للمعارضين، إلى جانب مزاعم التعذيب واختفاء منتقديه والمواطنين العاديين، كما تقول جماعات حقوق الإنسان الروسية والدولية.
ويقول تقرير لصحيفة Wall Street Journal الأمريكية، إنه من خلال نشر قواته وراء هجوم بوتين على أوكرانيا، يقدِّم قديروف أيضاً عرضاً عاماً للدعم؛ لإظهار نفسه أمام خصومه في الشيشان على أنه متحالفٌ بعمقٍ مع الدولة الروسية، لتذكيرهم بأن القوة القتالية تحت إمرته.
وبالنسبة لبوتين، فإن وجود كتائب الحرس الوطني الشيشانية تحت تصرُّفه يوفِّر فيلقاً من القوات، التي قد تكون قادرة على استعادة الشعور بالقوة الذي فَقَدَه الجنود الروس إلى حد كبير منذ بداية الهجوم، عندما أودت المقاومة الأوكرانية الشرسة بحياة العديد من الجنود الروس، علاوة على خسارة عدد كبير من الدبابات والطائرات.