فاز زعيم المعارضة الباكستانية شهباز شريف في تصويت برلماني اليوم الاثنين 11 أبريل/ نيسان ليصبح رئيس وزراء باكستان المقبل بعد انتخابه بديلا لرئيس الوزراء المخلوع عمران خان.
أعلن ذلك أياز صادق، القائم بأعمال رئيس مجلس النواب، وقال إن شريف حصل على دعم 174 نائبا من أصل 342 عضوا.
وسيشكل شريف الآن حكومة جديدة يمكن أن تبقى في السلطة حتى أغسطس آب 2023، وهو موعد إجراء الانتخابات العامة.
وكانت المحكمة العليا الباكستانية، قررت الخميس 7 أبريل/نيسان 2022، الحكم على خطوة حزب رئيس الوزراء الباكستاني، عمران خان، بحل البرلمان والحكومة، والتوجه نحو انتخابات مبكرة، بأنها كانت خطوة غير دستورية، بحسب وكالة Reuters؛ ما يرجع باكستان مرة أخرى إلى طريق تصويت البرلمان على حجب الثقة عن عمران خان، وإفساح المجال لتعيين شهباز شريف زعيم المعارضة الباكستاني، ورئيس حزب الرابطة الإسلامية، ليصبح رئيس وزراء جديداً لباكستان، لاستكمال ما بقي من فترة خان الرئاسية، قبل إجراء انتخابات بعد عام ونصف.
تأتي هذه الأحداث في ظل اتهامات من قبل خان لجهات أجنبية، بتنفيذ مؤامرة ضد بلاده، تهدف للإطاحة بالحكومة، حتى إنه ذكر الولايات المتحدة الأمريكية بالاسم، وقال إنها سلمت رسالة لسفير باكستان "تثبت وجود تدخل أجنبي في السياسة الداخلية للبلاد"، وهو ما نفته الولايات المتحدة الأمريكية، خصوصاً على خلفية الهجوم الروسي العسكري على أوكرانيا.
بينما يعاني اقتصاد البلاد أزمة كبيرة؛ في ظل وصول قيمة الروبية الباكستانية إلى أدنى مستوى لها أمام الدولار، حيث انخفضت من 150 روبية مقابل الدولار قبل 12 شهراً، إلى 188 روبية للدولار الواحد الآن، ومخاوف من أزمة تضخم قياسية في البلاد.
بينما تتركز الأنباء على أن الخليفة المحتمل لخان في حكم باكستان هو شهباز شريف، شقيق رئيس وزراء باكستان السابق نواز شريف، ورئيس وزراء إقليم البنجاب، الذي يعتبر أغنى أقاليم باكستان وأكثرها سكاناً.
من هو شهباز شريف؟
ولد شريف عام 1950 لعائلة غنية، لكنه قرر خوض السياسة بدلاً من الأعمال، في عام 1997 أصبح شهباز رئيس وزراء إقليم البنجاب، بينما كان أخوه رئيساً للوزراء في باكستان.
لم يستمر الوضع على ما هو عليه لعائلة شريف، فبعد عامين قرر نواز شريف الإطاحة بقائد الجيش، ما أدى إلى حصول انقلاب عليه، وسُجن الأخوان قبل نفيهما إلى السعودية، التي بقيا فيها حتى عام 2007.
استطاع الأخوان الصعود لنفس مناصبهما السابقة بعد العودة من المنفى؛ فقد تزعم نواز حزب الرابطة الإسلامية الباكستاني وتحالف مع حزب الشعب الباكستاني للإطاحة ببرويز مشرف، وهو ما حصل فعلاً عام 2007، وانتخب نواز رئيس وزراء مجدداً عام 2013، كما عاد شهباز إلى رئاسة وزراء البنجاب أيضاً.
أطيح بحكم نواز مرة أخرى عام 2017، بعد تسريبات بنما، والتي أثبتت فساد عائلته، وحكم على إثرها بالفساد على نواز شريف، والحكم عليه بعدم الأهلية للحكم، واضطر للاستقالة بسبب ذلك.
كان من المفترض أن يخلفه أخوه شهباز في الحكم، بعد انتخابات عام 2018، لكنه خسر أمام رئيس الوزراء الحالي، وزعيم حزب حركة الإنصاف الباكستانية، لذلك أصبح شهباز زعيم المعارضة، ورئيس حزب الرابطة الإسلامية منذ ذلك الوقت.
اتهامات فساد ضد شهباز أيضاً
لم يسلم شهباز من اتهامات الفساد أيضاً، فقد ألقي القبض عليه عام 2020، بتهمة غسيل أموال تقدر بأكثر من 35 مليون دولار، في شبهات فساد طالت مقربين منه، وأفراداً من عائلته أيضاً، لكن أُفرج عنه لاحقاً بكفالة.
تم اعتقال شهباز ضمن حملة حكومية ضد الفساد، طالت كثيراً من القادة السياسيين السابقين، ومنهم أعضاء من عائلة شريف، ورئيس باكستان السابق عاصف علي زارداري، وغيرهم من الشخصيات السياسية السابقة، والتي كانت في موقع المعارضة طوال هذه المدة.
لكن المعارضة انتقدت هذه الحملة، وقالت إنها تستهدف خصوم خان السياسيين، دون الحديث عن أي شبهات فساد تتعلق بأعضاء من حزب خان نفسه، أو من أحزاب متحالفة معه، حتى إن المحكمة العليا في أحد أحكامها انتقدت إجراءات الحكومة، وقالت إنها سجنت الكثيرين لمدة طويلة، دون القدرة على تقديم أدلة كافية على فسادهم.
وبالفعل، وبعد فترة من الحملة، لم تستطع الحكومة إثبات أي تهمة على شهباز شريف، رغم كل التحقيقات والسعي الحكومي لإثبات التهمة عليه، وهو ما استمر شهباز بنفيه، والتأكيد على أنه قدم كل ما يلزم للقضاء، وأن جميع بيانات حساباته متاحة للمراجعة والتدقيق.
عائلة شريف في المعارضة
كما أن شهباز كان إلى جانب أخيه خلال سنوات وجوده في منصب رئاسة الوزراء؛ كرئيس وزراء للبنجاب، فإن ابن شهباز هو زعيم المعارضة اليوم في الإقليم نفسه، وقد يحالفه الحظ ويصبح رئيس وزراء الإقليم لاحقاً، كما كان والده فيما سبق.
كما أن ابنة رئيس وزراء باكستان السابق، مريم نواز شريف، هي نائبة رئيس حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية، وأحد أهم وجوه الحزب.
كما أن نواز نفسه ما زال فاعلاً جداً داخل الحزب؛ فهو من بارك وصول أخيه لمقعد رئاسة الحزب، وهو من كان بيده اختيار مرشح الحزب لرئاسة الوزراء في باكستان، ووقع اختياره على شهباز.
وتبدو المعارضة حالياً موحدة خلف عائلة شريف، وخلف حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية، وهو ما يدعم أن حكم خان سينتهي بالفعل بحجب الثقة غداً.
دعم الجيش والجنرالات
يعتبر تأمين دعم الجيش والجنرالات في باكستان أحد أهم عوامل النجاح في السياسة، فالجيش من أقوى الفاعلين السياسيين في البلاد، وهو الذي تمكن من الانقلاب على نواز سابقاً، كما لعب دوراً مهماً في الإطاحة بحكمه في عام 2017، ممهداً بذلك الطريق لخان.
شهباز لا يمتلك تاريخاً جيداً مع الجيش الباكستاني، فقد انتقد الجنرالات سابقاً، وهم نفوه خارج البلاد أيضاً، لكن ذلك لا يعني أن شهباز لا يحاول قدر الإمكان أن يخفف لهجته تجاه الجيش، وأن يحاول عقد تحالف مع جنرالاته.
في عام 2018، وأثناء حملته الانتخابية، قال شهباز إن البلاد يجب أن تتجاوز مرحلة الخلافات مع الجيش، وعرض التعاون مع الجنرالات، كما أنه انتقد خان، لأنه أخر التمديد لقائد الجيش، قمر جواد باجوا، دون أن يقدم دليلاً على هذا التأخير.
ولكن من الصعب معرفة إذا ما كان الجيش سيدعم شهباز، ولكن هذا الدعم وحده لن يكفي شهباز ليستطيع الاستمرار، والفوز في الانتخابات المقبلة.
فعلى شهباز أيضاً التعامل مع مشاكل الاقتصاد، فمثل هذه المشاكل قد تستمر حتى بعد زوال خان من الصورة، لأن الاقتصاد العالمي يمر بمرحلة صعبة، وليست باكستان هي الدولة النامية الوحيدة التي تمر بمشكلة في قيمة عملتها، كما أنّ العالم يمر بأزمة تضخم، نتيجة لارتفاع أسعار النفط، واختناقات التجارة العالمية، وآثار جائحة كورونا المستمرة حتى اليوم.
تغيير في السياسة الخارجية
غير خان من خارطة السياسة الخارجية لباكستان، والمتوقع أن يعكس شهباز ما فعله خان في بعض الجبهات على الأقل.
كانت السعودية وباكستان حليفين مقربين في السابق؛ وكانت باكستان تتلقى دعماً اقتصادياً من السعودية؛ لكن خلافات طرأت بين البلدين، وظهرت على السطح بعد انسحاب باكستان من قمة ماليزية عام 2019.
جاءت هذه الخطوة بعد محاولات باكستان التقرب من حلف ماليزي-تركي-إيراني، بحسب The Deplomat، ما أغضب السعودية، كما أن تركيا ادعت أن السعودية حذرت باكستان من إمكانية فرض عقوبات عليها في حال لم تنسحب من القمة في كوالالمبور .
كما أن باكستان كانت مضطرة في خضم أزمة جائحة كورونا إلى إرجاع قروض سعودية، وبمبالغ ضخمة، وصلت إلى 3 مليارات دولار، كانت قد استدانتها من السعودية عام 2018، لكن يبدو أن الخلافات بين البلدين اضطرت باكستان لإرجاعها، وسط الأزمة الاقتصادية المتعلقة بالجائحة.
لكن عائلة شريف؛ وبحكم علاقاتها السابقة بالسعودية، والتحالف الذي دام خلال فترة حكم نواز، من المرجح أن تعمد إلى إصلاح هذه العلاقات مع السعودية، أو على الأقل الدفع باتجاه ذلك.
كما أن باكستان تمر بفترة علاقات متأزمة مع الولايات المتحدة الأمريكية، خصوصاً بعد اتهامات خان الموجهة لواشنطن، عن مؤامرة لإسقاط حكومته.
لكن الولايات المتحدة دائماً فضلت توطيد العلاقات مع القيادات العسكرية في باكستان، بدلاً من القادة المدنيين، ما يعني أن الحاكم الجديد لباكستان، والمتوقع أن يكون شهباز سيكون عليه أن يصلح العلاقات مع واشنطن أيضاً، في حال قرر الجيش أنه يريد التعاون مع أمريكا، لأنه محتاج لدعم الجيش أيضاً.