من الملك فاروق إلى السيسي.. كيف تحولت العلاقة بين مصر وإيران من التحالف إلى لا تقارب ولا تباعد؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/04/07 الساعة 11:17 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/04/07 الساعة 11:26 بتوقيت غرينتش
العلاقات المصرية الإيرانية/ عربي بوست

في نهاية شهر مارس/آذار الماضي استضافت مدينة شرم الشيخ المصرية الساحلية قمة حضر فيها رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بنيت، وولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد، مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وتم بعدها الحديث عن تكوين حلف ضد إيران في ظل اقتراب طهران من التوصل لاتفاق مع القوى الدولية بشأن برنامجها النووي.

لكن وقبل أن تحط طائرة الضيفين في بلادهما قال وزير الخارجية المصري سامح شكري إن القاهرة ليست معنية بالعداء ضد إيران، ما فتح الباب أمام فهم العلاقة بين مصر وإيران، التي تتسم بالبرود منذ وصول الثورة الإسلامية للحكم عام 1979، رغم أنها وصلت في فترة من الفترات إلى مرحلة التعاون الكبير.

فما هي محددات العلاقة بين البلدين، ولماذا لم تصل لمرحلة التعاون منذ وصول آية الله الخميني ورفاقه إلى الحكم، وأيضاً لماذا تقف فقط عند مرحلة البرود وليس التوتر؟

كل هذه الأسئلة سنحاول الإجابة عنها في السطور القادمة.

بوصلة العلاقة تحددها القوى العظمى

ارتهنت هذه العلاقات منذ عام 1928م بالحليف الأقوى، الذي تتماهى في سياقه السياسة الخارجية المصرية، ولأن مصر كانت خاضعة آنذاك للاحتلال البريطاني، فقد تطورت العلاقة بين طهران والقاهرة بدرجة ملحوظة، فبريطانيا كانت هي الدولة الأكثر نفوذاً في إيران، من ثَمَّ وُقِّعت اتفاقية صداقة بين البلدين، ثم تُوِجت العلاقة بزفاف أسطوري عام 1939م بين الأميرة فوزية، ابنة الملك فؤاد وشقيقة الملك فاروق، وبين الأمير محمد رضا بهلوي، الذي كان وريثاً للعرش حينئذ قبل أن يصبح شاه إيران عام 1941.

رئيس وزراء إيران يقبل يد الملك فاروق

لم يستمر الزواج طويلاً، إذ طُلقت الأميرة عام 1945م، فتوترت العلاقة بين البلدين، ودخلت في حالة الأزمة، مع رفض الملك فاروق عودة شقيقته إلى طهران. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 1951 استقبل مصطفى النحاس رئيس الوزراء المصري –عن حزب الوفد- رئيس الوزراء الإيراني محمد مصدق استقبالاً شعبياً حافلاً في القاهرة، إثر عودته من محكمة العدل في لاهاي مظفراً، في مواجهته مع بريطانيا لتأميم النفط الإيراني، كان مصدق وقتها غريماً ومناكفاً للشاه محمد رضا بهلوي، صهر الملك فاروق.

في عهد عبد الناصر، تحولت مصر إلى حليف للاتحاد السوفييتي، فتقلصت علاقاتها مع إيران -المحسوبة على المعسكر الأمريكي- بدرجة كبيرة، كما أن الشاه -بعد الانقلاب على مصدق عام 1953- أعاد الاعتراف بإسرائيل، وأسس تعاوناً وثيقاً معها، فقُطِعت العلاقات مع مصر، وتصاعد التوتر بعد مشاركة طهران في التوقيع على حلف بغداد عام 1954م.

لكن العلاقات عادت من جديد على مستوى السفراء، إثر وساطة كويتية ومفاوضات بين الدولتين، في أغسطس/آب 1970. وقد اضطر عبد الناصر -المهزوم عسكرياً في 1967- إلى القبول بتقديم اعتذار للشاه عن استفزازات سابقة، وأن يبادر هو بالخطوة الأولى.

السادات والعصر الذهبي للعلاقات

بعد تولي السادات بدأت البوصلة المصرية تتغير تدريجياً، لتصبح تابعة للسياسة الأمريكية، في تلك الآونة تحسنت العلاقات المصرية الإيرانية بصورة لافتة، ودخلت عصرها الذهبي، فقد أصبح البلدان ضمن السياق الأمريكي، فبادر السادات عام 1971م بإرسال مستشاره الأمني أشرف مروان لزيارة الشاه، وبحث سبل التعاون وتوقيع اتفاقيات تجارية، وتدفقت المساعدات الإيرانية على مصر لتبلغ 850 مليون دولار عام 1974م.

أصبح السادات صديقاً شخصياً للشاه، ونشأت علاقة صداقة قوية بين زوجتيهما -فرح ديبا، وجيهان السادات- وتبادل الرجلان الزيارات مرات عدة، حتى إن السادات زار طهران خمس مرات خلال فترة حكمه، وتبادل مسؤولو البلدين نحو 90 زيارة رسمية معلنة، 41 زيارة إيرانية لمصر، و49 زيارة مصرية لإيران، كما حضر ابن الشاه –الأمير رضا بهلوي- إعادة افتتاح قناة السويس عام 1975م، الذي أسهمت فيه إيران بتقديم معدات ثقيلة لتطهير المجرى الملاحي. وقد أمر السادات بإغلاق محطات إذاعية تابعة للمعارضة الإيرانية، كانت تبث من مصر. في المقابل شاركت طهران في مشروعات استثمارية عديدة في مصر، وأسهمت في تطوير موانئ دمياط وبورسعيد، وتأسس البنك المصري الإيراني بشراكة بين البلدين، ولا يزال قائماً حتى اليوم.

شاه إيران - الثورة الإيرانية
شاه إيران في منفاه مع الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات

منذ 1979م دخلت إيران تحت حكم الخميني في حالة عداء مع المعسكر الغربي، وتوترت علاقاتها مع مصر، خاصة بعد أن استضاف السادات، في مارس/آذار 1980م شاه إيران المعزول، الذي لم يجد بلداً آخر يقبله، ورغم أن مصر اعترفت في أبريل/نيسان 1979 بجمهورية إيران الإسلامية، فإن الخميني قرر في مايو/أيار من العام نفسه قطع العلاقات الدبلوماسية مع القاهرة، بسبب اتفاقية كامب ديفيد، وأصدر بياناً ناشد فيه العالم الإسلامي قطع العلاقات مع مصر، وأخذ يحرض على قلب نظام الحكم، وتفجرت حرب إعلامية شرسة بين الدولتين، ثم أطلق الخميني لاحقاً اسم "خالد الإسلامبولي" على أحد شوارع العاصمة طهران، وأقام لوحة جدارية ضخمة عليها صورة الإسلامبولي وهو يمسك المصحف، وكتب عليها بالفارسية: الذي قتل فرعون مصر، وذلك ترحيباً باغتيال السادات.

مبارك وإيران: لا تقارب- لا تباعد

انزلقت العلاقات الثنائية إلى أسوأ مراحلها مع اندلاع الحرب بين إيران والعراق، في سبتمبر/أيلول 1980، والتي استمرت حتى 1988م، في تلك الحرب وقف السادات في البداية على الحياد الظاهري، مستنكراً قصف المدنيين في البلدين، لكنه لم يلبث أن اندفع بقوة مع الجانب العراقي، ثم تابعه مبارك.

في عهد مبارك تحولت مصر إلى دولة وظيفية من المنظور الإقليمي، إذ باتت سياساتها الخارجية مرتهنة بدرجة أساسية بالحفاظ على المصالح الإسرائيلية والمصالح الخليجية، وكان الالتزام بهذا الدور يعود على النظام بمزيد من مليارات الدعم، سواء تحت بند الإقراض أو المعونات.

ضربة لحسني مبارك حسني مبارك صفقة القرن مصر إيران
الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك/ أ ف ب

خضعت العلاقة بين مصر وإيران في تلك الآونة لعدد من العوامل المتداخلة، في مقدمتها: تباين علاقة كل منهما مع القوة العظمي الأكثر تأثيراً في المنطقة، وهي أمريكا، ثم التباين الأيديولوجي بين نظام حكم ديني، يتبنى المذهب الشيعي في إيران، وبين نظام حكم شبه علماني في مصر، ينتمي للمذهب السني، وثالثاً تنازع الرؤى فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والعلاقة مع إسرائيل وفصائل المقاومة الفلسطينية، ورابعاً ارتباط القاهرة القوي والحيوي بالدول الخليجية، على الأقل اقتصادياً.

بعد وفاة الخميني وتولي هاشمي رفسنجاني منصب الرئاسة في إيران عام 1989م، تغيرت السياسة الخارجية الإيرانية لتصبح أكثر براغماتية، مع التخلي -ظاهرياً- عن سياسة تصدير الثورة، وبدأت طهران تحاول إعادة ترميم علاقاتها مع الجوار، فافتتح البلدان -مصر وإيران- مكاتب لرعاية المصالح عام 1991م، وفي 1994م قامت وفود اقتصادية بزيارات متبادلة، ثم تمت تسوية الديون المعلقة لصالح إيران، فقامت القاهرة بتقديم بعض المعدات والآلاف إلى طهران بقيمة 841 مليون دولار. وبعد تولي محمد خاتمي رئاسة إيران في 1997م تحسنت العلاقات بوتيرة متسارعة، فشارك وزير الخارجية المصري عمرو موسى في قمة منظمة المؤتمر الإسلامي في طهران، ديسمبر/كانون الأول 1997م، كما شارك وزير الإعلام المصري صفوت الشريف في اجتماع وزراء إعلام المؤتمر الإسلامي بإيران عام 1999م، وتعددت زيارات الوفود الاقتصادية المتبادلة، وبلغ حجم التبادل التجاري 70 مليون دولار في ذلك العام.

في العام نفسه زار وزير الخارجية الإيراني، كمال خرازي، القاهرة للمشاركة في اجتماعات قمة الدول الثماني الإسلامية، فاستُقبل استقبالاً حافلاً، وفي عام 2000 أجرى الرئيس مبارك اتصالاً هاتفياً مع الرئيس الإيراني خاتمي، وفي عام 2001 تبادلا تصريحات تؤكد على تاريخية العلاقة بين البلدين وأهميتها، وبلغت التطورات الإيجابية ذروتها، في ديسمبر/كانون الأول 2003م، عندما التقى مبارك –للمرة الأولى- مع الرئيس الإيراني خاتمي في قمة جنيف للمعلومات. ثم طلبت وزارة الخارجية الإيرانية من مجلس بلدية طهران تغيير اسم شارع "خالد الإسلامبولي" المثير للجدل، فأصبح اسمه "الانتفاضة".

في عام 2004م عاد التوتر من جديد للعلاقة، بعد إعلان النائب العام إحباط أجهزة الأمن المصرية مخططاً استخباراتياً إيرانياً، يهدف لزرع جاسوس مجند عن طريق دبلوماسي إيراني، للقيام بعمليات تفجير في مصر والسعودية، وقد نفت طهران ذلك.

وفي عام 2005م أصبح أحمدي نجاد رئيساً لإيران، وتغيرت السياسة الخارجية لإيران إقليمياً ودولياً، مع ذلك كان نجاد حريصاً على استمرار المسار الإيجابي في العلاقة، وصرح أنه على استعداد لإعادة العلاقات في اليوم التالي لموافقة مصر، بناء على ذلك جرى تبادل الزيارات واللقاءات بين مسؤولين في البلدين، كما أجرى أحمدي نجاد اتصالاً هاتفياً مع مبارك، في مايو/أيار 2007م.

لكن كما كان متوقعاً، لم يستمر التطور الإيجابي، بسبب بروز الملف النووي الإيراني، ومشاركة مصر كمراقب في مناورات "حسم العقبان" التي تنظمها أمريكا مع دول مجلس التعاون الخليجي، وتستهدف ردع إيران بالأساس، ومع تولي أوباما رئاسة الولايات المتحدة عام 2009م، واتّباعه أسلوب الحصار الاقتصادي مع إيران، انسحبت مصر لتصطف من جديد في سياقها الإقليمي والدولي الوظيفي.

مصر وإيران– مرسي سياسة مغايرة

مع اندلاع ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011م، سارعت إيران عن طريق مرشدها علي خامنئي إلى دعمها بصورة صريحة، حتى قبل أن يسقط مبارك، إذ أعلن خامنئي في خطبة الجمعة بطهران، يوم 4 فبراير/شباط 2011، أن نظام مبارك كان عميلاً لإسرائيل، ودعا الجيش إلى تأييد الشعب، وألقى الخطبة باللغة العربية، إلا أنها لم تجد صدى لدى الجماهير الثائرة في مصر.

محمد مرسي، رئيس مصر السابق، خلال المناقشة العامة للدورة السابعة والستين للجمعية العامة/ رويترز

مع تولي الرئيس الراحل محمد مرسي كان واضحاً أن مصر تسعى لاتباع نهج أكثر استقلالية في سياستها الخارجية، فسعى لإعادة العلاقات مع إيران إلى سياق إقليمي متوازن، فقام بزيارة إلى طهران، في سابقة تاريخية، أغسطس/آب 2012م، وكان على استعداد لتطوير العلاقات بصورة مطردة ومستقلة، دون إخلال بالثوابت السياسية، خاصة فيما يتعلق بالوضع السوري، وكانت التوقعات تشير إلى استقبال مصر بناء على ذلك التحسن استثمارات تُقدر بـ5 مليارات دولار، مع توقع وصول عدد السائحين الإيرانيين إلى 3 ملايين سائح. وقد زار الرئيس الإيراني أحمدي نجاد مصر، في فبراير/شباط 2013م، وتعددت اللقاءات بين المسؤولين والوفود الاقتصادية.

لم تصل هذه التطورات إلى غايتها، إذ سرعان ما وقع الانقلاب العسكري، في يوليو/تموز 2013، لتعود العلاقات الإيرانية المصرية إلى المقاربة التي كانت سائدة في عهد مبارك.

السيسي وإيران: لا تقارب- لا تباعد

قبل أن يتولى منصب الرئاسة بأيام قليلة، أكد السيسي على عودة مصر في علاقتها مع إيران إلى "مقاربة مبارك"، فقال: "نقول لأشقائنا في الخليج هي مسافة السكة.. لدينا القدرة على حماية أمننا القومي العربي. إيران تدرك أن العلاقة مع مصر تمر عبر الخليج العربي. الخليج أهلنا ويهمنا أن يعيش بسلام"، ثم ألمح إلى أن هذه المقاربة لا تشمل العداء أو التباعد التام مع إيران، فقال: "كل ما نسعى إليه مع إيران هو علاقة عادلة، من حقنا تأمين مصالحنا، كما يحق لإيران القلق على مصالحها".

في هذا السياق كان يتردد كل فترة أنباء عن تحركات لتطبيع العلاقات بين مصر وإيران، مع ذلك فإن العلاقة ظلّت نشطة في المستوى الاستخباراتي فقط للتنسيق في الملفات المرتبطة، مع اتفاق ضمني بعدم إضرار طرف بمصالح الطرف الآخر، خاصة في الملفات المشتركة، مثل ملف اليمن، وملف فلسطين والتعامل مع فصائل المقاومة التي تدعمها طهران بالمال، وكذلك العراق حيث تعمل عدة شركات مصرية في مجال إعادة الإعمار في المناطق التي دمرتها الحرب مع داعش. من جهة أخرى فإن مصر صوتت لصالح إيران في بعض القضايا، كالتصويت برفض قرار أممي يتعلق بحقوق الإنسان في إيران، كما رصدت وسائل الإعلام حديثاً جانبياً بين عبد الفتاح السيسي ووزير الخارجية الإيراني حسين عبد اللهيان على هامش مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة، وذلك في أغسطس/آب 2021.

في المقابل، فإنه بعد اللقاء الذي جمع بين ولي عهد أبوظبي، وعبد الفتاح السيسي، ورئيس وزراء إسرائيل نفتالي بينيت، في مارس/آذار الماضي، صرح وزير الخارجية الإيراني بأن أي لقاء مع أي مسؤول إسرائيلي يُعد خيانة للقدس وفلسطين.

السيسي عادل إمام الإرهاب والكباب
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي/ getty images

يمكن القول بعد متابعة أنماط التقارب والتباعد بين القاهرة وطهران على مدى العقود الماضية، أنه في عدد لا يحصى من المرات حدثت مبادرات من إحدى الدولتين للتقارب تجاه الدولة الأخرى، لكنها غالباً كانت تتوقف بعد خطوة أو خطوتين، بسبب تدخل إقليمي أو أمريكي، ومن البديهي هنا أن نقول إن صانع السياسة الخارجية المصرية يدرك جيداً أن أي مبادرة لتحسين العلاقات مع إيران ستؤدي إلى استجابة شرطية إقليمية سريعة ورافضة، فالقاهرة تدرك جيداً أن عودة العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع طهران بصورة منفردة، وتدشين مرحلة جديدة من التقارب الفعلي، لم يعد قراراً مصرياً مستقلاً، فهو سيؤدي إلى توقف مؤكد للدعم الخليجي، الذي لن تستطيع طهران تعويضه، فقرار كهذا يحتاج إلى ضوء أخضر خليجي.

 إذن يمكن القول إن هذا الخيط المتذبذب بين مصر وإيران مقصود في حد ذاته لإحداث قدر من التوازن في العلاقات المصرية الخليجية، إنه إذن نوع من المناورة أو محاولة توسعة المجال لإحداث توازن يسمح بالمساومة وإعادة التأكيد بصفة دورية على الدور الوظيفي المحوري لمصر، وهذا يعني بصورة واضحة أن مصر تمارس اللعب بالورقة الإيرانية، أكثر منها رغبة في تأسيس علاقة قوية مستدامة، على الأقل ما دامت العلاقات بين إيران والخليج تظل دون حلحلة إيجابية.

يتحرك السيسي في سياسته الخارجية وفق مفهوم "إدارة العلاقة مع المانحين" فهو ينظر إلى أي دولة باعتبارها مانحاً فعلياً أو محتملاً، وبالتالي فهو يوازن في علاقاته بحيث يحصل على أكبر حصيلة ممكنة من الدعم، فما يفقده من طرف يسعى لتعويضه من طرف آخر، كما أنه يناور في علاقاته مع بعض الأطراف لتحفيز أطراف أخرى على تقديم المزيد من الدعم.

التأثير الإسرائيلي على العلاقات المصرية الإيرانية

ترتكز التحركات الإقليمية لإسرائيل حالياً على الاصطفاف في مواجهة الخطر الإيراني، ولأن مصر حددت موقفها مسبقاً، فلن يسعها الخروج عن اصطفاف يجمع رعاتها الإقليميين، أي إسرائيل ودول الخليج.

ربما تكون محاولة تلك الدول نسج شبكة أمان لمواجهة الخطر الإيراني بعد إعادة تفعيل الاتفاق النووي أمراً منطقياً ومفهوماً، لكن عودة طهران رغم أنها تعني انتعاشة اقتصادية في ظل ارتفاع هائل في أسعار النفط ستكون عودة محسوبة، فالاتفاق بحد ذاته سيدفع طهران للتحلي بقدر أكبر من البراغماتية، مع سعي لتخفيف الاحتقان الإقليمي.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ورئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت في شرم الشيخ/رويترز

واقع الأمر أن متابعة السلوك السياسي لبعض الدول الخليجية لا توحي أبداً أنها تشعر بهذا المستوى من الخطر الإيراني، فالإمارات دشنت ممراً تجارياً جديداً ينطلق من الشارقة، وصولاً إلى تركيا عبر إيران، ومستشار الأمن القومي الإماراتي طحنون بن زايد كان في طهران، ديسمبر/كانون الأول الماضي، يبحث مع علي شمخاني، سكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، ومع الرئيس "إبراهيم رئيسي"، فتح فصل جديد من العلاقات بين البلدين، وتطوير التعاون الاقتصادي.

لذلك سيبقى السيسي مترقباً منحنى التوتر الإقليمي والموقف الدولي من إيران، متحيناً الفرصة لاقتناص أية مكاسب محتملة من طهران، خاصة مع احتفاظه طيلة السنوات الماضية بقنوات اتصال مستمرة بإشراف "عباس كامل" مدير المخابرات العامة.

من منظور مستقبلي، فإن ملامح التحالف الجديد بين إسرائيل ودول الخليج ومصر، وإن بدت كـ"وسيلة" تستهدف تحقيق "غاية" معلنة هي مواجهة الخطر الإيراني، فإن واقع الأمر يوحي بأن هذا التحالف -الوسيلة- هو في الحقيقة "غاية"، بينما الخطر الإيراني هو "الوسيلة" لتحقيق تلك "الغاية"، ولا يخفى أن فهم العلاقات الإقليمية المتشابكة يقتضي في المقام الأول إعادة تفكيك الوسائل والغايات، بعيداً عن تركيبتها المعلنة.

تحميل المزيد