إدارة بايدن تُبلغ الكونغرس رغبتها في بيع طائرات إف 16 لتركيا، فهل تخلت أمريكا عن العقوبات ضد أنقرة؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/04/07 الساعة 15:43 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/04/07 الساعة 15:43 بتوقيت غرينتش
الرئيس التركي أردوغان ونظيرة الأمريكي بايدن/عربي بوست

أعلنت الإدارة الأمريكية رغبتها المضي قدماً في صفقة بيع طائرات إف 16 لتركيا، في مؤشر على تبدُّد التوتر السابق بين البلدين.

وقالت وزارة الخارجية في رسالة إلى الكونغرس إن إدارة بايدن تعتقد إن إبرام صفقة بيع طائرات إف 16 إلى تركيا سيكون متسقاً مع مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة، وسيخدم أيضاً وحدة الناتو على المدى الطويل.

ولدى تركيا نحو 240 طائرة من طراز إف 16 الأمريكية، فيما يعد ثالث أكبر أسطول من هذه الطائرة في العالم بعد الولايات المتحدة وإسرائيل، وعدد كبير من هذا الأسطول تم تجميعه في تركيا، بما في ذلك تصنيع المحركات.

صفقة بيع طائرات إف 16 لتركيا اختبار للعلاقة بين البلدين

وستكون المشاورات بشأن صفقة بيع طائرات إف 16 لتركيا بمثابة اختبار للعلاقة بين تركيا والولايات المتحدة، والتي كانت بالفعل متوترة للغاية خلال السنوات القليلة الماضية.

وكانت الولايات المتحدة قد أخرجت أنقرة من برنامج اقتناء طائرات إف 35 الأمريكية، التي تشارك تركيا في تصنيعها بسبب شرائها صواريخ إس 400 الروسية، بعد تلكؤ الدول الغربية في تزويدها بصواريخ مضادة للطائرات.

كما فرض إدارة ترامب بعض العقوبات على رئاسة مشتريات الدفاع التركية، بموجب قانون مكافحة خصوم أمريكا (CAATSA)، بسبب صواريخ إس 400

العلاقة تحسنت بين بايدن وأردوغان حتى قبل الأزمة الأوكرانية

ولكن رغم انتقادات بايدن خلال حملته الرئاسية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فإن العلاقة بين البلدين شهدت تحسناً طفيفاً بعد وصوله للسلطة.

وقدمت تركيا طلباً، في أكتوبر/تشرين الأول، إلى الولايات المتحدة لشراء 40 مقاتلة من طراز F-16 من إنتاج شركة لوكهيد مارتن، وتحديث ما يقرب من 80 مجموعة لطائراتها الحربية الحالية. 

وقبل الخطاب الأخير، امتنعت واشنطن عن إبداء أي رأي بشأن الصفقة، قائلة إنها بحاجة إلى المرور بعملية بيع الأسلحة القياسية، إلا أن المسؤولين الأمريكيين انخرطوا في نقاش مع نظرائهم الأتراك حول الصفقة، حتى قبل الأزمة الأوكرانية، وهو مؤشر على عدم اعتراضهم عليها.

خطاب وزارة الخارجية الأمريكية، الذي أوردته Reuters، في 6 أبريل/نيسان 2023، مؤرخ في 17 مارس/آذار، ووقعه كبير المسؤولين التشريعيين بالخارجية الأمريكية ناز دوراك أوغلو. 

الخارجية الأمريكية تلمح إلى انتهاء العقوبات

في حين أن الرسالة لا تقدم أي ضمانات أو جدول زمني للبيع، إلا أنها تؤكد أن الإجراءات العقابية لواشنطن بعد شراء أنقرة لأنظمة S-400 الروسية بمثابة ثمن تم دفعه بالفعل.

وجاء في الرسالة أن "الإدارة تعتقد أن هناك مصالح مقنعة طويلة المدى في تحالف الناتو وقدراته، فضلاً عن الأمن القومي للولايات المتحدة والمصالح الاقتصادية والتجارية التي تدعم العلاقات التجارية الدفاعية الأمريكية المناسبة مع تركيا".

وأضافت أن "البيع المقترح سيتطلب إخطاراً من الكونغرس إذا وافقت وزارة الخارجية عليه".

وجاء خطاب الخارجية الأمريكية رداً على خطاب بتاريخ 4 فبراير/شباط بقيادة عضو الكونغرس الديمقراطي فرانك بالوني، وأكثر من 50 مشرعاً من كلا الحزبين، يحثون إدارة بايدن على رفض صفقة بيع طائرات إف 16 إلى تركيا، زاعمين عدم التزام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تجاه الناتو، وما وصفوه بـ"انتهاكات حقوق الإنسان".

لماذا قررت إدارة بايدن المضي قدماً في صفقة بيع طائرات إف 16 لتركيا؟

الطلب التركي لإبرام هذه الصفقة يعود لفترة ما قبل الحرب الأوكرانية، وهو مرتبط على الأغلب برغبة تركيا في أن يتم تسديد جزء من ثمن الصفقة من قيمة المبالغ التي تلقتها واشنطن في صفقة الإف 35 ولم تردها إلى أنقرة، بعد إخراجها من البرنامج.

ولكن اللافت أنه عندما قدم الأتراك هذا الطلب قبل عدة أشهر، فرغم عدم الموافقة عليه فإنه لم يرفض، بل جرت مناقشته بين الطرفين، ما يشير إلى إدارة بايدن كانت تفكر في الصفقة حتى قبل الحرب الأوكرانية في ظل جهودها لتخفيف التوتر مع أنقرة.

ولكن يبدو أن الحرب الأوكرانية جاءت لتعزز منطقية هذه الصفقة بالنسبة للولايات المتحدة.

وتعترف مذكرة الخارجية الأمريكية بالعلاقات المتوترة بين واشنطن وأنقرة، ولكنها وصفت في الوقت نفسه دعم تركيا لأوكرانيا وعلاقاتها الدفاعية بأنها "رادع مهم للتأثير الروسي الخبيث في المنطقة".

وأظهرت الحرب الأوكرانية أهمية تركيا البالغة عسكرياً واستراتيجياً بالنسبة للناتو، وخاصة في مواجهة روسيا.

فتركيا هي إحدى الدول القليلة التي زودت أوكرانيا بالسلاح عبر طائرات بيرقدار قبل اندلاع الأزمة الحالية، وهو سلاح أثبت جدوى كبيرة حسب المسؤولين الأوكرانيين، حتى إن الأوكرانيين ألفوا لها أغنية تمتدح أداءها العسكري.

كما أن تركيا فعّلت اتفاقية مونتري، التي تنظم الملاحة في المضائق التركية التي تمثل المدخل الوحيد للبحر الأسود، بما يعني منع السفن الحربية الروسية من الدخول لهذا البحر.

ومع أن تركيا لم تفرض عقوبات على روسيا مثل الدول الغربية، كفرض حظر للطيران أو قيود على المصارف أو استيراد الطاقة، ولكن في المقابل، أدانت الغزو الروسي، وتكاد تكون هي الطرف الوحيد الناشط في الوساطة بين روسيا وأوكرانيا في المفاوضات التي استضافتها، والتي قيل إنها حققت تقدماً قبل أن تهدأ وتيرتها.

صفقة بيع طائرات إف 16 لتركيا
الطائرة إف 16 واحدة من أكثر الطائرات انتشاراً في العصر الحديث/رويترز

وتنبع أهمية تركيا في الأزمة الحالية من علاقتها الوثيقة مع الجانبين ومصلحتها الذاتية في الحفاظ على استقلال أوكرانيا، وعدم تدهور اقتصاد روسيا، والعلاقة الوثيقة التي تربط المسؤولين الأتراك، على رأسهم الرئيس رجب طيب أردوغان، مع نظرائهم الأوكرانيين والروس على السواء، إضافة إلى فهمها لتفاصيل لقربها منه، وخاصة في ظل اهتمامها التاريخي بتتار القرم، كل ذلك يجعل أنقرة مفاوضاً يصعب استبداله، خاصة في ظل نأي كثير من القوى المؤثرة بنفسها عن دور الوساطة مثل الصين.

على الجانب الآخر، فرغم أن تركيا لم تنخرط في الخطاب التصعيدي ضد روسيا كبقية دول حلف الناتو، ولكن تقوية الجيش التركي تعد مسألة مهمة لاستراتيجية الحلف في احتواء روسيا.

فتركيا هي جار بحري لروسيا، وحدود البلدين قريبة في القوقاز، والبلدان متنافسان تاريخيان في البلقان والقوقاز، والآن في سوريا وليبيا، وفي الوقت ذاته لدى تركيا ثاني أكبر جيش في الناتو بعد أمريكا نفسها، وهي إحدى أقوى دول حلف الناتو القريبة من روسيا، وبالتالي تقويتها مسألة ذات أهمية بالغة في عملية محاولة تقوية سلسلة دول الناتو القريبة من روسيا.

أردوغان يطالب برفع جميع العقوبات

وكانت أنقرة قد طلبت في السابق أكثر من 100 طائرة أمريكية من طراز إف -35، لكن واشنطن أزالت تركيا من البرنامج بعد أن اشترت صواريخ إس -400. ووصفت تركيا الخطوة بأنها غير عادلة، وطالبت بسداد مدفوعاتها البالغة 1.4 مليار دولار. 

في مكالمة في 10 مارس/آذار الماضي، قال أردوغان للرئيس الأمريكي جو بايدن، إن الوقت قد حان لرفع جميع العقوبات "غير العادلة" على صناعة الدفاع التركية، وإن تركيا تتوقع أن يتم الانتهاء من طلبها لشراء طائرات F-16 في أقرب وقت ممكن.

كما قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن المحادثات مع الولايات المتحدة لإحياء صفقة F-35 تتقدم بشكل إيجابي.

تفاصيل صفقة الإف 16 وأهميتها لتركيا

وتريد تركيا شراء نسخة متطورة تدعى F-16V، وهي أحدث نسخة من عائلة F-16 Fighting Falcon. 

وفقاً لتقارير صحفية، قدمت تركيا خطاب طلب إلى الحكومة الأمريكية في 30 سبتمبر/أيلول 2021، لاقتناء 40 طائرة من طراز F-16V، إضافة إلى مجموعات لترقية 80 طائرة بحوزتها إلى نسخة F-16V.

وتتضمن نسخة F-16V العديد من التحسينات على الطراز السابق، وأهمها الرادار الجديد المسمى AN / APG-83، وهو عبارة عن رادار نشط ممسوح ضوئياً إلكترونياً من طراز (AESA)، والذي لا يحتوي على أي أجزاء ميكانيكية متحركة على عكس النسخ السابقة. 

وتوفر رادارات AESA نطاقات كشف وتتبع أكبر، وهي قادرة على تتبع أهداف متعددة مقارنةً بالرادارات الميكانيكية النبضية.

بالإضافة إلى رادار AESA، تم تجهيز F-16V بنظام فرعي لإلكترونيات الطيران التجارية الجاهزة، وشاشة قمرة القيادة كبيرة الحجم وعالية الدقة، وناقل بيانات كبير الحجم وعالي السرعة. 

وتم تحسين نظام التحكم في الطيران من خلال نظام تجنب الاصطدام الأرضي التلقائي لمنع الاصطدامات في حالة فقد الطيار السيطرة بسبب التعتيم، والذي يحدث عادة أثناء المناورات. كما زاد العمر التشغيلي للطائرة من 8000 ساعة طيران إلى 12000، وذلك بفضل التحسينات الهيكلية.

ويتم تقديم F-16V كطائرة إنتاج جديدة أو حزمة ترقية لطائرات F-16 الحالية، وبالتالي يمكن لتركيا أن تطور الطائرات الموجودة لديها لهذه النسخة. 

وتايوان هي أول عميل لحل F-16V، كما وقعت سنغافورة وكوريا الجنوبية والمغرب عقوداً لترقية طائرات F-16 إلى معيار F-16V. 

وآخر عميل لترقية F-16V هو اليونان، التي ستُتم تحديث 84 من طائراتها F-16C/Ds بموجب اتفاقية موقعة مع الولايات المتحدة، في أواخر عام 2019.

وتسعى تركيا إلى إنتاج طائراتها الشبحية من الجيل الخامس المحلية الصنع، المعروفة اختصاراً باسم "MMU"، ولكن إدخال الخدمة والقدرة التشغيلية الكاملة لعدد كافٍ من وحدات MMU لن يكون قبل النصف الأول من عام 2030. 

وفي ظل إخراج تركيا من برنامج إف 35 واحتمال تقاعد طائرات F-4Es، فقد يؤدي ذلك إلى فجوة كمية ونوعية للقوات الجوية التركية في مواجهة عمليات تحديث كبيرة تقوم بها اليونان ومصر وإسرائيل.

وبصفتها مستخدماً رئيسياً للطائرة F-16، فإن اختيار تركيا لأحدث نوع من الطائرات، وهو F-16V، هو الخيار الأكثر منطقية لسد فجوة القدرات إلى حين إنتاج طائراتها الخاصة، لأن صفقة بيع طائرات إف 16 لتركيا ستتطلب الحد الأدنى من البنية التحتية واللوجستيات والتدريب والتكاليف، مقارنة بالبدائل الأخرى، مثل شراء مقاتلة أوروبية أو روسية جديدة.

إذ يتطلب إدخال نوع جديد تماماً من الطائرات وقتاً وميزانية كبيرين من أجل تدريب الطيارين والأفراد، وإنشاء أنظمة الدعم الأرضي والبنية التحتية، والتدريب وتحقيق الاستعداد التشغيلي.

تحميل المزيد