فقدت الحكومة الإسرائيلية أغلبيتها البرلمانية لتفتح باب الأمل أمام بنيامين نتنياهو، أطول رئيس وزراء بقاء بالمنصب في تاريخ إسرائيل، للعودة إلى منصبه، والسبب "خميرة الخبز"، فماذا يحدث في تل أبيب؟
القصة بدأت الأربعاء 6 أبريل/نيسان، حين فقد رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، أغلبيته البرلمانية البسيطة بعد استقالة نائبة من حزبه القومي، مما يثير شكوكاً حول قبضة حكومته على السلطة.
لماذا استقالت رئيسة الائتلاف من الكنيست؟
وسائل الإعلام الإسرائيلية أجمعت على وصف الانسحاب المفاجئ لنائبة الكنيست بأنه "صدمة" و"تطور دراماتيكي"، وأن احتمالات إمكانية إجراء انتخابات مبكرة باتت تلوح بالأفق.
فإيديت سليمان نائبة في الكنيست من حزب "يمينا" اليميني الإسرائيلي، الذي يقوده رئيس الوزراء نفتالي بينيت. وقالت هيئة البث الإسرائيلية: "في تطور سياسي دراماتيكي في الحكومة، أعلنت عضو الكنيست عن يمينا، إيديت سيلمان، انسحابها من الائتلاف الحكومي، والذي أثار ردود فعل في الحلبة الحزبية"، بحسب تقرير لوكالة الأناضول.
ويتشكل الائتلاف الحكومي من عدد من الأحزاب اليمينية والوسطية واليسارية؛ ويتمتع بأغلبية هشة للغاية، حيث يحوز ثقة 61 نائباً من أعضاء البرلمان، البالغ عددهم 120.
ويضم الائتلاف الحكومي 8 أحزاب: "هناك مستقل" (وسط – 17 مقعداً من أصل 120 بالكنيست) و"يمينا" (يمين – 7 مقاعد) و"العمل" (يسار – 7 مقاعد) و"أمل جديد" (يمين – 6 مقاعد)، و"أزرق – أبيض" (وسط – 8 مقاعد)، و"ميرتس" (يسار – 6 مقاعد)، والقائمة العربية الموحدة (4 مقاعد)، و"إسرائيل بيتنا" (يمين – 7 مقاعد).
وقالت صحيفة "جروزاليم بوست" الإسرائيلية: "بهذا، تفقد حكومة رئيس الوزراء نفتالي بينيت، أغلبيتها في الكنيست، مما يجعلها متقاربة مع المعارضة عند 60 عضواً لكل طرف؛ وإذا غادر شخص آخَر الائتلاف، يمكن إسقاط الحكومة".
ونقلت الصحيفة عن سليمان قولها: "لم أعد أحتمل أكثر بعد الآن (..) لا أستطيع الاستمرار في إلحاق الضرر بالهوية اليهودية لدولة إسرائيل". وقالت الصحيفة إن سليمان كانت تشير إلى خلاف مع وزير الصحة نيتسان هوروفيتش، على السماح بإدخال الخبز إلى المستشفيات خلال عيد الفصح اليهودي الذي يبدأ الأسبوع القادم.
وتمنع الشريعة اليهودية استخدام الخميرة التي تضاف إلى الخبز، خلال عيد الفصح الذي يستمر لمدة أسبوع. وقالت هيئة البث الإسرائيلية: "يناقش الائتلاف الحكومي الأزمة السياسية التي أحدثتها مغادرة عضو الكنيست إيديت سيلمان الائتلاف الحكومي".
وبتخليها عن منصبها كرئيسة للائتلاف في الكنيست حفاظاً على "الهوية اليهودية لدولة إسرائيل" بحسب قولها، وجهت سيلمان ضربة لجهود بينيت للإبقاء على تحالف نادر بين النواب الليبراليين والعرب الذين اختاروا الانضمام إلى حكومته في يونيو/حزيران الماضي.
هل جاءت الفرصة لنتنياهو فعلاً؟
استقالة سليمان من الائتلاف الحاكم تعني أن حكومة بينيت أصبح لديها 60 عضواً فقط في الكنيست، البالغ عدد أعضائه 120، وبالتالي فإن المعارضة بقيادة نتنياهو أمامها فرصة جيدة لطرح تصويت بالكنيست لطرح الثقة في حكومة بينيت.
ولكي تنجح مثل هذه الخطوة، فإن هذا التصويت يحتاج إلى دعم 61 نائباً على الأقل، من ضمنهم نواب عرب من خارج الائتلاف الحاكم، لكنهم أيضاً خصوم سياسيون منذ فترة طويلة لزعيم المعارضة الحالي ورئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو.
هيئة البث الإسرائيلية قالت إن سليمان اتفقت بالفعل مع حزب "الليكود" (الذي يقوده زعيم المعارضة ورئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو)، على تخصيصها المكان العاشر بقائمة الحزب في حال أجريت انتخابات مبكرة، وتوليها منصب وزيرة الصحة.
كما أشارت هيئة البث الإسرائيلية إلى أن نائباً آخر من حزب "يمينا"، وهو نير أورباخ، قد يستقيل أيضاً من الائتلاف الداعم للحكومة، وأضافت الهيئة: "إذا حُل المجلس التشريعي، فسيصبح رئيس حزب هناك مستقبل، ووزير الخارجية يائير لابيد، رئيساً للوزراء حتى ما بعد الانتخابات الجديدة، بحسب الاتفاقيات الائتلافية مع نفتالي بينيت".
وأشارت إلى أن نواب "الليكود"، وضمنهم نتنياهو، رحبوا بخطوة سليمان. ونقلت عن نتنياهو قوله: "يجب على جميع النواب المنتمين إلى المعسكر الوطني العودة إلى حضن اليمين".
لكن نتنياهو، الذي ما زال يحاكَم بتهم الفساد وتلقي الرشوة وخيانة الأمانة، سيكون عليه الانتظار حتى انتهاء عطلة الربيع وعودة الكنيست للانعقاد مرة أخرى، كي يسعى لحشد أسلحته بغرض الإطاحة بحكومة بينيت وفتح الباب أمام عودة زعيم اليمين المتطرف نتنياهو إلى رئاسة الحكومة مرة أخرى.
ولم يعلّق بينيت بعد على هذه الخطوة. وقال وزير الخدمات الدينية ماتان كهانا، من حزب يمينا (إلى اليمين) الذي يتزعمه رئيس الوزراء، إن خطوة سيلمان كانت مفاجأة. وقال كهانا لراديو الجيش: "آمل أن تتراجع عن هذا القرار. هذه الحكومة تفعل أشياء جيدة للبلاد".
وفي بيانها، عبّرت سيلمان عن أملها في تشكيل حكومة يمينية "حتى خلال فترة الكنيست الحالية"، في دعوة إلى إسقاط ائتلاف بينيت قبل الانتخابات المقبلة المقرر عقدها في 2025.
ما السيناريوهات المتوقعة إذن؟
صحيفة The Jerusalem Post الإسرائيلية نشرت تقريراً عنوانه "ماذا سيحدث بعد ذلك مع الحكومة الإسرائيلية؟"، رصدت من خلاله الصحيفة العبرية 4 سيناريوهات محتملة بعد استقالة سيلمان من الائتلاف الحكومي، الأول منها هو تأثير الدومينو.
والمقصود بسيناريو تأثير الدومينو هو أن يغادر عضو كنيست آخَر الائتلاف ويساعد المعارضة- بقيادة زعيم الليكود بنيامين نتنياهو- على تمرير مشروع قانون لحل الكنيست وأخذ إسرائيل إلى انتخابات جديدة.
وفي هذه الحالة، بعد حل الكنيست مباشرة، يصبح وزير الخارجية يائير لبيد، رئيساً للوزراء إلى أن تتشكل حكومة جديدة. أما الوضع المثالي لإيديت سيلمان فهو أن ينشق عضو آخر في حزب يمينا عن الحزب حتى تتمكن بعد ذلك- مع عضو الكنيست المتمرد على يمينا أميشاي شيكلي- من تشكيل فصيل جديد يتمكن من الاندماج مع أحد الأحزاب الحالية والترشح في انتخابات جديدة.
غانتس يقفز من السفينة: أما السيناريو الثاني فهو أن يقرر رئيس حزب "أزرق-أبيض" بيني غانتس، قبل حل الكنيست مباشرة، الانضمام إلى المعارضة وأن يصبح رئيس وزراء إسرائيل. وهذا السيناريو وارد لعدة أسباب: الأول هو أن غانتس، الذي يشغل حالياً منصب وزير الدفاع، ليس راضياً عن الحكومة الحالية منذ تشكيلها. وما أزعجه تحديداً أن بينيت- الذي كان يحظى بستة مقاعد وخمسةٍ الآن- أصبح رئيساً للوزراء رغم أن غانتس كان يحظى بثمانية مقاعد.
وفضلاً عن ذلك، قد يفضل غانتس هذا الخيار على حل الكنيست، وهذا قد يجعل لابيد رئيساً للوزراء. وتجدر الإشارة إلى أن كلا السياسيين انفصل- إذ انسحب حزب لابيد "يش عتيد" (هناك مستقبل) من تحالف "أزرق-أبيض"- حين قرر غانتس عام 2020 الانضمام إلى حكومة نتنياهو الأخيرة، التي انهارت في النهاية.
وغانتس رغم قوله إنه تعلم الدرس من التحالف مع نتنياهو وإنه لن يرتكب الخطأ نفسه مرة أخرى، فقد يرى أن الانضمام إلى نتنياهو لن يجعله رئيساً للوزراء فحسب، بل سيمنع أيضاً انتخابات أخرى ومزيداً من انعدام الاستقرار السياسي، بحسب الصحيفة الإسرائيلية.
عودة نتنياهو: أما السيناريو الثالث، بحسب "جيروزاليم بوست"، فهو أن يتمكن نتنياهو بطريقة أو بأخرى من تشكيل حكومة في الكنيست الحالي أو أن يتنحى عن رئاسة الليكود- وهو احتمال مستبعد جداً- ويسمح لعضو كنيست آخر من الليكود بأن يحل محله. وهو على الأرجح يفضل تتويج غانتس على أي شخص من حزبه، وهو أمر كان يمكن أن يفعله قبل أن يصبح بينيت رئيساً للوزراء في يونيو/حزيران الماضي.
الاستمرار حتى النهاية: والسيناريو الرابع هو أن تتمكن الحكومة- التي أصبحت في موقف ضعيف وعاجزة عن تمرير تشريعات- من البقاء حتى بداية عام 2023 حين تحتاج إلى إقرار ميزانية جديدة. ورغم أنها لن تتمكن من تمرير أي قوانين، فقد يكون هذا السيناريو هو الأفضل لبينيت في الوقت الحالي.