لا يزال الديوان الملكي في الأردن يلتزم الصمت حيال إعلان ولي العهد السابق الأمير حمزة بن الحسين تخليه عن لقبه كأمير في الأسرة الهاشمية، فهل يتعرض الأخ غير الشقيق للملك عبد الله الثاني للمساءلة القانونية؟
على مدار عام كامل تصدر الأمير حمزة بن الحسين المشهد السياسي والإعلامي داخل الأردن وخارجها، بعد إعلان السلطات الأردنية عما وصف إعلامياً بأنها "محاولة انقلاب" أدت إلى اعتقالات بالجملة وتم وضع ولي العهد السابق قيد الإقامة الجبرية.
كانت أنباء قد انتشرت مطلع أبريل/نيسان 2021 عبر منصات التواصل الاجتماعي بشأن حملة الاعتقالات ووضع الأمير حمزة قيد الإقامة الجبرية، لكنها سرعان ما تحولت إلى الأحداث الأكثر سخونة وغموضاً في تاريخ المملكة الهاشمية تزامناً مع مئويتها الأولى.
من الاعتذار إلى التخلي عن لقب أمير
على الرغم من أن "قضية الفتنة"، كما باتت تعرف من جانب السلطات الأردنية، انتهت بصدور الأحكام على رئيس الديوان الملكي السابق باسم عوض الله والشريف بن زيد وباقي المتهمين في 12 يوليو/تموز 2021، إلا أن الأمير حمزة نفسه ظل بعيداً عن الظهور العلني وسط غموض يتعلق بوضعه وتساؤلات بشأن ما إذا كانت القصة قد انتهت بالفعل أم أن الأمير لا يزل قيد المتابعة الأمنية.
وخلال مارس/آذار الماضي، نشر موقع الديوان الملكي الأردني رسالة أرسلها الأمير حمزة بن الحسين إلى الملك عبد الله الثاني على خلفية الأزمة التي كانت قد اشتعلت بينهما: "لقد مرَّ أردننا العزيز العام الماضي بظرف صعب، وفصل مؤسف تجاوزهما الوطن بحكمتك وصبرك وتسامحك. ووفرت الأشهر التي مرت منذ ذلك الوقت فرصة لي لمراجعة الذات، والمصارحة مع النفس، ما يدفعني إلى كتابة هذه الكلمات إليك، أخي الأكبر، وعميد أسرتنا الهاشمية، آملاً طيّ تلك الصفحة في تاريخ الأردن والأسرة".
وقال ولي العهد السابق في رسالته أيضاً: "أخطأتُ أخي الأكبر، وجل من لا يخطئ. وإنني إذ أتحمل مسؤوليتي الوطنية إزاء ما بدر منّي من مواقف وإساءات بحقك وبحق بلدنا خلال السنوات الماضية وما تبعها من أحداث في قضية الفتنة، لآمل بصفحك الذي اعتدنا عليه".
كما قدم الأمير الاعتذار للملك وللشعب الأردني وللأسرة الحاكمة، مشيراً إلى أنه لن يقدم على مثل هذه التصرفات مرة أخرى، مضيفاً: "وأؤكد، كما تعهدت أمام عمّنا الأمير الحسن بن طلال، أنني سأسير على عهد الآباء والأجداد، وفياً لإرثهم، مخلصاً لمسيرتهم في خدمة الشعب الأردني، ملتزماً بدستورنا، تحت قيادتك".
كان المفترض أن تكون تلك الرسالة المنسوبة للأمير حمزة فصل الختام في الأزمة برمتها، وأن تعود المياه إلى مجاريها، حيث أصدر الديوان الملكي الأردني بيانا كرد على رسالة "الصفح" السابقة، جاء فيه أن "إقرار الأمير حمزة بخطئه واعتذاره عنه يمثل خطوة في الاتجاه الصحيح على طريق العودة إلى دور أصحاب السمو الأمراء في خدمة الوطن وفق المهام التي يكلفهم بها جلالة الملك".
والمفهوم من بيان الديوان الملكي أن رسالة الاعتذار المنسوبة للأمير حمزة كانت البداية في عودة المياه إلى مجاريها بينه وبين الملك واستعادة الأمير لموقعه داخل الأسرة الحاكمة.
لكن رسالة التخلي عن لقب الأمير، التي نشرها الأمير حمزة مباشرة عبر حسابه الرسمي في تويتر، أكدت أن الخلافات لا تزال قائمة بل وقد تكون بلغت مستويات غير مسبوقة، بحسب تقرير لموقع فرانس24.
الخلافات مع الملك لا تزال قائمة
تخلي الأمير حمزة عن لقب أمير، وإن كان لا يزال ما يعنيه ذلك التخلي بدقة غير واضح، وبالطريقة التي تم بها ذلك التخلي مؤشر واضح على أن القضية أبعد ما تكون عن نهايتها، فرسالة الأمير في حد ذاتها تحمل انتقادات للسلطات الأردنية ولأخيه غير الشقيق، حتى وإن كانت بطريقة مبطنة.
لذلك يعتبر مراقبون، بحسب الموقع الفرنسي، أن هذه الخطوة من الأمير قد تضعه أمام المساءلة بحكم أنه استفاد من لقبه، ولم يتعرض للمحاكمة كما بقية المتهمين في قضية "الفتنة"، وفضل القصر حل مشكلته معه في إطار عائلي.
قراءة خطوة الأمير في هذا السياق قد تعني إعلان التحدي في وجه الديوان الملكي والسلطات الأردنية، إذ إن نص الرسالة يعني أنها رسالة احتجاج موجهة لمن يحكمون الأردن، أو من يحكمه بطبيعة الحال وهو الأخ غير الشقيق لولي العهد السابق.
فرسالة تخلي الأمير الأردني عن لقبه، رغم أنها تختلف تماماً عما أقدم عليه الأمير البريطاني هاري وزوجته ميغان ماركل، إلا أنها أثارت جدلاً كبيراً داخل الأردن والمنطقة العربية وحول العالم أيضاً، فهي رسالة عامة موجهة للرأي العام وتتضمن انتقادات لنظام الحكم الذي يترأسه أخوه غير الشقيق.
قال الأمير حمزة في رسالته إن ما شهده في السنوات الأخيرة جعل من الصعب عليه تأييد السياسات التي تنتهجها المؤسسات الأردنية: "توصلت إلى خلاصة بأن قناعاتي الشخصية والثوابت التي غرسها والدي في، والتي حاولت جاهداً في حياتي التمسك بها لا تتماشى مع النهج والتوجهات والأساليب الحديثة لمؤسساتنا".
https://twitter.com/HamzahHKJ/status/1510619201827917827/photo/1
تظهر هذه الخطوة من جانب الأمير حمزة مدى شدة التوتر في علاقته بالقصر: "طريقة إرسال هذه الرسالة عبر حساب شخصي وليس عبر قنوات الديوان الملكي فيه إشارة إلى أنه خيار فردي، وهذا يفسر أنه لم يكن هناك تنسيق أو حديث مسبق مع القصر في هذا الموضوع"، بحسب ما قاله المحلل السياسي الأردني عامر السبايلة في حديث لفرانس 24.
ما الذي يريده الأمير حمزة؟
وُلد الأمير حمزة بن الحسين في مارس/آذار 1980، وهو أكبر أبناء الملك حسين من زوجته الرابعة الملكة نور، المولودة في الولايات المتحدة. وتخرج في مدرسة هارو في المملكة المتحدة، ثم الأكاديمية العسكرية الملكية في ساندهيرست. كما درس في جامعة هارفرد في الولايات المتحدة وخدم في صفوف القوات المسلحة الأردنية.
وسمّاه أخوه غير الشقيق الملك عبد الله الثاني ولياً للعهد عام 1999 بناءً على رغبة والدهما الراحل، وكان وقتها الأمير حسين نجل الملك عبد الله الثاني في الخامسة من العمر.
لكن في عام 2004، اتخذ الملك عبد الله الثاني قراراً بتنحية الأمير حمزة عن ولاية العهد، وظل المنصب خالياً لمدة 5 سنوات، عندما عيَّن الملك نجله حسين ولياً للعهد عام 2009.
لا يقوم الأمير بمهام رسمية واضحة في دواليب الدولة، بحسب السبايلة، لكن للقب رمزيته في العائلة المالكة وبالتالي في داخل البلاد وخارجها، ويرى السبايلة أن ما أقدم عليه الأمير "تعبير عن عدم الرضى عن سياسات، ويميل أكثر إلى مسألة احتجاج على أوضاع".
"الرسالة تحمل في طياتها الكثير من النقد ونوعاً من الانسلاخ عن الواقع الجديد عندما يتحدث عن سياسات وتوجهات الأردن الحالي، وأنه ينتمي إلى أردن سابق فهناك رغبة في وضع خط فاصل بين أردن مضى، أردن الملك حسين وأردن حالي لا يعتقد أنه يستطيع أن يمثله، ويعزله، ويفسر رغبته في ترك اللقب لأنه لم يعد قادراً على أن يخدم في هذه الجزئية".
فهل يسعى الأمير حمزة، من خلال رسالة التنحي عن لقب أمير، إلى إرسال صرخة استغاثة بغرض استعادة حريته كاملة مقابل الابتعاد عن السياسة؟ لا يعتقد السبايلة أن هذا ما يريده الأمير، "فهذه ليست رسالة للخروج من الإقامة الجبرية بل هي رسالة، بلا شك، تحمل في طياتها نقداً لا يمكن اعتباره حالة اعتزال إيجابي" للسياسة.
"لا نستطيع الحديث عن رؤية واضحة؛ لأنه (الأمير حمزة) لم يكن جزءاً من المشهد السياسي… لم يعبر عن أفكار حقيقية وبالتالي لا نعلم فعلياً ما هي الأفكار التي يريد أن يسوقها أو يعتقد أنها هي الأصلح. فطرحه مبني على النقد أكثر من فكرة تقديم الحلول. والحلول بالنسبة لما عرضه هو مقارنات بالماضي وبطريقة عمل الإدارة السابقة. وبالتالي لا نستطيع القول إن هناك برنامجاً قام بوضعه أو أخذه بعين الاعتبار"، بحسب السبايلة.
هل يتعرض الأمير حمزة لمساءلة قانونية؟
لا شك أن الديوان الملكي الأردني يعتبر أن الأمير حمزة كان له دور في قضية "الفتنة"، وهذا ما تم إعلانه بالفعل على لسان وزير الخارجية أيمن الصفدي وأيضاً بيانات صادرة عن قيادة الجيش، نفت اعتقال الأمير أو تقييد حركته، ومؤكدة أنه "طلب منه التوقف عن تحركات ونشاطات توظف لاستهداف أمن الأردن".
لكن الأمير حمزة لم يتعرض للمحاكمة أو المساءلة القانونية، إذ فضل الملك التعامل معه في إطار "الأسرة الهاشمية"، وبالتالي فإن التخلي عن لقب "أمير" يمكن أن تترتب عليه سيناريوهات جديدة، حسب تفسير أستاذ العلوم السياسية والاستراتيجية الأردني عصام الملكاوي لفرانس 24.
"أحدها يعني انسحابه التام من الحياة السياسية في الأردن أو تخليه عما كان يتصور أنه الأقدر على تحقيقه في المشهد السياسي المحلي. أما السيناريو الآخر فقد جاء لكي يعيد خلط الأوراق مرة ثانية، واختار التوقيت في بداية رمضان في عملية استدعاء الاستعطاف الشعبي الأردني، ليقول إنه ما زال رقماً صعباً في معادلة الحكم في الأردن".
ويرى المالكاوي أن "مثل هذا القرار (التخلي عن لقب أمير) لا يتخذ ببساطة أو بسهولة أو بانفعال لحظي؛ لأن دلالته الأولى هي عودة "الأمير السابق" إلى صيغة "مواطن عادي" وبالتالي "المجازفة" بمساءلة محتملة أمام القانون وفقدان "حصانة اللقب" التي دفعت أصلاً، منذ الإعلان عن "فتنة نيسان" الشهيرة العام الماضي، الملك عبد الله الثاني لقرار التعامل مع الجزء المتعلق فيها بشقيقه "ضمن النطاق العائلي".